الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب فِي ترك الصَّلَاة
الحكم فِيمَن تَركهَا
قَالَ عمر رضي الله عنه الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ من غير عذر من الْكَبَائِر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا وَقَالَ الْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم والأثر
وتفويت الْعَصْر أعطم من تَفْوِيت غَيرهَا فَإِنَّهَا الْوُسْطَى وَعرضت على من كَانَ قبلنَا فضيعوها وَمن حَافظ عَلَيْهَا فَلهُ الْأجر مرَّتَيْنِ وَلما فَاتَت سُلَيْمَان فعل بِالْخَيْلِ مَا فعل
وَفِي الصَّحِيح من فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر فقد حَبط عمله وَفِيه فقد وتر أَهله وَمَاله فِي حَدِيث آخر
وَكَذَلِكَ كل من أخر صَلَاة عَن وَقتهَا فقد أَتَى بَابا من الْكَبَائِر
وَكَذَلِكَ من ترك الطَّهَارَة أَو الْقبْلَة أَو ترك من فعلهَا رُكُوعًا أَو سجودا أَو الْقِرَاءَة الْوَاجِبَة أَو غير ذَلِك مُتَعَمدا فقد فعل كَبِيرَة بل تتوزع فِي كفره إِذا لم يسْتَحل ذَلِك أما لَو استحله فقد كفر بِلَا ريب
وَلَا نزاع أَنه إِذا علم العادم للْمَاء أَنه يجده بعد الْوَقْت يُمكنهُ أَن يفعل ذَلِك كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي فِي الْوَقْت بِحَسب إِمْكَانه
وَمن قَالَ يجوز تَأْخِير الصَّلَاة لمشتغل بشرطها فَهَذَا لم يقلهُ أحد قبله من أَصْحَابنَا بل وَلَا من سَائِر طوائف الْمُسلمين إِلَّا أَن يكون بعض الشَّافِعِيَّة فَهَذَا
شكّ فِيهِ وَلَا ريب أَنه لَيْسَ على عُمُومه وإطلاقه بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَإِنَّمَا أَرَادَ صُورَة مَعْرُوفَة كَمَا إِذا أمكن الْوُصُول إِلَى الْبِئْر بعد أَن يصنع حبلا يستقى بِهِ لَا يفرغ إِلَّا بعد الْوَقْت أَو أمكن الْعُرْيَان أَن يخيط لَهُ ثوبا لَا يفرغ مِنْهُ إِلَّا بعد الْوَقْت وَنَحْو هَذِه الصُّور
وَمَعَ ذَلِك فالدين قَالُوا هَذَا قد خالفوا الْمَذْهَب الْمَعْرُوف عَن أَحْمد وَأَصْحَابه وَغَيرهم إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ محجوج بِإِجْمَاع الْمُسلمين فَإِنَّهُ لَو دخل الْوَقْت وَأمكنهُ أَن يجد المَاء ويطلبه بعد الْوَقْت لم يجز لَهُ التَّأْخِير بِاتِّفَاق الْمُسلمين وَإِن كَانَ مشتغلا بِالشّرطِ وَكَذَلِكَ الْعُرْيَان لَو أمكنه أَن يذهب إِلَى قَرْيَة يَشْتَرِي لَهُ ثوبا وَلَا يُصَلِّي إِلَّا بعد خُرُوج الْوَقْت لم يجز لَهُ التَّأْخِير بِلَا نزاع
وَكَذَلِكَ من لَا يعلم الْفَاتِحَة إِلَّا بعد الْوَقْت وَالتَّكْبِير وَالتَّشَهُّد إِذا ضَاقَ الْوَقْت وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَة إِذا كَانَ دَمهَا يَنْقَطِع بعد الْوَقْت فَكل هَؤُلَاءِ يصلونَ فِي الْوَقْت بِحَسب الْحَال وَلَا يجوز لَهُم التَّأْخِير
وَأما من يجمع مَا ثَبت الْجمع فِيهِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَهُوَ لم يُؤَخر عَن الْوَقْت بل لَا يحْتَاج الْجمع إِلَى نِيَّة وَلَا الْقصر فِي إِحْدَى الْقَوْلَيْنِ إِلَى نِيَّة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالْجُمْهُور
وَكَذَا صَلَاة الْخَوْف تفعل فِي الْوَقْت بِحَسب الْحَال وَلَا تُؤخر لتفعل تَامَّة وَكَذَا من اشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة لَا يؤخرها حَتَّى يعلمهَا بعد الْوَقْت بل يُصَلِّي على حسب حَاله بِالِاجْتِهَادِ
وَأما نزاع النَّاس فِيمَا إِذا أمكنه التَّعَلُّم بدلائل الْقبْلَة وَلَكِن يخرج عَن الْوَقْت فَهَذَا هُوَ القَوْل الْمُحدث الشاذ الَّذِي تقدم
وَإِنَّمَا النزاع الْمَعْرُوف فِيمَا اذا اسْتَيْقَظَ النَّائِم فِي آخر الْوَقْت وَلم يُمكنهُ أَن يُصَلِّي قبل خُرُوج الْوَقْت بِوضُوء هَل يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ أَو يتَوَضَّأ وَيُصلي بعد الْوَقْت على قَوْلَيْنِ
الأول قَول مَالك مُرَاعَاة للْوَقْت وَالثَّانِي قَول الْأَكْثَرين
وَمن هُنَا توهم قوم أَن الشَّرْط مقدم على الْوَقْت وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْوَقْت فِي حق الناذم حِين يَسْتَيْقِظ فَلَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط بِخِلَاف المستيقظ
وَقد نَص جُمْهُور الْعلمَاء على أَنه إِذا ضَاقَ الْوَقْت وَلم يصل قتل وَلَو قَالَ أَنا أقضيها كَمَا إِذا قَالَ أَنا أُصَلِّي بِغَيْر وضوء أَو قَالَ أترك فرضا مجمعا عَلَيْهِ قتل وَلَا يقتل حَتَّى يُسْتَتَاب
وَهل هِيَ وَاجِبَة أَو مُسْتَحبَّة أَو مُؤَقَّتَة بِثَلَاثَة أَيَّام فِيهِ نزاع
وَهِي يقتل بِصَلَاة أَو بِثَلَاثَة على رِوَايَتَيْنِ
وَهل يشْتَرط ضيق وَقت الَّتِي بعْدهَا أَو يَكْفِي ضيق وَقتهَا على وَجْهَيْن وَوجه ثَالِث الْفرق بَين صَلَاتي الْجمع وَغَيرهَا
وَمن لَا يعْتَقد وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ فَهُوَ فِي الْبَاطِن كَافِر وَيجْرِي عَلَيْهِ فِي الظَّاهِر أَحْكَام الْإِسْلَام كالمنافقين وَإِن لم يكن فِي الْبَاطِن مُكَذبا للرسول لَكِن معرض عَمَّا جَاءَ بِهِ وَلَا يخْطر بِقَلْبِه الصَّلَاة هَل هِيَ وَاجِبَة أَو لَيست وَاجِبَة وَإِن خطر ذَلِك لَهُ أعرض عَنهُ واشتغل بأموره وشهواته عَن أَن يعْتَقد الْوُجُوب ويعزم على الْفِعْل فَهَؤُلَاءِ وَإِن صلوا لم تقبل صلَاتهم
وَإِذا تَابَ فَاعْتقد الْوُجُوب وعزم على الْفِعْل كَانَ بِمَنْزِلَة من تَابَ من الْكفْر فَإِن أصح قولي الْعلمَاء وَأَكْثَرهم لَا يُوجب على من تَابَ من الْكفْر قَضَاء مَا تَركه قبل الْإِسْلَام من صَلَاة وَغَيرهَا وَلِهَذَا لم يكن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَأْمر من تَابَ من الْمُنَافِقين بِإِعَادَة مَا فَعَلُوهُ أَو تَرَكُوهُ وَلَا أَمر الْمُرْتَدين الَّذين تَابُوا بِقَضَاء مَا تَرَكُوهُ حَال الرِّدَّة وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي الظَّاهِر عَنهُ
وَمذهب الشَّافِعِي الْقَضَاء وَبَنوهُ على أَنه هَل يحبط عمله بِنَفس الرِّدَّة أَو بهَا مَعَ الْمَوْت وَفِيه كَلَام لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه