الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
هَل الذَّبِيح إِسْمَاعِيل أَو إِسْحَاق فِيهِ قَولَانِ مشهوران هما رِوَايَتَانِ كل مِنْهُمَا قَول عَن السّلف وَنَصّ القَاضِي أَبُو يعلى أَنه إِسْحَاق تبعا لأبي بكر عبد الْعَزِيز وَقَالَ ابْن أبي مُوسَى الصَّحِيح أَنه إِسْمَاعِيل
وَالَّذِي يجب الْقطع بِهِ أَنه إِسْمَاعِيل
يدل على ذَلِك الْكتاب وَالسّنة والتوراة فَإِن فِيهَا أَنه قَالَ لإِبْرَاهِيم اذْبَحْ ابْنك وحيدك وَفِي تَرْجَمَة أُخْرَى بكرك وَإِسْمَاعِيل هُوَ بكره ووحيده بِاتِّفَاق الْمُسلمين وَأهل الْكتاب لَكِن أهل الْكتاب حرفوا فزادوا إِسْحَاق فَتلقى ذَلِك مِنْهُم من تَلقاهُ وشاع بَين الْمُسلمين
وَمِمَّا يدل على أَنه إِسْمَاعِيل عليه السلام قصَّة الذَّبِيح الَّتِي فِي الصافات حَيْثُ قَالَ {فبشرناه بِغُلَام حَلِيم فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي قَالَ يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك فَانْظُر مَاذَا ترى} إِلَى قَوْله تَعَالَى {وفديناه بِذبح عَظِيم} إِلَى قَوْله {وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا من الصَّالِحين وباركنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَاق وَمن ذريتهما محسن وظالم لنَفسِهِ مُبين} فَهَذِهِ الْقِصَّة تدل من وُجُوه على أَنه إِسْمَاعِيل
أَحدهَا أَن الْبشَارَة بالذبيح ذكر فِيهَا قصَّة ذبحه فَلَمَّا استوفى ذَلِك قَالَ {وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا من الصَّالِحين وباركنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَاق} فهما بشارتان بِشَارَة بالذبيح وَبشَارَة بإبنه إِسْحَق وَهَذَا يبين الْوَجْه الثَّانِي
أَنه لم يذكر قصَّة الذَّبِيح إِلَّا فِي هَذِه السُّورَة وَفِي ساذر الْمَوَاضِع يذكر الْبشَارَة بِإسْحَاق خَاصَّة كَمَا قَالَ فِي سُورَة هود {وَامْرَأَته قَائِمَة فَضَحكت فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الذاريات {فأوجس مِنْهُم خيفة قَالُوا لَا تخف وبشروه بِغُلَام عليم} وَقَالَ فِي
سُورَة الْحجر {قَالُوا لَا توجل إِنَّا نبشرك بِغُلَام عليم قَالَ أبشرتموني على أَن مسني الْكبر فَبِمَ تبشرون} وَلم يذكر مَعَ الْبشَارَة بِإسْحَاق أَنه ذبيح مَعَ تعدد الْمَوَاضِع فَإِذا كَانَ قد ذكر الْبشَارَة بِإسْحَاق وَحده غير مرّة وَلم يذكر الذَّبِيح ثمَّ ذكر البشارتين جَمِيعًا الْبشَارَة بالذبيح والبشارة بِإسْحَاق بعده كَانَ هَذَا من أبين الْأَدِلَّة على أَن إِسْحَاق لَيْسَ هُوَ الذَّبِيح
وَيُؤَيّد ذَلِك أَنه ذكر هِبته وَهبة يَعْقُوب لإِبْرَاهِيم بقوله {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة وكلا جعلنَا صالحين} وَقَوله {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب وَجَعَلنَا فِي ذُريَّته النُّبُوَّة وَالْكتاب وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين} وَلم يذكر ذَلِك فِي الذَّبِيح
الْوَجْه الثَّالِث أَنه تَعَالَى ذكر فِي الذَّبِيح أَنه غُلَام حَلِيم وَلما ذكر الْبشَارَة بِإسْحَاق قَالَ {بِغُلَام عليم} فِي غير مَوضِع وَلَا بُد لهَذَا التَّخْصِيص من حِكْمَة وَهل يلغى اقتران الوصفين والحليم الَّذِي هُوَ ثَابت للصبر الَّذِي هُوَ خلق الذَّبِيح وَإِسْمَاعِيل وصف بِالصبرِ فِي قَوْله {وَإِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس وَذَا الكفل كل من الصابرين} وَهَذَا وَجه فَإِنَّهُ قَالَ {ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين}
الْوَجْه الرَّابِع أَن الْبشَارَة بِإسْحَاق كَانَت معْجزَة لِأَن أمه عَجُوز عقيم وَأَبوهُ قد مَسّه الْكبر والبشارة مُشْتَركَة لإِبْرَاهِيم وَامْرَأَته وَأما الْبشَارَة بالذبيح فَكَانَت لإِبْرَاهِيم وامتحن بذَبْحه دون الْأُم المبشرة رلم تكن وِلَادَته خرق عَادَة وَهَذَا يُوَافق مَا نقل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه فِي الصَّحِيح من أَن إِسْمَاعِيل لما ولد لهاجر غارت سارة فَذهب إِبْرَاهِيم بِإِسْمَاعِيل وَأمه إِلَى مَكَّة وَهُنَاكَ كَانَ أَمر الذّبْح فانه يُؤَيّد أَن إِسْمَاعِيل هُوَ الذَّبِيح لَيْسَ هُوَ إِسْحَاق لِأَنَّهُ قَالَ {فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} والبشارة بِيَعْقُوب تقتضى أَن إِسْحَاق يعِيش ويولد لَهُ يَعْقُوب فَكيف يَأْمر بعد ذَلِك بذَبْحه وَكَانَت الْبشَارَة وقضة الذَّبِيح فِي حَيَاة إِبْرَاهِيم بِلَا ريب