الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفُقَهَاء إِن مُنْهَزِم الْبُغَاة يقتل إِذا كَانَ لَهُ طَائِفَة يأوى إِلَيْهَا فيخاف عودة بِخِلَاف المثحن مِنْهُم والمقتول قد يُقَال إِنَّه يكفر عَنهُ بعض ذَنبه مَعَ أَنه مَعَ أهل النَّار بِخِلَاف المنهزم الْمصر على الْحِنْث الْعَظِيم فانه أَسْوَأ حَالا مِنْهُ
فصل
هَؤُلَاءِ الْقَوْم المسمون بالنصيرية الَّذين ينزلون جبال الدروز من بِلَاد الشَّام وَغَيرهَا وَسَائِر أَصْنَاف القرامطة الباطنية هم أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى بل وأكفر من كثير من الْمُشْركين وَفِيهِمْ من جنس دين البراهمة والوثنيين والملحدين وضررهم على أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أعظم من الْكفَّار الْمُحَاربين مثل كفار التّرْك والافرنج وَغَيرهم فَإِن هَؤُلَاءِ يتظاهرون عِنْد جهال الْمُسلمين بالتشيع وموالاة أهل الْبَيْت وهم فِي الْحَقِيقَة لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِرَسُولِهِ وَلَا بكتابه وَلَا بِأَمْر وَلَا نهي وَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب وَلَا جنَّة وَلَا بِأحد من الْمُرْسلين وَلَا شَرِيعَة من الشَّرَائِع السماوية وَلَا بِملَّة من الْملَل بل يحرفُونَ كَلَام الله وَرَسُوله الْمَعْرُوف عِنْد الْمُسلمين إِلَى أُمُور من الالحاد وَالْكفْر يدعونَ أَنَّهَا من علم الْبَاطِن وَهُوَ الزندقة والشرك وَتَكْذيب الله وكل رسله إِذْ مقصودهم الْحَقِيقِيّ هُوَ هدم الْإِيمَان وَشَرَائِع الْإِسْلَام بِكُل طَرِيق من جنس قَوْلهم إِن الصَّلَوَات الْخمس معرفَة أسرارهم وَالصِّيَام الْمَفْرُوض كتمان أسرارهم وَحج الْبَيْت الْعَتِيق زِيَارَة شيوخهم وَأَن يَد أبي لَهب أَبُو بكر وَعمر وَأَن النبأ الْعَظِيم وَالْإِمَام الْمُبين على ابْن ابي طَالب وَلَهُم فِي معاداة الْإِسْلَام وَأَهله وقائع مَشْهُورَة وَكتب مصنفة وَكلما سنحت لَهُم الفرصة سَفَكُوا دِمَاء الْمُسلمين كَمَا قتلوا الْحجَّاج وألقوهم فِي زَمْزَم وَأخذُوا الْحجر الْأسود فَبَقيَ مَعَهم مُدَّة حَتَّى رده خلفاء العباسيين وَقتلُوا من عُلَمَاء الْمُسلمين ومشايخهم وأمرائهم وجندهم من لَا يحصي عَددهمْ إِلَّا الله وصنف عُلَمَاء الْمُسلمين كتبا فِي هتك أستارهم وبينوا فِيهَا مَا هم عَلَيْهِ من الْكفْر الشنيع والزندقة
وَمن الْمَعْلُوم عِنْد أهل الْمعرفَة من الْمُسلمين أَن النَّصَارَى مَا استدلوا على السواحل الشامية إِلَّا من جهتهم وهم دَائِما مَعَ كل عَدو للْمُسلمين وَمن أعظم المصائب عِنْدهم انتصار الْمُسلمين على النَّصَارَى والتتار وَمن أعظم أعيادهم إِذا استولى وَالْعِيَاذ بِاللَّه النَّصَارَى على ثغور الْمُسلمين وبلادهم وبسببهم استولى النَّصَارَى على الْقُدس وَغَيره وبسببهم استولى التتار على بَغْدَاد وَقتلُوا الْخَلِيفَة وَقتلُوا من أهل بَغْدَاد مَالا يعلم عَددهمْ إِلَّا الله وأحرقوا الْكتب الإسلامية وأفسدوا فَسَادًا عَظِيما ثمَّ لما أَقَامَ الله مُلُوك الْمُسلمين الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله كنور الدّين الشَّهِيد وَصَلَاح الدّين وأتباعهما وفتحوا السواحب واستخلصوا الْبِلَاد الإسلامية من أَيدي النَّصَارَى وَمِمَّنْ كَانَ بهَا مِنْهُم وفتحوا أَيْضا أَرض مصر واستنفذوها من العبيدين الَّذين كَانُوا على دين هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَة القرامطة فَمن ذَلِك التَّارِيخ انتشرت دَعْوَة الْإِسْلَام بالبلاد المصرية والشامية وَلَهُم ألقاب مَعْرُوفَة عِنْد الْمُسلمين فَتَارَة يسمون الْمَلَاحِدَة وَتارَة يسمون القرامطة وَتارَة يسمون الباطنية وَتارَة يسمون الاسماعيلية وَتارَة يسمون النصيرية وَتارَة يسمون الخرمية وَتارَة يسمون المحمرة
كَمَا قَالَ الْعلمَاء فيهم ظَاهر مَذْهَبهم الرَّفْض وباطنه الْكفْر الْمَحْض وَحَقِيقَة أَمرهم أَنهم يكفرون بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر
وهم تَارَة يبنون قَوْلهم على مَذْهَب المتفلسفة الطبيعين وَتارَة يبنونه على قَول الْمَجُوس الَّذِي يعْبدُونَ النُّور وَتارَة على غير ذَلِك من دُيُون الوثنيين
ويتدرجون من كل إِلَى االرفض ويموهون على الْعَامَّة بالاحتجاج بتحريف الْآيَات وَالْأَحَادِيث أَو بِالْكَذِبِ على الله وَرَسُوله كَمَا يَزْعمُونَ كذبا أَن أول مَا خلق الله الْعقل حَدِيث وَهُوَ من وضعهم وكذبهم على قَوَاعِد الفلسفة اليونانية والهندية والمصرية الْقَدِيمَة الْقَائِلين أول الصادرات عَن وَاجِب الْوُجُود هُوَ الْعقل الْكُلِّي وَقد دخل كثير من باطلهم على كثير من الْمُسلمين وراج عَلَيْهِم حَتَّى صَار فِي كتب طوائف من المنتسبين إِلَى الْعلم وَالدّين
وبالأخص الصُّوفِيَّة وَإِن كَانَ الْعَامَّة مِنْهُم لَا يوافقونهم على أصل كفرهم لأَنهم لَا يعْرفُونَ حَقِيقَته وَلَو عرفوه لتبرءوا مِنْهُ
وَلَهُم فِي إِظْهَار دعوتهم المعلونة الَّتِي يسمونها الدعْوَة الهادية دَرَجَات مُتعَدِّدَة ويسمون النِّهَايَة الْبَلَاغ الْأَكْبَر والناموس الْأَعْظَم ومضمون الْبَلَاغ الْأَكْبَر عِنْدهم جحد الخالف والاستهزاء بِهِ وبمن يقربهُ حَتَّى يكْتب أحدهم اسْم الله فِي أَسْفَل رجله وَفِيه أَيْضا جحد شرائعه تَعَالَى وَدينه وَجحد مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاء إِذْ أَن الْأَنْبِيَاء عِنْدهم كَانُوا من جنسهم طَالِبين للرئاسة فَمنهمْ من أحسن فِي طلبَهَا وَمِنْهُم من أَسَاءَ فِي طلبَهَا تى قتل ويجعلون مُحَمَّدًا ومُوسَى من الْقسم الأول ويجعلون الْمَسِيح من الْقسم الثَّانِي وَفِيهِمْ من الِاسْتِهْزَاء بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَمن تَحْلِيل نِكَاح ذَوَات الْمَحَارِم وَسَائِر الْفَوَاحِش مَا يطول وَصفه
وَلَهُم شارات ورموز فِي الْخطاب يعرف بهم بَعضهم بَعْضًا لذَلِك يخفى أَمرهم على أَكثر النَّاس إِلَّا القطنين الَّذين هم على بَيِّنَة وبصيرة فِي دين الْإِسْلَام
وَقد اتّفق عُلَمَاء الْمُسلمين على أَن مثل هَؤُلَاءِ لَا تجوز مناكحتهم وَلَا تُبَاح ذَبَائِحهم
وَأم الْجُبْن الْمَعْمُول بأنفحة ذَبَائِحهم فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران للْعُلَمَاء كَسَائِر أنفحة الْميتَة وكأنفحة ذَبِيحَة الْمَجُوس الَّذين يُقَال عَنْهُم إِنَّهُم يذكون وَالْحكم فِيهَا كَالْحكمِ فِي جبن النَّصَارَى وَغَيرهم من الْكفَّار وَهِي مَسْأَلَة اجتهادية للمقلد أَن يُقَلّد من يُفْتى بِأحد الْقَوْلَيْنِ
وَأما أوانيهم وملابسهم فكأواني الْمَجُوس على مَا عرف من مَذَاهِب الْأَئِمَّة وَلَا يجوز دفنهم فِي مَقَابِر الْمُسلمين وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِم فَإِن الله نهى عَن الصَّلَاة على الْمُنَافِقين كَعبد الله بن أبي وَنَحْوه وَكَانُوا يتظاهرون بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالْجهَاد مَعَ الْمُسلمين وَلَا يظهرون مقَالَة تخَالف دين الْإِسْلَام وَقَالَ الله للنَّبِي صلى الله عليه وسلم {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره إِنَّهُم كفرُوا بِاللَّه وَرَسُوله وماتوا وهم فَاسِقُونَ}
فَكيف بهؤلاء الَّذين هم الزندقة لَا يظهرون إِلَّا الْكفْر والالحاد وَحرب الْمُسلمين والكيد للاسلام بِكُل سَبِيل
وَأما اسْتِخْدَام مثل هَؤُلَاءِ فِي ثغور الْمُسلمين وحصونهم أَو جنودهم فَهُوَ من أكبر الْكَبَائِر بِمَنْزِلَة من يستخدم الذئاب لرعي الْغنم فَإِنَّهُم أغش النَّاس للْمُسلمين ولولاة الْأُمُور وأحرص النَّاس على فَسَاد الْملَّة والدولة وهم شَرّ من المخامر الَّذِي يكون فِي الْكفْر فَإِن المخامر قد يكون لَهُ غَرَض إِمَّا مَعَ أَمِير الْعَسْكَر وَإِمَّا مَعَ الْعَدو وَهَؤُلَاء غرضهم بغض الْملَّة ونبيها ودينها وملوكها وعلمائها وعامتها وخاصتها وهم أحرص النَّاس على تَسْلِيم الْبِلَاد والعباد إِلَى عَدو الْمُسلمين وعَلى إِفْسَاد الْجند على ولي الْأَمر وإخراجهم عَن طَاعَته وَالْوَاجِب على وُلَاة الْأُمُور قطعهم من دواوين الْمُقَاتلَة وَعدم استخدامهم فِي ثغر وَلَا فِي غير ثغر وضررهم فِي الثغر أَشد وَلَا حُرْمَة لعقود هَؤُلَاءِ وَلَا لأموالهم وَلَا دِمَائِهِمْ بل دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ حَلَال لوَلِيّ أَمر الْمُسلمين فَمن كَانَ لَهُ عقد فِي أَي عمل مَعَ الْجند أَو فِي الثغور أَو فِي أَي شَأْن آخر من الشئون الإسلامية الْعَامَّة فَالْوَاجِب على ولي الْأَمر الْمُبَادرَة بفسخه وَإِذا أظهرُوا التَّوْبَة فَفِي قبُولهَا مِنْهُم نزاع بَين الْعلمَاء فَمن قبل تَوْبَتهمْ إِذا التزموا شَرِيعَة الْإِسْلَام أقرّ أَمْوَالهم للتائب فَقَط وَلم ينقلها إِلَى ورثتهم الَّذين لم يعلنوا التَّوْبَة فَتكون أَمْوَالهم فَيْئا لبيت المَال لَكِن هَؤُلَاءِ إِذا أخذُوا فَإِنَّهُم يظهرون التَّوْبَة إِذا أصل مَذْهَبهم التقية وكتمان أَمرهم وَفِيهِمْ من يعرف وَفِيهِمْ من قد لَا يعرف فالطريق أَن يحْتَاط أَوْلِيَاء الْأُمُور أَشد الِاحْتِيَاط فِي أَمرهم فَلَا يتركون مُجْتَمعين وَلَا يمكنون من حمل السِّلَاح وَأَن لَا يَكُونُوا من الْمُقَاتلَة ويلزمون شرائع الْإِسْلَام من الصَّلَوَات الْخمس وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَيتْرك بَينهم من يعلمهُمْ دين الْإِسْلَام ويحال بَينهم وَبَين معلميهم فَإِن أَبَا بكر الصّديق رضي الله عنه هُوَ وَسَائِر الصَّحَابَة لما ظَهَرُوا على أهل الرِّدَّة وَجَاءُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُم الصّديق
اخْتَارُوا منى إِمَّا الْحَرْب الْمَحَلِّيَّة وَإِمَّا السّلم المخزية قَالُوا يَا خَليفَة رَسُول الله هَذِه الْحَرْب الْمَحَلِّيَّة قد عرفناها فَمَا السّلم المخزية قَالَ تداون قَتْلَانَا وَلَا ندى قَتْلَاكُمْ وتشهدون أَن قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار ومغنم مَا أصبْنَا من أَمْوَالكُم وتردون مَا أصبْتُم من أَمْوَالنَا وننزع مِنْكُم الْحلقَة وَالسِّلَاح وتمنعون من ركُوب الْخَيل وتتركون ترتعون وَرَاء أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يرى الله خَليفَة رَسُول الله وَالْمُؤمنِينَ أمرا يعذرونكم بِهِ فوافقه الصَّحَابَة على ذَلِك إِلَّا فِي تضمنهم دِيَة قَتْلَى الْمُسلمين فَإِن عمر قَالَ لَهُ هَؤُلَاءِ قتلوا فِي سَبِيل الله فأجورهم على الله يَعْنِي هم اسْتشْهدُوا فَلَا دِيَة لَهُم فاتفقوا على قَول عمر ذَلِك
وَهَذَا الَّذِي اتّفق عَلَيْهِ الصَّحَابَة هُوَ مَذْهَب أَئِمَّة الْعلمَاء فَهَذَا الَّذِي فعله الصَّحَابَة بأولئك الْمُرْتَدين بعد عودهم إِلَى الْإِسْلَام يفعل بِمن أظهر الْإِسْلَام والتهمة طَاهِرَة فِيهِ فَيمْنَع من ركُوب الْخَيل وَمن السِّلَاح والدروع الَّتِي تلبسها الْمُقَاتلَة وَلَا يتْرك فِي الْجند يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ويلزمون شرائع الْإِسْلَام حَتَّى يظْهر مَا يَفْعَلُونَ من خير أَو شَرّ
وَمن كَانَ من أَئِمَّة ضلالهم وَأظْهر التَّوْبَة أخرج عَنْهُم وسير إِلَى بِلَاد الْمُسلمين الَّتِي لَيْسَ لَهُم فِيهَا ظُهُور فإمَّا أَن يهديه الله أَو يَمُوت على نفَاقه من غير مضرَّة للْمُسلمين
وَلَا ريب أَن جِهَاد هَؤُلَاءِ وَإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِم من أعظم الطَّاعَات وَأوجب الْوَاجِبَات وَهُوَ أفضل من جِهَاد من يُقَاتل الْمُسلمين من الْمُشْركين وَأهل الْكتاب فَإِن جِهَاد هَؤُلَاءِ حفظ وتطهير لما بأيدي الْمُسلمين من بِلَادهمْ وأزواجهم وَأَبْنَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ وقتال الْعَدو الْخَارِج من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين إِنَّمَا هُوَ لإِظْهَار الدّين وَحفظ الأَصْل مقدم على حفظ الْفَرْع
وَأَيْضًا فضرر هَؤُلَاءِ على الْمُسلمين أعظم أُولَئِكَ بل ضَرَر هَؤُلَاءِ فِي الدّين على كثير من النَّاس أَشد من ضَرَر الْمُحَاربين من الْمُشْركين وَأهل الْكتاب فَوَاجِب على كل مُسلم أَن يقوم فِي ذَلِك بِحَسب مَا يقدر عَلَيْهِ من حربهم وَدفع