الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 - باب في الرَّقبةِ المُؤْمِنَةِ
3282 -
حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يحيى، عَنِ الحَجّاجِ الصَّوّافِ، حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمونَةَ، عَنْ طَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السّلَميِّ قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ جارِيَةٌ لي صَكَكْتها صَكَّة. فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أَفلا أُعْتِقها؟ قال: "ائْتِني بِها" .. قال: فَجِئْت بِها قال: "أَيْنَ اللهُ" .. قالَتْ: في السَّماءِ. قال: "مَنْ أَنا" .. قالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. قال: "أَعْتِقْها فَإنَّها مُؤْمِنَة"(1).
3283 -
حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنِ الشَّرِيدِ: أَنَّ أمَّهُ أَوْصَتْهُ أَنْ يُعْتِقَ عَنْها رَقَبَةً مؤْمِنَةَ فَأَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمّي أَوْصَتْ أَنْ أُعْتِقَ عَنْها رَقَبَةً مؤْمِنَةً وَعِنْدي جارِيَةٌ سَوْداءُ نُوبِيَّةٌ فَذَكَرَ نَحْوَه.
قالَ أبو داودَ: خالِدُ بْن عَبْدِ اللهِ أَرْسَلَهُ لَمْ يَذْكُرِ الشَّرِيدَ (2).
3284 -
حدثنا إِبْراهِيم بْنُ يَعْقُوبَ الجوزَجانيّ، حدثنا يَزِيد بْنُ هارونَ قال: أَخْبَرَني المَسعُوديّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبي هُريرَةَ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بِجارِيَةٍ سَوْداءَ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةَ مؤْمِنَةً. فَقالَ لَها: "أَيْنَ اللهُ" .. فَأَشارَتْ إِلَى السَّماءِ بِأصْبُعِها. فَقالَ لَها: "فَمَنْ أَنا" .. فَأَشارَتْ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وإِلَى السَّماءِ، يَعْني أَنْتَ رَسُول اللهِ. فَقال:"أَعْتِقْها فَإِنَّها مُؤْمِنَةٌ"(3).
* * *
(1) رواه مسلم (537). وسبق برقم (930).
(2)
رواه النسائي 6/ 252، وأحمد 4/ 222، 388، 389، والدارمي (2393).
وصححه الألباني في "الصحيحة"(3161).
(3)
رواه أحمد 2/ 291، والطبراني في "المعجم الأوسط"(2598)، والبيهقي 7/ 388. وضعفه الألباني في "مختصر العلو" ص 81.
باب في الرقبة المؤمنة
[3282]
(حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن حجاج (1)(بن أبي عثمان (الصواف) الكندي مولاهم البصري أبو الصلت، وثقه أحمد وابن معين (2).
(حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة) هو هلال بن علي، ويقال: ابن أسامة، نسب إلى جده.
(عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن (3) الحكم السُلمي) بضم السين نسبة إلى سليم بن منصور قبيلة من قيس غيلان بن مضر.
(قال: قلت: يا رسول الله) هذا حديث (4) طويل ذكره مسلم (5) أوله: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم. وهذا ذكره مسلم في الصلاة وبوب عليه: باب النهي عن الكلام في الصلاة (جارية لي) لمسلم زيادة ولفظه: كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَلَ أُحُدٍ والجوانية فاطلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها؛ وأنا رجلٌ من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني (صكَكْتها) بفتح الكاف الأولى (صكة) (6) أي:
(1) في (ر): الحجاج.
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 444.
(3)
في (ل، ع): بن أبي والمثبت من (ر).
(4)
سقط من (ر).
(5)
(537).
(6)
في (ر): مكة.
لطمتها، قال الله تعالى:{فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} (1) أي: لطمت بأطراف الأصابع جبهتها لما وجدت حرارة دم الحيض. زاد مسلم: " فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم"(فَعظم) بتشديد الظاء.
(ذلك عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) أي: عظَّم أمره في كثرة إثمه. (فقلت) يا رسول الله (أفلا أُعْتِقُها)(2) بضم الهمزة وكسر التاء.
(قال: ائتني (3) بها) لننظر هل هي مؤمنة حتى أعتقها؟ .
(قال: فجئت بها) إليه (قال) لها (أين الله؟ ) وهذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم[تنزل مع الجارية على قدر فهمها](4) إذ أراد أن يظهر منها ما يدل على أنها ليست ممن يعبد الأصنام ولا الحجارة التي في الأرض. و (أين) ظرف يسأل به عن المكان، كما أن (متى) ظرف يسأل به عن الزمان، وهو مبني لما تضمنه من حرف الاستفهام وحرك لالتقاء الساكنين، وخص بالفتح تخفيفًا، وهو خبر المبتدأ الواقع بعده وهو الله، وهو لا يصح إطلاقه على الله تعالى بالحقيقة؛ إذ الله تعالى منزّه عن المكان كما هو منزّه عن الزمان؛ لأنه خالق الزمان والمكان، ولم يزل موجودًا ولا زمان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان، ولو كان قابلًا للمكان لكان مختصًّا به ويحتاج إلى مخصص، ولو كان فيه إما
(1) سورة الذاريات (آية 29).
(2)
في (ر): أعتقتها.
(3)
في (ر): أتيتني.
(4)
وفي (ر، ع): تنزل منه معها على قدر فهم هذِه الجارية. وغير واضحة في (ل)، والمثبت من "المفهم" للقرطبي.
متحركًا أو ساكنًا، وهما أمران حادثان، وما يتصف بالحوادث حادث (1)، ولما صدق قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (2) إذ كانت تماثله الكائنات في أحكامها والممكنات في إمكانها، وإذا ثبت ذلك ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أطلقه على الله تعالى بالتوسع والمجاز لضرورة إفهام المخاطبة القاصرة الفهم الناشئة في قومٍ معبوداتهُم في بيوتهم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم بطلبها أن يتعرف منها هل هي من يعتقد أن معبودها في بيت الأصنام أم لا؟ . فقال لها: أين الله؟ (قالت: في السماء) كأنها (3) قالت: إن الله ليس من جنس ما يعبد في الأرض.
ثم اعلم أنه لا خلاف بين المسلمين قاطبةً محدثهم (4) وفقيههم (5)
(1) هذا الكلام مبني على طرق المتكلمين الفاسدة، والتي تتيح لهم صرف معاني القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم عن حقيقتها، وهذه العقليات -التي قد تختلف في حكمها على الأشياء من شخص لآخر- لا يتوقف عليها صحة اعتقاد؛ بل الفيصل في ذلك الوحي، ثم فهم السلف لهذا الوحي، من دون إعمال لفلسفات جعلت شبهة التركيب والتجسيم والحوادث طريقا لنفي صفات الرب عز وجل.
ونحن ننزه الله سبحانه وتعالى عن صفات المخلوقين وأيضًا نثبت له سبحانه ما أثبته لنفسه ونؤمن بما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من صفاته دون تأويل أو تعطيل أو تشبيه أو تفويض أو تكييف، فالمعنى معلوم والكيف مجهول، ولو كانت مفاهيم التأويل صحيحة لسبقنا إليها الصحابة وسلف الأمة، ولما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بيانها، أما وقد انقطع الوحي فلا مجال إلا بالتمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة عقيدة وفقها وعملاً، وعلى المسلم الثقة المطلقة في ذلك والابتعاد عن طرق أهل البدع.
(2)
سورة الشورى: 11.
(3)
في (ر): لأنها.
(4)
في (ل) و (ر): متحدثهم. والمثبت من (ع).
(5)
في (ر): وفقيهم.
ومتكلمهم ومقلدهم ونظارهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء، كقوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (1) ليست على ظاهرها، وأنها متأولة عند جميعهم (2).
أما من قال بالجهة فقد تأول وأشبه ما فيه أن (في) بمعنى (على) كما قال الله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ} (3) أي: على (4) جذوع النخل.
وأما من يعتقد نفي الجهة (5) في حق الله تعالى فهو أحق بإزالة هذا الظاهر وإجلال الله تعالى عن ذلك، وقد حصل من هذا أن قول الجارية (في السماء) ليس على ظاهره باتفاق المسلمين وأن من (6) حمله على ظاهره [فهو](7) من الضالين المضلين (8).
(قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه دليل على أن الكافر لا يصير مسلمًا إلا بالإقرار بالله تعالى وبرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) الملك: 16.
(2)
ليس الأمر كما ذكر المصنف، فالعلماء حملوا الآية على معنيين: أنها بمعنى فوق السماء أو بمعنى على السماء، وهذان المعنيان ليسا من باب التأويل المعروف عند المتكلمين وإنما هو ما تقتضيه اللغة.
(3)
طه: 71.
(4)
سقط من (ر).
(5)
لفظ "الجهة" لم يأت في إثباتها أو نفيها نص كتاب أو سنة، وقد يستخدمها البعض في إثبات حق، وقد يستخدمه آخرون في إثبات بدعة، فالأولى ألا نتجاوز النصوص.
(6)
من "المفهم" لأن المعنى لا يصح بدونها.
(7)
السابق.
(8)
الموجود في "المفهم" 2/ 144 - 145: فهو ضال من الضالين.
(قال: أَعتِقها) بفتح الهمزة (فإنها مؤمنة) فيه دليل على أن عتق المؤمن أفضل من عتق الكافر.
أجمع العلماء على جواز عتق الكافر في غير الكفارات، وأجمعوا على أنه لا يجزئ الكافر في كفارة القتل كما ورد في القرآن.
واختلفوا في كفارة الظهار واليمين والجماع في رمضان: فقال الشافعي ومالك والجمهور: لا يجزئه إلا مؤمنة حملًا للمطلق على المقيد في كفارة القتل.
وقال أبو حنيفة والكوفيون: تجزئه الكفارة للإطلاق؛ فإنها تسمى رقبة، ومن أهم فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط في الدخول في الإيمان التلفظ بألفاظ مخصوصة كالشهادتين، بل يكفي كل لفظ يدل على صحة الدخول في الدين، وأنه يكفي الاعتقاد الصحيح بلا برهان؛ "لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألها عن برهان ذلك ولا الطريق إليه ولا كانت أيضًا ممن تصلح لفهم تلك البراهين والاستدلالات (1) التي يذكرها الأصوليون والمتكلمون (2).
[3283]
(حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، أخرج له الشيخان.
(عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن الشَّريد) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وهو ابن سويد الثقفي، قيل: إنه من حضرموت. روى عمرو بن الشريد عن أبيه قال: استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن
(1) في (ر): والاستدلال.
(2)
"المفهم" للقرطبي 2/ 145.
الصلت فأنشدته مائة قافية فقال: "كاد يسلم". يعني: أمية (1).
(أن أمه أوصته (2) أن يعتق عنها رقبة مؤمنة) فيه (3) أن عتق المؤمنة (4) أفضل من الكافرة كما تقدم.
(فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة، و) إن (عندي جارية سوداء نوبيه) بضم النون نوع من السودان، قيل: الزنج والنوبة والفرات والدعاوة وأحباش السودان (5) كلها من ولد قوط بن حام.
قال المسعودي: افترقت النوبة فرقتين من شرقي النيل وغربيه وأناخت على شطيه، فاتصلت بديار القبط من أرض مصر والصعيد من بلاد السودان (6) وغيرها وبنو دار مدينتهم مدينة تدعى دمقلة (7) والفريق الآخر من النوبة يقال لها: علوة (8).
(فذكر نحوه) وصرح بهذا النحو المذكور في بعض نسخ رواية ابن داسة ولفظه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ادعوا بها"[فدعوا بها](9) فجاءت.
(1) رواه مسلم (2255).
(2)
في (ر): أوصت.
(3)
في (ر): بعد.
(4)
في (ر): المدينة.
(5)
من (ل) وهي ساقطة من (ر).
(6)
هكذا في النسخ الخطية، وفي "مروج الذهب" للمسعودي (أسوان).
(7)
في النسخ الخطية، وفي "مروج الذهب": دملقة.
(8)
انظر: "مروج الذهب" 1/ 340.
(9)
سقط من (ر).
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "من ربك؟ " فقالت: الله. فقال: "فمن أنا؟ " قالت: رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة"(1). ولفظ النسائي (2): وإن عندي جارية نوبية أفتجزئ عني إن أعتقتها عنها؟ . قال: "ائتني بها"، فأتيته بها. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"من ربك؟ " قالت: الله. قال: "فمن أنا؟ " قالت: أنت رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".
(قال المصنف: خالد بن عبد الله أرسله ولم يذكر الشريد)(3).
* * *
(1) بعده في نشرة الرسالة 5/ 177: تنبيه: اختصر اللؤلؤي روايته لهذا الحديث إلى قوله: سوداء نوبية. ثم قال: فذكر نحوه. وجاء الحديث بتمامه في رواية ابن داسة وابن العبد.
(2)
(3655).
(3)
بعده في النسخ المطبوعة من "السنن" ح (3284) وهو رواية أخرى للقصة السابقة من حديث أبي هريرة. انظره في أحاديث المتن أول الباب.