الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَمن حلف على زَوجته بِالطَّلَاق الثَّلَاث لَا تفعل كَذَا فَفعلت وَزَعَمت أَنَّهَا حِين فعلته اعتقدت أَنه غير الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَالصَّحِيح فِي مثل ذَلِك أَنه لَا يَقع طَلَاقه بِنَاء على أَنه فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ نَاسِيا ليمينه أَو جَاهِلا لم يَقع بِهِ طَلَاق فِي أحد قولي الشَّافِعِي وَأحمد وَعنهُ فِي جنس ذَلِك ثَلَاث رِوَايَات لِأَن الْبر والأيمان بمنزل الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة فِي الْأَمر وَالنَّهْي لِأَن الْحَالِف يقْصد بِيَمِينِهِ الحض لنَفسِهِ أَو لغيره مِمَّن يحلف عَلَيْهِ أَو الْمَنْع لنَفسِهِ أَو لغيره مِمَّن يحلف عَلَيْهِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة طلب مُؤَكد بالقسم فَكَمَا أَن الْكَلَام نَوْعَانِ خبر وإنشاء والإنشاء أَمر وَنهي وَإِبَاحَة وَالْقسم أَيْضا نَوْعَانِ خبر مُؤَكد وإنشاء مُؤَكد بالقسم وَلِهَذَا كَانَ الْقسم جملتان جملَة يقسم عَلَيْهَا وَجُمْلَة يقسم بهَا فَإِذا قَالَ وَالله لقد كَانَ كَذَا أَو مَا كَانَ كَذَا أَو لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَو لَا تفعل كَذَا كَانَ هَذَا إنْشَاء مؤكدا بالقسم لكنه طلب يتَضَمَّن الْأَمر وَالنَّهْي ثمَّ لما صَارُوا يحلفُونَ بِالطَّلَاق كَانَ لَهُ صيغتان صِيغَة الْقسم وَصِيغَة الشَّرْط
فصيغة الْقسم قَول الْحَالِف الطَّلَاق يلْزَمنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَو لَا أَفعلهُ أَو لتفعلن كَذَا
وَصِيغَة الْقسم مُوجب فِي صِيغَة الْجَزَاء والمثبت فِي هَذِه منفى فِي هَذِه
وَصِيغَة الشَّرْط إِذا تَضَمَّنت معنى الحض وَالْمَنْع كَانَت حلفا بِالطَّلَاق وَأما إِن كَانَت تَعْلِيقا مَحْضا كَقَوْلِه إِذا طهرت أَو طلعت الشَّمْس وَنَحْو ذَلِك فَفِيهِ نزاع بَين الْعلمَاء وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بِحلف بل هُوَ إِيقَاع مُوجب بِوَقْت مَعْلُوم أَو مَجْهُول أَو مُعَلّق بِشَرْط وينبنى على ذَلِك مسَائِل
مِنْهَا لَو حلف لَا يحلف بِالطَّلَاق أَو قَالَ إِذا حَلَفت بِهِ فَعَبْدي حر أَو لم يعرف لغته فَأَما إِن عرفت لغته فَإِن يَمِينه تنزل عَلَيْهَا
وَمِنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من حلف فَقَالَ إِن شَاءَ الله فَإِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك وَقد تنَازع النَّاس فِي الِاسْتِثْنَاء عَليّ ثَلَاث دَرَجَات
أَحدهَا الْإِيقَاع الْمُجَرّد فَعِنْدَ أَحْمد وَمَالك أَنه نفع الثَّانِيَة
وَإِذا علق الطَّلَاق بِشَرْط يقْصد بِهِ الحض أَو الْمَنْع فَفِيهِ قَولَانِ هما رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد إِحْدَاهمَا الْإِيقَاع فَإِنَّهُ الْإِيقَاع وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَنه كالحض
والدرجة الثَّالِثَة إِذا حلف بِصِيغَة الْقسم كَقَوْلِه الطَّلَاق يلْزَمنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُنَا ظَاهر الْمَذْهَب عَن أَحْمد أَنه لَا يَحْنَث ثمَّ من أَصْحَابه من يَجعله قولا وَاحِدًا وَمِنْهُم من يَجْعَل فِيهِ رِوَايَتَيْنِ فَالصَّوَاب وُقُوع الاسثتناء فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ وَإِن قيل لَا يَقع فِي الْإِيقَاع
وَالْمَقْصُود هُنَا أَن الْحَالِف على نَفسه أَو غَيره ليفعلن أَو لَا يفعل وَهُوَ طَالب طلبا مؤكدا بالقسم بِمَنْزِلَة الْأَمر وَالنَّهْي
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد علم أَن الْمنْهِي إِذا فعل مَا نهى عَنهُ نَاسِيا أَو مخطئا وَقد فعل شَيْئا يعْتَقد أَنه غير الْمنْهِي عَنهُ كَانَ المنهى عَنهُ كَأَنَّهُ لم يكن وَلم يكن الْمنْهِي مُخَالفا للناهي عَاصِيا لَهُ فَكَذَلِك من فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ نَاسِيا أَو مخطئا فِي اعْتِقَاده لمي كن مُخَالفا للْحَالِف فَلم يَحْنَث الْحَالِف وَهَذَا بَين لمن تَأمله وَالله تَعَالَى لم يُؤَاخذ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأ
وَأما إِذا فعلت الزَّوْجَة الْمَحْلُوف عَلَيْهِ عَالِمَة بالمخالفة فَهَذَا فِيهِ نزاع آخر غير النزاع الْمَعْرُوف فَأصل الْحلف بِالطَّلَاق هَل يَقع بِهِ الطَّلَاق أَو لَا يَقع فَإِن النزاع فِي ذَلِك بَين السّلف وَالْخلف
وَالْمَقْصُود أَن الزَّوْج إِذا حلف على زَوجته فخالفته عمدا فمذهب أَشهب
صَاحب مَالك أَنه لَا يَقع بِهِ طَلَاق فِي هَذِه الصُّورَة وَخَالفهُ غَيره من الْمَالِكِيَّة وَلَعَلَّ مأخذه إِمَّا وجوب طَاعَته وَجعلهَا عاصية بذلك أَو لِئَلَّا يكون الطَّلَاق بِيَدِهَا من غير رِضَاهُ فَإِنَّهُ لم يقْصد جعله بِيَدِهَا إِنَّمَا قصد منعهَا وَظن أَنَّهَا لَا تعصيه كمن حلف على معنى يَظُنّهُ كصفة فَتبين بِخِلَافِهَا ثمَّ إِذا وَقع بِهِ الطَّلَاق بِفِعْلِهَا أَو حصلت فرقة بِفِعْلِهَا بعد الدُّخُول فَهَل يرجع عَلَيْهَا بِالْمهْرِ فَهُوَ مَبْنِيّ على أَن إِخْرَاج الْبضْع من ملك الزَّوْج هَل هُوَ مُتَقَوّم فَلَو شهد شُهُود بِالطَّلَاق ثمَّ رجعُوا هَل يضمنُون الصَدَاق فِيهِ قَولَانِ مشهوران هما رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد وَالصَّحِيح أَنه مُتَقَوّم وَمِنْهُم من فرق بَين الْمَرْأَة واالأجنبي فَيَقُول مُتَقَوّم على الْأَجْنَبِيّ دون الْمَرْأَة فَيَقُولُونَ إِن أفسدت النِّكَاح هِيَ لم تضمنه بِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ
ثمَّ مَالك يَقُول هُوَ مَضْمُون بالمسعى وَهُوَ مَنْصُوص عَن أَحْمد وَالشَّافِعِيّ يَقُول هُوَ مَضْمُون بِمهْر الْمثل وَهُوَ وَجه لِأَحْمَد وَكَذَلِكَ لَو أفسد رجل نِكَاح امْرَأَة قبل الدُّخُول بهَا وَبعده فللمرأة قبل الدُّخُول نصف الصَدَاق وَلها جَمِيعه بعده وَيرجع بِهِ الزَّوْج على الْمُفْسد فِي الصُّورَتَيْنِ عِنْد من يَقُول خُرُوج الْبضْع مُتَقَوّم وَهُوَ الْمَنْصُوص عَن أَحْمد وَهُوَ مِقْدَار مَا يرجع بِهِ على الْقَوْلَيْنِ وَمن يَقُول لَا يتقوم بقول لَا يرجع وَهَذَا القَوْل الآخر فِي مَذْهَب أَحْمد
وَالدَّلِيل على أَنه مُتَقَوّم جَوَاز الْخلْع عَلَيْهِ وَأَيْضًا مَا ذكره الله سبحانه وتعالى فِي الممتحنة حَيْثُ قَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن} إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفقُوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا مَا أنفقتم وليسألوا مَا أَنْفقُوا} نزلت بِاتِّفَاق الْمُسلمين فِي قَضِيَّة الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَين النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبَين أهل مَكَّة صلح الْحُدَيْبِيَة لما شَرط عَلَيْهِم أَن يرد الْمُسلمُونَ من جَاءَهُم مُسلما وَأَن لَا يرد أهل مَكَّة من ذهب إِلَيْهِم مُرْتَدا فَهَاجَرَ نسْوَة كَأُمّ كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط فنسخ الله تَعَالَى الرَّد فِي النِّسَاء وَأمر برد الْمهْر عوضا عَن رد الْمَرْأَة فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفقُوا}