الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
روى مَالك فِي موطئِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم عَن أسلم مولى عمر وَفِي لفظ عَن نعيم بن ربيعَة أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة فَقَالَ عمر رضي الله عنه إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ إِن الله خلق آدم ثمَّ مسح ظَهره بِيَمِينِهِ فاستخرج ذُريَّته فَقَالَ جعلت هَؤُلَاءِ للجنة وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ ثمَّ مسح ظَهره فاستخرج مِنْهُ ذُريَّته فَقَالَ خلقت هَؤُلَاءِ للنار وبعمل أهل للنار وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله فَفِيمَ الْعَمَل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله إِذا خلق الرجل للجنة اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى يَمُوت على عمل من أَعمال أهل الْجنَّة فَيدْخل بِهِ الْجنَّة وَإِذا خلق الرجل النَّار اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى يَمُوت على عمل من أَعمال أهل النَّار فَيدْخل بِهِ النَّار
وَفِي حَدِيث الحكم بن سِنَان عَن ثَابت عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله قبض قَبْضَة فَقَالَ إِلَى الْجنَّة برحمتي وَقبض قَبْضَة فَقَالَ إِلَى النَّار وَلَا أُبَالِي
وَهَذَا الْمَعْنى مَشْهُور عَنهُ من وُجُوه مُتعَدِّدَة
وَفِيه فصلان
أَحدهمَا الْقدر السَّابِق وَهُوَ أَن الله سبحانه وتعالى علم أهل الْجنَّة من أهل النَّار قبل أَن يعملوا الْأَعْمَال وَهَذَا حق يجب الْإِيمَان بِهِ بل قد نَص الْأَئِمَّة كمالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَن من جحد هَذَا فقد كفر بل يجب الْإِيمَان بِهِ فَإِن الله علم مَا سَيكون كُله قبل أَن يكون
كَمَا فِي صَحِيح مُسلم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله قدر مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة وَكَانَ عَرْشه على المَاء
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ كَانَ الله وَلَا شَيْء غَيره وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَكتب فِي الذّكر كل شَيْء وَخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَفِي الْمسند عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِنِّي عِنْد الله لمكتوب خَاتم النَّبِيين وَإِن آدم لَمُنْجَدِل فِي طينته وسأنبئكم بِأول ذَلِك دَعْوَة أبي إِبْرَاهِيم وبشرى أخي عِيسَى ورؤيا أُمِّي رَأَتْ حُسَيْن ولدتني أَنه خرج مِنْهَا نور أَضَاءَت لَهُ قُصُور الشَّام
وَنَحْوه كثير كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَليّ حَدِيث بَقِيع الْغَرْقَد
وَفِي الصَّحِيح قَالُوا يَا رَسُول الله علم الله أهل الْجنَّة من أهل النَّار فَقَالَ نعم قيل فيمَ الْعَمَل قَالَ اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ
وَذَلِكَ أَن الله علم الْأَشْيَاء كَمَا هِيَ عَلَيْهِ وَقد جعل لَهَا أسبابا تكون بهَا وَيعلم أَنَّهَا تكون بِتِلْكَ الْأَسْبَاب
فَلَو قَالَ قَائِل إِذا علم الله أَنه يُولد لي ولد فَلَا حَاجَة لي بِالزَّوْجَةِ كَانَ أَحمَق فَإِن الله يعلم مَا سَيكون بأسبابه بِمَا قدره من الْوَطْء وَغَيره
وَكَذَلِكَ علم مَا سَيكون من أَن هَذَا يشْبع بِالْأَكْلِ وَهَذَا يَمُوت بِالْقَتْلِ
فَلَا بُد من الْأَسْبَاب الَّتِي قد علمهَا الله سبحانه وتعالى من الدُّعَاء وَالسُّؤَال وَغَيره فَلَا ينَال العَبْد شَيْئا إِلَّا بِمَا قدره الله من جَمِيع الْأَسْبَاب وَالله خَالق ذَلِك الشَّيْء وخالق الْأَسْبَاب
وَلِهَذَا قيل الِالْتِفَات إِلَى الْأَسْبَاب شرك فِي التَّوْحِيد ومحو الْأَسْبَاب أَن تكون أسبابا نقص فِي الْعقل والاعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع
وَمُجَرَّد الْأَسْبَاب لَا توجب حُصُول الْمُسَبّب بل لَا بُد من تَمام الشُّرُوط وَزَوَال الْمَوَانِع
فَكل ذَلِك بِقَضَاء الله وَقدره
وَكَذَلِكَ أَمر الْآخِرَة فَلَيْسَ بِمُجَرَّد عمل العَبْد ينَال الْإِنْسَان السَّعَادَة بل الْعَمَل سَبَب كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم لن يدْخل أحد مِنْكُم الْجنَّة بِعَمَلِهِ الحَدِيث وَقَالَ تَعَالَى {ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَهَذِهِ بَاء السَّبَب أَي بِسَبَب أَعمالكُم
وَالَّذِي نَفَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَاء الْمُقَابلَة والمعارضة كَمَا يُقَال اشْتريت هَذَا بِهَذَا أَي لَيْسَ الْعَمَل عوضا أَو ثمنا كَافِيا فِي دُخُول الْجنَّة بل لَا بُد مَعَه من عَفوه تَعَالَى وَرَحمته وفضله ومغفرته وفضله ومغفرته فغفرته تمحو السَّيِّئَات وَرَحمته تَأتي بالخبرات وتضاعف الْحَسَنَات
وَهنا ضل فريقان فريق أخذُوا بِالْقدرِ وأعرضوا عَن الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة والأعمال الصَّالِحَة وظنوا أَن ذَلِك كَاف وَهَؤُلَاء يؤول أَمرهم إِلَى الْكفْر بِاللَّه وَكتبه وَرُسُله
وفريق أخذُوا يطْلبُونَ الْجَزَاء من الله كَمَا يَطْلُبهُ الْأَجِير من الْمُسْتَأْجر متكلين على حَولهمْ وقوتهم وعملهم وهم جهال ضلال فَإِن الله لم يَأْمر الْعباد بِمَا أَمرهم بِهِ عَن حَاجَة مِنْهُ إِلَيْهِم وَإِنَّمَا أَمرهم بِمَا فِيهِ صَلَاحهمْ وَلَا نَهَاهُم عَن شَيْء بخلا بل نَهَاهُم عَمَّا فِيهِ فسادهم وكما قَالَ يَا عبَادي لن تبلغوا ضري
فتضروني وَلنْ تبلغوا نفعي فتنفعونني وَهُوَ مَعَ غناء عَن الْعَالمين أرسل إِلَيْهِم الرُّسُل بفضله سُبْحَانَهُ وَإِن كَانَ أوجب على نَفسه الرَّحْمَة وَحرم عَلَيْهَا الظُّلم فَهُوَ وَاقع لَا محَالة وَاجِب بِحكم إِيجَابه ووعده لَا أَن الْخلق يوجبون على الله شَيْئا أَو يحرمُونَ عَلَيْهِ شَيْئا بل هم أعجز من ذَلِك وكل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة من عدل كَمَا فِي قَوْله فِي الحَدِيث فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يلو من إِلَّا نَفسه
فَمن أعرض عَن الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد نَاظرا إِلَى الْقدر فقد ضل وَمن طلب الْمقَام بِالْأَمر وَالنَّهْي معرضًا عَن الْقدر فقد ضل بل لَا بُد من الْأَمريْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} فنعبده اتبَاعا لِلْأَمْرِ ونستعينه إِيمَانًا بِالْقدرِ
فَكل عمل يعمله الْعَامِل وَلَا يكون طَاعَة وَعبادَة وَعَملا صَالحا فَهُوَ بَاطِل فَإِن الدُّنْيَا ملعونة مَلْعُون مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ لله وَلَو نَالَ بذلك الْعَمَل رياسة ومالا فغاية المترئس أَن يكون كفرعون وَغَايَة المتمول أَن يكون كقارون وَقد ذكر الله فِي سُورَة الْقَصَص من قصتهما مَا فِيهِ عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب
وكل عمل لَا يعين الله العَبْد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يكون وَلَا يَقع فَمَا لَا يكون بِهِ لَا يكون وَمَا لَا يكون لَهُ لَا يَدُوم وَلَا ينفع فَلذَلِك أَمر العَبْد أَن يَقُول {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} فِي كل صَلَاة
وَلِلْعَبْدِ حالان حَال قبل الْقدر فَعَلَيهِ أَن يَسْتَعِين بِاللَّه ويتوكل عَلَيْهِ ويدعوه وَحَال بعد الْقدر فَعَلَيهِ أَن يحمد الله فِي الطَّاعَة ويصبر ويرضى فِي الْمُصِيبَة ويستغفر فِي الذَّنب وَفِي الطَّاعَة من النَّقْص ويشكره عَلَيْهَا إِذْ هِيَ من نعْمَته
فَينْظر إِلَى الْقدر عِنْد الْمُصِيبَة بعد وُقُوعهَا ويستغفر عِنْد الْمعْصِيَة قَالَ تَعَالَى لنَبيه صلى الله عليه وسلم {فاصبر إِن وعد الله حق واستغفر لذنبك} وَقَالَ تَعَالَى {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها إِن ذَلِك على الله يسير لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم}