الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النَّفَقَات
إِذا تسلم الزَّوْج الْمَرْأَة التسلم الشَّرْعِيّ هُوَ أَبوهُ أَو نَحْوهمَا وأطعمها كَمَا جرت الْعَادة لم يكن لأَبِيهَا وَلَا لَهَا أَن تدعى بِالنَّفَقَةِ وَإِن لم يَأْذَن وَأَنَّهَا تَحت حجرَة وَإِن كَانَ قد توهم ذَلِك وَقَالَهُ طَائِفَة فَإِذا طلب وَليهَا النَّفَقَة وَلم يعْتد بِمَا أنْفق عَلَيْهَا كَانَ ظَالِما لَا تحل لَهُ الشَّرِيعَة هَذَا الطّلب وَمن توهم أَن النَّفَقَة كَالدّين لَا بُد أَن يقبضهُ الْوَلِيّ وَهُوَ لم يَأْذَن فِيهِ كَانَ مخطئا من وُجُوه
أَحدهَا أَن الْمَقْصُود بِالنَّفَقَةِ إطعامها لَا حفظ المَال لَهَا وَقبض الْوَلِيّ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَة وَلَا يحْتَاج إِلَى أُذُنه فَإِنَّهُ وَاجِب بِالشَّرْعِ فَهُوَ نهى الْوَلِيّ عَن الْإِنْفَاق عَلَيْهَا وَلم يلْتَفت إِلَيْهِ
وَأَيْضًا إِقْرَاره لَهَا مَعَ حَاجَتهَا إِلَى النَّفَقَة إِذن عرفي وَلَا يُقَال إِنَّه لم يَأْمَن الزَّوْج على النَّفَقَة لِأَن الائتمان بهَا حصل بِالشَّرْعِ كَمَا ائْتمن على بدنهَا وَالْقسم لَهَا وَغير ذَلِك من حُقُوقهَا فَإِن الرِّجَال قوامون على النِّسَاء وَالنِّسَاء عوان عِنْدهم وَلِأَن الائتمان الْعرفِيّ كاللفظي
وَإِذا سَافر الْوَلِيّ بِالزَّوْجَةِ بِغَيْر إِذن الزَّوْج عزّر على ذَلِك وتعزر هِيَ إِذا كَانَ التَّخَلُّف يُمكنهَا وَلَا نَفَقَة لَهَا من حِين سَافَرت وَإِذا امْتنعت من الصَّلَاة فَإِنَّهَا تستتاب فَإِن ثَابت وَإِلَّا قتلت وهجر الزَّوْج لَهَا على تَركهَا الصَّلَاة من أَعمال الْبر وَلَا نَفَقَة لَهَا إِذا امْتنعت من تَمْكِينه إِلَّا مَعَ ترك الصَّلَاة
وعَلى الْوَلَد الْمُوسر أَن ينْفق على أَبِيه وَزَوْجَة أَبِيه وعَلى إخْوَته الصغار والكبار إِذا كَانُوا عاجزين عَن الْكسْب وَإِن لم يفعل ذَلِك كَانَ عاقا لوَالِديهِ قَاطعا لرحمه مُسْتَحقّا لعقوبة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَإِذا طلق زَوجته ثَلَاثًا وأبرأته من حُقُوق الزَّوْجَة قبل علمهَا بِالْحملِ لم تدخل نَفَقَة الْحمل فِي الْإِبْرَاء وَلَو علمت بِالْحملِ وأبرأته من حُقُوق الزَّوْجِيَّة فقد لم يدْخل
فِي ذَلِك نَفَقَة الْحمل لِأَنَّهَا تجب بعد زَوَال النِّكَاح وَهِي وَاجِبَة للْحَمْل فِي أظهر قولي الْعلمَاء كَأُجْرَة الرَّضَاع اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون الْإِبْرَاء بِمُقْتَضى أَنه لَا يبْقى بَينهمَا مُطَالبَة بِعقد النِّكَاح أبدا فَإِذا كَانَ مقصودهما الْبَرَاءَة بِحَيْثُ لَا يبْقى للْآخر مُطَالبَة يُوَجه فَهَذَا يدْخل فِيهِ الْإِبْرَاء من نَفَقَة الْحمل
وعَلى الْوَالِد نَفَقَة وَلَده إِذا كَانَ مُوسِرًا فَإِن لم يُمكنهُ إِلَّا بِأَن يعمر ملكه أَو يكريه لزمَه ذَلِك بل من كَانَ لَهُ ملك لَا يعمره وَلَا يؤجره فَهُوَ سَفِيه مبذر يَنْبَغِي أَن يحْجر عَلَيْهِ فَأَما إِذا كَانَ لَهُ فَيتَعَيَّن ذَلِك عَلَيْهِ لأجل مصلحَة وَلَده
مَسْأَلَة وَالزَّوْجَة الْمَرِيضَة تسْتَحقّ النَّفَقَة فِي مَذْهَب الْأَرْبَعَة وَإِن لم يسْتَمْتع بهَا
وَولد الزِّنَا لَا يلْحق نسبه بِأَبِيهِ عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلَكِن لَا بُد أَن ينْفق عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ لِأَنَّهُ من يتامى الْمُسلمين
والمزوجة المحتاجة نَفَقَتهَا على زَوجهَا وَاجِبَة من غير صَدَاقهَا وَأما صَدَاقهَا الْمُؤخر فَيجوز أَن تطالبه بِهِ فَإِن أَعْطَاهَا فَحسن وَإِن امْتنع لم يجْبر حَتَّى يَقع بَينهمَا فرقة بِمَوْت أَو طَلَاق أَو نَحوه
وَالصَّدَََقَة على الْمُحْتَاج من الْأَهْل أولى من غَيره فَإِن لم يَتَّسِع مَال الْإِنْسَان للأقارب والأباعد فَإِن نَفَقَة الْقَرِيب وَاجِبَة فَلَا يعْطى الْبعيد مَا يضر بالقريب
أما الزَّكَاة وَالْكَفَّارَة فَيجوز أَن يعْطى مِنْهَا الْقَرِيب الَّذِي لَا ينْفق عَلَيْهِ والقريب أولى إِذا اسْتَوَت الْحَاجة
وَإِذا حكم بِالْوَلَدِ للْأُم فغيبته عَن الْأَب لم يكن لَهَا أَن تطالبه بِالنَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَة وَلَا بِمَا اتفقَا عَلَيْهِ
وَإِذا عجز الْأَب عَن النَّفَقَة وَلَا رُجُوع لمن أنْفق فِي هَذِه الْمدَّة بِغَيْر إِذْنه بِلَا نزاع وَإِنَّمَا تنازعوا فيمَ إِذا أنْفق مُتَّفق على أبنه باذنه أَو بِدُونِ إِذْنه مَعَ وجوب النَّفَقَة على الْأَب
فَقيل يرجع بِمَا أنْفق غير متربع كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي قَول وَلَا يجوز جبسه على هَذِه النَّفَقَة وَلَا على الرُّجُوع حَتَّى يثبت الْوُجُوب بيساره وَإِذا اخْتلف فِي يسَاره وَلم يعرف لَهُ مَال فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَإِذا كَانَ مُقيما فِي غير بلد الْأُم فالحصانة لَهُ لَا للْأُم وَإِن كَانَت الْأُم أولى بالحصانة فِي الْبَلَد الْوَاحِد وَهَذَا أَيْضا مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة
وَإِذا ادّعى الابْن على أَبِيه بصدقا أمه وكسوتها الْمَاضِيَة قبل مَوتهَا فعلى الْأَب أَن يُوفيه مَا يسْتَحقّهُ من ذَلِك وَإِذا تزوجت الْأُم فَلَا حضَانَة لَهَا وَإِن سَافَرت سفر نَقله فالحصانة للجدة دومها وَإِذا حضنته وَلم تكن الْحَضَانَة لَهَا فطالبت بِالنَّفَقَةِ فَلَا شَيْء لَهَا لِأَنَّهَا ظللة بالحضانة
وَإِذا كَانَ رزق الرجل على الْجِهَات السُّلْطَانِيَّة فللولي أَن يمْنَع موليته من التَّزَوُّج بِمن يتَنَاوَل مثل هَذَا الرَّزَّاق الَّذِي يَعْتَقِدهُ حَرَامًا لَا سِيمَا إِذا كَانَ لَا ضَرَر بِهِ فَإِذا كَانَ الزَّوْج يطْعمهَا من غَيره أَو تَأْكُل هِيَ من غَيره فَلهُ أَن يُزَوّجهَا إِذا كَانَ الزَّوْج متأولا فِيمَا يَأْكُلهُ فَإِن هَذِه الْجِهَات السُّلْطَانِيَّة لم يذكر أحد من الْفُقَهَاء الَّذين يُفْتى بقَوْلهمْ جَوَاز ذَلِك وَلَكِن فِي أَوَائِل الدولة السلجوقية أفتى طَائِفَة من الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة إِذا لم يكن فِي أَمْوَال بَيت المَال كِفَايَة لرزق الْجند الَّذين يحْتَاج إِلَيْهِم فِي الْجِهَاد أَن يوضع على الْمُعَامَلَات وَأنكر ذَلِك غير هَؤُلَاءِ وَحكى أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كتاب الْإِجْمَاع إِجْمَاع الْعلمَاء على تَحْرِيم ذَلِك وَقد كَانَ نور الدّين مَحْمُود الشَّهِيد بن زنكي قد أبطل جَمِيع الْوَظَائِف المحدثة فِي الشَّام والجزيرة ومصر والحجاز وَكَانَ أعرف النَّاس بِالْجِهَادِ وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ الْإِسْلَام بعد اسْتِيلَاء الافرنج والقرامطة على أَكثر بِلَاده وَمن فعل مَا يعْتَقد حلّه متأولا تأولا سائغا لَا سِيمَا مَعَ حَاجَة لم يَجْعَل فَاسِقًا بِمُجَرَّد ذَلِك بِحَيْثُ يمْنَع من تزَوجه لَكِن لَهُ منعهَا من تنَاول مثل هَذَا وَإِذا أطعمها الزَّوْج من غَيره فَلهُ أَن يُزَوّجهَا إِذا كَانَ متأولا فِيمَا يَأْخُذهُ كَمَا تقدم