الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْعتْق
إِذا اعْترف السَّيِّد بِوَطْء الْأمة وَقبل خُرُوجهَا من ملكه جَاءَت بِولد لمُدَّة الْإِمْكَان لحقه نسبه وَثَبت فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي امْرَأَة مجح على بَاب فسطاط والمجح هِيَ الْحَامِل المقرب فَقَالَ لَعَلَّ صَاحبهَا ألم بهَا قَالُوا نعم قَالَ لقد هَمَمْت أَن ألعنه لعنة تدخل مَعَه قَبره كَيفَ يورثه وَهُوَ لَا يحل لَهُ كَيفَ يستعبده وَهُوَ لَا يحل لَهُ فنص على أَنه لَا يجوز لَهُ استعباده وَلَا أَن يَجعله مِيرَاثا عَنهُ إِذا كَانَ قد سقَاهُ مَاءَهُ وَزَاد فِي سَمعه وبصره فَصَارَ فِيهِ مَا هُوَ بعض لَهُ فَهِيَ أم وَلَده من هَذِه الْوَجْه
وَقد نَص على ذَلِك غير وَاحِد من الْعلمَاء مِنْهُم أَحْمد وَغَيره حَتَّى قَالَ تصير أم وَلَده وَالْإِسْلَام يسرى كالعتيق فَإِذا وَطئهَا وَهِي حَامِل عتق الْوَلَد وَحكم بِإِسْلَامِهِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعه وَلَا يثبت نسبه بِمُجَرَّد ذَلِك
وَمن زنت أمته وَأَنت بِولد فَأعْتقهُ فَلهُ أجر عتق عبد كَامِل عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء وَذَهَبت طَائِفَة كَأبي حنيفَة وَمَالك إِلَى أَن عتقه نَاقص
وَإِذا اشْترى أم ولد ثمَّ وَطئهَا فَهَل هَذَا البيع شُبْهَة فِي الْوَطْء فِيهِ نزاع والأقوى أَنه شُبْهَة فيلحقه الْوَلَد وَترد إِلَى سَيِّدهَا لِأَن عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة لَا يجوز بيعهَا وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لَا يقبل الله لَهُم صَلَاة الرجل يؤم قوما وهم لَهُ كَارِهُون وَرجل لَا يَأْتِي الصَّلَاة إِلَّا دبارا وَرجل اعتبد محررا فالرجل الأول يؤم الْقَوْم وهم يكرهونه لفسقه أَو بدعته فَلَيْسَ لَهُ أَن يؤمهم وَلَو كَانَ بَين الإِمَام والمأمومين معاداة من جنس معاداة أهل الْأَهْوَاء والمذاهب لم يسغْ لَهُ أَن يؤمهم لِأَن فِي ذَلِك مُنَافَاة لمقصود الصَّلَاة جمَاعَة وَأما الرجل الَّذِي أُتِي الصَّلَاة دبارا فَهُوَ الَّذِي يفوتهُ الْوَقْت وَالَّذِي استعبد محررا هُوَ الَّذِي يستعيد الْحر مثل أَن يعْتَقد عبدا ويجحده أَو يَقْهَرهُ على الْعُبُودِيَّة
فَلَا تقبل صَلَاة هَؤُلَاءِ لأَنهم قد أَتَوا بذنب يُقَاوم فعل الصَّلَاة فَصَارَ عِقَاب هَذَا يُقَاوم ثَوَاب هَذَا لِأَن الأول أَدخل عَلَيْهِم فِي الصَّلَاة مَا يُقَاوم صلَاته
وَالثَّانِي أخرج الصَّلَاة عَن وَقتهَا فَعَلَيهِ إِثْم التَّأْخِير فَدخل فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون}
وَالثَّالِث يمْنَع عبد الله أَن يَجْعَل نَفسه عبدا لله وَجعله عبدا لنَفسِهِ فَأَي ذَنْب مثل هَذَا
فَلم يقبل لَهُم صَلَاة إِذا الصَّلَاة المقبولة هِيَ الَّتِي يقبلهَا الله من عَبده ويثيب عَلَيْهَا
وَمن وطىء جَارِيَة امْرَأَته وَتعلق بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ عَن الْحسن عَن عَوْف عَن سَلمَة عَن أبي الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي رجل وَقع على جَارِيَة امْرَأَته فَقَالَ إِن كَانَ استكرهها فَهِيَ حرَّة وَعَلِيهِ مثلهَا وَإِن كَانَت طاوعته فَهِيَ جَارِيَته وَعَلِيهِ مثلهَا هَذَا الحَدِيث فِي السّنَن وَلَيْسَ هُوَ من الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة وَبَعض النَّاس ضعفه لِأَن رُوَاته غير مشهورين بِالْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ يُخَالف الْأُصُول من جِهَة عتق الْمَوْطُوءَة وَجعلهَا للواطىء وَبَعْضهمْ رَآهُ حَدِيثا حسنا وَحكى ذَلِك عَن أَحْمد وَإِسْحَاق وَقَالُوا إِنَّه مُوَافق لِلْأُصُولِ لِأَنَّهُ يجْرِي مجْرى إفسادها على سيدتها فَإِنَّهَا إِذا طاوعته فقد عطل عَلَيْهَا بذلك نَفعهَا واستخدامها وَإِذا أتلف مَال غَيره وَمنع مَالِكه من التَّصَرُّف فِيهِ عَادَة مثل أَن يجوع بركوب الْحَاكِم وَنَحْوه مِمَّا لَا يكون مركوبه عَادَة فَإِنَّهُ فِي مَذْهَب مَالك وَمن تبعه يصير لَهُ وَعَلِيهِ الْقيمَة لمَالِكه فوطء الْأمة من هَذَا الْبَاب
وَإِذا استكرهها فَهُوَ مثل التَّمْثِيل بهَا وَمن مثل بِعَبْدِهِ عتق عَلَيْهِ عِنْد مَالك وَأحمد وَكَذَا من جعل استكراه الْمَمْلُوك على التلوط بِهِ من هَذَا الْبَاب فَإِذا وَطئهَا فقد أتلفهَا وَلَزِمتهُ الْقيمَة وَتصير لَهُ وَلأَجل أَن فِي استكراهها شُبْهَة تمثيله بهَا عتقت عَلَيْهِ
وَقَوله وَعَلِيهِ مثلهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَهُوَ مَبْنِيّ على أَن الْحَيَوَان هَل يضمن
بِالْمثلِ أَو بِالْقيمَةِ على قَوْلَيْنِ للفقهاء الشَّافِعِيَّة والحنبلية فَهَذَا الحَدِيث جَار على هَذِه الْأُصُول
وَلَا يملك السَّيِّد نقل الْملك فِي أم الْوَلَد لَا فِي حَيَاته وَلَا بعد مَوته وَلَا يجوز إِجَارَتهَا وتزويجها نزاع يجوز عِنْد أَحْمد وَأبي حنيفَة وَأحد قَول الشَّافِعِي وَالْآخر لَا يجوز التَّزْوِيج وَله قَول ثَالِث يجوز بِرِضَاهَا وَمَالك لَا يجوز إجازتها وَلَا تَزْوِيجهَا
وَإِذا سَأَلَ فَقَالَ إِذا وَقفهَا فَهَل تكون الدِّيَة إِذا قتلت وَقفا فِيهِ مغالطة للمفتى لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال فَهَل يَصح وَقفهَا أم لَا وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ مَا يكون حكمهَا فَيَنْبَغِي أَن يُعَزّر هَذَا المستفتى تعزيرا يردعه فقد نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن أغلوطات الْمسَائِل وَالله تَعَالَى أعلم
وَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الَّذِي بنعمته تتمّ الصَّالِحَات
وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي عبد الله وَرَسُوله سيد الْأَوَّلين والآخرين وعَلى آله وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وعَلى أَصْحَابه نُجُوم الْعلم وَالدُّنْيَا الَّذين جاهدوا فِي سَبِيل الله وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين
فرغت من رقم هَذَا الْكتاب الْمُفِيد نَهَار الثَّامِن عشر من شَوَّال سنة 1322 هجرية