الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
23 - باب في خبَرِ النَّضيرِ
3004 -
حدثنا محَمَّد بْنُ داوُدَ بْنِ سفْيانَ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ كفّارَ قُرَيْشٍ كَتَبوا إِلَى ابن أبيٍّ وَمَنْ كانَ يَعْبُد مَعَهُ الأوْثانَ مِنَ الأوسِ والخَزْرَجِ وَرَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَئِذٍ بِالَمدِينَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ: إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صاحِبَنا وِإنَّا نُقْسِمُ باللهِ لَتُقاتِلُنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجنَّة أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكمْ بِأَجْمَعِنا حَتَّى نَقْتُلَ مُقاتِلَتَكمْ وَنَسْتَبِيحَ نِساءَكمْ. فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أبيٍّ وَمَنْ كانَ مَعَه مِنْ عَبَدَةِ الأوثانِ اجْتَمَعوا لِقِتالِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النبي صلى الله عليه وسلم لَقِيَهمْ فَقالَ: "لَقَدْ بَلَغَ وَعِيد قُرَيْشٍ مِنْكم المَبالِغَ، ما كانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقاتِلوا أَبْناءَكمْ وإخْوانَكُمْ".
فَلَمَّا سَمِعوا ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَفَرَّقوا فَبَلَغَ ذَلِكَ كفّارَ قرَيْشٍ فَكَتَبَتْ كفّار قُرَيْشٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ إِلَى اليَهودِ إِنَّكمْ أَهْل الحَلْقَةِ والحصُونِ وَإنَّكُمْ لَتُقاتِلُنَّ صاحِبَنا أَوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذا وَكَذا، وَلا يحُول بَينَنا وَبَينَ خَدَمِ نِسائِكُم شَيْءٌ -وَهيَ الخَلاخِيل- فَلَمّا بَلَغَ كِتابهم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَجْمَعَتْ بَنو النَّضِيرِ بِالغَدْرِ فَأَرْسَلوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اخرجْ إِلَينا في ثَلاثِينَ رَجلًا مِنْ أَصْحابِكَ وَلْيَخْرجْ مِنَّا ثَلاثونَ حَبْرًا حَتَّى نَلْتَقيَ بِمَكانِ المَنْصَفِ فَيَسْمَعوا مِنْكَ. فَإنْ صَدَّقوكَ وَآمَنوا بِكَ آمَنّا بِكَ فَقَصَّ خَبَرَهمْ فَلَمّا كانَ الغَدُ غَدَا عَلَيْهِمْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالكَتائِبِ فَحَصَرَهمْ فَقالَ لَهُمْ: "إنَّكُمْ والله لا تَأْمَنُونَ عِنْدي إلَّا بِعَهْدِ تُعاهِدُوني عَلَيهِ" .. فَأَبَوْا أَنْ يُعْطوهُ عَهْدًا فَقاتَلَهمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ غَدَا الغَدُ عَلَى بَني قُرَيْظَةَ بِالكَتائِبِ وَتَرَكَ بَني النَّضِيرِ وَدَعاهمْ إِلَى أَنْ يُعاهِدُوهُ فَعاهَدُوهُ فانْصَرَفَ عَنْهُمْ وَغَدا عَلَى بَني النَّضِيرِ بِالكَتائِبِ فَقاتَلَهمْ حَتَّى نَزَلوا عَلَى الجَلاءِ فَجَلَتْ بَنو النَّضِيرِ واحْتَمَلوا ما أَقَلَّتِ الإِبِلُ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ وَأَبْوابِ بيُوتِهِمْ وَخَشَبِها فَكانَ نَخْلُ بَني النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً أَعْطاهُ الله إِيَّاها وَخَصَّهُ بِها فَقالَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} يقول بِغَيْرِ
قِتالٍ فَأَعْطَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أكثَرَها لِلْمُهاجِرِينَ وَقَسَمَها بَيْنَهُمْ وَقَسَمَ مِنْها لِرَجلَيْنِ مِنَ الأنصارِ وَكانا ذَوي حاجَةٍ لَم يَقْسِم لأحدٍ مِنَ الأنصارِ غَيْرَهُما، وَبَقيَ مِنْها صَدَقَة رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم التي في أَيْدي بَني فاطِمَةَ رضي الله عنها (1).
3005 -
حدثنا محَمَّدُ بْن يحْيَى بْنِ فارِسٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ يهُودَ بَني النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حارَبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنجلَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بَني النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَ رِجالَهُمْ وَقَسَمَ نِساءَهُمْ وَأَوْلادَهمْ وَأَمْوالَهمْ بَيْنَ المُسْلِمِينَ إِلا بَعْضَهُمْ لِحَقُوا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّنَهُمْ وَأَسْلَموا وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يهُودَ المَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَني قَيْنُقاعَ وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ هودَ بَني حارِثَةَ وَكُلَّ يهُوديٍّ كانَ بِالَمدِينَةِ (2).
* * *
باب في خبر النضير
[3004]
(حدثنا محمد بن داود بن سفيان) مقبول (3)(حدثنا عبد الرزاق) بن همام (أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) ولا تضر جهالة الصحابي؛ فإن الصحابة كلهم عدول مرضيون عند ربهم (4)(أن كفار قريش) الذين بمكة (كتبوا إلى) عبد الله (ابن أبي) بن سلول [اسم
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 9/ 232، وفي "دلائل النبوة" 3/ 178 - 179. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2656).
(2)
رواه البخاري (4028)، ومسلم (1766).
(3)
"التقريب"(5868).
(4)
"التمهيد" 22/ 47.
أمه] (1) وقيل: جدته.
(ومن كان معه) رواية: يعبد معه (يعبد الأوثان من الأوس والخزرج) وهما قبيلتان من الأنصار وجميع الأنصار الأوس والخزرج، والخزرج في اللغة الريح الباردة (2).
(ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ) أي: يوم كتبوا إلى ابن أبي ابن (3) سلول (بالمدينة قبل وقعة بدر: إنكم) بكسر الهمزة؛ لأنها بعد [كتب وكتب](4) وبالفتح، قال: ويجوز فتح الهمزة على حذف حرف الجر أي: بأنكم قد (آويتم) بمد الهمزة (صاحبنا) الذي من قريش [
…
] (5) أي: ضممتموه إليكم وحطتموه بينكم، وسموه صاحبهم لأن كل من جالس شخصًا أو خالطه سمي صاحبه صديقًا أو عدوًّا (وإنا) بتشديد النون الأصل إننا بنونين (نقسم) بضم النون (بالله) تعالى (لتقاتلنه) بفتح لام جواب القسم وضم تاء المضارعة بعدها وضم اللام قبل نون التوكيد المشددة (أو لتخرجنه) بضم تاء المخاطبين والجيم الدالة على الواو المحذوفة بعدها، والتقدير: فتخرجونه (6) من المدينة (أو لنسيرن) بفتح النون والراء التي قبل نون التوكيد، والمراد أنهم كتبوا إليه إن لم
(1) في الأصول: اسمه. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي 15/ 167، و"أسد الغابة" 3/ 274 (3039).
(2)
"المحكم والمحيط الأعظم" 5/ 322.
(3)
سقط من (ر).
(4)
في (ع)، (ر): كيت وكيت.
(5)
في الأصول كلمة غير واضحة.
(6)
في (ر): لتخرجونه.
نقاتله أو نخرجه وإلا سرنا (إليكم بأجمعنا) بفتح الميم تأكيد لرفع توهم مجيء بعضهم دون بعض، فلما أكد بأجمع انتفي (1) هذا التوهم وتعين مسيرهم جميعهم (حتى نقتل مقاتلتكم) أي: نقتل (2) كل من يقاتل منكم (ونستبيح نساءكم) قال في "النهاية": أي نسبيهن وننهبهن ونجعلهن وذراريهن مباحًا لهم فلا تبعة عليهم في ذلك، يقال: أباحه يبيحه، واستباحه يستبيحه إذا جعله حلالًا (3).
(فلما بلغ ذلك) الكتاب الذي من قريش إلى (عبد الله بن أبي) بالتنوين؛ لأن سلول ليست أمه كما تقدم.
(ومن كان معه من عبدة الأوثان) الذين على موافقته (أجمعوا) رأيهم وعزمهم (لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ) أمر (ذلك) الكتاب (النبي) بالنصب أي: فلما وصل خبر ذلك الكتاب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم لقيهم) بكسر القاف، (فقال) لهم:(لقد بلغ وعيد قريش) الكفار (منكم) كل (المبالغ) المهولة، وجمعه مؤذن بأن الخبر المهول من الخطوب الشديدة النكاية عند من لا شدة عنده ولا ثبات بمنزلة هجوم الرجال الدواهي عليه، وهي بلغت منه كل مبلغ ولقيت منه البرحا (4) يعني: الدواهي (5). فوالله (ما كانت) كفار قريش (تكيدكم) أي: تمكر بكم وتحاربكم (6) (بأكثر
(1) في (ر): النفي.
(2)
في (ر): يقاتل.
(3)
"النهاية" 1/ 421.
(4)
وفي "النهاية": البرحين بتثليث الباء.
(5)
"النهاية" 1/ 403.
(6)
في (ر): تجازيكم.
مما تريدون أن تكيدوا) بفتح التاء أي: تخدعوها، والكيد الاحتيال، ولهذا سميت الحرب كيدًا لاحتيال الرجال فيها ([به أنفسكم] (1) أتريدون) هكذا أصله بهمزة الاستفهام (أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟ ) الذين أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم فإن فيهم (2) من أبنائهم وإخوانهم (فلما سمعوا ذلك) القول (من رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا) عما كان اجتمعوا عليه (فبلغ ذلك كفار) بالنصب (قريش فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة) بفتح الحاء وسكون اللام هي السلاح تمامًا (3).
وقيل: أراد بها الدروع خاصة؛ لأنها حلق مستديرة ومنه الحديث: "وإن لنا أغفال الأرض، والحلقة"(4). وأغفال الأرض هي المجهولة التي ليس فيها أثر تعرف به (5)(والحصون) جمع حصن وهو المكان الذي لا يقدر عليه؛ لارتفاعه (وإنكم لتقاتلن صاحبنا) كما تقدم (أو) والله (لنفعلن) بكم (كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم) بفتح الخاء المعجمة والذال جمع خدمة كقصب جمع قصبة، والخدمة الخلخال (6).
قال أبو عبيد: أصل الخدمة الحلقة المستديرة ومنه سمي الخلخال بفتح الخاء (7).
(1) سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوعة.
(2)
سقط من (ر).
(3)
هكذا في الأصول وفي "النهاية": عاما.
(4)
"غريب الحديث" لأبي عبيد 3/ 199، و"النهاية" 1/ 427.
(5)
"النهاية" 3/ 705.
(6)
"النهاية" 2/ 38.
(7)
"غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 31.
(نسائكم شيء وهي الخلاخيل) جمع خلخال كما تقدم (فلما بلغ كتابهم) بالرفع (النبي صلى الله عليه وسلم أجمعت) رواية: اجتمعت قبيلة (بنو النضير) من اليهود (بالغدر) برسول الله صلى الله عليه وسلم (فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن (اخرج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابك وليخرج منا) أيضًا (ثلاثون حبرًا) بفتح المهملة [وسكون الموحدة هو: العالم ومنه قوله تعالى: {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} (1). (حتى نلتقي بمكان المنصف) بفتح الميم](2) وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها فاء أي: نصف المسافة.
وفي "النهاية": هو الموضع الوسط بين الموضعين (3). وفي رواية لغير المصنف: حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينكم (4). (فيسمعوا منك) كلامك (فإن صدقوك) فيما جئت به (وآمنوا بك آمنا بك) رواية (فقص خبرهم، فلما كان الغد) بضم الدال وهو اليوم الذي يأتي بعد يومك إثره وأصله الغدو مثل فلس ولكن حذفت اللام وجعلت الدال حرف إعرابه، ومما جاء على الأصل قول عبد المطلب في القتل: لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك، والمحال بكسر الميم هو الكيد والقوة (5).
(غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب) جمع كتيبة وهي القطعة العظيمة من الجيش، وتقع الكتيبة على نحو مائة إلى ألف ومنه الكتاب لاجتماع
(1) المائدة: 44.
(2)
سقط من (ر).
(3)
"النهاية" 5/ 146.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 358.
(5)
"غريب الحديث" للخطابي 3/ 152.
الحروف المجموعة بعضها إلى بعض (1).
قال الثعلبي (2) وغيره (3): فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبرًا من اليهود حتى إذا كانوا في براز من الأرض.
قال بعض اليهود: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلًا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله، فأرسلوا إليه كيف نفهم منك ونحن ستون رجلًا؟ اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيسمعوا منك، فإن آمنوا بك آمنا كلنا وصدقناك، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أرادوا (4) بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعًا حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فساره بخبرهم قبل أن يصل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب (فحصرهم) بفتح الحاء والصاد المهملتين أي: حاصرهم إحدى وعشرين ليلة.
(فقال لهم) وهو في حصارهم: ([إنكم والله] (5) لا تأمنون عندي) أنتم وذراريكم من هذا الحصار (إلا بعهد) من الله ورسوله وميثاق
(1)"النهاية" 4/ 253.
(2)
"الكشف والبيان" 9/ 268.
(3)
انظر: "تفسير الخازن" 7/ 56، و"تفسير البغوي" 8/ 68.
(4)
هكذا في الأصل، وفي "الكشف والبيان": أراد.
(5)
سقط من الأصل، والمثبت من المطبوعة.
(تعاهدوني (1) عليه، فأبوا أن يعطوه عهدًا) ولا ميثاقًا (فقاتلهم يومهم ذلك) أجمع فيه أن الأمر إذا اشتد في المحاصر من قاتلوه قاتلهم جميع النهار، ولا يقتصر على أوله وآخره.
(ثم غدا) مَنْ في (الغد) بالنصب في باقي اليوم (علي بني قريظة) من اليهود (بالكتائب) التي كانت معه (وترك) حصار (بني النضير) وقتالهم لما رأى في ذلك من المصلحة حين رآهم أقرب إلى العهد والميثاق من بني قريظة (2)(ودعاهم إلى أن يعاهدوه فعاهدوه) على ما أرادوا منهم (3)(فانصرف عنهم وغدا) أيضًا (علي بني النضير بالكتائب) التي معه (فقاتلهم) وحاصرهم (حتى نزلوا على الجلاء) بفتح الجيم والمد، وهو الخروج من البلد حين خرب وحرق حتى ألقى الله الرعب في قلوبهم حتى خرجوا (فجلت) بفتح الجيم واللام المخففة (بنو النضير) يقال: جلا عن الوطن إذا خرج منه مفارقًا له (واحتملوا) فكان جلاؤهم أول حشر من المدينة (ما أقلت الإبل) أقلت بتشديد اللام أي: ما أطاقت الإبل التي لهم حمله (من أمتعتهم) وأموالهم (وأبواب بيوتهم وخشبها) بفتح الخاء والشين جمع خشب كقصب وقصبة والخشب بضمتين، وإسكان الثاني تخفيف (4)، قرأه أبو عمرو والكسائي (5)، وقيل:
(1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: تعاهدونني.
(2)
في الأصل: النضير. والمثبت الصواب.
(3)
في (ر): منها.
(4)
قال ابن الأثير في "النهاية" 2/ 86: وتُضَمُّ الشّين وتُسَكَّن تخفيفا.
(5)
قال القرطبي في "الجامع" 18/ 125: وقرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي (خشْب) بإسكان الشين. وهي قراءة البراء بن عازب واختيار أبي عبيد؛ لأن واحدتها خشبة.
المضموم جمع المفتوح كالأسد بضمتين جمع أسد، ويحتمل أن يراد بالخشب غير الأبواب كالرفوف والصناديق ونحوها، واستثنى مما كان لهم أن يحملوه على إبلهم الحلقة وهي السلاح كما تقدم.
قال ابن عباس: صالحهم على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤوا من متاعهم ولنبي الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من أموالهم فكانوا ينظرون إلى الخشبة يستحسنونها (1) أو العمود أو السقف فيهدمون بيوتهم حتى ينتزعوها حتى الأوتاد (2). (فكان نخل بني النضير) التي في أرضهم (لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أعطاه الله) تعالى (إياها وخصه) الله تعالى (بها) يضعها حيث يشاء (فقال) تعالى: ({وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ}) أي: من أموال بني النضير ({فَمَا أَوْجَفْتُمْ}) أوضعتم وهو سرعة السير (3)({عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}) يعني: الإبل التي تحمل القوم وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسمها بينهم كما فعل بغنائم خيبر فبين الله في هذِه الآية أنها مما لم يوجف عليه من خيل ولا ركاب.
(يقول) أخذتموه (بغير قتال) منكم ولا قطعتم إليها شقة ولا نلتم في تحصيله مشقة، ولم يلقوا حربًا، وإنما كان بنو النضير على ميلين من المدينة فمشوا إليها مشيًا، ولم يركب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جمل.
(1) في (ر) بياض.
(2)
انظر: "تفسير الطبري" 23/ 268، "تفسير الخازن" 7/ 57، "تفسير البغوي" 5/ 53.
(3)
"النهاية" لابن الأثير 5/ 339، 431.
(فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم) أي: قسم (أكثرها للمهاجرين وقسمها بينهم) أي قسمها بين المهاجرين؛ لأنهم لما قدموا المدينة شاطرتهم الأنصار ثمارهم فردوا المهاجرين على الأنصار ثمارهم ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة (وقسم منها لرجلين من الأنصار، وكانا ذوي) بفتح الذال والواو (حاجة) وهما سهل بن حنيف بن واهب الأوسي شهد بدرًا وثبت يوم أحد (1). وأبا دجانة سماك بن خرشة بفتح المعجمة والراء والشين، وقيل: سماك بن أوس بن خرشة الخزرجي [الساعدي وزادوا ثالثا وهو الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك الخزرجي](2) النجاري (3) وأعطى سعد بن معاذ بن النعمان الأشهلي سيد الأوس الذي اهتز لموته عرش الرحمن سيف ابن أبي الحقيق، وكان سيفًا له ذكر عندهم (4).
(لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما) شيئًا (وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدتها خديجة، وقريش بنت البيت قبل النبوة بخمس سنين، وهي أصغر (5) بناته وأولاد فاطمة الحسين والحسن ومحسن وأم كلثوم.
[3005]
(حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) الذهلي (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا) عبد الملك (بن جريج، عن موسى بن عقبة) مولى آل
(1) انظر: "الإصابة" 3/ 198.
(2)
سقط من (ر).
(3)
انظر: "الإصابة" 7/ 119.
(4)
انظر: "الإصابة" 3/ 43.
(5)
سقط من (ر).
الزبير. (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن يهود بني النضير) بفتح النون قبيلة كبيرة (وقريظة) في "الأنواء"(1): كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب عليه السلام، [وهو يحتمل](2)، فإنه كان من بني جذام (3)(حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكان سبب المحاربة الواقعة بينهم وبينه نقضهم العهد، أما بنو النضير فإنهم كانوا (4) دسوا إلى قريش وحضوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلوهم على العورة فأرسل إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بعد أن هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتم عشرًا، وأما قريظة فبمظاهرتهم الأحزاب على النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة الخندق، وكانت الكفار بعد الهجرة مع النبي على ثلاثة أقسام قسم وادعوهم على أن لا يحاربوه ولا يساعدوا عليه عدوًا وهم الطوائف اليهود الثلاثة: قريظة، والنضير، وقينقاع، وقسم حاربوه، ونصبوا له العداوة كقريش (5)، وقسم تركوه وانتظروا ما يؤول إليه أمره كطوائف من العرب.
(فأجلى) أي: أخرج (رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير) وكان رئيسهم حيي ابن أخطب لما نقضوا العهد إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء
(1)"الأنواء" كتاب لعبد الملك بن يوسف.
(2)
هكذا في الأصول و"الفتح" 7/ 471، ولعلها: وما هو بمحتمل؛ لأن سياق الكلام عند ابن حجر يدل على ذلك وها هو: وذكر عبد الملك بن يوسف في كتاب "الأنواء" له أنهم كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب نبي الله عليه السلام وهو بمحتمل وأن شعيبا كان من بني جذام القبيلة المشهورة وهو بعيد جدا. انتهى. وقوله وهو بعيد جدا يدل على زيادة ما النافية في كلام ابن حجر والله أعلم. وانظر: "قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان" تحت عنوان: القبيلة الثانية من قبائل بني سبأ.
(3)
في الأصول: حرام. والتصويب من "فتح الباري" 7/ 471.
(4)
و (5) سقط من (ر).
فيما خلا، وكان الله كتب عليهم الجلاء وكان جلاؤهم أول حشر حشر في الدنيا إلى الشام (وأقر (1) قريظة) في بلادهم حتى لم يحاربوه، ولم يعينوا بني النضير (ومن عليهم) بترك القتال (حتى حاربت قريظة) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعد ذلك) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم في سبع بقين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف، وذكر ابن سعد أنه كان مع المسلمين ستة وثلاثين فرسًا (فقتل رجالهم) الذين قاتلوا.
(وقسم نساءهم وأولادهم) الصغار حيث لم يقاتلوا ولا خرجوا للقتال، وفي قتل النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة حين حاربوا دليل على أن من نقض العهد من العدو جاز قتله ولا خلاف فيه إذا حاربوا وعاونوا أهل الحرب. قال الأوزاعي: وكذا لو اطلع أهل الحرب على عورة المسلمين أو آووا عيونهم، وليس هذا نقضًا عند الشافعي (2)، وذكر ابن إسحاق عن عطية القرظي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت، قال: وكنت غلامًا لم أنبت فخلوا سبيلي (3). وكان النبي صلى الله عليه وسلم اصطفى من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة (4)، وكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها، ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة واسمها ثباتة بفتح المثلثة ثم موحدة امرأة الحكم القرظي.
(1) ورد بعدها في الأصل: نسخة معتمدة: (وأمن) بتشديد الميم.
(2)
"المفهم" 11/ 105، وانظر:"الأم" 4/ 186.
(3)
"الروض الأنف" 3/ 444.
(4)
في الأصول: خنافر. والمثبت من "الإصابة" 7/ 658؛ قال ابن حجر: ريحانة بنت شمعون بن زيد وقيل: زيد بن عمرو بن قنافة بالقاف أو خنافة بالخاء المعجمة وانظر: "الطبقات الكبرى" 8/ 129.
قال السهيلي: وفي قتلها دليل لمن قال: تقتل المرتدة من النساء أخذًا بعموم قوله عليه السلام: "من بدل دينه فاقتلوه"، ولا حجة لمن زعم من أهل العراق أن لا يقتل المرتدة لنهيه عليه السلام عن قتل النساء والولدان (1).
(و) قسم (أموالهم بين المسلمين) القسمة الشرعية فخمس غنائمهم وقسمت للفارس ثلاثة أسهم: سهمان للفرس وسهم له، وهو أول فيء وقعت فيه السهمان وخمس (إلا بعضهم) بالنصب يعني: ثلاثة نفر من بني عمهم من هذيل، ثَعْلَبةَ بْنِ سَعْيةَ وَأُسَيدِ بْنِ سَعيةَ وأَسدِ بنِ عُبيد (2)(لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنهم)(3) بمد الهمزة أي جعلهم آمنين (وأسلموا) على يد النبي صلى الله عليه وسلم.
(وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة كلهم بني) منصوب على البدلية (قينقاع) بفتح القاف وتسكين النون والأشهر فيها الضم، وكان بنو قينقاع أول من أخرج من المدينة وذكر الواقدي أن (4) إجلاءهم كان في شوال سنة اثنين يعني: بعد بدر بشهر ويؤيده ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا يوم بدر جمع يهود بني قينقاع، فقال: يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا، فقال: إنهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا عرفت أنا الرجال، فأنزل الله {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ
(1)"الروض الأنف" 3/ 444، وانظر:"السيرة الحلبية" 2/ 668.
(2)
"الروض الأنف" 1/ 369، "الإصابة" 1/ 52، 1/ 403، و"تاريخ دمشق" 29/ 115. وفي كتب السيرة: بني هدل.
(3)
ورد بعدها في الأصل: نسخة: فأمنهم.
(4)
سقط من (ر).
وَتُحْشَرُونَ} (1). وأغرب الحاكم فقال: إن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كان في زمن واحد.
قال شيخنا ابن حجر: ولم يوافق على ذلك؛ لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق (2).
(وهم قوم عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام، ولفظ البخاري (3): هم رهط عبد الله بن سلام، ولكونهم كانوا رهطه وقومه لما أسلم يوم قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قبل ذلك استعمل يومئذٍ عليهم عبد الله وجمع أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والسلاح (4) والأثاث والثياب، فوجد فيها ألفًا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفي رمح وخمسمائة ترس وجحفة (5).
وفيه دليل على استحباب أنه من (6) كان كبير قوم في الجاهلية ثم أسلم وحسن إسلامه (7) أن يستعمل عليهم؛ لكونه أعرف بحالهم وأخبر بمصالحهم.
(و) أجلا (يهود بني حارثة) بن الخزرج وهم بطن من الأنصار منهم رافع بن خديج (و) أجلا (كل يهودي كان) مقيمًا (بالمدينة) ويدخل في عموم (كل) المقيم والغريب والموافق لهم.
* * *
(1) انظر: "سيرة ابن هشام" 1/ 555، "الروض الأنف" 2/ 411.
(2)
"فتح الباري" 7/ 332.
(3)
(4028).
(4)
سقط من (ر).
(5)
انظر: "عيون الأثر" 2/ 55.
(6)
سقط من (ر).
(7)
زاد هنا في (ر): على.