الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحِرْص على المَال والرياسة يُوجب ذَلِك أما مُجَرّد حب الْقلب إِذا كَانَ الْإِنْسَان يفعل مَا أَمر الله بِهِ يتْرك مَا نهى عَنهُ وَيخَاف مقَام ربه وَينْهى النَّفس عَن الْهوى فَإِن الله تَعَالَى لَا يُعَاقب على مثل هَذَا إِذا لم يكن مَعَه عمل
وَجمع المَال إِذا قَامَ فِيهِ بالواجبات وَلم يكتسبه من الْحَرَام لَا يُعَاقب عَلَيْهِ لَكِن إِخْرَاج الْفضل والاقتصار على الْكِفَايَة أفضل وَأسلم وأفرغ للقلب وَأجْمع للهم وأنفع للدنيا وللآخرة وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم من أصبح وَالدُّنْيَا أكبر همه شتت الله عَلَيْهِ شَمله وججعل فقره بَين عَيْنَيْهِ وَلم يَأْته من الدُّنْيَا إِلَّا مَا كتب لَهُ وَمن أصبح وَالْآخِرَة همه جعل الله غناهُ فِي قلبه وَجمع عَلَيْهِ ضيعته وأتته الدُّنْيَا وَهِي راغمة
وَقَوْلهمْ حب الدُّنْيَا رَأس كل خَطِيئَة لَيْسَ هُوَ حَدِيثا بل هُوَ مَعْرُوف عَن جُنْدُب بن عبد الله رضي الله عنه وَيذكر عَن الْمَسِيح
وَإِذا اعْتدى عَلَيْهِ بالشتم فَلهُ أَن يرد بِمثل ذَلِك فيشمته إِذا لم يكن ذَلِك محرما لعَينه كالكذب وَأما إِن كَانَ محرما لعَينه كالقذف بِغَيْر الزِّنَا فَإِنَّهُ يعزز عَليّ ذَلِك وَلَو عزّر عَليّ النَّوْع الأول من الشتم جَازَ وَهُوَ الَّذِي يشرع إِذا كثر سفهه أَو عدوانه على من هُوَ أفضل مِنْهُ
فصل فِي الذُّنُوب الْكَبَائِر
أمثل الْأَقْوَال فِيهَا هُوَ الْمَأْثُور عَن السّلف كَابْن عَبَّاس وَأبي عبيد وَأحمد ابْن حَنْبَل وَهُوَ أَن الصَّغِير مادون الحدين وَهُوَ أَن الصَّغِيرَة مادون الحدين حد الدُّنْيَا وحد الْآخِرَة وَهُوَ
معنى قَول الْقَائِل كل ذَنْب ختم بلعنة أَو غضب أَو نَار فَهُوَ من الْكَبَائِر وَمعنى قَوْلهم لَيْسَ فِيهَا حد فِي الدُّنْيَا وَلَا وَعِيد فِي الْآخِرَة أى وَعِيد خَاص كالوعيد بالنَّار وَالْغَضَب واللعنة
وَذَلِكَ أَن الْوَعيد الْخَاص فِي الْآخِرَة كالعقوبة الْخَاصَّة فِي الدُّنْيَا فَكَمَا أَنه يفرق فِي الْعُقُوبَات الْمَشْرُوعَة للنَّاس بَين الْعُقُوبَات الْمقدرَة بِالْقطعِ وَالْقَتْل وَجلد مائَة أَو ثَمَانِينَ وَبَين الْعُقُوبَات الَّتِي لَيست بمقدرة وَهِي التَّعْزِير فَكَذَلِك يفرق فِي الْعُقُوبَات الَّتِي يجزى الله بهَا الْعباد وَفِي غير أَمر الْعباد بهَا بَين الْعُقُوبَات الْمقدرَة كالغضب واللعنة وَالنَّار وَنَفس الْعُقُوبَات الْمُطلقَة
وَهَذَا الضَّابِط يسلم من القوادح الْوَارِدَة عَليّ غَيره فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ كل مَا ثَبت بِالنَّصِّ أَنه كَبِيرَة كالشرك وَالْقَتْل وَالزِّنَا وَالسحر وَقذف الْمُحْصنَات وَغير ذَلِك من الْكَبَائِر الَّتِي فِيهَا عقوبات مقدرَة مَشْرُوعَة وكالفرار من الزَّحْف وَأكل مَال الْيَتِيم وَأكل الرِّبَا وعقوق الْوَالِدين وَالْيَمِين الْغمُوس وشاهداة الزُّور فَإِن هَذِه الذُّنُوب وأمثالها فِيهَا وَعِيد خَاص وَكَذَلِكَ كل ذَنْب توعد صَاحبه بِأَنَّهُ لَا يدْخل الْجنَّة أَو لَا يشم رائحها أَو قيل فِيهِ من فعله فَلَيْسَ منا لِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد مَا تَقوله المرجئة أَنه لَيْسَ من خيارنا وَلَا مَا يَقُوله الْخَوَارِج أَنه صَار كَافِرًا وَلَا مايقوله الْمُعْتَزلَة من أَنه لم يبْق مَعَه من الايمان شئ بل هُوَ مُسْتَحقّ للخلود فِي النَّار فَهَذِهِ كلهَا أَقْوَال بَاطِلَة
وَلَكِن الْمُؤمن الْمُطلق فِي بَاب الْوَعْد والوعيد وَهُوَ الْمُسْتَحق لدُخُول الْجنَّة بِلَا عِقَاب فَهُوَ الْمُؤَدى للفرائض المجتنب للمحارم وَهَؤُلَاء هم الْمُؤْمِنُونَ عِنْد الْإِطْلَاق فَمن فعل هَذِه الكباذر لم يكن من هَؤُلَاءِ الْمُؤمنِينَ إِذْ هُوَ متعرض للعقوبة على تِلْكَ الْكَبِيرَة فنفى الْإِيمَان أَو دُخُول الْجنَّة أَو كَونه لَيْسَ من الْمُؤمنِينَ لَا يكون إِلَّا عَن كَبِيرَة فَأَما الصَّغَائِر فَلَا تنفى هَذَا الِاسْم وَلَا يحكم على صَاحبهَا بمجردها فَيعرف أَن النَّفْي لَا يكون لترك مُسْتَحبّ وَلَا لفعل صَغِيرَة بل لترك وَاجِب
وَالدَّلِيل على أَن هَذَا الضَّابِط أولى من غَيره من وُجُوه
أَحدهَا أَنه مأثور عَن السّلف
وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى يَقُول {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا} فقد وعد مجتنب الْكَبَائِر بتكفير السَّيِّئَات وَاسْتحق الْمدْخل الْكَرِيم
وكل من وعد بغضب أَو لعنة أَو نَار أَو حرمَان من جنَّة أَو مَا يقتضى ذَلِك فَإِنَّهُ خَارج عَن الْوَعْد فَلَا يكون من مجتنبي الْكَبَائِر وَكَذَلِكَ من اسْتحق أَن تُقَام عَلَيْهِ الْحُدُود لم يكن اسْتِثْنَاؤُهُ مكفرا باجتناب الْكَبَائِر
الثَّالِث أَن هَذَا الضَّابِط يرجع إِلَى مَا ذكره الله وَرَسُوله فِي الذُّنُوب فَهُوَ متلقى من خطاب الشَّارِع
الرَّابِع أَن هَذَا الضَّابِط يُمكن الْفرق بِهِ بَين الْكَبَائِر والصغائر بِخِلَاف غَيره
الْخَامِس أَن تِلْكَ الْأَقْوَال فَاسِدَة فَقَوْل من قَالَ إِنَّه مَا اتّفقت الشَّرَائِع على احريمه دون مَا اخْتلفت فِيهِ فَوَجَبَ أَن تكون الْحبَّة من مَال الْيَتِيم أَو من السّرقَة والخيانة والكذبة الْوَاحِدَة وَبَعض الإحسانات الْخفية وَنَحْو ذَلِك كَبِيرَة وَأَن يكون الْفِرَار من الزَّحْف لَيْسَ من الْكَبَائِر إِذا الْجِهَاد لم يجب فِي كل شَرِيعَة وَكَذَلِكَ يقتضى أَن يكون التَّزْوِيج بالمحرمات من الرضَاعَة أَو الصهر أَو غَيرهَا لَيْسَ من الكباذر وَكَذَلِكَ إمْسَاك الْمَرْأَة بعد الطَّلَاق الثَّلَاث ووطؤها بعد ذَلِك وَكَذَلِكَ قَول من قَالَ إِنَّهَا مَا تسد بَاب الْمعرفَة أَو ذهَاب النُّفُوس أَو الْأَمْوَال يُوجب أَن يكون الْقَلِيل من الْغَصْب والخيانة كَبِيرَة وَأَن يكون عقوق الْوَالِدين وَقَطِيعَة الرَّحِم وَشرب الْخمر وَأكل الْميتَة وَلحم الْخِنْزِير وَقذف الْمُحْصنَات وَنَحْوه لَيْسَ من الكباذر
وَمن قَالَ إِنَّهَا سميت كباذر بِالنِّسْبَةِ إِلَى مادنها أَو أَن ماعصى الله بِهِ فَهُوَ