المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌35 - باب في الإمام يقبل هدايا المشركين - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٣

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌21 - باب ما جاء في سَهم الصَّفيّ

- ‌22 - باب كَيْفَ كانَ إِخْراج اليَهُودِ من المَدِينَة

- ‌23 - باب في خبَرِ النَّضيرِ

- ‌24 - باب ما جاءَ في حُكْم أَرْضِ خَيْبَرَ

- ‌25 - باب ما جاء في خَبرِ مكَّةَ

- ‌26 - باب ما جَاءَ في خَبَرِ الطّائِفِ

- ‌27 - باب ما جاءَ في حُكْم أرْضِ اليَمَنِ

- ‌28 - باب في إخْراج اليَهُودِ مِنْ جَزِيرَة العَرب

- ‌29 - باب في إِيقاف أرْضِ السَّواد وَأَرْضِ العَنْوَةِ

- ‌30 - باب في أَخْذِ الجِزْيَةِ

- ‌31 - باب في أَخْذ الجِزْيَةِ مِنَ المَجُوسِ

- ‌32 - باب في التَّشْدِيدِ في جِبايَةِ الجِزْيَةِ

- ‌33 - باب في تَعْشِير أَهْل الذِّمَّةِ إذا اخْتلَفُوا بالتِّجاراتِ

- ‌34 - باب في الذِّمِّيِّ يُسْلِمُ في بَعْضِ السَّنَةِ هَلْ عَلَيْهِ جِزْيةٌ

- ‌35 - باب فِي الإِمَامِ يَقْبَلُ هَدَايَا المُشْرِكِينَ

- ‌كِتاب القطائع

- ‌36 - باب في إِقْطاعِ الأَرَضِيْنَ

- ‌37 - باب في إِحْيَاءِ المَواتِ

- ‌38 - باب مَا جاءَ في الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الخَرَاجِ

- ‌39 - باب في الأَرْضِ يَحْمِيهَا الإِمامُ أَوِ الرَّجُلُ

- ‌40 - باب ما جاء في الرِّكازِ وَما فِيهِ

- ‌41 - باب نَبْشِ القُبُورِ العادِيَّةِ يَكُونُ فِيْهَا المالُ

- ‌كِتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب الأَمْراضِ المُكَفِّرِةُ لِلذُّنُوبِ

- ‌2 - باب إذا كانَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ عَمَلًا صالِحًا فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ

- ‌3 - باب عِيادَةِ النِّساءِ

- ‌4 - باب في العِيادَةِ

- ‌5 - باب في عيادَةِ الذِّمِّيِّ

- ‌6 - باب المَشْي في العِيادةِ

- ‌7 - باب في فَضْلِ العِيَادَةِ عَلَى وُضُوء

- ‌8 - باب في العِيَادَةِ مِرارًا

- ‌9 - باب في العِيَادَة مِنَ الرَّمَدِ

- ‌10 - باب الخُرُوج مِنَ الطَّاعُونِ

- ‌11 - باب الدُّعاء لِلْمَرِيضِ بِالشِّفاء عِنْدَ العِيادَةِ

- ‌12 - باب الدُّعاءِ لِلْمَرِيضِ عِنْدَ العِيَادَةِ

- ‌13 - باب في كراهِيَةِ تمَنّي المَوْتِ

- ‌14 - باب مَوْتِ الفَجْأَةِ

- ‌15 - باب في فضْلِ مَنْ ماتَ في الطّاعُونِ

- ‌16 - باب المَريضِ يُؤْخَذُ مِنْ أَظْفارهِ وَعانَتِهِ

- ‌17 - باب ما يُسْتحَبُّ منْ حُسْنِ الظَّنِّ بالله عِنْدَ المَوْتِ

- ‌18 - باب ما يُسْتَحَبُّ منْ تَطْهيرِ ثِيابِ المَيِّتِ عِنْدَ المَوْتِ

- ‌19 - باب ما يُسْتَحَبُّ أنْ يُقالَ عِنْدَ المَيِّتِ مِنَ الكَلامِ

- ‌20 - باب في التَّلْقِينِ

- ‌21 - باب تَغْمِيضِ المَيِّتِ

- ‌22 - باب في الاسْتِرْجاعِ

- ‌23 - باب في المَيِّتِ يُسَجَّى

- ‌24 - باب القِراءَةِ عِنْدَ المَيِّتِ

- ‌25 - باب الجُلُوسِ عِنْدَ المُصِيبَةِ

- ‌26 - باب في التَّعْزِيَةِ

- ‌27 - باب الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ

- ‌28 - باب في البُكاءِ عَلى الميِّتِ

- ‌29 - باب في النَّوْحِ

- ‌30 - باب صَنْعَةِ الطَّعَام لأَهْلِ المَيِّتِ

- ‌31 - باب في الشَّهِيد يُغَسَّلُ

- ‌32 - باب في سَتْر المَيِّتِ عنْدَ غَسْلهِ

- ‌33 - باب كَيْفَ غُسْلُ المَيِّتِ

- ‌34 - باب في الكَفَنِ

- ‌35 - باب كَراهِيَةِ المُغَالَاةِ فِي الكَفَنِ

- ‌36 - باب في كَفِنِ المَرْأَةِ

- ‌37 - باب في المِسْكِ للْمَيِّتِ

- ‌38 - باب التَّعْجِيلِ بِالجَنَازَةِ وَكَراهِيَةِ حَبْسِها

- ‌39 - باب في الغُسْلِ مِنْ غَسْلِ المَيِّتِ

- ‌40 - باب في تَقْبِيلِ المَيِّتِ

- ‌41 - باب في الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ

- ‌42 - باب في المَيِّتِ يُحْمَلُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ وَكَرَاهَةِ ذَلِكَ

- ‌43 - باب في الصُّفُوف علَى الجَنَازَةِ

- ‌44 - باب اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزَ

- ‌45 - باب فَضْلِ الصَّلاةِ عَلَى الجَنَائِزِ وتشْيِيعِها

- ‌46 - باب في النّار يُتْبَعُ بها المَيِّتُ

- ‌47 - باب القِيامِ لِلْجَنَازَةِ

- ‌48 - باب الرُّكُوبِ فِي الجَنَازَةِ

- ‌49 - باب المشْى أَمَامَ الجَنَازَةِ

- ‌50 - باب الإِسْرَاعِ بِالجَنَازَةِ

- ‌51 - باب الإِمامِ لا يُصَلّي عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسهُ

- ‌52 - باب الصَّلاةِ عَلَى مَنْ قَتَلَتْهُ الحُدُودُ

- ‌53 - باب في الصَّلاةِ عَلَى الطِّفْلِ

- ‌54 - باب الصَّلاةِ على الجَنازَةِ في المَسْجِدِ

- ‌55 - باب الدَّفْنِ عنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِها

- ‌56 - باب إذا حَضَرَ جَنائِزَ رِجالٍ وَنِساءٍ، مَنْ يقَدِّمُ

- ‌57 - باب أَيْيَ يَقومُ الإمامُ مِنَ المَيِّتِ إِذا صَلَّى عَلَيْهِ

- ‌58 - باب التَّكْبير عَلَى الجَنازةِ

- ‌59 - باب ما يُقْرَأُ علَى الجَنازَةِ

- ‌60 - باب الدُّعاءِ لِلْمَيِّتِ

- ‌61 - باب الصَّلاة على القَبْرِ

- ‌62 - باب في الصَّلاةِ عَلَى المُسْلِمِ يَمُوتُ في بِلادِ الشِّرْكِ

- ‌63 - باب في جَمْعِ المَوْتَى في قَبْرٍ والقَبْرُ يُعَلَّمُ

- ‌64 - باب في الحَفّارِ يجِدًا لعَظْمَ هَلْ يَتَنَكَّبُ ذَلِكَ المَكانَ

- ‌65 - باب في اللَّحْدِ

- ‌66 - باب كَمْ يَدْخلُ القَبْرَ

- ‌67 - باب في المَيِّت يدْخَلُ منْ قِبَلِ رِجْلَيهِ

- ‌68 - باب الجُلُوسِ عِنْدَ القَبْرِ

- ‌69 - باب في الدُّعاءِ لِلْمَيِّتِ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ

- ‌70 - باب الرَّجُلِ يمُوتُ لَهُ قَرابَةُ مُشْرِكٍ

- ‌71 - باب في تَعْمِيقِ القَبْرِ

- ‌72 - باب في تَسْوِيةِ القَبْرِ

- ‌73 - باب الاسْتِغْفار عِنْد القَبْرِ لِلْمَيِّتِ في وَقْتِ الانْصِرافِ

- ‌74 - باب كَراهِيَة الذَّبْحِ عِنْدَ القَبْرِ

- ‌75 - باب المَيِّتِ يُصَلّى علَى قَبْرِهِ بَعْدَ حِينٍ

- ‌76 - باب في البِناءِ عَلى القَبْرِ

- ‌77 - باب في كَراهِيَةِ القُعُودِ على القَبْرِ

- ‌78 - باب المَشْى في النَّعْل بَيْنَ القُبُورِ

- ‌79 - باب في تَحْوِيلِ المَيِّتِ مِنْ موْضعِهِ لِلأَمْرِ يَحْدِّثُ

- ‌80 - باب في الثَّناءِ عَلَى المَيِّتِ

- ‌81 - باب في زِيارةِ القُبُورِ

- ‌82 - باب في زِيارَةِ النِّساء القُبُورِ

- ‌83 - باب ما يَقُولُ إِذا زارَ القُبُورَ أوْ مَرَّ بِها

- ‌84 - باب المُحْرِمِ يَمُوتُ كيْف يُصْنَعُ بِهِ

- ‌كِتَابُ الأَيْمَانُ وَالنُّذُور

- ‌2 - باب فِيمَنْ حَلف يَمِينًا لِيَقْتَطِعَ بها مالًا لأحَدٍ

- ‌3 - باب التغْلِيظ فِي اليَمينَ الفَاجِرَة

- ‌4 - باب الحَلِفِ بِالأَنْدادِ

- ‌5 - باب في كَراهِيةِ الحَلِفِ بِالآباءِ

- ‌6 - باب في كَراهِيَةِ الحَلِفِ بِالأَمانَةِ

- ‌7 - باب لَغْوِ اليَمِينِ

- ‌8 - باب المَعارِيضِ في اليَمينِ

- ‌9 - باب ما جاءَ في الحَلِفِ باِلبَراءَةِ وبمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ

- ‌10 - باب الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لا يَتأَدَّمَ

- ‌11 - باب الاسْتثْناءِ في اليَمِينِ

- ‌12 - باب ما جاءَ في يَمِينِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم ما كانتْ

- ‌13 - باب في القَسَمِ: هَلْ يَكُونُ يَمينًا

- ‌14 - باب فِيمَنْ حَلَف عَلى الطَّعام لا يَأكلُهُ

- ‌15 - باب اليَمِينِ في قَطيعَةِ الرَّحِم

- ‌16 - باب فِيمَنْ يحْلِف كاذِبًا متَعَمِّدًا

- ‌17 - باب الرَّجُلِ يُكَفّرُ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ

- ‌18 - باب كَمِ الصّاعُ في الكَفّارَةِ

- ‌19 - باب في الرَّقبةِ المُؤْمِنَةِ

- ‌20 - باب الاستثْناءِ في اليمِين بَعْدَ السّكُوت

- ‌21 - باب النَّهْى عنِ النَّذْرِ

- ‌22 - باب ما جاءَ في النَّذْرِ في المَعْصِيَةِ

- ‌23 - باب مَنْ رَأى علَيْهِ كَفّارَةً إذا كانَ في معْصِيَةٍ

- ‌24 - باب منْ نَذَرَ أَنْ يُصَلّيَ في بَيْت المقْدِسِ

- ‌28 - باب في النَّذْرِ فِيما لا يمْلِكُ

- ‌27 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِن الوَفاء بِالنَّذْر

- ‌29 - باب فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمالِهِ

- ‌25 - باب في قَضاءِ النَّذْرِ عنِ المَيِّتِ

- ‌26 - باب ما جاءَ فِيمَنْ ماتَ وَعَلَيْهِ صِيامٌ صامَ عَنْهُ وَليُّهُ

- ‌30 - باب مَنْ نَذَرًا نَذْرًا لا يُطِيقُهُ

- ‌31 - باب مَنْ نَذَر نَذْرًا لَمْ يسَمِّهِ

- ‌32 - باب مَنْ نَذَرَ في الجاهِلِيَّةِ ثمّ أَدْرَكَ الإِسْلامَ

الفصل: ‌35 - باب في الإمام يقبل هدايا المشركين

‌35 - باب فِي الإِمَامِ يَقْبَلُ هَدَايَا المُشْرِكِينَ

3055 -

حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْن نَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوَية -يَعْني: ابن سَلَّامٍ - عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الهَوْزَنيُّ قال: لَقِيتُ بِلالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَلَبَ فَقلْتُ: يا بِلالُ، حَدِّثْنِي كَيفَ كانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قال: ما كانَ لَهُ شَيء كُنْتُ أَنا الذي أَلي ذَلِكَ مِنْة مُنْذُ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَنْ توُفّيَ، وَكانَ إِذا أَتَاهُ الإِنْسانُ مُسْلِمًا فَرَآهُ عَارِيًا يَأْمُرُني فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَري لَهُ البُرْدَةَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ فَقال: يا بِلالُ، إِنَّ عِنْدي سَعَةً فَلا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي.

فَفَعَلْتُ، فَلَمّا أَنْ كانَ ذاتَ يَوْمٍ تَوَضَّأْتُ ثُمَّ قمْتُ لأُؤَذِّنَ بِالصَّلاةِ فَكذا المُشْرِكُ قَدْ أَقْبَلَ في عِصابَةٍ مِنَ التُّجّارِ فَلَمّا أَنْ رَآني قال: يا حَبَشِيُّ. قلْتُ: يا لَبّاهُ. فَتَجَهَّمَنِي وقالَ لي قَوْلًا غَلِيظًا، وقالَ لي: أَتَدْري كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ؟ قال: قُلْتُ: قَرِيبٌ. قال: إِنَّما بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعٌ فَآخُذُكَ بِالَّذي عَلَيْكَ فَأَرُدُّكَ تَرْعَى الغَنَمَ كَما كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَخَذَ في نَفْسي ما يَأْخُذُ في أَنْفُسِ النّاسِ. حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ العَتَمَةَ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِهِ فاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ المُشْرِكَ الذي كُنْتُ أَتَدَيَّن مِنْهُ قال لي كَذا وَكَذا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ ما تَقْضِي عَنِّي وَلَا عِنْدي وَهُوَ فاضِحي، فَأْذَنْ لِي أَنْ آبِقَ إِلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الأَحياءِ الذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم ما يَقْضي عَنِّي. فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا أَتَيْتُ مَنْزِلي فَجَعَلْتُ سَيْفي وَجِرابِي وَنَعْلي وَمِجَنِّي عِنْدَ رَأْسِي، حَتَّى إِذَا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الأَوَّلِ أَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ فَإِذا إِنْسانٌ يَسْعَى يَدْعُو: يا بِلالُ، أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَإِذا أَرْبَعُ رَكائِبَ مُناخَاتٍ عَلَيْهِنَّ أَحْمالُهُنَّ، فاسْتَأْذَنْتُ، فَقالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَبْشِرْ فَقَدْ جاءَكَ اللهُ بِقَضائِكَ" ..

ثمَّ قالَ: "أَلَمْ تَرَ الرَّكائِبَ المُناخاتِ الأرْبَعَ" .. فَقُلْتُ: بَلَى. فَقالَ: "إِنَّ لَكَ رِقابَهُنَّ وَما عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كسْوَةً وَطَعامًا أَهْداهُنَّ إِلَي عَظِيمُ فَدَكَ

ص: 163

فاقْبِضْهُنَّ واقْضِ دَيْنَكَ" .. فَفَعَلْتُ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ.

ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى المَسْجِدِ فَإِذا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ في المَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقالَ: "ما فَعَلَ ما قِبَلَكَ؟ " .. قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللهُ كُلَّ شَيءٍ كانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ فَلَمْ يَبْقَ شَيء. قالَ: أَفَضَلَ شَيء؟ " .. قُلْتُ: نَعَمْ قالَ: "انْظُرْ أَنْ تُرِيحَني مِنْهُ، فَإِنّي لَسْتُ بِداخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُ" .. فَلَمّا صَلَّى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم العَتَمَةَ دَعانِي فَقالَ:"ما فَعَلَ الذي قِبَلَكَ؟ " .. قال: قُلْتُ: هُوَ مَعي لَمْ يَأْتِنا أَحَدٌ. فَباتَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم في المَسْجِدِ وَقَصَّ الحَدِيثَ. حَتَّى إِذا صَلَّى العَتَمَةَ - يَعْني مِنَ الغَدِ - دَعاني قالَ: "ما فَعَلَ الذي قِبَلَكَ" .. قال: قُلْتُ: قَدْ أَراحَكَ الله مِنْهُ يا رَسُولَ اللهِ. فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ المَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ، حَتَّى إِذا جاءَ أَزْواجَه فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ حَتَّى أَتَى مَبيتَةُ. فهذا الذي سَأَلْتَنِي عَنْهُ (1).

3056 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بِمَعْنَى إِسْنادِ أَبي تَوْبَةَ وَحَدِيثِهِ قالَ عِنْدَ قَوْلِهِ:"مَا يَقْضِي عَنِّي" .. فَسَكَتَ عَنِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاغْتَمَزْتُهَا (2).

3057 -

حَدَّثَنَا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو داوُدَ، حدتنا عِمْرانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِياضِ بْنِ حِمارٍ قال: أَهْدَيْتُ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نَاقَةً فَقالَ: "أَسْلَمْتَ" .. فَقُلْتُ: لا. فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ المُشْرِكينَ"(3).

* * *

(1) رواه البزار في "المسند" 4/ 218 (1382)، وابن حبان 14/ 261 - 263 (6351)، والطبراني 1/ 363 (1119)، والبيهقي 6/ 80.

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2688).

(2)

صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2689).

(3)

رواه الترمذي (1577). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2690).

ص: 164

باب في الإمام يقبل هدايا المشركين

[3055]

(حَدَّثَنَا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي، أخرج له الشيخان (1). (حَدَّثَنَا معاوية بن سلام) بتشديد اللام ابن أبي سلام ممطور (2) الحبشي (3)(عن) أخيه (زيد) بن سلام (4)(أنه سمع) جده (أبا سلام) واسمه ممطور الحبشي الأسود، أخرج له مسلم (5). (قال: حدثني عبد الله). بن لحي بضم اللام وفتح الحاء المهملة مصغر، أبو عامر (الهوزني) بفتح الهمزة والزاي بينهما واو ساكنة منسوب إلى هوزن بن عوف بطن من ذي الكلاع بن حمير، وثقه أحمد العجلي وغيره، وهو من أصحاب أبي عبيدة بن الجراح (6).

(قال: لقيت بلالًا مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب) غير منصرف، وكانت إقامته بدمشق، ومات بها ودفن بباب الصغير، هذا المشهور، وقيل: مات بحلب ودفن عند باب الأربعين. وقيل: الذي بحلب أخوه خالد (7). (فقلت: يا بلال، حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ما كان

(1) التقريب (1902).

(2)

في الأصل: محظور. والمثبت من كتب التراجم.

(3)

"التقريب"(6761).

(4)

"الكاشف"(1740).

(5)

"التقريب"(6879).

(6)

"معرفة الثقات" للعجلي (957)، "الأنساب" 5/ 656، "تهذيب الكمال" 15/ 485، "التقريب"(3562).

(7)

"الإصابة" 1/ 326 و"الطبقات الكبرى" 3/ 232، وطبقات ابن خياط ص (19) و"تهذيب التهذيب" 1/ 441.

ص: 165

له شيء) من المال مرصد للنفقة ولا كان يدخر شيئًا لها ولا لغيرها، و (كنت أنا الذي الي) بفتح الهمزة وكسر اللام وسكون الياء أي: أتولى (ذلك منه) أي: أتولى قبضها وصرفها له ولأهله (منذ بعثه الله تعالى حتى توفي)(1) أي: حتى توفاه الله تعالى، قال:(وكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتاه الإنسان مسلمًا ورآه عاريًا) ليس عليه ما يستر عورته، أو رأى عليه ما يسترها أو بعضها (يأمرني، فأنطلق فأستقرض) له على ذمة الله تعالى إلى أن ينعم بشيء (فأشتري له) بها (البردة) وهي الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع، وفيه صغر تلبسه الأعراب وبه كني أبو بردة (فأكسوه) بها (وأطعمه) مما استقرضه.

فيه فضيلة الاستقراض في الذمة عند رؤية المصرور من جوع وعطش وحر وبرد ونحو ذلك، وهذا فيمن له عنده مال، وبهذا أخذ جماعة من الصوفية الاستقراض على ذمة الله ليكرم به الضيوف الواردين عليه ويطعمون منه التلامذة المنقطعون (2) عندهم للذكر والقراءة والعبادة، لكن لا أرى الاستقراض لهذا (3) إلا من تطيب نفسه بالقرض منه، وربما استبشر بذلك، ولقد كنت أرى فيمن تقدم من يقول للشيخ: إذا احتجت إلى شيء فخذ مني، فإن وجدت وفاء وإلا فأنت بريء منه. ولما لم أجد من يعطي بهذِه الصفة أمسكت عن ذلك، فإن حصل شيء واسيت ووسعت على الفقراء وإلا فلا. (حتى اعترض لي)

(1) في المطبوع: إلى أن توفي.

(2)

هكذا في الأصل، ولعلها: المنقطعين.

(3)

سقط من (ع).

ص: 166

رواية: اعترضني في بعض الأيام (رجل من المشركين) له مال" (فقال: ) لي (يا بلال، إن عندي سعة) فتحت سينه في المصدر؛ لأنها مفتوحة في المستقبل؛ إذ هو محمول عليه وقياسها الكسر؛ لأن أصل الماضي وسع يسع (1) بكسر السين فيهما كوثق يثق، وإنما فتح في المضارع لكون لامه حرف حلق، فهذِه فتحتها كلها كسرة، ولذلك حذفت الواو في المضارع لوقوعها (2) في يسع بين ياء وكسرة، لكن فتح لما ذكرناه (3)، ولو كان أصلها الفتح لم يجز حذف الواو، ألا ترى ثبوتها في يؤخر لأنها لم تقع بين كسرة وياء، فالمصدر والأمر في الحذف محمولان على المضارع كما حملوا عدة وعد على يعد.

(فلا تستقرض من أحد) شيئًا (إلا مني. ففعلت) يحتمل أنه فعل ذلك (4) فاستقرض منه من غير أن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفاء بإطلاقه في الإذن، فعم المسلم والكافر.

(فلما أن كان) أي: وجد (ذات) لما كان اليوم يحدث فيه الأحوال كما يحدث في العين سمي ذاتًا (يوم) من الأيام (توضأت) فيه الوضوء قبل الأذان، ليكون حال الأذان على طهارة كاملة (ثم قمت لأؤذن) فيه استحباب القيام للأذان (بالصلاة) المفروضة (فإذا المشرك) فاجأني

(1) في الأصل: يسق. انظر: "تاج العروس" 22/ 324. وعلى هامش (ح): كذا والظاهر: يسع.

(2)

في الأصل كلمة غير واضحة. والمثبت من المصباح المنير (مادة وس ع).

(3)

قال الفيومي في "المصباح المنير" مادة وسع: ثُمَّ فُتِحَتْ بَعْدَ الحَذْفِ لِمَكَانِ حَرْفِ الحَلْقِ، وَمِثْلُهُ يَهَبُ وَيَقَعُ وَيَدَعُ وَيَلَغُ وَيَطَأُ وَيَضَعُ وَيَلَعُ وَيَزَعُ الجَيْشَ أَيْ: يَحْبِسُهُ.

(4)

في (ر): شيئًا.

ص: 167

بالمجيء، و (قد أقبل) إلي وهو (في عصابة) أي: جماعة (من) الرجال (التجار) بضم التاء مع تشديد الجيم، وكسرها مع تخفيف الجيم لغتان (فلما رآني قال: يا حبشي) قال مكحول: أخبرني من رأى بلالًا أنه آدم شديد الأدمة نحيفًا طوالًا (1). وفي حديث أنس: بلال سابق الحبشة (2). يعني (3) إلى الجَنَّة.

(قلت: يا لباه) بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة، ويحتمل أن يكون من التلبية وهو الإجابة ومعناه: يا لبيك، وفيه استحباب إلانة الخطاب لصاحب الحق وإن كان كافرًا عنيدًا (فتجهمني) أي: لقيني بغلظة لفظ وجه كريه، يقال: جهمت الرجل وتجهمته. إذا كلحت في ووجه (وقال لي قولًا غليظًا) أي: بعنف وشدة وارتفاع صوت، ولم يأت في الحديث أنه جاوبه على ما سمع منه، للحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن رجلًا تقاضى (4) النبي صلى الله عليه وسلم دينًا فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال:"دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا"(5). (وقال لي: أتدري كم بينك وبين) آخر (الشهر؟ ) من يوم (قلت) بيني وبينه زمن (قريب. قال: إنما بينك وبينه) أي: بين آخر الشهر (أربع) أي: أربعة أيام، لكن لما حذفت الأيام [حذفت الهاء] (6) كقوله عليه السلام: "وأتبعه بست من

(1)"الطبقات الكبرى" 3/ 238.

(2)

"الكامل" لابن عدي 2/ 75، "تاريخ دمشق" 10/ 449.

(3)

سقط من (ر).

(4)

سقطت هذِه الكلمة من الأصول، وأثبتها من "صحيح البخاري"(2306).

(5)

"صحيح البخاري"(2306)، "صحيح مسلم"(1601).

(6)

سقط من (ر).

ص: 168

شوال" (1)(فآخذك) بمد الهمزة وضم الخاء المعجمة (بالذي عليك) من الدين، أي: أتملكك به (فأردك ترعى الغنم كما كنت) ترعى الغنم (قبل ذلك) يعني: لبعض بني (2) جمح.

قال سعيد بن جبير: بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له: أتبيعه؛ قال: نعم أبيعه بنَسطاس (3) عبد لأبي بكر، وكان نسطاس صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوارٍ ومواشٍ، وكان مشركًا حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له فأبى، فأبغضه أبو بكر، فلما قال له أمية: أبيعكه بغلامك نسطاس. فابتاعه منه أبو بكر وأعتقه، قال أبو بكر (فأخذ) بفتح الخاء والذال المعجمتين (في نفسي) من الحدة والغضب (ما يأخذ) بضم الخاء المعجمة (في أنفس) غيري من (الناس) عند سماع قوله القبيح.

وهذِه الزيادة من عند قوله (وقال لي قولًا غليظًا) إلى هنا ليست في نسخ الخطيب بل في رواية اللؤلؤي.

(حتى إذا صليت) صلاة (العتمة) فيه دليل على بيان جواز تسمية العشاء عتمة مع الكراهة، ودليل الكراهة ما رواه مسلم (4) عن ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء وهم معتمون بالإبل" والعتمة في اللغة: شدة الظلمة

(1) رواه مسلم (1164) من حديث أبي أيوب الأنصاري.

(2)

في (ر) من.

(3)

انظر: "سبل الهدى والرشاد" 6/ 52.

(4)

(644).

ص: 169

(رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله) بعد العشاء (فاستأذنت عليه) فيه استحباب الاستئذان وإن كان من أخصاء المستأذن (1) وأهله لاسيما وهو بعد العشاء وهو الثلاث التي يستأذن فيها الذين ملكت أيمانهم والذين لم يبلغوا الحلم (فأذن لي) فدخلت عليه (فقلت: يا رسول الله) أفديك (بأبي أنت وأمي، إن (الرجل (المشرك الذي كنت أتدين) أي: أستدين (منه، قال لي كذا وكذا) ووجدت منه في نفسي ما يجد غيري عند سماع ما يكره (وليس عندك ما تقضي عني) دينه (ولا عندي) ما يقضي في ديني.

وفي الحديث دليل على صحة الوكالة في الاستقراض عنه، وأن للوكيل في القرض القبض والدفع إلى من وكله في الدفع إليه، وأن له دفع المقبوض في ثمن ما اشتراه، وأن المقرض له مطالبة المقترض إن قبض منه.

(وهو) يعني: المشرك المقرض (فاضحي) بين الملأ، يقال: فضح زيد عمرًا. إذا كشف عن عيوبه بين القوم (فأذن) بسكون الهمزة وفتح الذال (لي) طلب منه الإذن (أن آبق) - رواية: فآبق فآتي - بمد الهمزة وفتح الباء وهو منصوب بأن المقدرة في جواب الأمر التقدير: فأذن لي بأن آبق أي: أذهب [وفي بعضها: فأذن لي أن آبق](2)(إلى بعض هؤلاء الأحياء) جمع حي، وهي القبيلة من العرب (الذين قد أسلموا حتى يرزق الله) تعالى، يجوز أن تكون حتى هنا بمعنى كي التعليلية كقوله تعالى:{لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} (3)،

(1) في (ر): المساجد.

(2)

جاءت في (ر) بعد قوله: وقولك.

(3)

المنافقون: 7.

ص: 170

وقولك: أسلم حتى تدخل الجَنَّة. والتقدير: ائذن لي أن أذهب إلى بعض هؤلاء الذين أسلموا، لكي يرزق الله تعالى رسوله من هؤلاء المسلمين (ما يقضي عني) ديني، زاد المصنف: فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي. وسكوته صلى الله عليه وسلم دليل على جواز ذهابه إليهم، ولما علم ذلك بلال جهز سيفه وجرابه ونعله للسفر، ويحتمل أن يكون هذا الرزق الذي يأخذه هبة منهم له لكونه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز له أن يقضي دينه من الزكاة من سهم الغارمين، فإنه استدانه لكسوة المحتاجين المضرورين للكسوة والإطعام، ومن استدان لمثل هذا يجوز أن يقضيه سهم الغارمين كمن استدان لإصلاح ذات البين؛ فإنه يعطى ما يوفي به دينه ذلك وإن كان غنيًّا من جهة غيره.

(فخرجت حتى أتيت منزلي، فجعلت سيفي وجرابي) بكسر الجيم (ونعلي) النعل مؤنثة وهي الحذاء، ويطلق على التاسومة (ومجني) المجن بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون هو: الترس، جمعه: مجان بفتح الميم سمي مجنًّا؛ لأنه يستجن به، أي: يستتر. فيه: استحباب تجهيز الة السفر قبل وقته، والأولى أن يعدها (عند رأسي) عند النوم كما فعل بلال رضي الله عنه، وفيه أنه يستحب للمسافر أن لا يسافر إلا بعدة السلاح جهادًا كان السفر أو غيره من حج ونحوه، ولا فرق في استحباب عدة السلاح بين أن يكون السفر مخوفًا أو غيره؛ فإن الظاهر أن سفر بلال هذا لم يكن مخوفًا.

وفي الحديث أن المقيم يكون له آلة السلاح لاحتمال طرآن جهاد ونحوه، واحتمال عدو يفجؤه في الليل.

(حتى إذا انشق عمود الصبح) أي: طلع الفجر (الأول) كأن نور الفجر

ص: 171

شق موضع طلوعه وخرج منه مستطيلًا مثل العمود (أردت أن أنطلق) للسفر، فيه أن من سافر قبل طلوع الفجر الثاني يؤخر الصلاة ليصليها في الطريق إذا اتضح الفجر بأذان وإقامة.

(فإذا إنسان) جاء وهو (يسعى) و (يدعو: يا بلال، أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت) إليه (حتى أتيته، فإذا) عند باب بيته (أربع ركائب) جمع ركوبة بفتح الراء وهي الناقة التي تركب (مناخات) بضم الميم وجر آخره (عليهن أحمالهن) عند باب بيته (فاستأذنت) في الدخول عليه فدخلت (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر) بفتح الهمزة وكسر الشين (فقد جاءك الله) أي: جاءك إنعام الله تعالى عليك (بقضائك) أي: بقضاء دينك كما في بعض النسخ، فيه استحباب البشارة بالفرج عمن كان في ضيق ونحوه، ومثله استحباب التهنئة بالمولود ونحوه، ومنه حديث كعب: فذهب الناس يبشرونني ويقولون: لتهنك توبة الله عليك (1).

(ثم قال: الم تر إلى الركائب المناخات الأربع؟ فقلت: بلى) يا رسول الله (فقال: إن لك رقابهن) الرقاب جمع الرقبة، وهي في الأصل العنق فجعلت كناية [ .. .. ](2) ذات الناقة تسمية الشيء ببعضه، فكأنه قال: إن لك المطي (وما عليهن) فيه جواز إناخة الناقة بحملها واستمرارها باركة عليها حملها؛ فإنها لا تجد به من المشقة ما تجد من وقوفها بالأحمال (فإن عليهن كسوة وطعامًا) وكان أهل (3) فدك لما سمعوا ما

(1) البخاري (4418) ومسلم (2769).

(2)

في الأصل بياض، ولعلها: عن.

(3)

سقط من (ر).

ص: 172

صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعثوا إليه على أن يحقن لهم دماءهم ويخلوا له الأموال، فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما يأتي منها من الأموال من كسوة وطعام وغير ذلك (أهداهن إلى عظيم) فدك، أي: أهداهن الذي يعظمه أهل فدك وتقدمه للرياسة عليها، وفيه نوع إكرام بقوله عليه السلام:"أمرت أن أنزل الناس منازلهم"، و (فدك) بفتح الفاء والدال المهملة اسم قرية بخيبر بينها وبين المدينة يومان.

وفي الحديث دليل على جواز قبول الإمام هدايا أهل الكتاب، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس مارية والبغلة، وأهدى له أكيدر دومة فقبل منه (1).

(فاقبضهن) فيه: أن الهبة لا تصح إلا بالقبض ممن يصح قبضه (واقض دينك) منهن وما عليهن من الأحمال (ففعلت، وذكر الحديث) بطوله (قال: ثم انطلقت إلى المسجد) للصلاة فيه (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد، فسلمت عليه) بعدما صليت تحية المسجد؛ فإن تحية المسجد مقدمة على السلام على من فيه، بدليل حديث الأعرابي: فصليت ركعتين ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال: ما فعل ما قبلك؟ ) بكسر القاف وفتح الموحدة أي: ما هو في جهتك. فيه السؤال عن حال الإنسان وما يعتريه من دين وهم وعيال ونحو ذلك.

(قلت: قد قضى الله تعالى كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الدين (فلم يبق) عليه (شيء) منه.

(1) الطبراني 4/ 12، وانظر:"النهاية" 2/ 705.

ص: 173

وفي هذا الحديث من الفصاحة تنويع الخطاب؛ فإن في بعضه: كان الدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بلال، فحيث جاء أنه على بلال فإنه كان المباشر لقبضه، وحيث جاء أنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان بأمره وإذنه فنسب إليه.

(قال: أفضل) بفتح الضاد وكسرها (شيء؟ ) يعني من الركائب الأربع وما عليهن (قلت: نعم) يا رسول الله (قال: انظر) في أمره فعساك (أن تريحني منه) فأقام صلى الله عليه وسلم بقاء المال المنسوب إليه ودوامه بغير احتياج مقام ما يحمله عليه ويجد ثقله كما يجد للشيء الحامل له ثقلًا وتكلفًا (فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) صلاة (العتمة) بفتح التاء، وقد تقدم ذكر الكراهة في هذِه التسمية (دعاني فقال: ما فعل الذي) هو (قبلك؟ قال: قلت: ) الذي بقي منه (هو معي) لأنه (لم يأتنا أحد) مستحق له يأخذه (فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم) تلك الليلة (في المسجد) فيه جواز مبيت من له زوجة ومسكن في المسجد إذا حدث له مانع من المبيت في بيته (وقص الحديث) أي تتبع ألفاظه فذكرها.

(حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد) يعني بعد مضي اليوم الثاني ودخول وقت العشاء (دعاني) ثم (قال) لي: (ما فعل الذي قبلك؟ ) بكسر القاف وفتح الباء كما تقدم (قال: قلت: قد أراحك الله) تعالى (منه) فيه نسبة الأفعال إلى الله تعالى؛ فإنه هو الفاعل حقيقة وإن كان العبد هو المباشر للفعل، وهذا من آداب المخاطبة للأكابر إذا لم يقل: أرحتك منه (يا رسول الله، فكبر) أي: قال: الله أكبر. وفيه تكبير الله

ص: 174

تعالى وتعظيمه شكرًا لما أنعم به عليه من إراحته من هذا المال وتيسير إخراجه عنه (وحمد الله) بكسر الميم بعد التكبير على ما أنعم به عليه، زاد بعضهم: وإنما فعل ذلك (شفقًا) مفعول له، أي: كبر وحمد الله لأجل خوفه (من أن يدركه الموت) والشفق والإشفاق الخوف، يقال: أشفقت (1) أشفق إشفاقًا. وهي اللغة الغالبة، وحكى ابن دريد: شفقت أشفق شفقًا كما في الحديث (وعنده) شيء من (ذلك) المال، ففيه وحقيق على كل ذي عقل ولب أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم ادخار المال وكثرة الخوف من أن يبيت وعنده شيء منه لنفسه.

(ثم اتبعته) بتشديد التاء مع الوصل وسكونها مخففة مع فتح الهمزة (حتى جاء أزواجه) جميعهن (فسلم على) كل امرأة منهن (امرأة امرأة) فيه أن من لم يبت عند أهله ونسائه أو غاب عنهن ليلة فأكثر أن يدور عليهن في بيوتهن ويسلم على كل واحدة منهن ويلاطفهن بالسؤال عن حالهن، وهذا من حسن المعاشرة المأمور به في قوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2). وفيه أن الغائب عنهن إذا دار عليهن بالسلام لا يدخل عليهن بل يسلم دون دخول، ولا يدخل نهارًا إلا لحاجة كوضع متاع ونحوه، وإذا دخل فينبغي أن لا يطول مكثه (حتى أتى مبيته) حتى أتيت مبيت امرأته التي يستحق المبيت عندها أدخل عندها] (3) وجلس.

(1) في (ر): أشفق.

(2)

النساء: 19.

(3)

سقط من (ر).

ص: 175

ثم قال بلال لعبد الله بن لحي الهوزني: (فهذا الذي سألتني عنه)(1) من حال النبي صلى الله عليه وسلم.

[3056]

(حَدَّثَنَا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي، قال أبو حاتم: ثقة رضا (2)(حَدَّثَنَا مروان بن محمد) بن حسان الدمشقي الطاطري (3)(حَدَّثَنَا معاوية) بن سلام المذكور في الحديث قبله (4)(بمعنى إسناد أبي توبة) الربيع بن نافع شيخ المصنف (و) بمعنى (حديثه) و (قال عند قوله) حتى يرزق الله رسوله (ما يقضي عني؛ ) ديني (فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلم يرد لي جوابًا، تقدم سبب سكوته (فاغتمزتها) بالغين والزاي المعجمتين، قال المنذري: يحتمل أنه لما ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس عندك ما يقضي عني ولا عندي سكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه ولحقه خوف من اليهودي فأكنه في نفسه، ولم يتلفظ به، ولعله مأخوذ من غمز الشعر وهو كبسه باليد، انتهى.

فالظاهر أن الضمير في (فاغتمزتها) عائد على مقالة المشرك اليهودي أنه جمعها وكبس عليها في باطنه وذهب ليتجهز للسفر. ويحتمل أن يكون المراد: فاغتمزت سكتة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم جوابه لي.

[3057]

(حَدَّثَنَا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي الحمال شيخ مسلم (5)(حَدَّثَنَا أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (6) (حَدَّثَنَا

(1) زاد هنا في (ر) و (ح): عنك.

(2)

"الجرح والتعديل" 8/ 292.

(3)

"التقريب"(6573).

(4)

"التقريب"(6761).

(5)

"تهذيب التهذيب" 9/ 11.

(6)

"تهذيب التهذيب" 4/ 160.

ص: 176

عمران) بن داود القطان، أخرج له البخاري في غزوة ذات الرقاع (1)(عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير) العامري (2)(عن عياض) بكسر العين المهملة ثم مثناة تحت وبعد الألف ضاد معجمة (بن حمار) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم المجاشعي الصحابي، عداده في البصريين، أخرج له مسلم في صفة الجَنَّة والنار حديثًا واحدًا (3) (قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة) لفظ رواية الترمذي (4): عن عياض بن حمار أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية (5) أو ناقة (6)

الحديث.

(فقال) لي: (أسلمت؟ فقلت: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني نهيت عن) قبول (زبد) بفتح الزاي المعجمة وسكون الباء الموحدة (المشركين) أي: رفدهم (7). قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قال: ولقوله: "إني نهيت عن زبد المشركين" أي: هداياهم. قال: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل من المشركين هداياهم، قال: وذكر في هذا الحديث الكراهة، واحتمل أن يكون هذا بعدما كان يقبل ثم نهي عن هداياهم (8).

(1)(4125).

(2)

"تهذيب الكمال" 32/ 175.

(3)

التقريب (5274)، والحديث في "صحيح مسلم" برقم (2865).

(4)

.

(5)

في (ر): هداية.

(6)

"سنن الترمذي"(1577).

(7)

في (ر) وفدهم.

(8)

"سنن الترمذي" عقب حديث (1577).

ص: 177

وقال الجوهري: زبدت (1) الرجل أزبدة بالكسر إذا رضخت له من مال، وزبدته أزبده بالضم أطعمته الزبد (2).

وقال بعضهم: يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخًا، وفي هذا نظر؛ فإن الجمع ممكن. وقيل: أراد أن يغيظه (3) برد هديته فيغتاظ فيسلم (4).

* * *

(1) في الأصل: زبد. والمثبت من "الصحاح" للجوهري.

(2)

"الصحاح" 2/ 42.

(3)

في (ل): يغيضه. والمثبت من (ح).

وفي "معالم السنن": يغيظه.

(4)

انظر: "معالم السنن" 3/ 291، "عمدة القاري" 20/ 158.

ص: 178