المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل وولدان أهل الْجنَّة خلق الْجنَّة وَأَبْنَاء الدُّنْيَا إِذا دخلُوا الْجنَّة يكمل - مختصر الفتاوى المصرية - ط الفقي

[بدر الدين البعلي]

فهرس الكتاب

- ‌بَاب النِّيَّة

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌فَصِلَ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الاستطابة

- ‌بَاب الْغسْل

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب الْحيض

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة التَّطَوُّع

- ‌فصل

- ‌بَاب الْأَدْعِيَة والأذكار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْكُسُوف

- ‌بَاب فِي الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب فِي ترك الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الرّوح

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الصَّيام

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سُؤال

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب اللبَاس

- ‌كتاب الْبيُوع

- ‌فصل فِيمَا يجوز بَيْعه ومالا يجوز

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بيع الْأُصُول وَالثِّمَار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌كتاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الاجارة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْوَقْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب اللّقطَة

- ‌كتاب الْوَصَايَا

- ‌فصل

- ‌كتاب الْفَرَائِض

- ‌فصل

- ‌كتاب النِّكَاح وشروطه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَوْلِيَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب عشرَة النِّسَاء وَالْخلْع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْعدَد

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كتاب النَّفَقَات

- ‌كتاب الْهِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجراح

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب حد الزِّنَا وَالْقَذْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الذُّنُوب الْكَبَائِر

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَشْرِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌فصل

- ‌بَاب عقد الذِّمَّة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الصَّيْد والذبائح

- ‌فصل فِي السَّبق

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب جَامع الْأَيْمَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور

- ‌فصل

- ‌بَاب فِي آدَاب القَاضِي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الشَّهَادَات

- ‌فصل

- ‌كتاب الدعاوي والبينات

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌فصل وولدان أهل الْجنَّة خلق الْجنَّة وَأَبْنَاء الدُّنْيَا إِذا دخلُوا الْجنَّة يكمل

‌فصل

وولدان أهل الْجنَّة خلق الْجنَّة

وَأَبْنَاء الدُّنْيَا إِذا دخلُوا الْجنَّة يكمل خلقهمْ على صُورَة آدم أَبنَاء ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ طول سِتِّينَ ذِرَاعا

وروى أَن الْعرض سَبْعَة أَذْرع

وأرواح الْمُؤمنِينَ تنعم فِي الْجنَّة

وأرواح الْكفَّار تعذب فِي النَّار

وَولد الزِّنَا كَغَيْرِهِ يجازى بِعَمَلِهِ لَا ينْسبهُ وَإِنَّمَا يذم ولد الزِّنَا لمظنة أَن يعْمل خبيثا كَمَا هُوَ الْغَالِب عَلَيْهِ

وَأكْرم الْخلق عِنْد الله أَتْقَاهُم لله

وَأَوْلَاد الْمُشْركين فيهم عدَّة أَقْوَال أَصَحهَا جَوَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ مَا من مَوْلُود إِلَّا يُولد على الْفطْرَة الحَدِيث إِلَى قَوْله قيل يَا رَسُول الله أَرَأَيْت من يَمُوت من أَطْفَال الْمُشْركين فَقَالَ الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين

يَعْنِي الله أعلم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ لَو عاشوا حَتَّى يبلغُوا الْحلم

وَقد روى أَنهم فِي الْقِيَامَة يبْعَث إِلَيْهِم رَسُول الله فَيظْهر فيهم مَا علم من الطَّاعَة والمصية

وَقد روى أَنهم يحبسن فِي عرصات الْقِيَامَة

وَقد دلّت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة أَن بَعضهم فِي الْجنَّة وَبَعْضهمْ فِي النَّار

وَلَيْسَ فِي الْجنَّة شمس وَلَا قمر وَلَا ليل وَلَا نَهَار وَلَكِن تعرف البكرة والعشية بأنوار تظهر من قبل الْعَرْش

ص: 187

قَاعِدَة

علم الله السَّابِق يُحِيط بالأشياء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر فَلَا محو فِيهِ وَلَا تَغْيِير وَلَا إِثْبَات وَلَا نقص وَلَا زِيَادَة

وَأما اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي لَا يطلع عَلَيْهِ غَيره فَهَل فِيهِ محو وَإِثْبَات على قَوْلَيْنِ

وَأما الصُّحُف الَّتِي بأيدي الْمَلَائِكَة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من قَوْله صلى الله عليه وسلم فَيُؤْمَر بكتب رزقه وَعَمله وأجله وشقي أَو سعيد فَهَل يصل فِيهَا المحو وَالْإِثْبَات فَإِنَّهُ قد يقدر لَهُ من الْعُمر مُدَّة لم يعْمل شَيْئا يزِيد بِهِ على ذَلِك مِمَّا علمهمْ الله أَن يَفْعَله مثل أَن يصل رَحمَه فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من سره أَن يبسط لَهُ فِي رزقه وينسأ لَهُ فِي أَثَره فَليصل رَحمَه أَو غير ذَلِك من الْأَسْبَاب كَمَا روى التِّرْمِذِيّ إِن الله أرى آدم ابْنه دَاوُد فأعجبه فَسَأَلَ عَن عمر فَقَالَ أَرْبَعِينَ سنة فوهبه آدم من عمره سِتِّينَ سنة وَكتب عَلَيْهِ بذلك كتابا ثمَّ بعد ذلكك أنكر ونسى فَجحد فَجحدت ذُريَّته

فقد علم أَن الله قدر لَهُ أَرْبَعِينَ سنة بِلَا سَبَب وَعلم أَنه يحصل لَهُ سِتُّونَ بِسَبَب هبة أَبِيه لَهُ

وَقَوله تَعَالَى {أولم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر} فَيكون المُرَاد طول الْأَعْمَار وقصرها

وَقَوله تَعَالَى {وَمن أعرض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا} الْآيَة

ص: 188

تَشْمَل الْكَافِر فَلهُ مِنْهَا حق الْوَعيد وتشمل الْمُؤمن المرتكب الْكَبِيرَة فَلهُ نصيب من ضنك الْعَيْش بِقدر إعراضه عَن الذّكر

وَمذهب أهل السّنة أَن الشَّخْص الْوَاحِد تَجْتَمِع فِيهِ الْحَسَنَات والسيئات فَيسْتَحق الثَّوَاب وَالْعِقَاب جَمِيعًا

وَسَمَاع الْمَيِّت لقرع نعَالهمْ وَالسَّلَام عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ثَبت أَن جنس الْأَمْوَات يسمعونه لَيْسَ ذَلِك مَخْصُوصًا بِقوم مُعينين بل هُوَ مُطلق

وَقَوله تَعَالَى {فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} المُرَاد السماع المعتاذ الَّذِي يتَضَمَّن الْقبُول وَالِانْتِفَاع كَمَا فِي حق الْكفَّار السماع النافع فِي قَوْله {وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} وَقَوله تَعَالَى {لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل}

فَإِذا كَانَ قد نفى عَن الْكَافِر السّمع مُطلقًا وَعلم أَنه إِنَّمَا نفى سمع الْقلب المتضمن للفهم وَالْقَبُول لَا مُجَرّد سَماع الْكَلَام فَكَذَلِك الْمُشبه بِهِ وَهُوَ الْمَيِّت

والْحَدِيث الَّذِي قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ إِن الْمَيِّت إِذا حمل قَالَ قدموني أَو يَقُول يَا وَيْلَهَا الحَدِيث

لَيْسَ هَذَا هُوَ الْكَلَام الْمُعْتَاد بتحريك اللِّسَان فَإِنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لسمعه كل أحد وَلكُل هُوَ أر بَاطِن آخر وَلَيْسَ هُوَ مُجَرّد الرّوح فَإِن الرّوح مُنْفَصِل عَن الْبدن فالنائم قد يسمع وَيتَكَلَّم وَذَلِكَ بِرُوحِهِ وبدنه الْبَاطِن بِحَيْثُ يظْهر أثر ذَلِك فِي بدنه حَتَّى إِنَّه قد يقوم ويصيح وَيَمْشي ويتنعم بدنه ويتعذب وَمَعَ ذَلِك فعيناه مغمضتان وغالبهم أَن لِسَانه لَا يَتَحَرَّك لَكِن إِذا قوي أَمر الْبَاطِن فقد ينْطَلق المسان الظَّاهِر حَتَّى يصوت بِهِ وَلَو نُودي من حَيْثُ الظَّاهِر لَا يسمع فَكَمَا أَن النَّائِم حَاله لَا تشبه حَال الْيَقظَان وَلَا أَحْوَاله مُخْتَصَّة بِالروحِ فالميت أبلغ من ذَلِك فَإِن مَعْرفَته بالأمور أكمل من النَّائِم

وإرداك الْإِنْسَان بعد مَوته لأمور الْآخِرَة أكمل من إِدْرَاك أهل الدُّنْيَا وَإِن

ص: 189

كَانَ قد تعرض للْمَيت حَال لَا يدْرك فِيهَا كَمَا قد يعرض ذَلِك للنائم وَقد روى من مَاتَ وَلم يوص لَا يَسْتَطِيع الْكَلَام

وأرواح الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَت فِي الْجنَّة فلهَا اتِّصَال بِالْبدنِ إِذا شَاءَ الله تَعَالَى من غير زمن طَوِيل كَمَا تنزل الْمَلَائِكَة فِي طرفَة عين

قَالَ مَالك رَحْمَة الله تَعَالَى بَلغنِي أَن الرّوح مُرْسلَة تذْهب حَيْثُ شَاءَت وَلِهَذَا روى أَنَّهَا على أفنية الْقُبُور وَأَنَّهَا فِي الْجنَّة والجميع حق

وَفِي الصِّحَاح أَنَّهَا ترد إِلَيْهِ بعد الْمَوْت وَيسْأل وَترد فَتكون مُتَّصِلَة بِالْبدنِ بِلَا ريب وَالله أعلم

وَقد استفاضت الْأَخْبَار بِمَعْرِِفَة الْمَيِّت بِحَال أَهله وَأَصْحَابه فِي الدُّنْيَا وَأَن ذَلِك يعرض عَلَيْهِ وَأَنه يرى ويدري بِمَا يفعل عِنْده وَيسر بِمَا كَانَ حسنا ويتألم بِمَا كَانَ قبيحا وَرُوِيَ أَن عَائِشَة رضي الله عنها بعد أَن دفن عمر رضي الله عنه كَانَت تستتروتقول كَانَ أبي وَزَوْجي فَأَما عمر فأجنبي تَعْنِي أَنه يَرَاهَا

وروى أَن الْمَوْتَى يسْأَلُون الْمَيِّت عَن حَال أَهْليهمْ فيعرفهم أَحْوَالهم وَأَنه ولد لفُلَان ولد وَتَزَوَّجت فُلَانُهُ وَمَات فلَان فَمَا جَاءَ فَيَقُولُونَ رَاح إِلَى أمه الهاوية

مَسْأَلَة بِنَاء الْمَسَاجِد على الْقُبُور محرم بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة

وَلَو بنى على الْقَبْر مَسْجِد نهى عَنهُ أَيْضا بِاتِّفَاق الْعلمَاء

وَإِنَّمَا تنازعوا فِي تطيينه فَرخص فِيهِ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَكَرِهَهُ أَبُو حنيفَة كالتجصيص

وَبِنَاء القباب والمساجد على الْقُبُور مُحدث فِي الْإِسْلَام من قريب

وَكَذَلِكَ تَرْتِيب الْقِرَاءَة على الْقُبُور مُحدث

ص: 190

وَقد تنَازع الْعلمَاء فِيمَن أهْدى للْمَيت عبَادَة بِذَنبِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام وَالْقِرَاءَة فمذهب أَحْمد وَأبي حنيفَة وَغَيرهمَا وُصُول ذَلِك

وَالْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ أَن ذَلِك لَا يصل

وَاتَّفَقُوا على وُصُول الْعِبَادَات الْمَالِيَّة كَالْعِتْقِ وَالْوَقْف على من يتَعَلَّم الْقُرْآن ويعلمه أَو الحَدِيث أَو الْعلم أَو نَحوه من الْأَعْمَال الْمَأْمُور بهَا فِي الشَّرِيعَة فَهَذَا أفضل من الْوَقْف على من يقْرَأ وَيهْدِي ثَوَابه لأي من كَانَ نَبِي أَو غَيره

وَلم يقل أحد إِن الْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر أفضل من غَيره

وكل من وقف وَقفا على شَيْء من أَعمال البركان لَهُ أجره وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ وَسلم أجر ذَلِك كُله لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي علم الدّين وَسن للنَّاس وعلمهم جَمِيع الْخيرَات فَلهُ أجر من عمل بذلك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء فَإِنَّهُ هُوَ الدَّاعِي إِلَى كل خير وَهدى صلى الله عليه وسلم

مَسْأَلَة الدّين الَّذِي بعث الله بِهِ رسله وَأنزل بِهِ كتبه هُوَ عبَادَة الله وَحده لَا شريك لَهُ فَإِذا كَانَ مَطْلُوب العَبْد من الْأُمُور الَّتِي لَا يقدر عَلَيْهَا إِلَّا الله مثل شِفَاء مريضه أَو وَفَاء دينه من غير جِهَة مُعينَة أَو عافيته مِمَّا بِهِ من بلَاء الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَو انتصاره على عدوه أَو هِدَايَة قلبه أَو غفران ذَنبه أَو دُخُوله الْجنَّة من النَّار أَو أَن يتَعَلَّم الْعلم وَالْقُرْآن أَو أَن يصلح قلبه وَيحسن خلقه وَذَلِكَ فَهَذَا لَا يجوز أَن يطْلب إِلَّا من الله تَعَالَى

وَلَا يجوز أَن يُقَال لملك وَلَا نَبِي وَلَا شيخ ميت أَو حَيّ اغْفِر لي ذَنْب

ص: 191

وَانْصُرْنِي على عدوي فَمن سَأَلَ مخلوقا شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ مُشْرك بِهِ قد أَتَّخِذ لله ندا يجب أَن يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل وَهَذَا مثل دين النَّصَارَى

وَكَذَا قَوْله يَا سَيِّدي فلَان أَنا فِي حَسبك أَو فِي جيرتك فلَان يظلمني يَا شَيْخي فلَان انصرفي عَلَيْهِ

وَأما مَا يقدر عَلَيْهِ العَبْد فَيجوز أَن يطْلب مِنْهُ فِي بعض الْأَحْوَال دون بعض فَإِن مَسْأَلَة الْمَخْلُوق قد تكون جَائِزَة وَقد تكون مَنْهِيّا عَنْهَا وَمن ذَلِك قَوْله يَا فلَان ادْع الله لي اسْأَل الله لي كَذَا فَطلب الدُّعَاء مِمَّن هُوَ فَوْقه أَو دونه مَشْرُوع

وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم من سَأَلَ الله لي الْوَسِيلَة حلت عَلَيْهِ شَفَاعَتِي وَذَلِكَ لأجل منفعَته صلى الله عليه وسلم بِطَلَب الْوَسِيلَة لَهُ ومنفعتنا بالشفاعة

وَفرق بَين من يطْلب من غَيره الدُّعَاء لمنفعته مِنْهُ وَبَين من يسْأَل غَيره لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ فَقَط

وَفِي الصَّحِيح أَن عمر رضي الله عنه قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذا أجد بِنَا نتوسل إِلَيْك نبيك فتسقينا وَإِنَّا نتوسل إِلَيْك بعم نَبينَا فاسقنا

وَأما زِيَارَة الْقُبُور الْمَشْرُوعَة فَهِيَ أَن يسلم على الْمَيِّت وَيَدْعُو لَهُ فَقَط كَالصَّلَاةِ على جنَازَته

فَلَيْسَ فِي الزِّيَارَة الْمَشْرُوعَة حَاجَة للحي إِلَى الْمَيِّت وَلَا توسل بِهِ بل فِيهَا مَنْفَعَة الْمَيِّت كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالله يرحم هَذَا ويثيبه على عمله وَيرْحَم هَذَا ويثيبه على دُعَائِهِ للْمَيت وتذكره الدَّار الْآخِرَة كَمَا علم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الصَّحَابَة الزِّيَارَة وكما كَانَ هُوَ صلى الله عليه وسلم يزور

وَالْمَقْصُود أَن من يَأْتِي إِلَى الْقَبْر أَو إِلَى رجل صَالح ويستنجده فَهَذَا على ثَلَاث دَرَجَات

ص: 192

إِحْدَاهمَا أَن يسْأَل حَاجته مثل أَن يكون أَن يَقُول اغْفِر لي وَنَحْوه فَهَذَا شرك كَمَا تقدم

الثَّانِيَة أَن يطْلب مِنْهُ أَن يَدْعُو لَهُ لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْإِجَابَة فَهَذَا مَشْرُوع فِي الْحَيّ وَأما الْمَيِّت فَلم يشرع لنا أَن نقُول لَهُ ادْع لنا وَلَا اسْأَل لنا رَبك وَلم يفعل ذَلِك أحد من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين وَلَا أَمر بِهِ أحد من الْأَئِمَّة وَلَا ورد فِيهِ حَدِيث بل فِي الصَّحِيح أَن عمر رضي الله عنه استسقى بِالْعَبَّاسِ وَلم يَأْتِ قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بل كَانُوا إِذا جَاءُوا قَبره سلمُوا عَلَيْهِ فَإِذا دعوا استقبلوا الْقبْلَة ودعوا الله وَحده لَا شريك لَهُ كَمَا يَدعُونَهُ فِي سَائِر الْبِقَاع

وَقد ثَبت أَنه صلى الله عليه وسلم نهى عَن إتْيَان قَبره واتخاذه عيدا ومسجدا فِي أَحَادِيث كَثِيرَة

وَلِهَذَا قَالَ الْعلمَاء إِنَّه لَا يجوز بِنَاء الْمَسَاجِد على الْقُبُور

وَلَا يجوز أَن ينذر للقبر وَلَا للمجاورين عِنْده شَيْء من الْأَشْيَاء لَا دَرَاهِم وَلَا زَيْت وَلَا شمع وَلَا حَيَوَان وَلَا غير ذَلِك

وَلم يقل أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين إِن الصَّلَاة عِنْد الْقُبُور عِنْد الْقُبُور وَفِي مشَاهد الْمَوْتَى مُسْتَحبَّة أَو فِيهَا فَضِيلَة وَلَا أَن الدُّعَاء وَالصَّلَاة أفضل عِنْد الْقُبُور مِنْهَا عِنْد غَيرهَا

بل اتَّفقُوا كلهم على أَن الصَّلَاة فِي الْمَسَاجِد والبيوت أفضل من الصَّلَاة عِنْد قُبُورهم الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ

وَقد شرع الله الصَّلَاة فِي الْمَسَاجِد دون الْمشَاهد

وَلِهَذَا اتّفق الْمُسلمُونَ على أَن من زار قبرهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو غَيره

ص: 193

من أهل بَيته أَو غَيرهم أَنه لَا يتمسح بِهِ وَلَا يقبل مَا أقيم عَلَيْهِ من الانصاب وَلَا يُطَاف حوله بل لَيْسَ شَيْء يشرع تقبيله إِلَّا الْحجر الْأسود

وَقد ثَبت أَن عمر رضي الله عنه قَالَ فِيك إِنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع

وَلَكِن تنَازع الْفُقَهَاء فِي وضع الْيَد على مِنْبَر النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما كَانَ الْمِنْبَر مَوْجُودا فكرهه مَالك وَغَيره

وَأما التمسح بِقَبْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَتَقْبِيله فكلهم نهى عَنهُ أَشد النَّهْي

وَذَلِكَ أَنهم علمُوا مَا قَصده الرَّسُول صلى الله عليه وسلم من حسم مَادَّة الشّرك وَتَحْقِيق التَّوْحِيد لله وَحده

وَهَذَا مِمَّا يظْهر بِهِ الْفرق بَين سُؤال النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاته وَبعد مَوته وسؤال العَبْد الصَّالح فِي حَيَاته وَبعد مَوته وَذَلِكَ أَن أحدا فِي حَيَاته لَا يعبد لِأَنَّهُ لَا يُمكن أحدا من ذَلِك كَمَا قَالَ الْمَسِيح عليه السلام مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله رَبِّي وربكم وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دَامَت فيهم فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم وَأَنت على كل شَيْء شَهِيد

وَقَالَ نَبينَا صلى الله عليه وسلم لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى الْمَسِيح ابْن مَرْيَم فَإِنَّمَا أَنا عبد فَقولُوا عبد الله وَرَسُوله وَكَذَا لما سجد لَهُ معَاذ رضي الله عنه نَهَاهُ وَقَالَ إِنَّه لَا يصلح السُّجُود إِلَّا لله

وم كَانَ أحد أحب إِلَيْهِم من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَا كَانُوا يقومُونَ لَهُ إِذا قدم عَلَيْهِم مَا يرَوْنَ من كَرَاهَته لذَلِك

فَهُوَ شَأْن أَنْبيَاء الله تَعَالَى وأوليائه وَإِنَّمَا يقر على الغلو فِيهِ وتعظيمه من يُرِيد الْعُلُوّ فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ كفرعون ومشائخ الضَّلَالَة الَّذين غرضهم الْعُلُوّ فِي الأَرْض

ص: 194

والفتنة بالأنبياء وَالصَّالِحِينَ واتخاذهم أَرْبَابًا والاشراك بهم فِي غيبتهما أقرب من الْفِتْنَة بالملوك ورؤساء الدُّنْيَا

فَظهر الْفرق بَين سُؤال النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالْعَبْد الصَّالح فِي حَيَاته بِحُضُورِهِ وَبَين سُؤَاله فِي ماته وغيبته

وَمن أعظم الشّرك أَن يستغيث الْإِنْسَان بِرَجُل ميت عِنْد المصائب فَيَقُول يَا سَيِّدي فلَان كَأَنَّهُ يطْلب مِنْهُ إِزَالَة ضَرَره أَو جلب نَفعه كَمَا هُوَ حَال النَّصَارَى فِي الْمَسِيح وَأمه وأجبارهم وَرُهْبَانهمْ

فَإِذا حصل هَذَا الشّرك نزلت عَلَيْهِم الشَّيَاطِين وأغوتهم وَرُبمَا خاطبتهم كَمَا كَانَت نَفْعل مَعَ أَصْحَاب الْأَصْنَام لَا سِيمَا عِنْد سَماع المكاء والتصدية فَإِن الشَّيَاطِين تتنزل عَلَيْهِم عِنْده وَقد يُصِيب أحدهم من الإرغاء والأزباء والصباح الْمُنكر وتكلمه بِمَا لَا يعقله هُوَ وَلَا الْحَاضِرُونَ وأمثال ذَلِك

وَأما الْقسم الثَّالِث وَهُوَ أَن يَقُول اللَّهُمَّ بجاه فلَان عنْدك أَو ببركة فلَان أَو بِحرْمَة فلَان عنْدك أفعل لي كَذَا وَكَذَا فَهَذَا يَفْعَله كثير من النَّاس لَكِن لم ينْقل عَن أحد من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين وَلَا سلف الْأمة أَنهم كَانُوا يدعونَ بِمثل هَذَا الدُّعَاء

قَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى لم يبلغنِي عَن أحد من الْعلمَاء فِي ذَلِك مَا أحكيه إِلَّا مَا رَأَيْته فِي فتاوي الْعِزّ بن عبد السَّلَام فَإِنَّهُ أفتى أَنه لَا يجوز

ص: 195

لأحد أَن يفعل هَذَا إِلَّا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِن صَحَّ الحَدِيث فِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو معنى ذَلِك

وَذَلِكَ أَنه روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه علم بعض أَصْحَابه أَن يَدْعُو فَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك وأتوسل إِلَيْك بنبيك نَبِي الرَّحْمَة يَا مُحَمَّد يَا رَسُول الله إِنِّي أتوسل بك إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتي ليقضيها لي اللَّهُمَّ شُفْعَة فِي

فَهَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ طَائِفَة على التوسل بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاته ومماته

وَلَيْسَ فِيهِ على فرض صِحَّته أَنه دَعَاهُ واستغاث بِهِ بل فِيهِ أَنه سَأَلَهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث الْمَشْي إِلَى الصَّلَاة اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق السَّائِلين بِحَق السَّائِلين وبحق ممشاي هَذَا فَالله قد جعل على نَفسه حَقًا فَقَالَ تَعَالَى وَكَانَ حَقًا نصر الْمُؤمنِينَ

وَقَالَت طَائِفَة لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز التوسل بِهِ فِي مماته وَلَا مغيبه بل إِنَّمَا فِيهِ التوسل بِهِ فِي حَيَاته بِحُضُورِهِ كَمَا استسقى عمر بِالْعَبَّاسِ لما مَاتَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّا كُنَّا نتوسل إِلَيْك نَبينَا وَذَلِكَ أَن التوسل بِهِ فِي حَيَاته هُوَ أَنهم كَانُوا يتوسلون بِهِ أَي يسألونه أَن يَدْعُو الله فيدعو لَهُم وَيدعونَ فيتوسلون بِشَفَاعَتِهِ ودعائه كَمَا سَأَلُوهُ أَن يستسقى لَهُم يَوْم الْجُمُعَة

وَكَذَلِكَ مُعَاوِيَة رضي الله عنه لما استسقى قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا نتشفع إِلَيْك بخيارنا يزِيد بن الْأسود الجرشِي ارْفَعْ يَديك يَا يزِيد إِلَى الله فَرفع يَدَيْهِ ودعا ودعوا فسقوا

وَكَذَلِكَ قَالَ الْعلمَاء يسْتَحبّ أَن يستسقى بِأَهْل الصّلاح وَالدّين وَإِن كَانُوا من أهل بَيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ أحسن

وَلم يذكر أحد من الْعلمَاء أَنه يشرع التوسل بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 196

وَلَا بِالرجلِ الصَّالح بعد مَوته وَلَا فِي مغيبه وَلَا استحبوا ذَلِك فِي الأستسقاء وَلَا فِي الاستنصار وَلَا غير ذَلِك من الْأَدْعِيَة

وَالدُّعَاء مخ الْعِبَادَة وَالْعِبَادَة مبناها على السّنة والاتباع لَا على الْهوى والابتداع فَإِنَّمَا يعبد بالأهواء والبدع

وَأما وضع الرَّأْس عِنْد الكبراء من الشُّيُوخ أَو غَيرهم أَو تَقْبِيل الأَرْض أَو نَحْو ذَلِك فَهُوَ مِمَّا لَا نزاع بَين الْأَئِمَّة فِي النَّهْي عَنهُ بل مُجَرّد الانحناء بِالظّهْرِ لغير الله منهى عَنهُ

وَقَول الْقَائِل انْقَضتْ حَاجَتي ببركة فلَان فمنكر من القَوْل وزور لِأَن قَائِلا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ الله وشئت فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أجعلني الله ندا بل مَا شَاءَ وَحده

وَقَول الْقَائِل ببركة الشَّيْخ فقد يَعْنِي بِهِ معنى صَحِيحا مثل بركَة دُعَائِهِ أَو بركَة مَا أَمر بِهِ من الْخَيْر أَو بركَة اتِّبَاعه لَهُ على الْحق وطاعته لَهُ من طَاعَة الله أَو بركَة معاونته على الْحق وموالاته فِي الدّين وَنَحْو ذَلِك

وَقد يَعْنِي بِهِ معنى بَاطِلا مثل دُعَائِهِ الْمَيِّت وَالْغَائِب واستقلال الشَّيْخ بذلك تَأْثِيرا أَو فعله لَا يقدر عَلَيْهِ إِلَّا الله أَو مُتَابَعَته أَو مطاوعته على الْبدع والمنكرات وَنَحْو هَذِه الْمعَانِي الْبَاطِلَة

فَالَّذِي لَا ريب فِيهِ أَن الْعَمَل بِطَاعَة الله وَدعَاهُ الْمُؤمنِينَ بَعضهم لبَعض وَنَحْو ذَلِك هُوَ نَافِع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَذَلِكَ بِفضل الله وَرَحمته

وَأما قَول الْقَائِل إِن الْغَوْث هُوَ القطب الْجَامِع فِي الْوُجُود وَتَفْسِير ذَلِك بِأَنَّهُ مدد الْخَلَائق فِي رزقهم ونصرتهم حَتَّى إِنَّه مدد الْمَلَائِكَة وَالْحِيتَان فِي الْبَحْر فهذ كفر بالِاتِّفَاقِ

وَكَذَلِكَ إِن عني بالغوث مَا يَقُوله بَعضهم إِن فِي الأَرْض ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا النجباء مِنْهُم سَبْعُونَ نفسا وَمِنْهُم أَرْبَعُونَ أبدالا وَمِنْهُم سَبْعَة

ص: 197

أقطاب وَمِنْهُم أَرْبَعَة أوتاد وَمِنْهُم وَاحِد غوث وَأَنه مُقيم بِمَكَّة وَأَن أهل الأَرْض إِذا نابهم نائبة ونصرهم فزعوا إِلَى الثلاثمائة والبضعة عشر وَأُولَئِكَ يفزعون إِلَى السّبْعين وَالسَّبْعُونَ إِلَى الْأَرْبَعين والأرعون إِلَى السَّبْعَة والسبعة إِلَى الْأَرْبَعَة وَالْأَرْبَعَة إِلَى الْوَاحِد وَبَعْضهمْ يزِيد فِي ذَلِك وَينْقص فِي الْأَعْدَاد والأسماء والمراتب فَإِن لَهُم فِي هَذَا الْبَاطِل مقالات حَتَّى يَقُول بَعضهم إِن رزقه ينزل من السَّمَاء باسم غوث الْوَقْت واسْمه خضر بِنَاء عَليّ قَول من يَقُول مِنْهُم إِن الْخضر مرتبَة وَإِن لكل زمَان خضرًا وَإِن لهمفي قَوْلَيْنِ فَهَذَا كُله بَاطِل لَا أصل لَهُ فِي كتاب الله وَلَا فِي سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا قَالَه أحد من سلف الْأمة وَلَا أئمتها وَلَا من الشُّيُوخ الْكِبَار الْمُتَقَدِّمين الَّذين يصلحون للاقتداء بهم

وَمَعْلُوم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَبا بكر وَعمر وعليا رضي الله عنهم كَانُوا خير هَذِه الْخَلَائق فِي زمانهم وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ لم يَكُونُوا بِمَكَّة

وَمثل ذَلِك مَا يَقُوله الفلاسفة من الْعُقُول الْعشْرَة الَّتِي يَزْعمُونَ أَنَّهَا الْمَلَائِكَة وَهُوَ مثل مَا يَقُوله النَّصَارَى فِي الْمَسِيح كل ذَلِك كفر بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة

وَقد روى بَعضهم حَدِيثا فِي أبي لؤلؤة غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَأَنه أحد السَّبْعَة وَهُوَ كذب بِاتِّفَاق أهل الْمعرفَة

وَقد يرْوى بعض هَذِه الْأَحَادِيث أَبُو معيم فِي الْحِلْية وَالشَّيْخ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى فَلَا يغتر بشئ مِنْهَا

وَكَذَلِكَ يُقَال ثَلَاثَة مَالهَا أصل بَاب النَّصَارَى وغوث الصُّوفِيَّة ومتنظر الرافضة

وَالصَّوَاب أَن الْخضر مَاتَ فَإِنَّهُ لَو كَانَ مَوْجُودا فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لآمن بِهِ وجاهد مَعَه

ص: 198

ثمَّ لَيْسَ للْمُسلمين بِهِ حَاجَة فَإِنَّهُم أخذُوا دينهم عَن الْمَعْصُوم النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي علمهمْ الْكتاب وَالْحكمَة

ثمَّ كَيفَ يظْهر للْمُشْرِكين وَلَا يظْهر للسابقين الْمُوَحِّدين

وَكَيف يظْهر لقوم كفار يرفع سفينتهم وَلَا يظْهر لخير أمة أخرجت للنَّاس وَقد قَالَ نَبِيّهم صلى الله عليه وسلم لَو كَانَ مُوسَى حَيا مَا وَسعه إِلَّا آتباعي وَقَالَ لَو اتبعتموه وتركتموني لَو كَانَ حَيا للضللتم وَإِذا نزل عِيسَى عليه السلام من السَّمَاء فانا يحكم بِملَّة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

وَعَامة مَا يحْكى عَن الْخضر إِمَّا كذب وَإِمَّا مبْنى على ظن مثل الَّذِي رأى شخصا فَقَالَ لَهُ إِنَّه الْخضر وَهَذَا مثل قَول الرافضة فِي المنتظر

ويروى عَن الإِمَام أَحْمد رضي الله عنه أَنه ذكر لَهُ ذَلِك فَقَالَ من أحالك على غَائِب فَمَا أنصفك وَمَا لبس عَلَيْهِ الإ الشَّيْطَان

وَقد يُرَاد بالغوث أَنه أفضل أهل زَمَانه فَهَذَا مُمكن لَكِن قد يكون ذَلِك جمَاعَة وَقد يتساوون وَقد يتقاضلون من وَجه دون وَجه

وَبِكُل حَال فتسمية هَذَا غوثا أَو قطبا أَو جَامعا بِدعَة وضلالة مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان وَلَا يعلم بهَا أحد من السّلف وَمَا زَالَ السّلف يظنون فِي بعض النَّاس أَنه أفضل أهل زَمَانه وَلَا يطلقون هَذِه التَّسْمِيَة عَلَيْهِ

وَقَالَ بعض الْكِبَار المنتحلين لهَذَا إِن القطب ينْطق علمه من علم الله وَقدرته عَن قدرَة اله فَيعلم مَا يُعلمهُ الله وَيقدر على مَا يقدر عَلَيْهِ الله وَزعم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ كَذَلِك وانتقل ذَلِك عَنهُ إِلَى أبي الْحسن ثمَّ انْتقل إِلَى شَيْخه فَهَذَا كفر قَبِيح وَجَهل صَرِيح وَالله الْمُسْتَعَان

مَسْأَلَة الاعتداء فِي الدُّعَاء غير جَائِز منهى عَنهُ فِي الْقُرْآن وَالسّنة وَهُوَ أَن يسْأَل الله منَازِل الْأَنْبِيَاء أَو أَكثر من ذَلِك من السُّؤَال الَّذِي لَا يصلح

ص: 199

والاعتداء فِي الطُّهْر عَنهُ وَهُوَ الزِّيَادَة على الْمَشْرُوع قَالَ صلى الله عليه وسلم سَيكون فِي هَذِه الْأمة قوم يَعْتَقِدُونَ فِي الطُّهْر وَالدُّعَاء

مَسْأَلَة عِيسَى بن مَرْيَم صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَفعه الله تَعَالَى إِلَيْهِ بِرُوحِهِ وبدنه وَقَوله تَعَالَى {إِنِّي متوفيك} أَي قابضك وَكَذَلِكَ ثَبت أَنه ينزل على المنارة الْبَيْضَاء شَرْقي دمشق فَيقْتل الدَّجَّال وَيكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وَيَضَع الْجِزْيَة حكما عدلا مقسطا

وَيُرَاد بالتوفي الِاسْتِيفَاء وَيُرَاد بِهِ الْمَوْت وَيُرَاد بِهِ النّوم وَيدل على كل وَاحِد الْقَرِينَة الَّتِي مَعَه

وَلَا يجوز ذبخ الضَّحَايَا وَلَا غَيرهَا فِي الْمَسْجِد وَلَا الدّفن فِيهِ وَلَا تَغْيِير الْوَقْف عَلَيْهِ لغير مصلحَة وَلَا الِاسْتِنْجَاء فِي الْمَسْجِد

وَفِي كَرَاهَة الْوضُوء فِيهِ نزاع إِلَّا أَن يحصل مَعَه بصاق أَو مخاط فِي الْمَسْجِد فَإِن البصاق فِيهِ خَطِيئَة وكفارتها دَفنهَا فَكيف بالمخاط

وَمن لم يأتمر بِمَا أَمر الله بِهِ وَرَسُوله وَلم ينْتَه عَمَّا نهى الله عَنهُ وَرَسُوله بل يرد على من أمره بِالْمَعْرُوفِ أَو نَهَاهُ عَن الْمُنكر يُعَاقب الْعقُوبَة الشَّرْعِيَّة

وَلَا تغسل الْمَوْتَى فِي الْمَسْجِد وَلَا يحدث فِيهِ مَا يضر بالمصلين فَإِن أحدث أزيل وأعيد إِلَى الصّفة الأولى وَأصْلح مِنْهَا

مَسْأَلَة قَالَ أَبُو الْعَالِيَة سَأَلت أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم عَن قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا التَّوْبَة على الله للَّذين يعْملُونَ السوء بِجَهَالَة} فَقَالُوا اكل من عصى الله فَهُوَ جَاهِل وكل مَا تَابَ قبل الْمَوْت فقد تَابَ من قريب

وَأما كِتَابَة لَا إِلَه إِلَّا الله على الدَّرَاهِم فمحدث من خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان وَإِلَى الْآن وَكَانُوا يَكْتُبُونَ عَلَيْهَا نَحوا من ذَلِك

وَيجوز للمحدث مسكها وَإِذا كَانَت مَعَه فِي منديل أَو خريطة وشق عَلَيْهِ مسكها جَازَ أَن يدْخل بهَا بَيت الْخَلَاء

ص: 200

وَلم يضْرب الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابه دَرَاهِم وَإِنَّمَا حدث ضربهَا فِي خلَافَة عبد الْملك كَمَا تقدم

وَمَرْيَم بنت عمرَان وآسيا زَوْجَة فِرْعَوْن من أفضل النِّسَاء

والفواضل من هَذِه الْأمة كخديجة وَعَائِشَة وَفَاطِمَة رضي الله عنهن أفضل مِنْهَا كَمَا أَن المفضلين من رجال هَذِه الْأمة أفضل من فضلاء رجال غَيرهَا

فَإِن الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة الْمُسلمين وَحكى الْإِجْمَاع عَلَيْهِ غير وَاحِد أَنَّهُمَا ليستا نبيتين وَإِنَّمَا غايتهما الصديقية كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن

وصديقوا هَذِه الْأمة رجالها ونساؤها أفضل من صديق غَيرهَا

وَأما الْأَبْكَار فَالله يزوجهن فِي الْجنَّة

وَمَا أعلم صِحَة ذَلِك وَالله أعلم

وَلَا خلاف بَين الْمُسلمين أَن من لم يُؤمن بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم بعد بُلُوغ رسَالَته إِلَيْهِ أَنه كَافِر مخلد فِي النَّار وَمن ارتاب فِي ذَلِك فَهُوَ كَافِر يجب قَتله كَمَا استتاب عمر وَعلي رضي الله عنهما طَائِفَة جهلت حُرْمَة الْخمر فضلت أَنَّهَا تُبَاح للصالحين دون غَيرهم وَاتفقَ الصَّحَابَة على أَن هَؤُلَاءِ إِن أصروا قتلوا

مَسْأَلَة نقل عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى {يَوْم يكْشف عَن سَاق} أَنه قَالَ عَن شدَّة

وَثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي سعيد رضي الله عنه فِي حَدِيثه الطَّوِيل الَّذِي فِيهِ تجلي الله تَعَالَى لعبادة يَوْم الْقِيَامَة وَأَنه يحتجب ثمَّ يتجلى قَالَ فَيكْشف عَن سَاقه فينطرون إِلَيْهِ

وَالَّذِي فِي الْقُرْآن سَاق لَيست مُضَافَة فَلهَذَا وَقع النزاع هَل هُوَ من الصِّفَات أم لَا

قَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَلَا أعلم خلافًا عَن الصَّحَابَة فِي شَيْء

ص: 201

مِمَّا يعد من الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن إِلَّا هَذِه الْآيَة لعدم الْإِضَافَة فِيهَا وَالَّذِي يَجْعَلهَا من الصِّفَات يَقُول فِيهَا كَقَوْلِه فِي قَوْله تَعَالَى {لما خلقت بيَدي} وَقَوله تَعَالَى {وَيبقى وَجه رَبك} وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ مَعَ الصِّفَات تثبت وَيجب تَنْزِيه الرب تَعَالَى عَن التَّمْثِيل لِأَنَّهُ لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير

وَمن نبش قُبُور الْمُسلمين عُدْوانًا عُوقِبَ بِمَا يردعه وَأَمْثَاله عَن ذَلِك وَكَذَا من خرب مَسْجِدهمْ فَعَلَيهِ إِعَادَته من مَاله

مَسْأَلَة خرج مُسلم عَن عَائِشَة رضي الله عنهما قَالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن قَوْله تَعَالَى {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات وبرزوا لله الْوَاحِد القهار} فَأَيْنَ يكون النَّاس يَوْمئِذٍ قَالَ على الصِّرَاط

فالأرض تبدل كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّاس يحشرون على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة النقى لَيْسَ فِيهَا علم لأحد

قَالَ ابْن مَسْعُود رضي الله عنه هِيَ أَرض بَيْضَاء كَهَيئَةِ الْفضة لم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة وَلَا سفك فِيهَا دم حرَام وَيجمع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد ينفذهم الْبَصَر وَيسْمعهُمْ الدَّاعِي حُفَاة عُرَاة غرلًا كَمَا خلقُوا فَيَأْخُذ النَّاس من كرب ذَلِك الْيَوْم وشدته حَتَّى يلجمهم الْعرق

وَبَعْضهمْ يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَكَذَا هُوَ مُجَاهِد وَغَيره من السّلف

فَهَذَا الحَدِيث وَسَائِر الْآثَار تبين أَن النَّاس يحشرون على الأَرْض المبتلة وَالْقُرْآن يُوَافق على ذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات وبرزوا لله الْوَاحِد القهار}

وحشرهم وحسابهم يكون قبل الصِّرَاط فَإِن الصِّرَاط عَلَيْهِ ينجون إِلَى الْجنَّة وَيسْقط أهل النَّار فِيهَا كَمَا ثَبت فِي الْأَحَادِيث

ص: 202

وَحَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها الْمُتَقَدّم يدل على أَن التبديل وهم على الصِّرَاط لَكِن البُخَارِيّ لم يُورِدهُ فَلَعَلَّهُ تَركه لهَذِهِ الْعلَّة وَغَيرهَا فَإِن سدنه جيد

أَو يُقَال تبدل الأَرْض قبل الصِّرَاط وعَلى الصِّرَاط تبدل السَّمَوَات

وَأما قَوْله {يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للكتب} فالطي غير التبديل

وَقَالَ تَعَالَى {وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ}

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه يطوى السَّمَوَات ثمَّ يأخذهن بِيَمِينِهِ ثمَّ يَقُول أَنا الْملك أَنا الْجَبَّار أَيْن الجبارون أَيْن المتكبرون وَفِي لفظ يَأْخُذ الجهار سمواته وأرضه بِيَدِهِ وَهُوَ فِي أَحَادِيث كَثِيرَة

فطى السَّمَوَات لَا يُنَافِي أَن يكون الْخلق فِي موضعهم وَلَيْسَ فِي شَيْء من الحَدِيث أَنهم يكونُونَ عِنْد الطي على الجسر كَمَا روى ذَلِك وَقت تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَإِن كَانَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَة مَا فِيهَا

وَالَّذِي لَا ريب فِيهِ أَنه لَا بُد من تبديلها وطيبها

وَمذهب سلف الْأمة إِثْبَات الصِّفَات لله كَمَا جَاءَت إِثْبَاتًا بِلَا تَمْثِيل وتنزيها بِلَا تَعْطِيل

وَفِي يَوْم الْقِيَامَة تبدل الْجُلُود فِي النَّار كَمَا أخبر سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ

فَقيل إِنَّه تغير الْجُلُود فِي الصِّفَات لَا فِي الذوات فَكلما تَغَيَّرت الصِّفَات صَار هَذَا غير هَذَا وَإِن كَانَ الأَصْل وَاحِدًا وَهَذَا كَمَا تمد الأَرْض وَتَكون السَّمَاء كَالْمهْلِ وكما يُعَاد خلق الانسان وَيبقى طوله سِتُّونَ ذِرَاعا

ص: 203

قَاعِدَة

الَّذِي اتّفق عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن النَّار لَا يخلد فِيهَا أحد من أهل الْإِيمَان والتوحيد كَمَا ثَبت ذَلِك فِي الْأَحَادِيث إِنَّه يخرج من النَّار من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان وَنَحْوه

وَلَكِن لَا بُد أَن يدْخل النَّار عصاة أهل التَّوْحِيد بِذُنُوبِهِمْ ويعاقبون على مِقْدَار ذنوبهم ثمَّ يخرجُون بشفاعة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَغَيره

وَأما أهل الْبدع فَلهم أَقْوَال مضطربة بَاطِلَة

فجمهور الْمُعْتَزلَة والخوارج يَقُولُونَ من دخل النَّار خلد فِيهَا وَآخَرُونَ من المرجئة يَقُولُونَ إِنَّا لَا نقطع لمُعين

فَأُولَئِك اعتقدوا أَن الْإِيمَان مَتى ذهب بعضه ذهب جَمِيعه

قَالُوا وَالْفَاسِق قد نقص إيمَانه وَالْحق مَا عَلَيْهِ السّلف

وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن الحَدِيث إِنَّمَا سلبه كَمَال الْإِيمَان الْوَاجِب وَحَقِيقَته الَّتِي بهَا يسْتَحق الْجنَّة والنجاة من النَّار

وَكَذَلِكَ قَوْله من غَشنَا لَيْسَ منا وَشبهه

وَمَا ورد من نُصُوص الْوَعيد الْمُطلقَة كَقَوْلِه تَعَالَى {فَسَوف نصليه نَارا} فَهُوَ مُبين ومفسر بِمَا فِي الْكتاب وَالسّنة من النُّصُوص المبينة لذَلِك الْمقيدَة لَهُ

وَكَذَلِكَ مَا ورد من نُصُوص الْوَعْد الْمُطلقَة

وَكَذَلِكَ بَين أَن الْحَسَنَات تمحو السَّيِّئَات والخطايا تكفر بالمصائب وَغَيرهَا من الْعَمَل الصَّالح من غَيره كالدعاء لَهُ وَالصَّدَََقَة عَنهُ وَالصِّيَام وَالْحج عَنهُ

فَقَوله لَا يدْخل النَّار من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان نفي بِهِ الدُّخُول الْمُطلق الَّذِي توعد بِهِ فِي الْقُرْآن توعدا مُطلقًا وَهُوَ دُخُول الخلود فِيهَا وَأَنه

ص: 204

لَا يخرج مِنْهَا بشفاعة وَلَا غَيرهَا مثل قَوْله {لَا يصلاها إِلَّا الأشقى} وَقَوله تَعَالَى {سيدخلون جَهَنَّم داخرين}

فَيُقَال إِن من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان يمْنَع من هَذَا الدُّخُول الْمَعْرُوف لَا أَنه لَا يصبهُ شَيْء من عَذَاب النَّار لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَقُول الله تَعَالَى أخرجُوا من النَّار من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان وَقَالَ وَأما أهل النَّار الَّذين هم أَهلهَا فَإِنَّهُم لَا يموتون فِيهَا وَلَا يحيون وَلَكِن نَاس أَصَابَتْهُم بِذُنُوبِهِمْ فأماتتهم إمانة حَتَّى إِذا كَانَ حما أذن فِي الشَّفَاعَة فَخَرجُوا ضبائر ضبائر فينبتون على نهر الْجنَّة

وَكَذَلِكَ قَوْله لَا يدْخل الْجنَّة من فِي قلبة مِثْقَال ذرة من كبر نفي الدُّخُول الْمُطلق الْمَعْرُوف وَهُوَ دُخُول الْمُؤمنِينَ الَّذين أعدت لَهُم الْجنَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {وسيق الَّذين اتَّقوا رَبهم إِلَى الْجنَّة زمرا حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} الْآيَة وَقَوله {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ بِمَا غفر لي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين} وأمثال ذَلِك مِمَّا يُطلق فِيهِ الدُّخُول وَالْمرَاد الدُّخُول ابْتِدَاء من غير سبق عَذَاب فِي النَّار بِحَيْثُ لَا يفهم من ذَلِك يُعَذبُونَ فَهَذَا الدُّخُول لَا يَنَالهُ من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر

وَأَيْضًا فَهَذِهِ الْأَحَادِيث مُبين فِيهَا سَبَب دُخُوله الْجنَّة من الْعَمَل الصَّالح وَسبب دُخُول النَّار كالكبر

فَإِن وجد فِي العَبْد أحد السببين فَقَط فَهُوَ من أَهله وَإِن وجدا فِيهِ مَعًا ستحق الْجنَّة وَالنَّار

وَمن مَعَه كبر وايمان يسْتَحق النَّار فيعذب فِيهَا حَتَّى يَزُول الْكبر من قلبه وَحِينَئِذٍ يدْخل الْجنَّة وَلم يبْق فِي قلبه كبر وَلَا مِثْقَال ذرة مِنْهُ كَمَا أَنه لَو تَابَ مِنْهُ لم يكن من أَهله

وَكَذَا إِذا عذب بِذَنبِهِ فِي الدُّنْيَا أَو فِي الْآخِرَة لم يكن حِينَئِذٍ من أَهله

ص: 205

فَقَوله صلى الله عليه وسلم لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مُؤمنَة حق إِذا أُرِيد بِهِ الدُّخُول الْمُطلق الْكَامِل أُرِيد بالمومن الْكَامِل الْمُطلق وَإِذا أُرِيد بِالدُّخُولِ مُطلق الدُّخُول فقد يتَنَاوَل الدُّخُول بعد الْعَذَاب فَإِنَّهُ يُرَاد بِهِ مُطلق الْمُؤمن حَتَّى يتَنَاوَل الْفَاسِق الَّذِي فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان فَإِن هَذَا يدْخل ي مُطلق المومن كَقَوْلِه تَعَالَى {فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة}

وَلَا يدْخل فِي الْمُؤمن الْمُطلق كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته زادتهم إِيمَانًا} الْآيَة

وَمثل هَذَا كثير فِي الْكتاب وَالسّنة ينتفى الِاسْم عَن الْمُسَمّى تَارَة لنفي حَقِيقَته وكماله وَيثبت لَهُ تَارَة لوُجُود أَصله وَبَعضه حَتَّى يُقَال للْعَالم الْقَاصِر والصانع الْقَاصِر هَذَا عَالم وَهَذَا صانع بِالنِّسْبَةِ إِلَى من لَا يعلم وَإِلَى من لَا يصنع وَيُقَال هَذَا لَيْسَ بعالم وَلَا صانع لوُجُود نَقصه وتقصيره وَيُقَال للكامل هُوَ الْعَالم والصانع وَهَذَا هُوَ الشجاع وَأَمْثَاله كثير من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات كالمؤمن وَالْكَافِر وَالْفَاسِق وَالْمُنَافِق وَالله أعلم

وورود حَوْض النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل الصِّرَاط فَيردهُ قوم ويذاد عَنهُ آخَرُونَ وَقد بدلُوا وغيرو وَالله أعلم

وَلَا ريب أَن قَوْله صلى الله عليه وسلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده إِنَّمَا كَانَ أَرَادَ أَن يكْتب لأبي بكر رضي الله عنه الْعَهْد بالخلافة بعده كَمَا فسر ذَلِك فِي حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنه يَوْم الْخَمِيس قَالَ لَهَا ادعِي لَهَا أَبَاك وأخاك أكتب لأبي بكر كتابا لَا يخْتَلف النَّاس بعدِي ثمَّ أعلم أَن الله يَأْبَى ذَلِك والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر وَذَلِكَ لما أَنه كَانَ نصب لَهُم من الْعَلامَة على خِلَافَته من الصَّلَاة بِالنَّاسِ إِمَامًا وسد خوخة غَيره وإخباره بحبه أَكثر من غَيره وَغير ذَلِك من العلامات ثمَّ قَالَ عمر رضي الله عنه نسخ الله كِتَابه ذَلِك عَن

ص: 206