الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى الَّذِي طافه المتمتعون أَولا وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا يسعك طوافك لحجك وعمرتك فَدلَّ على أَنَّهَا كَانَت قارنة وَأَنه أجزأها طواف وَاحِد وسعي وَاحِد كالمفرد لَا سِيمَا وَهِي لم تطف أَولا طواف قدم بل وَلم تطف إِلَّا بعد التَّعْرِيف وسعت مَعَ ذَلِك وَإِذا كَانَ طواف الْإِفَاضَة وَالسَّعْي بعده يَكْفِي الْقَارِن فَلِأَن يَكْفِيهِ طواف الْقدوم مَعَ طواف الْإِفَاضَة وسعى وَاحِد مَعَ أَحدهمَا بطرِيق الأولى
وَقد صحّح عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ دخلت الْعمرَة فِي الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِذا دخلت الْعمرَة فِي الْحَج لم يحْتَج إِلَى عمل زَائِد لَهَا
فقد تبين أَن من سَاق الْهدى فالقرآن لَهُ أفضل وَمن لم يسْبق الْهدى فالتمتع لَهُ أفضل كَمَا عَلَيْهِ عَامَّة أَصْحَاب الحَدِيث كأحمد وَغَيره وَالله أعلم
فصل
قَالَ الله تَعَالَى {قل هَذِه سبيلي أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَنا وَمن اتبعني}
فالدعوة إِلَى الله هِيَ الدعْوَة إِلَى الْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَت بِهِ رسله وَذَلِكَ يتَضَمَّن الدعْوَة إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت وَالْإِيمَان بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله والبعث بعد الْمَوْت والايمان بِالْقدرِ خَيره وشره والدعوة إِلَى أَن يعبد العَبْد ربه كَأَنَّهُ يرَاهُ فَإِن الدَّرَجَات الثَّلَاث وَهِي الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالْإِحْسَان دَاخِلَة فِي الدّين
وأصل الدّين عبَادَة الله وَحده لَا شريك لَهُ كَمَا اتّفق على ذَلِك جَمِيع الرُّسُل قَالَ تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون}
فالدين وَاحِد وَإِنَّمَا تنوعت شرائع الْأَنْبِيَاء ومناهجهم قَالَ تَعَالَى {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجا}
فالرسل متفقون فِي الدّين الْجَامِع لِلْأُصُولِ الاعتقادية والعملية
فالاعتقادية الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله وَالْيَوْم الآخر والعملية كأعمال الْعِبَادَة الْعَامَّة الْمَذْكُورَة فِي سور الْأَنْعَام والأعراف وَبني إِسْرَائِيل كَقَوْلِه تَعَالَى {قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم عَلَيْكُم} إِلَى آخر الْآيَات الثَّلَاث وَقَوله تبارك وتعالى {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} إِلَى آخر الْوَصَايَا وَقَوله {قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهكُم عِنْد كل مَسْجِد} وَقَوله {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق}
فالدعوة إِلَى الله الْأَمر بِعِبَادَتِهِ وَحب كل مَا أحبه وَمن أحبه وبغض كل مَا أبغضه الله وَرَسُوله من بَاطِن وَظَاهر فَمن الدعْوَة إِلَى الله النهى عَمَّا نهى عَنهُ ولاتتم الدعْوَة إِلَى الله إِلَّا بذلك سَوَاء كَانَ من الْأَقْوَال الْبَاطِنَة أَو الظَّاهِرَة أَو من الْأَعْمَال الْبَاطِنَة أَو الظَّاهِرَة كالتصديق بِمَا أخبر بِهِ الرَّسُول من أَسمَاء الله وَصِفَاته والمعاد وَمَا أخبر بِهِ عَن ساذر الْمَخْلُوقَات كالعرش والكرسي وَالْمَلَائِكَة والأنبياء السَّابِقين وأممهم وأعدائهم كإخلاص الدّين لله وَأَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وكالتوكل عَلَيْهِ والرجاء لِرَحْمَتِهِ وخشية غَضَبه وعذابه وَالصَّبْر لحكمه وأمثال ذَلِك وكصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وَالْوَفَاء بالعهد وصلَة الْأَرْحَام وَحسن الْجوَار وكالجهاد فِي سَبِيل الله بِالْقَلْبِ وَالْبدن وَاللِّسَان
إِذا تبين ذَلِك فالدعوة إِلَى الله وَاجِبَة على من اتبع الرَّسُول صلى الله عليه وسلم على طَرِيقه وهم أمته الَّذين يدعونَ إِلَى الله تَعَالَى كَمَا دَعَا هُوَ إِلَيْهِ ويتناول الْأَمر بِكُل مَعْرُوف والنهى عَن كل مُنكر كَمَا وَصفهم الله تَعَالَى بقوله {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر}
وَهَذَا وَاجِب كفائى على كل الْأمة إِن قَامَ بِهِ طاذفة سقط عَن البَاقِينَ
فمجموع أمته تقوم فِي الدعْوَة إِلَى الله تَعَالَى وَلِهَذَا كَانَ إِجْمَاعهم حجَّة قَاطِعَة فَلَا تَجْتَمِع أمته على ضَلَالَة
وكل وَاحِد من الْأمة يجب عَلَيْهِ أَن يقوم من الدعْوَة بِمَا يقدر عَلَيْهِ إِذا لم يقم بِهِ غَيره فَيجب على كل من يقدر على شئ أَن يَدْعُو إِلَيْهِ من تَعْلِيم الْعلم وَالْجهَاد وَالْعَمَل وتبيين الْأَمر وَغير ذَلِك
والدعوة إِلَى الله هِيَ الدعْوَة إِلَى سَبيله وسبيله صلى الله عليه وسلم تَصْدِيقه فِيمَا أخبر وطاعته فِيمَا أَمر وَقد تبين أَنَّهُمَا واجبان على كل فَرد من أَفْرَاد الْمُسلمين وجوب فرض الْكِفَايَة
وَالْقِيَام بِالْوَاجِبِ من الدعْوَة والواجبة وَغَيرهَا بِثَلَاثَة شُرُوط كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث يَنْبَغِي لمن أَمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر أَن يكون فقهيا فِيمَا يَأْمر بِهِ فَقِيها فِيمَا ينْهَى عَنهُ رَفِيقًا فِيمَا يَأْمر بِهِ وفيقا ينْهَى عَنهُ حَلِيمًا فِيمَا يَأْمر بِهِ حَلِيمًا فِيمَا ينْهَى عَنهُ
فالتفقه ليعرف بِهِ والرفق ليسلك بِهِ وَهُوَ أقرب الطّرق تَحْصِيل الْمَقْصُود والحلم ليصير على الْأَذَى فكثيرا مَا يحصل لَهُ الْأَذَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {واصبر على مَا أَصَابَك} بعد أَن قَالَ {وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر} وَقَوله تَعَالَى لنَبيه {ولربك فاصبر} وَقَوله {واصبر على مَا يَقُولُونَ} وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن وَالسّنة
وَلَكِن للآنر أَن يدْفع عَن نَفسه فَإِذا أَرَادَ الْمَأْمُور أَن يُؤْذِيه فَلهُ أَن يدْفع أَذَاهُ عننفسه قبل الْإِيقَاع بِهِ أما بعد وُقُوع الْأَذَى وَالتَّوْبَة فيصبر ويحلم
والكمال حَال نَبينَا صلى الله عليه وسلم فقد ثَبت أَنه مَا انتقم لنَفسِهِ وَلَا ضرب خَادِمًا وَلَا زَوْجَة وَلَا دَابَّة وَلَا نيل مِنْهُ فانتقم لنَفسِهِ إِلَّا أَن
تنتهك حرمكات الله فَإِذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شئ حَتَّى ينْتَقم لله
فالآمر الناهي إِذا نيل مِنْهُ ثمَّ تَابَ الْمَأْمُور الَّذِي قدنال مِنْهُ وَقبل الْحق فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يقْتَصّ مِنْهُ ويعقب على أَذَاهُ فَإِنَّهُ قد سقط عَنهُ بِالتَّوْبَةِ كَمَا تسْقط عَن الْكَافِر إِذا اسْلَمْ حُقُوق الله وَلم يضمن مَا أتْلفه للْمُسلمين من الدِّمَاء وَالْأَمْوَال بل أجر الْمُسلمين عَليّ الله وَلَو أسلم وَبِيَدِهِ مَال للْمُسلمين كَانَ ملكا لَهُ عِنْد الْجُمْهُور وَهُوَ الَّذِي مَضَت بِهِ السّنة وَفِي الحَدِيث الْإِسْلَام يهدم مَا كَانَ قبله وَالتَّوْبَة تهدم مَا كَانَ قبلهَا
أما إِذا كَانَ الْمَأْمُور المنهى مستحلا لأَذى الْآمِر كالرافضى وَغَيره الَّذِي يسب الصَّحَابَة ويكفرهم فَإِذا تَابَ من هَذَا الِاعْتِقَاد وَصَارَ يُحِبهُمْ لم يبْق لَهُم قبله حق بل دخل حَقهم فِي حق الله تَعَالَى وَلِهَذَا كَانَ أصح قولى الْعلمَاء أَن أهل البغى لَا يضمنُون مَا أتلفوه عَليّ أهل الْعدْل وَكَذَلِكَ الْمُرْتَد
وَهَذَا بِخِلَاف شَأْن من يعْتَقد أَن مَا يَفْعَله بغى وعدوان كَالْمُسلمِ إِذا ظلم الْمُسلم وَالْمُرْتَدّ الَّذِي أتلف مَالا لمُسلم وَلَيْسَ بمحارب بل هُوَ فِي الظَّاهِر مُسلم أَو معاهد فَإِن هَؤُلَاءِ يضمنُون مَا أتلفوه بالِاتِّفَاقِ فَمن اعْتقد أذي الآخر بِتَأْوِيل فَهُوَ من المتأولين
وَحقّ الْآمِر الناهى دَاخل فِي حق الله تَعَالَى فَإِذا تَابَ سقط عَنهُ الحقان فَهُوَ كالحاكم إِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ وكالمفتى وكالشاهد إِذا اجتهدوا فأخطأوا
وَقد يُقَال إِنَّه سقط عَنهُ الْجَزَاء على وَجه الْقصاص الَّذِي يجب فِي الْعمد لَا فِي الْخَطَأ كَمَا تجب وكما يجب ضَمَان الْأَمْوَال الَّتِي يتلفها الصّبيان والمجانين وَالْقَاتِل خطأ الدِّيَة على عَاقِلَته وَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي ظلم خطأ
لَكِن يُقَال الْفرق بَين مَا كَانَ حَقًا لله وَحقّ الآدمى تبع لَهُ أَو مَا كَانَ حَقًا لآدمى مَحْضا أَو غَالِبا وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد من هَذَا
الْبَاب مُوَافق لقَوْل الْجُمْهُور الَّذين يوجبون عَليّ أهل البغى ضَمَان مَا أتلفوه لأهل الْعدْل بالتأويل فَهَذَا من با الِاجْتِهَاد الَّذِي يَقع فِيهِ الْأجر عَليّ الله تَعَالَى وَهَذَا مَا يتَعَلَّق بِالْعَبدِ الْآمِر الناهي
وَالْإِنْسَان قد تزين لَهُ نَفسه أَن عَفوه عَن ظالمه ذل فَتلْزمهُ أَن لَا بُد أَن يجْزِيه عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِك فقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي صَحِيح ميلم ثَلَاث إِن كنت لحافا عَلَيْهِنَّ مَا زَاد الله عبدا بالغفو إِلَّا عزا وَمَا نقصت صَدَقَة من مَال وَمَا تواضع أحد لله إِلَّا رَفعه
فَالَّذِي يَنْبَغِي للانسان أَن يعْفُو عَن حَقه ويتوقى حُدُود الله تَعَالَى بِحَسب الْإِمْكَان قَالَ تَعَالَى {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون}
قَالَ النَّخعِيّ كَانُوا يكْرهُونَ أَن يسذلوا فَإِذا قدرُوا عفوا قَالَ الله تَعَالَى {هم ينتصرون} يمدحهم بِأَن فيهم همة الِانْتِصَار للحق وَالْحمية لَيْسُوا بِمَنْزِلَة الَّذين يعفون عَجزا وذلا بل هَذَا مِمَّا قد ذمّ بِهِ الرجل