الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَقَوله عليه الصلاة والسلام دَعْوَة أخي ذِي النُّون لَا إِلَه رلا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين مَا دَعَا بهَا مكروب رلا فرج الله تَعَالَى كربته
اعْلَم أَن لفظ الدُّعَاء والدعوة يتَنَاوَل معنين دُعَاء الْعِبَادَة ودعاد الْمَسْأَلَة وكل عَابِد سَائل وكل سَائل عَابِد فأحد الاسمين يتَنَاوَل الآخر عِنْد تجرده عَنهُ وَإِذا جمع بَينهمَا فَإِنَّهُ يُرَاد بالسائل الَّذِي يطْلب جلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة بصيغ السُّؤَال والطلب وَيُرَاد بالعابد من يطْلب ذَلِك بامتثال الْأَمر وَإِن لم يكن هُنَاكَ صِيغَة سُؤال وَلَا طلب
وَلَا يتَصَوَّر زن يَخْلُو دَاع لله دُعَاء عبَادَة أَو دُعَاء مَسْأَلَة من الرغب والرهب وَالْخَوْف والطمع
وَمَا يذكر عَن بعض الشُّيُوخ أَنه جعل الْخَوْف والرجاء من مقامات الْعَامَّة فَهَذَا قد يُفَسر مُرَاده بِأَن المقربين يُرِيدُونَ وَجه الله فيقصدون التَّلَذُّذ بِالنّظرِ إِلَيْهِ وَإِن لم يكن هُنَاكَ مَخْلُوق يتلذذ بِهِ سُبْحَانَهُ
وَهَؤُلَاء يرجون حُصُول هَذَا الْمَطْلُوب وَيَخَافُونَ حرمانه أَيْضا فَلم يخلوا عَن الْخَوْف والرجاء لككن مرجوهم ومخوفهم بِحَسب مطلوبهم
وَمن قَالَ من هَؤُلَاءِ لم أعبدك خوفًا من نارك وَلَا شوقا إِلَى جنتك فَهُوَ يظنّ أَن الْجنَّة اسْم لما يتمتع بِهِ من الْمَخْلُوقَات وَأَن النَّار اسْم لما لَا عَذَاب فِيهِ سوى ألم الْمَخْلُوقَات
وَهَذَا قُصُور مِنْهُم عَن فهم مُسَمّى الْجنَّة وَمَا فيهم من النَّعيم بل كل مَا أعد الله لأولياذه فَهُوَ من الْجنَّة وَالنَّظَر إِلَيْهِ هُوَ من الْجنَّة وَلِهَذَا كَانَ أفضل الْخلق صلى الله عليه وسلم يسْأَل ربه الْجنَّة ويستعيذ بِهِ من النَّار
مسألة وَقد أنكر على من يَقُول أَسأَلك لَذَّة النّظر إِلَى وَجهك فريق من أخهل الْكَلَام فظنوا أَن الله لَا يتلذذ بِالنّظرِ رلي وَجهه وَأَنه لَا نعيم إِلَّا بمخلوق فغلطوا فِي معنى الْجنَّة كَمَا غلط أُولَئِكَ السائلون لكن أُولَئِكَ طلبُوا مَا يسْتَحق أَن يطْلب وَهَؤُلَاء أَنْكَرُوا ذَلِك
وَأما التألم بالنَّار فَهُوَ أَمر ضَرُورِيّ وَمن قَالَ لَو أدخلني النَّار كنت رَاضِيا فَهُوَ عزم مِنْهُ والعزائم قد تَنْفَسِخ عِنْد وجود الْحَقَائِق وَمثل هَذَا يَقع فِي كَلَام طَائِفَة مثل سمنون الَّذِي قال
فَلَيْسَ لي فِي سواك حَظّ
…
فكيفما شذت فامتحني
فَابْتلى بعسر الْبَوْل فَجعل يطوف على صبيان الْمكَاتب وَيَقُول ادعوا لعمكم الْكذَّاب
وَبَعض من تكلم فِي علل المقامات وَجعل الْحبّ وَالرِّضَا وَالْخَوْف والرجاء من مقامات الْعَامَّة بِنَاء على مشادة الْقدر وَأَن من نظر إِلَى الْقدر فقد نظر إِلَى تَوْحِيد الْأَفْعَال حَتَّى فنى من لم يكن وبقى من لم يزل يخرج عَن هَذِه الْأُمُور
وَهَذَا كَلَام مُسْتَدْرك حَقِيقَة وَشرعا
وَأما الْحَقِيقَة فَإِن الْحَيّ لَا يتَصَوَّر إِلَّا حساسا محبا لما يائمه مبغضا لما ينافره وَمن قَالَ إِن الْحَيّ يتَصَوَّر عِنْده أَن يستوى جَمِيع المقدورات فَهُوَ أحد رجلَيْنِ إِمَّا جَاهِل وَإِمَّا مكابر معاند لَا يتَصَوَّر مَا يَقُول
فَمن زعم أَن الْمشَاهد لمقام تَوْحِيد الربوبية يدْخل إِلَيّ مقَام الْجمع والفناء فَلَا يشْهد فرقا فَإِنَّهُ غالط غَلطا فَاحِشا بل ال بُد من الْفرق فرنه أَمر ضَرُورِيّ لَكِن إِذا خرج عَن الْفرق الشَّرْعِيّ بقى الْفرق الطبيعي فَيبقى مُتبعا لهواه لَا مُطيعًا لمَوْلَاهُ وَلِهَذَا لما وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة بَين الْجُنَيْد وَأَصْحَابه ذكر لَهُم الْفرق الثَّانِي وَهُوَ أَن يفرق بَين الْمَأْمُور والمحظور وَبَين مَا يُحِبهُ الله ويكرهه مَعَ شُهُوده الْقدر الْجَامِع فَيشْهد الْفرق فِي الْقدر الْجَامِع
وَمن لَا يفرق بَين الْمَأْمُور والمحضور فقد خرج عَن دين الْإِسْلَام وَخرج إِلَى وحدة الْوُجُود الَّتِي لَا يفرق معتقدوها بَين الْخَالِق والمخلوق وَلَكِن لَيْسَ كل هَؤُلَاءِ إِلَيّ هَذَا الْإِلْحَاد بل قد يفرقون من وَجه دون وَجه فيطيعون الله وَرَسُوله تَارَة ويعصون الله وَرَسُوله أُخْرَى كالعصاة من أهل الْقبْلَة
ودعوة ذِي النُّون تتَنَاوَل نَوْعي الدُّعَاء
فَقَوله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت اعْتِرَاف بتوحيد الإلهية وتوحيد الألهية يتَضَمَّن أحد نَوْعي الدعاد فَإِن الْإِلَه هُوَ الْمُسْتَحق لِأَن يدعى عبَادَة وَدُعَاء مَسْأَلَة وهوالله الَّذِي لَا رله رلا هُوَ
وَقَوله إِي كنت من الظَّالِمين اعْتِرَاف بالذنب وَهُوَ يتَضَمَّن طلب الْمَغْفِرَة فَإِن الطّلب تَارَة يكون بِصِيغَة الطّلب وَتارَة يسزل بصسغة الْخَبَر إِمَّا بوص حَاله وَإِمَّا بِوَصْف حَال المسذول وَإِمَّا بِوَصْف الْحَالين وَقد صَحَّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ أفضل مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي يَوْم عَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شئ قدير
وَسُئِلَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَحمَه الله تَعَالَى عَن أفضل الدُّعَاء فَذكر هَذَا الحَدِيث وَأنْشد قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت يمدح ابْن جدعَان
…
أأذكر حَاجَتي أم قد كفاني
…
حباؤك إِن شيتك الحباء
…
إِذا أثنى عَلَيْك الْمَرْء يَوْمًا
…
كَفاهُ من تعرضه الثَّنَاء
…
قَالَ فَهَذَا مَخْلُوق يُخَاطب مخلوقا فَكيف بالخالق تَعَالَى
وأكمل أَنْوَاع الطّلب مَا تضمن وصف حَال الدَّاعِي والمدعو وَالسُّؤَال بالمطابقة كَحَدِيث أبي بكر رضي الله عنه اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا
وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم أَخْرجَاهُ فِي الصحيحن
لَكِن صَاحب الْحُوت مقَامه مقَام اعْتِرَاف فَنَاسَبَ حَاله صِيغَة الْوَصْف وَالْخَبَر