الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب الْكُسُوف
الْكُسُوف والخسوف لَهما أَوْقَات مقدرَة كَمَا أَن لطلوع الْهلَال وقتا مُقَدرا وَذَلِكَ مِمَّا أجْرى الله تَعَالَى عَادَته كالليل وَالنَّهَار والشتاء والصيف وَسَائِر مَا يتبع جَرَيَان الشمسو الْقَمَر وَذَلِكَ من آيَات الله تَعَالَى فَكَمَا أَن الْعَادة أَن الْهلَال لَا يستهل إِلَّا لَيْلَة ثَلَاثِينَ أَو إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَن الشَّهْر لاي كَون إِلَّا ثَلَاثِينَ أَو تسعا وَعشْرين فَكَذَلِك أجْرى الله تَعَالَى الْعَادة أَن الشَّمْس لَا تنكسف إِلَّا وَقت الاستسرار وَأَن الْقَمَر لَا يخسف إِلَّا وَقت الإبدار وللشمس وَالْقَمَر لَيَال مُعْتَادَة من عرفهَا عرف الْكُسُوف والخسوف كَمَا أَن من علم كم مضى من الشَّهْر يعلم أَن الْهلَال يطلع فِي الميلة الْفُلَانِيَّة لَكِن الْعلم بالهلال هُوَ علم عَام للنَّاس وَأما علم الْكُسُوف فَهُوَ لمن يعرف حِسَاب جريانهما
وَلَيْسَ خير الحاسب بذلك من بَاب علم الْغَيْب بل مثل الْعلم بأوقات الْفُصُول وَمن قَالَ من الْفُقَهَاء إِن الشَّمْس فِي غير وَقت الاستسرار فقد غلط وَقَالَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم
وَمَا يرْوى عَن الْوَاقِدِيّ من ذكره أَن إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَاتَ يَوْم الْعَاشِر وَهُوَ الَّذِي كسفت فِيهِ الشَّمْس فغلط والواقدي لَا يحْتَج بمسانيده فَكيف بمراسيله هَذَا فِيمَا لم يعلم أَنه خطأ فَكيف وَهَذَا فَهُوَ خطأ قطعا
وَأما مَا ذكره طَائِفَة من الْفُقَهَاء من اجْتِمَاع صَلَاة الْعِيد والكسوف فَذكره فِي ضمن كَلَامهم فِيمَا إِذا اجْتمع صَلَاة الْكُسُوف وَغَيرهَا من الصُّور الْمَفْرُوضَة كَمَا قد ذكرُوا اجْتِمَاع الْوتر وَالظّهْر وَذكروا الْعِيد مَعَ عدم استحضارهم هَل ذَلِك مُمكن أم لَا
لَكِن استفدنا من تقديرهم الْعلم بالحكم فَقَط على تَقْدِير وجوده كَمَا يقدرُونَ مسَائِل يعلم أَنَّهَا لَا نفع لتحرير الْقَوَاعِد وتمرير الأذهان على ضَبطهَا
وَبِكُل حَال فالمخبر بذلك قد يكون غالطا أَو فَاسِقًا لَكِن إِذا تواطأوا على ذَلِك لَا يكَاد يخطىء وَبِكُل حَال فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم شَرْعِي فَإنَّا لَا نصلي صلَة الخسوف والكسوف إِلَّا إِذا شاهدنا ذَلِك
وَقد أخبر الصَّادِق صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا آيتان من آيَات الله يخوف الله بهما عباده
وَهَذَا بَيَان أَنَّهُمَا سَبَب لنزول الْعَذَاب فَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِمَا يزِيل الْخَوْف من الصَّلَوَات وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار وَالصَّدَََقَة وَالْعِتْق حَتَّى ينْكَشف مَا بِالنَّاسِ وَصلى بِالْمُسْلِمين صَلَاة طَوِيلَة
وَقد رُوِيَ فِي صَلَاة الْكُسُوف أَنْوَاع لَكِن الَّذِي استفاض عِنْد أهل الْعلم بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلذَلِك استحبه أَكثر أهل الْعلم كمالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَنه صلى بهم رَكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة ركوعان يقْرَأ قِرَاءَة طَوِيلَة ثمَّ يرْكَع رُكُوعًا طَويلا دون الْقِرَاءَة ثمَّ يقوم فَيقْرَأ قِرَاءَة طَوِيلَة دون الْقِرَاءَة الأولى ثمَّ يرْكَع رُكُوعًا دون الرُّكُوع الأول ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ طويلتين
وَثَبت فِي الصَّحِيح أَنه كَانَ يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا
وَالْمَقْصُود أَن تكون صَلَاة الْكُسُوف إِلَى أَن يتجلى فان فرغ قبل التجلى ذكر الله وَدعَاهُ إِلَى أَن يتجلى والكسوف يطول زَمَانه تَارَة وَيقصر أُخْرَى
فصل
وَهَذِه النُّجُوم من آيَات الله الدَّالَّة عَلَيْهِ المسبحة لَهُ الساجدة كَمَا قَالَ تَعَالَى {ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَالْجِبَال وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَكثير من النَّاس} ثمَّ قَالَ {وَكثير حق عَلَيْهِ الْعَذَاب}
وَهَذَا التَّفْرِيق يبين أَنه لم يرد سجودها لمُجَرّد مَا فِيهَا من الدّلَالَة على ربوبيته كَمَا يُقَال ذَلِك طوائف من النَّاس إِذْ هده الدّلَالَة يشْتَرك فِيهَا جَمِيع الْمَخْلُوقَات وَهُوَ قد فرق فَعلم أَن ذَلِك قدر زَائِدَة على الدّلَالَة وَمَعَ ذَلِك فقد جعلهَا مَنَافِع لِعِبَادِهِ وسخرها لَهُم
وَمن مَنَافِعهَا الظَّاهِرَة مَا جعله سُبْحَانَهُ بالشمس من الْحر وَالْبرد وَاللَّيْل وَالنَّهَار وإنضاج الثِّمَار وَخلق الْحَيَوَان والنبات والمعادن والترطيب والتيبيس وَغير ذَلِك من الْأُمُور المشهودة كَمَا جعل فِي النَّار الْإِشْرَاق والإحراق وَفِي المَاء التَّطْهِير والسقي وأمثال ذَلِك من نعمه الَّتِي يذكرهَا فِي كِتَابه
وَقد أخبر الله فِي غير مَوضِع أَنه يحيى بعض مخلوقاته بِبَعْض كَمَا قَالَ {لنحيي بِهِ بَلْدَة مَيتا}
وَمن قَالَ من أهل الْكَلَام إِنَّه يفعل ذَلِك عِنْده لَا بِهِ فعبارته مُخَالفَة لكتاب الله والأمور الْمَشْهُورَة كَمَا أَن من زعم أَنَّهَا مُسْتَقلَّة بِالْفِعْلِ فَهُوَ شرك مُخَالف لِلْعَقْلِ وَالدّين
وَمن قَالَ إِن لَهَا تَأْثِيرا وعني بذلك مَا قد علم بالحس مِمَّا جعله الله تَعَالَى فِيهَا مِمَّا ذكره سُبْحَانَهُ فَهُوَ حق وَلَكِن قد أَمر الله وَرَسُوله الْعباد بِمَا يدْفع سَبَب الْعَذَاب الْحَاصِل بهَا مثل صَلَاة الْكُسُوف وَالذكر عِنْد الرّيح مثل قَوْله اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلك خير هَذِه الرّيح وَخير مَا أرْسلت بِهِ ونعوذ بك من شَرها وَشر مَا أرْسلت بِهِ
فَهَذِهِ هِيَ السّنة فِي أَسبَاب الْمخبر وَالشَّر أَن يفعل العَبْد عِنْده هَذِه الْأَسْبَاب مَا علمه الله وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم
أما الْأَسْبَاب الَّتِي تخفى فَلَيْسَ العَبْد مَأْمُورا بِأَن يتَكَلَّف مَعْرفَتهَا بل يَتَّقِي الله وَيفْعل مَا أمره بِهِ فان فعل كَفاهُ الله مُؤنَة الشَّرّ وَيسر لَهُ أَسبَاب الْخَيْر قَالَ تَعَالَى {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} وَفِي سنَن أبي دَاوُد من اقتبس شُعْبَة من النُّجُوم فقد اقتبس شُعْبَة من السحر
وَالسحر محرم بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
وَذَلِكَ أَن النُّجُوم الَّتِي هِيَ من السحر نَوْعَانِ
أَحدهمَا على وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بحركات النُّجُوم على الْحَوَادِث من جنس الاستسقام بالأزلام
وَالثَّانِي عَمَلي وَهُوَ الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ إِنَّه تَأْثِير القوى السماوية بالقوى المنفعلة الأرضية كالطلاسم وَنَحْوهَا وَهَذَا من أرفع أَنْوَاع السحر
وكل مَا حرمه الله وَرَسُوله فضرره أعظم من نَفعه
فَالثَّانِي وَإِن نوهم المتوهم أَن فِيهِ تقدمة للمعرفة بالحوادث وَأَن ذَلِك ينفع فالجهل فِي ذَلِك أظهر ومضرة ذَلِك أعظم
وَلِهَذَا فقد علم بالتواتر أَن مَا يحكم بِهِ المنجمون يكون الْكَذِب فِيهِ أَضْعَاف الصدْق وهم فِي ذَلِك من نوع الْكُهَّان
وَلما ناظرت بِدِمَشْق من حضرني من رُؤَسَائِهِمْ وبينت لَهُ فَسَاد صناعتهم بالأدلة قَالَ وَالله إِنَّا لنكذب مائَة كذبة حَتَّى نصدق فِي وَاحِدَة وَذَلِكَ أَن مَبْنِيّ علمهمْ على أَن الحركات العلوية هِيَ السَّبَب فِي الْحَوَادِث وَالْعلم بِالسَّبَبِ يُوجب الْعلم بالمسبب وَهَذَا إِنَّمَا يكون إِذا علم السَّبَب التَّام
وَهَؤُلَاء أَكثر مَا يعلمُونَ إِن علمُوا جُزْءا يَسِيرا من جملَة الْأَسْبَاب الْكَثِيرَة
وَلَا يعلمُونَ بَقِيَّة الْأَسْبَاب وَلَا الشُّرُوط وَلَا الْمَوَانِع مثل من يعلم أَن الشَّمْس فِي الصَّيف تعلو الإرض حِين يشْتَد الْحر فيريد أَن يعلم من هَذَا مثلا أَنه حِينَئِذٍ أَن الْعِنَب الَّذِي فِي الأَرْض الْفُلَانِيَّة يصير زبيبا بِنَاء على أَن هُنَاكَ عنبا وَأَنه ينضج وينشره صَاحبه فِي الشَّمْس وَقت الْحر فيزبب
وَهَذَا وَإِن كَانَ كثيرا لَكِن أَخذ هَذَا من مُجَرّد حر الشَّمْس جهل عَظِيم إِذْ قد يكون هُنَاكَ شجر عِنَب وَقد لَا يكون وَقد يُثمر ذَلِك الشّجر وَقد لَا يُثمر وَقد يُؤْكَل عنبا وَقد يسرق
والأدلة على فَسَاد هَذِه الصِّنَاعَة وتحريمها كَثِيرَة جدا
وَقد ثَبت فِي صَحِيح مُسلم من أَتَى عرافا فَسَأَلَهُ لم يقبل الله صلَاته أَرْبَعِينَ يَوْمًا
والعراف اسْم للكاهن والمنجم والرمال وَنَحْوهم مِمَّن يتَكَلَّم فِي تقدمة الْمعرفَة بِهَذِهِ الطّرق
وَأما إِنْكَار بعض النَّاس أَن يكون شَيْء من حركات الْكَوَاكِب وَغَيرهَا من الْأَسْبَاب فَهُوَ أَيْضا قَول بِلَا علم بل النُّصُوص تدل على خلاف ذَلِك كَمَا فِي السّنَن أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نظر إِلَى الْقَمَر فَقَالَ يَا عَائِشَة تعوذي بِاللَّه من شَرّ هَذَا يَعْنِي الْقَمَر فَهَذَا الْفَاسِق إِذا وَقب وَحَدِيث الْكُسُوف حَيْثُ أخبر أَن الله يخوف بهما عباده وأنهما لَا يخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ وَإِن كَانَ موت بعض النَّاس قد يَقْتَضِي حُدُوث أَمر فِي السَّمَوَات كَمَا فِي الصَّحِيح إِن عرش الرَّحْمَن اهتز لمَوْت سعد بن معَاذ رضي الله عنه
وَأما كَون الْكُسُوف أَو غَيره قد يكون سَببا لحادث فِي الأَرْض من عَذَاب يَقْتَضِي موتا أَو غَيره فَهَذَا قد أثْبته الحَدِيث وَلَا يُنَافِي ذَلِك كَونه الْكُسُوف لَهُ وَقت محدد يكون عِنْد أَجله يَجعله الله سَببا لما يَقْضِيه من عَذَاب وَغَيره كَمَا أَن تَعْذِيب الله لمن عذبه بِالرِّيحِ الشَّدِيدَة كَمَا فِي لوقت الْمُنَاسب وَهُوَ آخر الشتَاء وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا رأى مخيلة وَهُوَ السَّحَاب الَّذِي يخال فِيهِ الْمَطَر
أقبل وَأدبر وَتغَير فَقَالَت عَائِشَة رضي الله عنهما إِن النَّاس إِذا رَأَوْهُ اسْتَبْشَرُوا فَقَالَ وَمَا يؤمنني وَقد رأى قوم عَاد الْعَذَاب فَقَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا قَالَ الله تَعَالَى {بل هُوَ مَا استعجلتم بِهِ ريح فِيهَا عَذَاب أَلِيم}
وَكَذَلِكَ الْأَوْقَات الَّتِي تنزل فِيهَا الرَّحْمَة كالعشر الْأَوَاخِر من رَمَضَان وَالْأولَى من ذِي الْحجَّة وكجول اللَّيْل وَغير ذَلِك هِيَ أَوْقَات محدودة تنزل فِيهَا الرَّحْمَة مَالا تنزل فِي غَيرهَا
واعتقاد أَن نجما من النُّجُوم السَّبْعَة هُوَ الْمُتَوَلِي لسعد فلَان ونحسه اعتقادا فَاسد وَإِن اعْتقد أَنه هُوَ الْمُدبر لَهُ فَهُوَ كَافِر وخصوصا إِذا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك دعاؤه والاستغاثة بِهِ كَانَ كفرا وشركا مَحْضا
وَغَايَة من يَقُول ذَلِك يبنيه على أَن هَذَا الْوَلَد ولد بِهَذَا الطالع وَهَذَا الْقدر يمْتَنع أَن يكون وَحده هُوَ الْمُؤثر فِي أَحْوَال هَذَا الْمَوْلُود بل غَايَته أَن يكون جُزْءا يَسِيرا من جملَة الْأَسْبَاب وَهَذَا الْقدر لَا يُوجب مَا ذكر بل مَا علم حَقِيقَة تَأْثِيره فِيهِ مثل حَال الْوَالِدين والبلد الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِن ذَلِك سَبَب محسوس فِي أَحْوَال الْمَوْلُود وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ هَذَا سَببا مُسْتقِلّا
ثمَّ إِن الْأَوَائِل من المنجمين الْمُشْركين الصابئين وأتباعهم قد قيل إِنَّهُم كَانُوا إِذا ولدهم الْمَوْلُود أخذُوا طالع الْمَوْلُود وسموه باسم يدل على الطالع فَإِذا كبر سُئِلَ عَن اسْمه أَخذ السَّائِل حَال الطّلع فجَاء هَؤُلَاءِ الطرقية يسْأَلُون الرجل عَن اسْمه وَاسم أمه ويزعمون أَنهم يَأْخُذُونَ من ذَلِك الدّلَالَة على أَحْوَاله وَهَذِه ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض مُنَافِيَة لِلْعَقْلِ وَالدّين
وَأما اختباراتهم أَن يَأْخُذُوا الطالع للسَّفر مثلا أَن يكون الْقَمَر فِي شروفه وَهُوَ السرطان وَألا يكون فِي هُبُوطه وَهُوَ الْعَقْرَب فَهُوَ من هَذَا الْبَاب المذموم
وَلما أَرَادَ عَليّ رضي الله عنه أَن يُسَافر لقِتَال الْخَوَارِج عرض لَهُ منجم فَقَالَ لَا تُسَافِر فَإِن الْقَمَر فِي الْعَقْرَب فَإنَّك إِن سَافَرت وَالْقَمَر فِي الْعَقْرَب يهْزم
جيشك فَقَالَ بل نسافر ثِقَة بِاللَّه وتوكلا على الله وتكذيبا لَك فسافر فبورك لَهُ فِي هَذَا السّفر وَقتل عَامَّة الْخَوَارِج وَكَانَ ذَلِك من أعظم مَا سر بِهِ حَيْثُ كَانَ قِتَاله لَهُم بِأَمْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وَمَا يذكرهُ بعض النَّاس من أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تسافروا وَالْقَمَر فِي الْعَقْرَب فكذب مختلق بِاتِّفَاق أهل الحَدِيث
وَمن قَالَ إِن هَذِه الصَّنْعَة مَأْخُوذَة عَن إِدْرِيس فَهُوَ قَول بِلَا علم وَلَكِن فِي كتب هَؤُلَاءِ هومس ويزعمون أَنه إِدْرِيس والهرمس عِنْدهم اسْم جنس وَلِهَذَا يَقُولُونَ هرمس الهرامسة
وَبِهَذَا تعلم أَن مَا عِنْدهم يَسْتَحِيل أَن يكون مأخوذا عَن نَبِي من الْأَنْبِيَاء لما فِيهِ من الْكَذِب وَالْبَاطِل
وَلَو فرض أَنه كَانَ مَوْجُودا عَن إِدْرِيس لم يكن لَهُم فِيهِ حجَّة فَإِنَّهُ كَانَ معْجزَة لَهُ وعلما أعطَاهُ الله إِيَّاه فَيكون من الْعُلُوم النَّبَوِيَّة
وَهَؤُلَاء إِنَّمَا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بالتجربة وَالْقِيَاس لَا يَقُول أحد من الْأَنْبِيَاء وَلَو كَانَ بعضه مأخوذا عَن نَبِي فَفِيهِ من زياداتهم من الْكَذِب وَالْبَاطِل أَضْعَاف مَا هُوَ مَأْخُوذ عَن ذَلِك النَّبِي
وَمَعْلُوم أَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى عِنْدهم من الْعُلُوم الْمَأْخُوذَة عَن الْأَنْبِيَاء مَا هُوَ أقل كذبا من هَؤُلَاءِ فَإنَّا قد تَيَقنا قطعا أَن أصل دينهم مَأْخُوذ عَن الْمُرْسلين ثمَّ أخبرنَا الله أَنهم قد حرفوا وكذبوا وكتموا
فَإِذا كَانَ هَذَا حَال الْوَحْي الْمُحَقق الَّذِي هُوَ أقرب إِلَيْنَا من إِدْرِيس عليه السلام فَمَا الظَّن بِهَذَا الْقدر إِن كَانَ فِيهِ مَا هُوَ مَنْقُول عَن إِدْرِيس
فَإنَّا نعلم أَن فِيهِ من الْكَذِب وَالْبَاطِل أعظم مِمَّا فِي عُلُوم أهل الْكتاب
وَقد ثَبت عَنهُ صلى الله عليه وسلم فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَنه قَالَ إِذا حَدثكُمْ أهل الْكتاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم فَكيف تَصْدِيق هَؤُلَاءِ السَّحَرَة فِيمَا يَزْعمُونَ أَنه مَأْخُوذ عَن إِدْرِيس مَعَ أَنَّهَا أبعد من أهل الْكتاب
وَأما علم الْحساب من معرفَة أقدار الأفلاك وَالْكَوَاكِب وصفاتها ومقاديرها فَهَذَا فِي الأَصْل علم صَحِيح لَا ريب فِيهِ كمعرفة الأَرْض وصفاتها لَكِن جُمْهُور الدَّقِيق مِنْهُ كثير التَّعَب قَلِيل الْفَائِدَة كَالْعلمِ بمقادير الدقائق والثواني والثوالث فِي حركات السَّبْعَة الْمُتَحَيِّرَة {بالخنس الْجوَار الكنس} فَهَذَا يُمكن أَن يكون أَصله عَن إِدْرِيس وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك كَمَا يَقُول نَاس إِن أصل الطِّبّ مَأْخُوذ عَن بعض الْأَنْبِيَاء
وَأما الْأَحْكَام الَّتِي هِيَ من جنس السحر فَمن الْمُمْتَنع أَن يكون نَبِي من الْأَنْبِيَاء كَانَ ساحرا وهم يذكرُونَ أنواعا من السحر وَيَقُولُونَ هَذَا يصلح لعمل النواميس أَي الشَّرَائِع وَالسّنَن وَمِنْهَا مَا هُوَ دُعَاء للكواكب وَعبادَة لَهَا وأنواع من الشّرك الَّذِي يعلم كل من آمن بِاللَّه وَرَسُوله بالاضطرار أَن نَبينَا من الْأَنْبِيَاء محَال أَن يَأْمر بِشَيْء من ذَلِك وَلَا علمه وَإِضَافَة ذَلِك إِلَى نَبِي من الْأَنْبِيَاء كاضافة من أضَاف ذَلِك السحر إِلَى سُلَيْمَان عليه السلام لما سخر الله لَهُ الْجِنّ فَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كفر سُلَيْمَان وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا}
وَكَذَلِكَ الِاسْتِدْلَال على الْحَوَادِث بِمَا يستدلون بِهِ من الحركات العلوية على اخْتِيَار أَوْقَات الْأَعْمَال كل هَذَا مِمَّا يعلم قطعا أَن نَبينَا من الْأَنْبِيَاء لم يَأْمر قطّ بِهِ إِذْ فِيهِ من الْكَذِب وَالْبَاطِل مَا ينزه عَنهُ الْعُقَلَاء الَّذين هم دون الْأَنْبِيَاء
قَالَ إِمَام هَؤُلَاءِ أَبُو نصر الفارابي مَا مضمونه إِنَّك لَو نقلت أوضاع المنجمين فَجعلت مَكَان السعد نحسا وَمَكَان النحس سَعْدا أَو مَكَان الْحَار بَارِدًا وَمَكَان الْبَارِد حارا أَو مَكَان الذّكر مؤنثا وَمَكَان الْمُؤَنَّث مذكرا وحكمت لَكَانَ حكمك من جنس أحكامهم تصيب تَارَة وتخطىء أُخْرَى وَمَا كَانَ بِهَذِهِ المثابة فهم ينزهون عَنهُ بقراط وأفلاطون وإرسطو وَأَصْحَابه الفلاسفة المشاءين الَّذِي يُوجد فِي كَلَامهم من الْبَاطِل مَا هُوَ أبطل مِمَّا يُوجد فِي كَلَام الْيَهُود وَالنَّصَارَى
فاذا كَانُوا ينزهون عَنهُ هَؤُلَاءِ الصابئين وأتباعهم الَّذين هم أقل مرتبَة
وَأبْعد عَن معرفَة الْحق من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَكيف يجوز نِسْبَة ذَلِك إِلَى نَبِي كريم
وَنحن نعلم من أَحْوَال أمتنَا أَنه قد أضيف إِلَى جَعْفَر الصَّادِق وَلَيْسَ هُوَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء مَا هُوَ من جنس هَذِه الْأُمُور مِمَّا يُعلمهُ كل عَالم بِحَال جَعْفَر أَن جَعْفَر مَكْذُوب عَلَيْهِ حَتَّى نسبوا إِلَيْهِ أَحْكَام الحركات السفلية كاختلاج الْأَعْضَاء وحوادث الجو من الرَّعْد والبرق والهالة وقوس الله الَّذِي يُقَال لَهُ قَوس قزَح وأمثال ذَلِك وَالْعُلَمَاء يعلمُونَ أَنه بَرِيء من ذَلِك كُله
وَكَذَلِكَ ينْسب إِلَيْهِ الْجَدْوَل الَّذِي يبْنى عَلَيْهِ الضلال طَائِفَة الرافضة وَهُوَ كذب افتعله عَلَيْهِ عبد الله بن مُعَاوِيَة الْكذَّاب
وَكَذَلِكَ أضيف إِلَيْهِ كتاب الجفر والنظافة والهفت حَتَّى أضييف إِلَيْهِ رسائل إخْوَان الصَّفَا وَهَذَا فِي غَايَة الْجَهْل فَإِن هَذِه الرسائل إِنَّمَا وضعت بعد مَوته بِأَكْثَرَ من مِائَتي سنة فَإِنَّهُ توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة وَهَذِه الرسائل وضعت فِي دولة بني بويه فِي أثْنَاء الْمِائَة الرَّابِعَة فِي أَوَائِل دولة بني عبيد الَّذين بنوا الْقَاهِرَة وَضعهَا جمَاعَة وَزَعَمُوا أَنهم جمعُوا بهَا بَين الشَّرِيعَة والفلسفة فضلوا وأضلوا
وَكَذَلِكَ كثير مِمَّا ينْسبهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ إِلَى جَعْفَر فِي كتاب حقائق التَّفْسِير هُوَ من الْكَذِب الَّذِي لَا يشك أحد فِي كذبه
وَكَذَلِكَ كثير من الْمذَاهب الْبَاطِلَة الَّتِي يحكيها عَنهُ الرافضة وَهِي من أبين الْكَذِب عَلَيْهِ
وَأول من ابتدع الرافض عبد الله بن سبأ كَانَ منافقا زنديقا أَرَادَ بذلك فَسَاد دين الْمُسلمين كَمَا فعل بولص صَاحب الرسائل الَّتِي بأيدي النَّصَارَى حَيْثُ ابتدع لَهُم بدعا أفسد بهَا دينهم وَكَانَ يَهُودِيّا فأظهر النَّصْرَانِيَّة نفَاقًا لقصد إِفْسَاد ملتهم
وَكَذَلِكَ كَانَ ابْن سبأ يَهُودِيّا فقصد بذلك وسعى فِي الْفِتْنَة وَلم يتَمَكَّن
لَكِن حصل بِسَبَبِهِ بَين الْمُؤمنِينَ تحريش وفتنة قتل فِيهَا عُثْمَان رضي الله عنه وَللَّه الْحَمد فَلم تَجْتَمِع هَذِه الْأمة على الضلال بل لَا تزَال طَائِفَة مِنْهُم ظَاهِرين على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَلما حدثت بدع الشِّيعَة فِي خلَافَة عَليّ رضي الله عنه ردهَا وَكَانَت ثَلَاث طوائف غَالِيَة وسبئية ومفضلة فَحرق على الغالية لما خرج إِلَيْهِم من بَاب كِنْدَة فسجدوا لَهُ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا أَنْت هُوَ الله فَخدَّ الأخاديد وأضرم فِيهَا النَّار ثمَّ قذفهم فِيهَا وَقَالَ
لما رَأَيْت الْأَمر أمرا مُنْكرا
…
أحجت نَارِي ودعوت قنبرا
وَأما السبئية فَلَمَّا بلغ عليا أَن ابْن سبأ أَبَا بكر وَعمر رضي الله عنهما طلبه ليَقْتُلهُ فهرب إِلَى قريسيا وَكَانَ عَليّ رضي الله عنه يُدَارِي أمراءه لِأَنَّهُ لم يكن مُتَمَكنًا وَلم يَكُونُوا مُطِيعِينَ لَهُ فِي كل مَا يَأْمُرهُم بِهِ
وَأما المفضلة فَقَالَ لَا أُوتِيَ بِأحد يُفَضِّلُنِي على أبي بكر وَعمر إِلَّا جلدته حد المفترى
وأضافت إِلَيْهِ القرامطة والباطنية والخرمية والمزدكية والاسماعيلية والنصيرية مذاهبها الَّتِي هِيَ من أفسد مَذَاهِب الْعَالم وَادعوا أَن ذَلِك من الْعُلُوم الموروثة عَنهُ
فَإِذا كَانَ هَذَا فِي الزَّمن الْقَرِيب الَّذِي هُوَ أقل من سَبْعمِائة سنة قد كذب على عَليّ وعَلى أهل بَيته وَأَصْحَابه وَغَيرهم وأضيف إِلَيْهِم من مَذَاهِب الفلاسفة والمنجمين مَا يعلم كل عَاقل براءتهم مِنْهُ ونفق ذَلِك على طوائف كَثِيرَة فنسبه إِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ وجود من يبين كذب هَؤُلَاءِ وَيُنْهِي عَن ذَلِك ويذب عَن الْمَسْأَلَة وَالْيَد وَاللِّسَان فَكيف الظَّن بِمَا يُضَاف إِلَى إِدْرِيس وَغَيره من الْأَنْبِيَاء من أُمُور المنجمين والفلسفة مَعَ تطاول الزَّمَان وتنوع الْحدثَان وَاخْتِلَاف الْملَل والأديان وَعدم من يبين حَقِيقَة ذَلِك بِحجَّة أَو برهَان مَعَ اشْتِمَال ذَلِك على مَا لَا يُحْصى من الْكَذِب والبهتان
وَكَذَلِكَ دَعْوَى الْمُدعى أَن نجم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالعقرب والمريخ وَنجم أمته بالزهرة هُوَ من أوضح الهذيان
فَإِن من أوضح الْكَذِب قَوْلهم إِن نجم الْمُسلمين بالزهرة وَنجم النَّصَارَى بالمشتري مَعَ قَوْلهم إِن المُشْتَرِي يَقْتَضِي الْعلم وَالدّين والزهرة تَقْتَضِي اللَّهْو اللّعب
وكل عَاقل يعلم أَن النَّصَارَى أعظم الْملَل جهلا وضلالة وَأَكْثَرهم اشتغالا بالملاهي وتعبدا بهَا والفلاسفة متفقون على أَنه مَا قرع الْعَالم ناموس أعظم من الناموس الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأمته أكمل الْأُمَم عقلا ودينا وعلما بِاتِّفَاق الفلاسفة حَتَّى فلاسفة الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُم لَا يرتابون فِي أَن الْمُسلمين أفضل عقلا ودينا من كل أمة
وَإِنَّمَا يصر أحدهم على دينه لهواه أَو ظنا مِنْهُ أَن يجوز التَّمَسُّك بِأَيّ مِلَّة كَانَت وَأَنَّهَا كالمذاهب فَإِن جُمْهُور الفلاسفة من المنجمين وأمثالهم يَقُولُونَ ذَلِك ويجعلونها بِمَنْزِلَة الدول الصَّالِحَة وَإِن كَانَ بَعْضهَا أفضل من بعض فَظهر جهلهم على مُقْتَضى اعْتِقَادهم وصنعتهم فَإِن الْمُسلمين بِاتِّفَاق كل ذِي عقل أولى بِالْعلمِ وَالدّين وَالْعقل وَالْعدْل وأمثال ذَلِك مِمَّا يُنَاسب عِنْدهم آثَار المُشْتَرِي وَالنَّصَارَى أبعد عَن ذَلِك مِمَّا يُنَاسب عِنْدهم آثَار الزهرة
وَبِذَلِك كَانَ مَا ذَكرُوهُ ظَاهر الْفساد حَتَّى إِن كَبِير الفلاسفة الَّذِي يسمونه فيلسوف الْإِسْلَام يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْكِنْدِيّ عمل تيسيرا لهَذِهِ الْأمة وَزعم أَنَّهَا تَنْقَضِي عَام ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَزعم من زعم أَنه استخرج ذَلِك من حِسَاب الْجمل الَّذِي للحروف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّور وَهِي مَعَ حذف المكرر أَرْبَعَة عشر حرفا وحسابها فِي الْجمل الْكَبِير سِتّمائَة وَثَلَاثَة وتعسون
وَهَذَا أَيْضا مِمَّا ذكر فِي التَّفْسِير أَنه لما نزل آلم قَالَ بعض الْيَهُود بَقَاء هَذِه الْأمة أحد وَثَلَاثُونَ فَلَمَّا نزل آلر والمر قَالُوا خلط علينا
فَهَذِهِ الْأُمُور وأشباهها خَارِجَة عَن دين الْإِسْلَام مُحرمَة فِيهِ يجب إنكارها