الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِنْد الْأَئِمَّة وَإِن كَانَ من الكلف الَّتِي وَضعهَا الْمُلُوك فَإِنَّهَا لَا تُجزئ عَن الزَّكَاة
وَمن أنكر زَكَاة السَّائِمَة وَجَبت استتابته
فصل
الإقطاع الْيَوْم إقطاع استغلال لَيْسَ لَهُ بَيْعه وَلَا وهبته بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة وَلَا ينْتَقل إِلَيّ ورثته بِخِلَاف مَا كَانَ فِي العصور الأولى
وَمَا يَأْخُذهُ الْجند لَيْسَ أُجْرَة للْجِهَاد لِأَنَّهُ لَو كَانَ أُجْرَة كَانَ لفعل الْجِهَاد وَإِنَّمَا عَلَيْهِم أَن يقاتلوا فِي سَبِيل الله لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا وَيكون الدّين كُله لله وأجرهم عَليّ الله فَإِن الله تَعَالَى اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة
والاقطاع يأخذونه معاونة لَهُم وَرِزْقًا لنفقة عِيَالهمْ ولأقامة الْخَيل وَالسِّلَاح وَفِي الحَدِيث مثل الَّذِي يَغْزُو من أمتى فِي سَبِيل اله مثل أم مُوسَى ترْضع ابْنهَا وَتَأْخُذ أجرهَا فهى ترْضِعه لما فِي قَلبهَا عَلَيْهِ من الشَّفَقَة وَالرَّحْمَة لَا لأجل أجرهَا كَذَا الْمُجَاهِد ويغزو لما فِي قلبه من الْإِيمَان بِاللَّه وَالدَّار الْآخِرَة لَا لأجل المَال
وَإِذا كَانَ الله قد أَمر الْمُسلمين من الصَّحَابَة وَغَيرهم أَن يجاهدوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم وَأوجب عَلَيْهِم عشر أَمْوَالهم من الْخَارِج من الأَرْض فَكيف لَا يجب على من يعْطى مَالا ليجاهد وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من جهز غازيا فقد غزا وَمن خَلفه فِي أَهله فقد غزا فَالَّذِي يعْطى الْمُجَاهِد يكون مُجَاهدًا بِمَالِه والمجاهد يُجَاهد بِنَفسِهِ وَأجر كل وَاحِد مِنْهُمَا على الله لَا ينقص أَحدهمَا من الآخر شَيْئا وَلم يكن هَذَا أَجِيرا لهَذَا
وَلَو أعْطى رجل من الْمُسلمين رجلا أَرضًا يستغلها وَيكون هُوَ يُجَاهد فِي سَبِيل الله لوَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْعشْر وَلم يسْقط لأجل الْجِهَاد فَإِن الإقطاع أولى
وَولى الْأَمر لَا يعطيهم من مَاله وَإِنَّمَا يقسم بَينهم حَقهم كَمَا يقسم التَّرِكَة بَين الْوَرَثَة وَلِهَذَا يجوز لَهُم إجَازَة كَمَا يجوز لأهل الْوَقْف كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونهوا عَن الْمُنكر وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور}
فَمن قَامَ بِهَذِهِ الْأُمُور نَصره الله على عدوه
فعلى كل من أنبت الله لَهُ زرعا الْعشْر سَوَاء كَانَ بِأَرْض مصر أَو غَيرهَا من كمالك ومستأجر ومقطع ومستعير
وَكَذَلِكَ التَّمْر وَالزَّبِيب وَنَحْوه مِمَّا تجب فِيهِ لزكاة فَلَا تخلى الأَرْض من عشر أَو خراج بِاتِّفَاق الْمُسلمين
وَلَكِن اخْتلفُوا هَل يجْتَمع الْعشْر وَالْخَرَاج الَّذِي هُوَ خراج الاسلام
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا وَقَالَ الْبَاقُونَ نعم
وَالْأَرْض الخراجية عِنْد أبي حنيفَة هِيَ الَّتِي يملكهَا صَاحبهَا وَعَلِيهِ فِيهَا الْخراج وَله بيعهَا وهبتها وتورث عَنهُ
فَمن قَالَ إِن أَرض مصر الْيَوْم لَا عشر عَلَيْهَا عِنْد أبي حنيفَة فقد أَخطَأ لِأَن الْجند لَا يملكونها وَلَا الفلاحون وَلم يضْرب على المقطع خراج فِي خدمته
وَإِذا تركت الأَرْض الْمَمْلُوكَة بِلَا عشر ولاخراج كَانَ هَذَا مُخَالفا لإِجْمَاع الْمُسلمين
وَمن أفتى بخلو هَذِه الأَرْض عَن الْعشْر وَالْخَرَاج يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل وَمن زعم أَن الْجِهَاد هُوَ عوض الْخراج فقد أَخطَأ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَنهم لَا يملكُونَ الْخراج بل تنَازع النَّاس فِي إجَازَة الإقطاع حَتَّى ظن طوائف من الحنيفة وَغَيرهم أَنه لَا يُؤجر لِأَن المقطع لم يملك الْمَنْفَعَة بِنَفسِهِ وَالْأَرْض الخراجية يؤجرها من عَلَيْهِم الْخراج بِالْإِجْمَاع
الثَّانِي أَن مَا يعطاه الجندي من الرزق لَيْسَ خراجا عَلَيْهِم وَلَا أُجْرَة للْجِهَاد
بل هم أعظم الْمُسْتَحقّين وَغَيره من أصُول الفئ والفئ إِمَّا أَن يختصوا بِهِ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَإِمَّا أَن يَكُونُوا من أَحَق الْمُسلمين بِهِ فَكيف يكون الْخراج مأخوذا مِنْهُم
وَقَول الْقَائِل الامام أسقط عَنْهُم الْخراج لكَوْنهم من الْمُقَاتلَة فصاروا كَأَنَّهُمْ يؤدونه
يُقَال لَهُ هَذَا لَا يسْقط الزَّكَاة لِأَن إقطاعهم إِيَّاهَا لأجل أَن يستغلوها بِلَا خراج وَلَو كَانَ كالخراجية لجازلهم بيعهَا وَالَّذِي تنقل إِلَيْهِ إِمَّا أَن يُؤدى خراجهات أَو يسْقط عَنهُ الْخراج إِن كَانَ من الْمُقَاتلَة فَأَما مَا لم يكن لَهُم ذَلِك علم أَنه لَا خراج عَلَيْهِم
وَلَو اسْتَأْجر الْمُجَاهِد أَرضًا كَانَ عَلَيْهِ الْعشْر عِنْد الْجُمْهُور وَعَلِيهِ الْأُجْرَة لرب الأَرْض وَهُوَ قَول صَاحِبي أبي حنيفَة
وَأَبُو حنيفَة يَقُول الْعشْر على الْمُؤَجّر فَلَا يجْتَمع عِنْده الْأُجْرَة وَالْعشر
وَأَبُو حنيفَة أسقط الْعشْر عَمَّن عَلَيْهِ الْخراج قَالَ لِأَن كِلَاهُمَا حق وَجب بِسَبَب الأَرْض والمقطع لم يُعْط شَيْئا غير مَا أعد نَفسه لَهُ من الْقِتَال
أَلا ترى أَنه لَو أَخذ بعض الْمُسلمين أَرضًا خَرَاجِيَّة كَانَ عَلَيْهِ الْعشْر مَعَ الْجِهَاد يُوضح ذَلِك أَن الأَرْض لَو كَانَت عشرِيَّة وَصَارَت لبيت المَال بطرِيق الْإِرْث فأقطعها السُّلْطَان لمن يستغلها من المقالتة فَهَل يكون ذَلِك مسْقطًا للعشر فَمن يَجْعَل الاقطاع اسْتِئْجَار يَجْعَل الْمُجَاهدين بِمَنْزِلَة من يستأجره الإِمَام للعمارة والفلاحة يَقُول إِذا كَانَ الْخراج على شخص فاعتاض عَنهُ الإِمَام بِبَعْض هَذِه الاعمال كَانَت الأَرْض خَرَاجِيَّة
وَهَذَا غلط عَظِيم فَإِنَّهُ يخرج الْجِهَاد عَن أَن يكون قربَة وَطَاعَة وَيجْعَل الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله بِمَنْزِلَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى استؤجروا الْعِمَارَة وصنعة سلَاح وَالْفُقَهَاء متفقون على الْفرق بَين الِاسْتِئْجَار عَليّ الْقرب وَبَين رزق أَهلهَا