المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إِلَى التَّزْوِيج فالأب أَحَق بهَا فَهُنَا قَالَ عِنْد الْحَاجة إِلَى - مختصر الفتاوى المصرية - ط الفقي

[بدر الدين البعلي]

فهرس الكتاب

- ‌بَاب النِّيَّة

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌فَصِلَ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الاستطابة

- ‌بَاب الْغسْل

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب الْحيض

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة التَّطَوُّع

- ‌فصل

- ‌بَاب الْأَدْعِيَة والأذكار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْكُسُوف

- ‌بَاب فِي الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب فِي ترك الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الرّوح

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الصَّيام

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سُؤال

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب اللبَاس

- ‌كتاب الْبيُوع

- ‌فصل فِيمَا يجوز بَيْعه ومالا يجوز

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بيع الْأُصُول وَالثِّمَار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌كتاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الاجارة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْوَقْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب اللّقطَة

- ‌كتاب الْوَصَايَا

- ‌فصل

- ‌كتاب الْفَرَائِض

- ‌فصل

- ‌كتاب النِّكَاح وشروطه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَوْلِيَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب عشرَة النِّسَاء وَالْخلْع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْعدَد

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كتاب النَّفَقَات

- ‌كتاب الْهِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجراح

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب حد الزِّنَا وَالْقَذْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الذُّنُوب الْكَبَائِر

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَشْرِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌فصل

- ‌بَاب عقد الذِّمَّة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الصَّيْد والذبائح

- ‌فصل فِي السَّبق

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب جَامع الْأَيْمَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور

- ‌فصل

- ‌بَاب فِي آدَاب القَاضِي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الشَّهَادَات

- ‌فصل

- ‌كتاب الدعاوي والبينات

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: إِلَى التَّزْوِيج فالأب أَحَق بهَا فَهُنَا قَالَ عِنْد الْحَاجة إِلَى

إِلَى التَّزْوِيج فالأب أَحَق بهَا فَهُنَا قَالَ عِنْد الْحَاجة إِلَى التَّزْوِيج للْأَب وَإِن كَانَت لم تتَزَوَّج بعد وَهَذَا يكون بِالْبُلُوغِ

وَأما القَوْل الثَّالِث فِي مذْهبه وَهُوَ أَنَّهَا إِذا بلغت تكون حَيْثُ شَاءَت كالغلام فَهَذَا يَجِيء على قَول من يخيرها الْغُلَام فَمن خير الْغُلَام الْغُلَام قبل بُلُوغه كَانَ أمره بعد الْبلُوغ إِلَى نَفسه كَمَا قَالَه الشَّافِعِي وَأحمد وَغَيرهمَا لَكِن أَبُو البركات حكى هَذِه الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فِي محرره فِي الْبَالِغَة وَهِي مطالقة للأقوال الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي غير الْبَالِغَة فَإِنَّهُ على الْمَشْهُور عِنْد أَصْحَاب أَحْمد أَنَّهَا إِذا كَانَت قبل الْبلُوغ عِنْد الْأَب فَهِيَ بعد الْبلُوغ أولى أَن تكون عِنْد الْأَب مِنْهَا عِنْد الْأُم فَإِن أَبَا حنيفَة وَأحمد فِي رِوَايَة ومالكا يجعلونها قبل الْبلُوغ للْأُم وَبعد الْبلُوغ جعلوها عِنْد الْأَب وَهَذَا يدل على أَن الْأَب أحفظ لَهَا وأصون وَأنْظر فِي مصلحتها فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا فرق بَين مَا قبل الْبلُوغ وَمَا بعده فِي ذَلِك

فَتبين أَن هَذَا القَوْل وَهُوَ جعل الْبِنْت المميزة عِنْد الْأَب أرجح من غَيره وَالله أعلم

‌فصل

والتخيير قد جَاءَ فِيهِ حديثان وَأما تَقْدِيم الْأُم على الْأَب فِي حق الصَّغِير فمتفق عَلَيْهِ وَقد جَاءَ فِيهِ حَدِيث عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن الْمَرْأَة قَالَت يَا رَسُول الله إِن ابْني هَذَا كَانَ بَطْني لَهُ وعَاء وحجري لَهُ حَوَّاء وثديي لَهُ سقاء وَزعم أَبوهُ أَنه يَنْزعهُ مني فَقَالَ أَنْت أَحَق بِهِ مالم تنكحي رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد لَكِن فِي لَفظه وَأَن أَبَاهُ طَلقنِي وَزعم انه ينتزعه مني

وَقَالَ ابْن الْمُنْذر أجمع كل من يحفظ عَنهُ من أهل الْعلم على أَن الزَّوْجَيْنِ إِذا افْتَرقَا وَلَهُمَا ولد طِفْل أَن الْأُم أَحَق بِهِ مَا لم تنْكح وَمِمَّنْ حفظتا عَنهُ ذَلِك يحيى الْأنْصَارِيّ وَالزهْرِيّ وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَبِه تَقول وَقد روينَا عَن أبي بكر الصّديق أَنه حكم على عَمْرو بِهِ وبصبي لعاصم لأمه أم

ص: 634

عَاصِم وَقَالَ حجرها وريحها ومسها خيرله مِنْك حَتَّى تشب فيختار

وَأما التَّخْيِير فَمن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خير غُلَاما بَين أَبِيه وَأمه رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ فِيهِ إِن امْرَأَة جَاءَت فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن زَوجي يُرِيد أَن يذهب يَا بني وَقد سقاني من بِئْر أبي عنبة وَقد نَفَعَنِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اسْتهمَا عَلَيْهِ قَالَ زَوجهَا من يحاققني فِي وَلَدي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذَا أَبوك وَهَذِه أمك فَخذ بيد أَيهمَا شِئْت فَأخذ بيد أمه فَانْطَلَقت بِهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَذَلِك وَلم يذكر اسْتهمَا عَلَيْهِ وَرَوَاهُ أَحْمد كَذَلِك أَيْضا لكنه قَالَ فِيهِ جَاءَت امْرَأَة قد طَلقهَا زَوجهَا وَلم يذكر فِيهِ قَوْلهَا قد سقاني ونفعني

وَقد روى تَخْيِير الْغُلَام بَين أَبَوَيْهِ عَن عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَأبي هُرَيْرَة فروى سعيد بن مَنْصُور وَغَيره أَن عمر بن الْخطاب خير غُلَاما بَين أَبِيه وَأمه وَعَن عمَارَة الْحُرَيْثِيُّ أَنه قَالَ خيرني عَليّ بَين عمي وَأمي وَكنت ابْن سبع أَو ثَمَان وروى نَحْو ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة وَلم يعرف لَهُم مُخَالف مَعَ أَنَّهَا فِي مَظَنَّة الاشتهار

وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَرَوَاهُ عبد الحميد بن جَعْفَر الْأنْصَارِيّ عَن جده أَن جده أسلم وأبت امْرَأَته أَن تسلم فجَاء بِابْن لَهُ صَغِير لم يبلغ قَالَ فأجلس النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْأَب هَهُنَا وَالأُم هَهُنَا ثمَّ خَيره وَقَالَ اللَّهُمَّ اهده فَذهب إِلَى أَبِيه هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبد الحميد ابْن جَعْفَر قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن جدي رَافع بن سِنَان أَنه أسلم وأبت امْرَأَته أَن تسلم فَأتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت ابْنَتي وَهِي فطيم أَو شبيهه وَقَالَ رَافع ابْنَتي فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اقعد نَاحيَة وَقَالَ لَهَا اقعدي نَاحيَة وأقعد لصبية بَينهمَا ثمَّ قَالَ ادعواها فمالت إِلَى أمهَا فَقَالَ

ص: 635

النَّبِي صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اهدها فمالت إِلَى أَبِيهَا فَأَخذهَا وَعبد الحميد هَذَا هُوَ عبد الحميد بن جَعْفَر بن عبد الله بن رَافع بن سِنَان الْأنْصَارِيّ وَهَذَا الحَدِيث قد ضعفه بَعضهم فَقَالَ ابْن الْمُنْذر فِي إِسْنَاده مقَال وَقَالَ غَيره هَذَا الحَدِيث لَا يُثبتهُ أهل الثّقل وَقد روى على غير هَذَا الْوَجْه وَقد اضْطربَ هَل كَانَ الْمُخَير ذكرا أم أُنْثَى وَمن روى أَنه كَانَ أُنْثَى قَالَ فِيهِ إِنَّهَا فطيم أَي مفطومة

وفعيل بِمَعْنى مفعول إِذا كَانَ صفة يستوى فِيهِ الذّكر والمؤنث يُقَال عين كحيل وكف خضيب فَيُقَال للصَّغِير فطيم وللصغيرة فطيم

وَلَفظ الفطيم إِنَّمَا يُطلق على قريب الْعَهْد بالفطم فَيكون لَهُ نَحْو ثَلَاث سِنِين وَمثل هَذَا لَا يُخَيّر بِاتِّفَاق الْعلمَاء

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ خير بَين مُسلم وَكَافِر وَهَذَا لَا يجوز عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم فَإِن الْقَائِلين لاي خبرون بَين مُسلم وَكَافِر كالشافعي وَأحمد

وَأما الْقَائِلُونَ بِأَن الْكَافِرَة لَهَا حصانة كَأبي حنيفَة وَابْن الْقَاسِم فَلَا يخيرون لَكِن أَبُو ثَوْر يَقُول بالتخيير فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ ابْن الْمُنْذر وَالْجُمْهُور على أَنه لَا حضَانَة لكَافِر وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ والبصريين كسوار وعبد الله بن الْحسن

وَقَالَ ابو حنيفَة وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْقَاسِم صَاحب مَالك الذِّمِّيَّة فِي ذَلِك كالمسلمة وَهِي أَحَق بِوَلَدِهَا من أَبِيه الْمُسلم وَهُوَ قَول الاصطخري من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَقد قيد ذَلِك أَبُو حنيفَة فَقَالَ هِيَ أَحَق بِوَلَدِهَا مَا لم يقل الْأَدْيَان وَيخَاف أَن يألف الْكفْر وَالْأَب إِذا كَانَ مُسلما كَانَ الْوَلَد مُسلما باتفاقهم

وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْأُم مسلمة عِنْد الْجُمْهُور كالشافعي وَأحمد وَأبي حنيفَة فَإِنَّهُ يتبع عِنْد الْجُمْهُور فِي الدّين خيرهما دنيا وَأما فِي النّسَب وَالْوَلَاء فَهُوَ يتبع الْأَب بالِاتِّفَاقِ وَفِي الْحُرِّيَّة أَو الرّقّ يتبع الْأُم بالِاتِّفَاقِ

وَقد حمل بَعضهم هَذَا الحَدِيث على أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم علم أَنَّهَا تخْتَار الْأَب بدعائه فَكَانَ ذَلِك خَاصّا فِي حَقه

ص: 636

وَأَيْضًا فَهَذِهِ الْقِصَّة قَضِيَّة فِي عين وَالْأَشْبَه أَنَّهَا كَانَت فِي أول زمن الْهِجْرَة فَإِن الْأَب كَانَ من الْأَنْصَار فَأسلم وَالأُم لم تسلم وَفِي آخر الْأَمر أسلم جَمِيع نسَاء الْأَنْصَار فَلم يكن فِيهِنَّ إِلَّا مسلمة حَتَّى قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولأبناء الْأَنْصَار ولنساء الْأَنْصَار

وَلما قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة لم يكره أحدا على الْإِسْلَام وَلَا ضرب الْجِزْيَة على أحد وَلَكِن هادن الْيَهُود مهادنة وَأما الْأَنْصَار فَفَشَا فيهم الْإِسْلَام وَكَانَ فيهم من لم يسلم بل كَانَ مظْهرا لكفره فَلم يَكُونُوا ملتزمين لحكم الْإِسْلَام وَكَذَلِكَ كَانَ عبد الله بن أبي ابْن سلول وَغَيره قبل أَن يظهروا الْإِسْلَام

وَقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أُسَامَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذهب يعود سعد بن عبَادَة فَمر بِمَجْلِس من الْأَنْصَار الحَدِيث

فَفِي هَذَا الحَدِيث وَغَيره من الْأَحَادِيث مَا يبين أَنهم كَانُوا قبل غَزْوَة بدر متظاهرين بالْكفْر من غير إِسْلَام وَلَا ذمَّة فَلم يكن الْكفَّار ملتزمين لحكم النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا الْتِزَام حكمه إِنَّمَا يكون بِالْإِسْلَامِ أَو بالعهد الَّذِي التزموا فِيهِ ذَلِك وَلم يكن الْمُشْركُونَ كَذَلِك فَلهَذَا لم يلْزم الْمَرْأَة بِحكم الْإِسْلَام بل دَعَا الله أَن يهدي الصَّغِير فَاسْتَجَاب الله ودعاؤه لَهُ أَن يهديه دَلِيل على أَنه كَانَ طَالبا مرِيدا لهذاه وَهَذِه أَن يكون عِنْد الْمُسلم لَا عِنْد الْكَافِر لَكِن لم يُمكنهُ ذَلِك بالحكم الظَّاهِر لعدم دُخُول الْكَافِرَة تَحت حكمه فَطَلَبه بدعائه المقبول

وَهَذَا يدل على أَنه مَتى أمكن أَن يَجْعَل مَعَ الْمُسلم لَا يَجْعَل مَعَ الْكَافِر

وَكَانَ هَذَا حكم الله وَرَسُوله بِأَهْل الذِّمَّة الملتزمون جَرَيَان حكم الله وَرَسُوله عَلَيْهِم يحكم بَينهم بذلك نعم لَو كَانَ النزاع بَين من هُوَ مُسلم وَمن هُوَ من أهل الْحَرْب والهدنة الَّذين لم يلتزموا جَرَيَان حكم الله وَرَسُوله عَلَيْهِم فَهُنَا لَا يُمكن الحكم فيهم بِحكم الْإِسْلَام بِدُونِ رضاهم فيسعى حِينَئِذٍ فِي تَغْلِيب الْإِسْلَام بِالدُّعَاءِ

ص: 637

كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذْ كَانَ الِاجْتِهَاد فِي ظُهُور الْإِسْلَام دعاؤه وَاجِبا بِحَسب الْإِمْكَان

وعَلى هَذَا فَالْحَدِيث إِن كَانَ ثَابتا دَلِيل على التَّخْيِير فِي الْجُمْلَة لَكِن قد اخْتلف فِي الْمُخَير هَل كَانَ صَبيا أَو صبية فَلم يتَبَيَّن أَحدهمَا فَلَا يبْقى فِيهِ حجَّة على تَخْيِير الْأُنْثَى لَا سِيمَا والمخيرة كَانَت فطيما وَهَذِه لَا تخير باتفاقهم وَإِنَّمَا كَانَ تَخْيِير هَذِه ان صَحَّ من جنس آخر

آخر مَا وجد وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم وَكتب فِي شهر ربيع الأول من شهور سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة أحسن الله عَاقبَتهَا بمنه وَكَرمه آمين يَا رب الْعَالمين

وكتبها أَضْعَف الْعباد عبد الْمُنعم الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ عَفا الله عَنهُ بمنه وَكَرمه بلغ مُقَابلَته بحوله وَمِنْه فصحح حسب الطَّاقَة فِي ليله صباحها خَامِس عشر بِشَهْر ربيع الأول من شهور سنة الْأَرْبَع وَالسِّتِّينَ وَسَبْعمائة أحسن الله عَاقبَتهَا بمنه وَكَرمه

ص: 638

قَاعِدَة

فِي شُمُول آي الْكتاب وَالسّنة والاجماع

أَمر الثقلَيْن الْجِنّ والانس وَمَا يتَعَلَّق بهم من الْخطاب وَغَيره

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ سيدنَا وَشَيخنَا شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي رحمه الله

قَاعِدَة شريفة ثَبت بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة أَمر الثقلَيْن الْجِنّ وَالْإِنْس كَمَا أخبر بِهِ فِي سُورَة الْأَنْعَام فِي قَوْله تَعَالَى {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم} وَبِقَوْلِهِ {لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ}

وَثَبت أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الثقلَيْن جَمِيعًا كَمَا أخبر بِهِ فِي سُورَة الرَّحْمَن وَقل أوحى والأحقاف وكما فِي الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة مثل حَدِيث ابْن مَسْعُود وَغَيره

وَثَبت بِالسنةِ وَالْإِجْمَاع مَعَ مَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن أَن الْقَلَم مَرْفُوع عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ كَمَا فِي حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب وَعَائِشَة وَغَيرهمَا رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث مَعَ قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} إِلَى قَوْله {وَإِذا بلغ الْأَطْفَال مِنْكُم الْحلم فليستأذنوا كَمَا اسْتَأْذن الَّذين من قبلهم} وَقَوله {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} وَقَوله {وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن حَتَّى يبلغ أشده}

ص: 639

فِي غير مَوضِع مَعَ ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من نَهْيه عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان وَأَنه استعرض قُرَيْظَة فَمن أنبت قَتله وَمن لم ينْبت لم يقْتله وَمَا روى من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا ثَلَاثَة كلهم يدل على الله بحجته

فَأَما قَوْله {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّمَا يتَنَاوَل من لَا يعقل من الْأَطْفَال والمجانين فَأَما الصَّبِي الْمُمَيز فتكليفه مُمكن فِي الْجُمْلَة وَلِهَذَا يصحح أَكثر الْفُقَهَاء ترفاته تَارَة مُسْتقِلّا كأيمانه وَتارَة بِالْإِذْنِ كمعاوضاته الْكَبِيرَة

وَاخْتلفُوا فِي وجوب الصَّلَاة على ابْن عشر وَفِي وجوب الصَّوْم على من أطاقه وَالْخلاف فِيهِ مَعْرُوف فِي مَذْهَب أَحْمد حَتَّى اخْتلف فِي صِحَة شَهَادَته وأمانه وإمامته وولايته فِي النِّكَاح وعتقه

وَهنا مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى إِن من نتائج التَّكْلِيف الْعقَاب وَالثَّوَاب عِقَاب العَاصِي وثواب الْمُطِيع

فَأَما الْعقَاب فَمَا علمت أحدا من أهل الْقبْلَة خَالف فِي أَن الْكَافِر معذب فِي الْجُمْلَة وَإِن اخْتلفُوا فِي تفاصيل عَذَابه ونصوص الْقُرْآن متظاهرة بِعَذَاب الْكَافرين وَلذَلِك الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة الْمُسلمين من جَمِيع الطوائف عُقُوبَة فجار أهل الْقبْلَة فِي الْجُمْلَة إِمَّا فِي الدُّنْيَا بالمصائب وَالْحُدُود وَإِمَّا فِي الْآخِرَة وَأما غَايَة المرجئة فروى عَنْهَا أَنَّهَا نفت ذَلِك كَمَا أَن الْخَوَارِج والمعتزلة جزمت وُقُوع ذَلِك على جَمِيع الْفَاسِقين وخلودهم فِي النَّار

وَأما الثَّوَاب فاتفقت الْأمة على ثَوَاب الْإِنْس على طاعتهم وَاخْتلفُوا فِي الْجِنّ هَل يثابون أَو لَا ثَوَاب لَهُم إِلَّا النجَاة من الْعَذَاب على قَوْلَيْنِ

ص: 640

الأول قَول الْجُمْهُور من الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة والحنبلية وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَغَيرهم

وَالثَّانِي مأثور عَن طَائِفَة مِنْهُم أَبُو حنيفَة

وَقد اخْتلف فِي أصُول الْفِقْه هَل من شَرط الْوُجُوب الْعقَاب على التّرْك على قَوْلَيْنِ

وَأما الثَّوَاب على الْفِعْل فَهُوَ وَاجِب إِمَّا بِالسَّمْعِ وَإِمَّا بِمُجَرَّد الْإِيجَاب

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن من لَا تَكْلِيف عَلَيْهِ هَل يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة

فَأَما الْإِنْس وَالْجِنّ فيبعثون جيمعا بِاتِّفَاق الْأمة وَلم يَخْتَلِفُوا فِيمَا علمت إِلَّا فِيمَن لم ينْفخ فِيهِ الرّوح هَل يبْعَث على قَوْلَيْنِ وَبَعثه اخْتِيَار القَاضِي وَكثير من الْفُقَهَاء وَذكر أَنه ظَاهر كَلَام أَحْمد رضي الله عنه

وَأما الْبَهَائِم فَهِيَ مبعوثة بِالْكتاب وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض وَلَا طَائِر يطير بجناحيه إِلَّا أُمَم أمثالكم مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء ثمَّ إِلَى رَبهم يحشرون} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا الوحوش حشرت} والْحَدِيث فِي قَول الْكَافِر {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا} مَعْرُوف وَمَا أعلم فِيهِ خلافًا مَشْهُورا

لَكِن اخْتلف بَنو آدم فِي معاد الْآدَمِيّين على أَرْبَعَة أَقْوَال

أَحدهَا وَهُوَ قَول جَمَاهِير من الْمُسلمين أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وجماهير متكلميهم وجماهير الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَجُمْهُور غَيرهم أَن الْمعَاد للروح وَالْبدن وأنهما ينعمان ويعذبان

وَالثَّانِي وَهُوَ قَول طَائِفَة من متكلمي الْمُسلمين من الأشعرية وَغَيرهم أَن الْمعَاد للبدن وَأَن الرّوح لَا معنى لَهما إِلَّا حَيَاة الْبدن فيحيا الْبدن وينعم ويعذب وَأما معاد روح قَائِمَة بِنَفسِهَا وَنَعِيمهَا وعذابها فينكرونه

وَالثَّالِث ضد هَذَا وَهُوَ قَول الإلهيين من الفلاسفة وَطَائِفَة مِمَّن يبطن

ص: 641

مَذْهَبهم من بعض متكلمي أهل الْقبْلَة ومتصوفتهم أَن الْمعَاد للروح دون لبدن

الرَّابِع أَنه لَا معاد أصلا لَا لروح وَلَا لبدن وَهُوَ قَول أَكثر مُشْركي الْعَرَب وَكثير من الطبائعيين والمنجمين وَبَعض الإلهيين من المتفلسفة

فعلى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ يُنكر حشر الْبَهَائِم وعَلى القَوْل الأول يقبل الْخلاف

الْمَسْأَلَة الثَّلَاثَة أَن من لَا تَكْلِيف عَلَيْهِ بل قد رفع عَنهُ الْقَلَم هَل يعذب فِي الْآخِرَة

وَهنا مَسْأَلَة أَطْفَال الْمُشْركين فَمن قَالَ من أَصْحَابنَا وَغَيرهم إِنَّهُم يُعَذبُونَ تبعا لِآبَائِهِمْ قَالَ بِعَذَاب غير الْمُكَلف تبعا وَمن قَالَ يدْخلُونَ الْجنَّة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم قَالَ بتنعيمهم

وَالصَّوَاب الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة أَنهم لَا يُعَذبُونَ جَمِيعهم وَلَا ينعمون جَمِيعهم بل فريق مِنْهُم فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير كالبلغ وَهَذَا مُقْتَضى نُصُوص أَحْمد فَإِن أَكثر نصوصه على الْوُقُوف فيهم بِمَعْنى أَنه لَا يحكم لأحد مِنْهُم لَا بجنة وَلَا بِنَار فَدلَّ على جَوَاز الْأَمريْنِ عِنْده فِي حق الْمعِين مِنْهُم وَأما تَجْوِيز الْأَمريْنِ فِي حق مجموعهم فَلَا يلْزمه وَهَذَا قَول الْأَشْعَرِيّ وَغَيره

وَبِهَذَا أجَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما سُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين فَبين أَن الْأَمر مَرْدُود إِلَى علم الله بِمَا كَانُوا يعْملُونَ لَو بلغُوا

وَقد ثَبت عَنهُ صلى الله عليه وسلم فِي البُخَارِيّ أَنه رأى حول إِبْرَاهِيم عِنْد الْجنَّة أَطْفَال الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وَثَبت عَنهُ فِي صَحِيح مُسلم أَن الْغُلَام الَّذِي قَتله الْخضر طبع يَوْم طبع كَافِرًا مَعَ أَنه قتل قبل الِاحْتِلَام قَالَ ابْن عياس لنجده الحروري لما سَأَلَهُ عَن قتل الغلمان فَقَالَ إِن كنت تعلم مِنْهُم مَا علمه الْخضر من الْغُلَام الَّذِي قَتله فاقتلهم والا فَلَا تقتلهم هَذَا مَعَ أَن أَبَوَيْهِ كَانَا مُؤمنين وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه سُئِلَ عَن أهل الدَّار من الْمُشْركين يبيتُونَ ليصاب من صبيانهم فَقَالَ هم مِنْهُم

ص: 642

وَيجوز قتل الصَّبِي اذا قتل وَإِذا صال وَلم تنْدَفع صولته إِلَّا بِالْقَتْلِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون والبهيمة فقد يجوز قتل الصَّبِي فِي بعض الْمَوَاضِع وَحَدِيث عَائِشَة فِي قَوْلهَا عُصْفُور من عصافير الْجنَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو غير ذَلِك يَا عَائِشَة فَإِن الله خلق للجنة أَهلا خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم وَخلق للنار أَهلا خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم

وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا لَا يشْهد لأحد بِعَيْنِه من أطفعال الْمُؤمنِينَ أَنه فِي الْجنَّة وَلَكِن يُطلق القَوْل أَن أَطْفَال الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة

وَقد روى بِأَحَادِيث حسان عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن من لم يُكَلف فِي الدُّنْيَا من الصّبيان والمجانين وَمن مَاتَ فِي الفترة يمْتَحنُونَ يَوْم الْقِيَامَة فَمن أطَاع دخل الْجنَّة وَمن عصى دخلالنار وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الصَّوَاب فَإِن الله قَالَ فِي الْقُرْآن {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} فأقسم سُبْحَانَهُ أَنه لَا بُد أَن يمْلَأ جَهَنَّم من إِبْلِيس وَأَتْبَاعه وَأَتْبَاعه هم العصاة وَلَا مَعْصِيّة إِلَّا بعد التَّكْلِيف فَلَو دَخلهَا الصَّبِي وَالْمَجْنُون لدخلها من هُوَ من غير أَتْبَاعه فَلم تمتلىء مِنْهُم

وَأَيْضًا فقد قَالَ سُبْحَانَهُ {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {كلما ألقِي فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خزنتها ألم يأتكم نَذِير قَالُوا بلَى قد جَاءَنَا نَذِير} الْآيَة إِلَى غير ذَلِك من النُّصُوص الدلة على أَن الله لَا يعذب إِلَّا من جَاءَهُ نَذِير وَأَتَاهُ رَسُول والطفل وَالْمَجْنُون ليسَا كَذَلِك كَالْبَهَائِمِ

وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} إِلَى قَوْله {إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ أفتهلكنا بِمَا فعل المبطلون}

ص: 643

فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَنه استخرج ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم لِئَلَّا يَقُولُوا أتهلكم بِمَا فعل المبطلون فَعلم أَنه لَا يعاقبهم بذنب غَيرهم

وَأما البهاذم فعامة الْمُسلمين على أَنه لَا عِقَاب عَلَيْهَا إِلَّا مَا يحْكى عَن التناسخية بِأَنَّهُم مكلفون فيستحقون الْعقَاب وَهَذَا نَظِير قَول من يَقُول لَا تحْشر لَكِن هُنَا

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَهُوَ مَا يشرع فِي الدُّنْيَا من عُقُوبَة الصّبيان والجانين والبهاذم على الذُّنُوب مثل ضرب الصَّبِي عَليّ ترك الصَّلَاة لعشر وَمَا يَفْعَله من قَبِيح وَكَذَلِكَ ضرب الْمَجْنُون لكف عدوانه وَضرب البهاذم حضا على الِانْتِفَاع بهَا كالسوق ودفعا لمضرتها كفتل صاذلها وَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه يتقص فِي الآخر للجماء من القرناء فَهَذِهِ الْأُمُور عقوبات لغير الْمُكَلّفين وَهِي نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا كَانَ عُقُوبَة فِي الدُّنْيَا لمصْلحَة وَالثَّانِي مَا كَانَ لأجل حق غَيره

فَأَما النَّوْع الأول فمشروع فِي حق الصَّبِي وَالْمَجْنُون فانه يضْرب الصَّبِي على ترك الصَّلَاة ليفعلها ويعتادها وَيضْرب الْمَجْنُون إِذا أَخذ يُؤْذِي نَفسه ليكف عَن إِيذَاء نَفسه وَيجوز أَيْضا مثل هَذَا فِي حق الْبَهَائِم أَن تضرب لمصلحتها وَهَذَا غير الضَّرْب لحق الْغَيْر وَذَلِكَ أَن الْعقُوبَة لمَنْفَعَة المعاقب هِيَ بِمَنْزِلَة يقى الدَّوَاء للْمَرِيض فان الْمَطْلُوب دفع مَا هُوَ أعظم مضرَّة من الدَّوَاء

النَّوْع الثَّانِي الْعقُوبَة لأجل حق الْغَيْر وَهَذَا قِسْمَانِ

قسم لَا ستيفاء الْمُبَاحَة مِنْهُ كذبح البهاذم للْأَكْل وضربها للمشي فَإِن مَالا يتم الْمُبَاح إِلَّا بِهِ فَهُوَ مُبَاح

وَالْقسم الثَّانِي الْعقُوبَة لأجل الْعدوان عَليّ الْغَيْر مثل قتل الصَّائِل من الْمُحَاربين والبهائم وَضرب الجانين وَالصبيان والبهائم إِذا اعْتدى بَعضهم عَليّ بعض أَو اعتدوا على الْعُقَلَاء فِي أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فَهَذَا النَّوْع إِن كَانَ لدفع

ص: 644

ضررهم جَازَ بِلَا خلاف مثل قتل الصَّائِل لدفع صوله وَقتل الْكَلْب الْعَقُور الَّذِي يخَاف من ضَرَره فِي الْمُسْتَقْبل وَقتل الفواسق الْخمس فِي الْحل وَالْحرم

وَأما إِن كَانَ على وَجه الاقتصاص مثل أَن يظلم صبي صَبيا أَو مَجْنُون مَجْنُونا أَو بَهِيمَة بَهِيمَة فيقتص للمظلوم من الظَّالِم وَإِن لم يكن فِي ذَلِك زجر عَن الْمُسْتَقْبل لَكِن لِاسْتِيفَاء الْمَظْلُوم وَأخذ حَقه فَهَذَا الَّذِي جَاءَ فِيهِ حَدِيث الاقتصاص للجماء من القرناء كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لتؤدى الْحُقُوق إِلَى أَهلهَا حَتَّى يسْتَوْفى للجماء من القرناء وَهَذَا مُوَافق لأصول الشَّرِيعَة فَإِن الْقصاص بَين غير الْمُكَلّفين ثَابت فِي الْأَمْوَال بِاتِّفَاق الْمُسلمين فَمن أتلف مِنْهُم مَالا أَو غصب مَالا أَخذ من مَاله مثله سَوَاء فِي ذَلِك الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالنَّاسِي والمخطىء وَكَذَلِكَ فِي النُّفُوس فَإِن الله تَعَالَى أوجب دِيَة الْخَطَأ وَهِي من أَنْوَاع الْقصاص بِحَسب الْإِمْكَان فَإِن الْقود لم يُمكن إِيجَابه لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا مِمَّن فعل الْمحرم وَهَؤُلَاء لَيْسُوا مكلفين بِالتَّحْرِيمِ بِخِلَاف مَا كَانَ من بَاب دفع الظُّلم وَأخذ الْحق فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ الْإِثْم وَلِهَذَا نُقَاتِل الْبُغَاة وَإِن كَانُوا متأولين مغفورا لَهُم ويجلد شَارِب النَّبِيذ وَإِن كَانَ متأولا مغفورا لَهُ

فَتبين بذلك أَن الظُّلم والعدوان يُؤدى فِيهِ حق الْمَظْلُوم مَعَ الْإِثْم والتكليف وَمَعَ عدم ذَلِك فَإِنَّهُ من بَاب الْعدْل الَّذِي كتبه الله تَعَالَى على نَفسه وَحرم الظُّلم على نَفسه وَجعله محرما بَين عباده

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

دَار التَّكْلِيف

فالدنيا دَار تَكْلِيف بِلَا خلاف وَكَذَلِكَ البرزخ وعرصة الْقِيَامَة وَإِنَّمَا يَنْقَطِع التَّكْلِيف بِدُخُول دَار الْجَزَاء وَهِي الْجنَّة أَو النَّار كَمَا صرح بذلك من

ص: 645

صرح من أَصْحَابنَا وَغَيرهم مستدلين بامتحان مُنكر وتكبير للنَّاس فِي قبرهم وفتنتهم إيَّاهُم وَبَان النَّاس يَوْم الْقِيَامَة يدعونَ إِلَى السُّجُود فَمنهمْ من يَسْتَطِيع وَمِنْهُم لَا يَسْتَطِيع وَبِأَن من لم يُكَلف فِي الدُّنْيَا يُكَلف فِي عرصات الْقِيَامَة

وَهَذَا ظَاهر الْمُنَاسبَة فَإِن دَار الْجَزَاء لَا امتحان فِيهَا وَأما الإمتحان قبل دَار الْجَزَاء فممكن لَا مَحْذُور فِيهَا والامتحان فِي البرزخ لمن كَانَ مُكَلّفا فِي الدُّنْيَا إِلَّا النَّبِيين ففيهم قَولَانِ لِأَصْحَابِنَا وَغَيرهم وَأما امتحان غير الْمُكَلّفين فِي الدُّنْيَا كالصبيان والمجانين ففيهم قَولَانِ لِأَصْحَابِنَا وَغَيرهم

أَحدهمَا لَا يمْتَحنُونَ وعَلى هَذَا فَلَا يلقنون وَهَذَا قَول القَاضِي وَابْن عقيل

وَالثَّانِي يمْتَحنُونَ فِي قُبُورهم ويلقنون وَهُوَ قَول أَكْثَرهم حَكَاهُ ابْن عَبدُوس عَن الْأَصْحَاب وذركه أَبُو حَكِيم وَغَيره وَهُوَ أصح كَمَا ثَبت عَن أبي هُرَيْرَة وروى مَرْفُوعا أَنه صلى على طِفْل لم يعْمل خَطِيئَة قطّ فَقَالَ اللَّهُمَّ قه عَذَاب الْقَبْر وفتنة الْقَبْر

وَهَذَا الِاخْتِلَاف فِي امتحانهم فِي البرزخ يشبه الِاخْتِلَاف فِي امتحانهم فِي الْعَرَصَة وَقَول من يَقُول بامتحانهم أقرب إِلَى النُّصُوص وَالْقِيَاس من قَول من يَقُول يعاقبون بِلَا امتحان

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة أَن غير الْمُكَلف قد يرحم فَإِن أَطْفَال الْمُؤمنِينَ مَعَ آبَائِهِم فِي الْجنَّة كَمَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة وكما فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ احتجت الْجنَّة وَالنَّار فَقَالَت الْجنَّة لَا يدخلني الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين وَقَالَت النَّار يدخلني الجبارون والمتكبرون فَقَالَ الله للجنة إِنَّمَا أَنْت رَحْمَتي أرْحم بك من شِئْت وَقَالَ للنار إِنَّمَا أَنْت عَذَابي أعذب بك من شِئْت وَلكُل وَاحِدَة مِنْكُمَا ملؤُهَا فَأَما النَّار فَلَا يزَال يلقى فِيهَا وَتقول هَل من مزِيد

ص: 646

حَتَّى يضع رب الْعِزَّة فِيهَا وَفِي رِوَايَة عَلَيْهَا قدمه فينزوي بَعْضهَا الى بعض وَتقول قطّ قطّ وَأما الْجنَّة فيفضل فِيهَا فضل فينشىء الله لَهَا خلقا آخر فَهَذَا الحَدِيث المستفيض المتلقى بِالْقبُولِ نَص فِي أَن الْجنَّة لَهَا فِي الدَّار الْآخِرَة خلق يدْخلُونَهَا بِلَا عمل وَأَن النَّار لَا يدخلهَا أحد بِلَا عمل

وَقد غلط فِي هَذَا الحَدِيث المعطلة الَّذين أولُوا قَوْله قدمه بِنَوْع من الْخلق كَمَا قَالُوا الَّذين تقدم فِي علمه أَنهم أهل النَّار حَتَّى قَالُوا فِي قَوْله رجله يُقَال رجل من جَراد وعلطهم من وُجُوه

فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ حَتَّى يضع وَلم يقل حَتَّى يلقى كَمَا قَالَ فِي قَوْله لَا يزَال يلقى فِيهَا

الثَّانِي أَن قَوْله قدمه لَا يفهم مِنْهُ هَذَا لَا حَقِيقَة وَلَا مجَاز كَمَا تدل عَلَيْهِ الْإِضَافَة

الثَّالِث أَن أُولَئِكَ المؤخرين إِن كَانُوا من أصاغر الْمُعَذَّبين فَلَا وَجه لانزوائها واكتفائها بهم فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يكون بِأَمْر عَظِيم وَإِن كَانَ من أكَابِر الْمُجْرمين فهم فِي الدَّرك الْأَسْفَل وَفِي أول الْمُعَذَّبين لَا فِي أواخرهم

الرَّابِع أَن قَوْله فينزوي بَعْضهَا إِلَى بعض دَلِيل على أَنهم تنضم على من فِيهَا فتضيق بهم من غير أَن يلقى فِيهَا شَيْء

الْخَامِس أَن قَوْله لَا يزَال يلقى فِيهَا وَتقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع فِيهَا قدمه جعل الْوَضع الْغَايَة الَّتِي إِلَيْهَا يَنْتَهِي الْإِلْقَاء وَيكون عِنْدهَا الانزواء فَيَقْتَضِي ذَلِك أَن تكون الْغَايَة أعظم مِمَّا قبلهَا

وَلَيْسَ فِي قَول المعطلة معنى للفظ قدمه إِلَّا وَقد اشْترك فِيهِ الأول وَالْآخر وَالْأول أَحَق بِهِ من الآخر

وَقد يغلط فِي الحَدِيث قوم آخَرُونَ ممثلة أَو غَيرهم فيتوهمون أَن قدم الرب تدخل جَهَنَّم وَقد توهم ذَلِك على أهل الْإِثْبَات قوم من المعطلة حَتَّى قَالُوا كَيفَ يدْخل بعض الرب النَّار وائمه تَعَالَى يَقُول {لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها}

ص: 647

وَهَذَا جهل مِمَّن توهمه أَو نَقله عَن أهل السّنة والْحَدِيث فَإِن الحَدِيث حَتَّى يضع رب الْعِزَّة عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَة فَمَا فينزوي بَعْضهَا إِلَى بعض وَتقول قطّ قطّ وَعزَّتك فَدلَّ ذَلِك على أَنَّهَا تضايقت على من كَانَ فِيهَا فامتلأت بهم كَمَا أقسم على نَفسه أَنه ليملأنها من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَكيف تمتلىء بِشَيْء غير ذَلِك من خَالق أَو مَخْلُوق وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه تُوضَع الْقدَم الْمُضَاف إِلَى الرب تَعَالَى فتنزوي وتضيق بِمن فِيهَا وَالْوَاحد من الْخلق قد يرْكض متحركا من الْأَجْسَام فيسكون أَو سَاكِنا فيتحرك ويركض جبلا فينفجر مِنْهُ مَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى {اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} وَقد يضع يَده على الْمَرِيض فَيبرأ وعَلى الغضبان فيرضى

الْمَسْأَلَة السَّابِعَة أَن التَّكْلِيف بِالْأَمر وَالنَّهْي ثَابت بِالشَّرْعِ بِاتِّفَاق الْمُسلمين وَفِي ثُبُوته بِالْعقلِ اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم وَالْمَسْأَلَة مَشْهُورَة مَسْأَلَة التحسين والتقبيح وَوُجُوب الْوَاجِبَات وَتَحْرِيم الْمُحرمَات هَل ثبتَتْ بِالْعقلِ وَمَسْأَلَة وجوب عَرَفَة الله وشكره وَمَسْأَلَة الْأَعْيَان قبل السّمع

وَفِي مَسْأَلَة تَفْصِيل كتبته فِي غير هَذَا الْموضع إِذْ الْمَقْصُود هُنَا النكت المستغربة وَأما اثواب وَالْعِقَاب فمعلوم بِالسَّمْعِ بِلَا خلاف بَين الْمُسلمين وَهل يعلم بِالْعقلِ مبْنى على الْمعَاد فَإِن الْمعَاد باسمع بِلَا ريب وَهل يعلم بِالْعقلِ قد اخْتلف فِيهِ فَذهب كثير من أهل الْكَلَام وَذهب أَكثر النَّاس إِلَى أَن الْمعَاد من الْأُمُور السمعية الَّتِي لَا تعلم إِلَّا بِالسَّمْعِ وَهُوَ قَول كثير من أَصْحَابنَا والأشعرية وَغَيرهم وَذهب طوائف إِلَى أَن يعلم بِالْعقلِ ثمَّ تنوعت مسالكهم مِنْهُم من بناه على وجوب الْعدْل وَأَن ذَلِك يَقْتَضِي معادا غير هَذِه الدَّار يجزى فِيهَا الظَّالِمُونَ بظلمهم أَو يعوض المعذبون على عَذَابهمْ وَهَذَا مَسْلَك كثير من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَمِنْهُم من بناه على أَن الرّوح غير الْبدن وَأَنَّهَا بَاقِيَة هَذِه وَأَن لَهَا من النَّعيم والعذابب الروحانيين مَالا يفارقها وَهَذَا مَسْلَك كثير من المتفلسفة وَمن

ص: 648

نحا نحوهم وَمن هَؤُلَاءِ من يثبت معاد الْأَرْوَاح العالمة دون الجاهلة وَفِيهِمْ من يُنكر المعادين

وَالصَّوَاب أَن مَعْرفَته بِالسَّمْعِ وَاجِبَة وَأما بِالْعقلِ فقد تعرف وَقد لَا تعرف فَلَيْسَتْ مَعْرفَته بِالْعقلِ ممتنعة وَلَا هِيَ أَيْضا وَاجِبَة

وَأما المتفلسفة فَتثبت الْمعَاد بِالْعقلِ وَتثبت التَّكْلِيف الْعقلِيّ وَأما مَا جَاءَ بِهِ السّمع من الْمعَاد والشرائع فلهَا فِيهِ تأويلات محرفة

فَصَارَت الْأَقْسَام فِي الْإِيمَان بِالْيَوْمِ الآخر وَفِي الْعَمَل الصَّالح هَل هُوَ مَعْلُوم بِالشَّرْعِ وَحده أَو بِالْعقلِ وَحده أَو يعلم بِكُل مِنْهُمَا

فِيهِ هَذَا الْخلاف بَين أهل الأَرْض وَإِن كَانَ الصَّوَاب أَن ذَلِك مَعْلُوم جيمعه بِالشَّرْعِ قطعا وَقد يعلم بعضه بل مثل هَذَا الْخلاف ثَابت فِي معرفَة الله تَعَالَى لَكِن التجاء الْمُتَكَلِّمين هُنَاكَ إِلَى الْعقل اكثر وَكثير من الْمُتَكَلِّمين كأكثر الْمُعْتَزلَة وَكثير من الأشعرية لَا يعلم عِنْدهم وجود الرب وَصِفَاته إِلَّا بِالْعقلِ كَمَا يزعمه الفلاسفة مَعَ اضْطِرَاب هَؤُلَاءِ وَآخَرين فِي مقابلتهم

وَقد كتبت تفاصيل أَقْوَال النَّاس وبينت مَذْهَب أَئِمَّة السّنة والْحَدِيث فِي هَذَا الأَصْل فِي قَاعِدَة تفي التَّشْبِيه وَمَسْأَلَة الْجِسْم وَإِمَّا الْغَرَض هَذَا التَّكْلِيف وتوابعه

وَإِنَّمَا قرنت بَين الْأُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهَا {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} فأشرت إِلَى طرق النَّاس فِي مَعْرفَتهَا

وَالْحَمْد لله وَحده أَولا وآخرا وظاهرا وَبَاطنا حمد كثيرا مُبَارَكًا دَائِما بدواممه ولى الله عَليّ سيذنا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم فرغت يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر من شهر صفر سنة سته وستيين وَسَبْعمائة علقها العَبْد الْفَقِير إِلَى رَحْمَة ربه الغفور وعفوه وصفحه وجوده وَكَرمه وستره وبره وَمِنْه عبد الْمُنعم الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ عَفا الله عَنهُ بمنه وَكَرمه وَعَن جَمِيع الْمُسلمين

ص: 649

الْفَهم شَرط التَّكْلِيف فَلَا يجوز تَكْلِيف الْمَجْنُون والبهيمة والسكران وَغَيرهم مِمَّن فقد مِنْهُ الْفَهم فعلى هَذَا لَا يَقع طَلَاق السَّكْرَان وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقصاص فِي الْقَتْل وَلَا يعْتَبر شَيْء من أَقْوَاله وَلَا أَفعاله لَا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ

فَإِن قيل إِذا سكر ثمَّ قتل يَأْثَم على السكر وَالْقَتْل فترتب الْإِثْم يدل على التَّكْلِيف لِأَن غير الْمُكَلف لَا إِثْم عَلَيْهِ

فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

أَحدهمَا منع ترَتّب الْإِثْم على الْقَتْل بل إِنَّمَا هُوَ مُرَتّب على الشّرْب وَالسكر وَهَذَا قَول من يَقُول إِنَّه كَالْمَجْنُونِ فِي سَائِر أَقْوَاله وأفعاله لِأَنَّهُ ان وَجب تَكْلِيفه فَلَا يفهم لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لاعتبر أَقْوَاله وافعاله وَهُوَ لَا يعْتَبر ذَلِك

الثَّانِي أَنه لَو رتب الْإِثْم على الْقَتْل وَالسكر لتساوى من قتل وَهُوَ صَاح ثمَّ سكر وَمن قتل وَهُوَ سَكرَان وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ أحد فَإِن السَّكْرَان الَّذِي لَا يفهم كَيفَ يُقَال إِن إثمه فِي الْقَتْل كإثم الصاحي الَّذِي يفهم الْخطاب وَيَتَرَتَّب على فعله الْعقَاب

وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن إِثْم السَّكْرَان الَّذِي قتل فِي حَال سكره من إِثْم من سكر فَقَط وَلَا ينْهَى إئمة من قتل وَهُوَ صَاح ثمَّ سكر وَالله أعلم

وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن السَّكْرَان إِن كَانَ قَصده الْقَتْل أَو الزِّنَى أَو غير ذَلِك من الْمُحرمَات قبل السكر ثمَّ فعل ذَلِك فِي حَال السكر فَإِنَّهُ قد يكون إثمه مثل إِثْم من فعل ذَلِك حَال الصحو وَأكْثر موإن لم يكن قَصده ذَلِك بل ابتدأه غَيره بالمهابشة فَقتله فان إثمه يكون أقل من ذَلِك

مَا دَوَاء من تحكم فِيهِ الدَّاء وَمَا الإحتيال فِيمَن تسلط عَلَيْهِ الخيال وَمَا الْعَمَل فِيمَن غلب عَلَيْهِ الكسل وَمَا الطَّرِيق إِلَى التَّوْفِيق وَمَا الْحِيلَة فِيمَن شطت عَلَيْهِ الْحيرَة

ص: 650

إِن قصد التَّوَجُّه إِلَى الله تَعَالَى مَنعه هَوَاهُ

وَإِن رام الأدكار غلبت عَلَيْهِ الافتكار

وَإِن أرد أَن يشْتَغل لم يطاوعه الْقَتْل

غلب الْهوى فتراه فِي أوقاته

حيران صَاح بل هُوَ السَّكْرَان

إِن رام قربا للحبيب تفَرقا

أَسبَابه وتواصل الهجران

هجر الْأَقَارِب والمعارف عله

يجد الْغنى وعَلى الْغناء يعان

أجَاب رضي الله عنه

دواؤه الالتجاء إِلَى الله ودوام التضرع وَالدُّعَاء

بِأَن يتَعَلَّم الْأَدْعِيَة المأثورة ويتوخى الدُّعَاء فِي مظان الْإِجَابَة مثل آخر اللَّيْل وأوقات الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَفِي سُجُوده وَفِي أدبار الصَّلَوَات

وَيضم إِلَى ذَلِك الاسْتِغْفَار فَإِنَّهُ من اسْتغْفر الله ثمَّ تَابَ إِلَيْهِ متعه مَتَاعا حسنا إِلَى أجل مُسَمّى وليتخذ وردا من الْأَذْكَار طرفِي النَّهَار وَوقت النّوم وليصبر على مَا يعرض لَهُ من الْمَوَانِع والصوارف فَإِنَّهُ لَا يلبث أَن يُؤَيّدهُ الله بِروح مِنْهُ وَيكْتب الْإِيمَان فِي قلبه وليحرص على إِكْمَال الْفَرَائِض من الصَّلَوَات الْخمس بباطنه وَظَاهره فَإِنَّهَا عَمُود الدّين وَليكن هجيراه لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا الله الْعلي الْعَظِيم فَإِنَّهُ بهَا يحمل الأثقال ويكايد الْأَهْوَال وينال رفيع الْأَحْوَال وَلَا يسأم من الدُّعَاء والطلب فَإِن العَبْد يستحال لَهُ مالم يعجل فَيَقُول قد دَعَوْت فَلم يستجب لي وليعلم أَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَن الْفرج مَعَ لكرب وَأَن مَعَ الْعسر يسرا

وَلم ينل أحد شَيْئا من حتم الْخَيْر نَبِي فَمن دونه إِلَّا بِالصبرِ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

ص: 651