الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا بِنِعْمَة السُّلْطَان وَلَا بِالسَّيْفِ وَلَا بِغَيْر الله وَالله يوفقنا وَسَائِر إِخْوَاننَا إِلَى مَا يُحِبهُ ويرضاه
فصل
وَلَيْسَ لجبل لبنان وَأَمْثَاله فضل وَلَا ورد نَص فِي ذَلِك عَن الله وَلَا عَن رَسُوله بل هُوَ كَغَيْرِهِ من الْجبَال الَّتِي خلقهَا الله تَعَالَى
وَأما مَا يذكر فِي بعض الحكايات من الاجتماعات بِبَعْض الْعباد فِي جبل لبنان وجبل اللكام وَنَحْوه وَمَا يُؤثر عَن بعض من حميد الْمقَال فَلِأَن هَذِه الْأَمْكِنَة كَانَت ثغورا يرابط بهَا الْمُسلمُونَ فِي جِهَاد الْعَدو فَكَانَت غَزَّة وعسقلان وعكا وبيروت وجبل لبنان وطرابلس ومصيصة وسيس وطرطوس وأدنة وجبل اللكان وملطية وآمد إِلَى قزوين إِلَى الشاش وَنَحْو ذَلِك من الْبِلَاد كَانَت ثغورا كَمَا كَانَت الأسكندرية وعبادان وَكَانَ الصالحون يأْتونَ الثغور لأجل الْجِهَاد والمرابطة فِي سَبِيل الله تَعَالَى فَإِن المرابطة فِي سَبِيل الله تَعَالَى أفضل من الْإِقَامَة بِمَكَّة وَالْمَدينَة مَا ألم فِي ذَلِك خلافًا فَكَانَ صَالحُوا الْمُؤمنِينَ من السّلف يرابطون فِي هَذِه الْأَمَاكِن كالأوزاعي وَإِسْحَاق القزارى ومخلد بن الْحُسَيْن وَإِبْرَاهِيم بن أدهم وَعبد الله ابْن الْمُبَارك وَحُذَيْفَة المرعش ويوسف بن أَسْبَاط وَغَيرهم وَأحمد بن حَنْبَل وسرى السقطى وَغَيرهمَا كَانَا يقصدان طرسوس
فعامة مَا يذكر فِي فضل هَذِه الْأَمَاكِن من كَلَام الْمُتَقَدِّمين هُوَ الْأَجَل كَونهَا كَانَت ثغورا لَا لخاصية فِي ذَلِك الْمَكَان وَكَون الْبقْعَة ثغرا وَغير ثغر هُوَ من الصِّفَات الْعَارِضَة لَهَا لَا اللَّازِمَة بِمَنْزِلَة دَار إِسْلَام أَو دَار كفر وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف سكانها وصفاتهم بِخِلَاف الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة فَإِن حرمتهَا صفة لَازِمَة لَهَا لَا يُمكن إخْرَاجهَا عَنْهَا وَأما سَائِر الْمَسَاجِد فَفِيهَا للْعُلَمَاء نزاع فِي جَوَاز تغييرها
للْمصْلحَة وَجعلهَا غير مَسْجِد كَمَا فعل عمر بن الْخطاب بِمَسْجِد الْكُوفَة لما بدله وَجعله حوانيت للتمارين وَهَذَا مَذْهَب إِمَام الْأَئِمَّة أَحْمد وَغَيره
وَكَانَ قد فتح الْمُسلمُونَ قبرص فتحهَا مُعَاوِيَة فِي خلَافَة عُثْمَان فَكَانَت هَذِه الْأَمَاكِن من السواحل الشامية ثغورا ثمَّ فِي أثْنَاء الْمِائَة الرَّابِعَة حِين تغلب الرافضة والمنافقون على الْخلَافَة وَصَارَ لَهُم دولة بِمصْر وَالشَّام تغلبت النَّصَارَى على عَامَّة السواحل وَأكْثر بِلَاد الشَّام وقهروا الروافض وَالْمُنَافِقِينَ وَغَيرهم إِلَى أَن يسر الله لَهُم بِولَايَة مُلُوك السّنة مثل نور الدّين وَصَلَاح الدّين فاستنفذوا عَامَّة الشَّام من النَّصَارَى وَبقيت بقايا الروافض وَالْمُنَافِقِينَ فِي جبل لبنان وَغَيره وَلَيْسَ لَهُ فَضِيلَة وَلَا يشرع السّفر اليه سفر قربَة بل وَلَا يجوز الْمقَام بَين النَّصَارَى وَالرَّوَافِض إِذا منعُوا الْمُسلم عَن إِظْهَار دينه وَقد صَار طَائِفَة من الَّذين يؤثرون الْخلْوَة يحبونَ هَذِه الْأَمَاكِن ويظنون أَن فضيلتها لأجل مَا فِيهَا من الْخلْوَة ويقصدونها لأجل ذَلِك وَهَذَا غلط وَخطأ فَإِن سُكْنى الْجبَال والغيران والبوادي غير مَشْرُوطَة للْمُسلمين إِلَّا عِنْد الْفِتْنَة تكون فِي الْأَمْصَار أَو غَيرهَا من الْأَمَاكِن الَّتِي تخرج الرجل لي ترك دينه فيهاجر الْمُسلم من أَرض يعجز فِيهَا عَن إِقَامَة دينه إِلَى أَرض يُمكنهُ فِيهَا إِقَامَة دينه وَرُبمَا كَانَ فِي جبل لبنان فِي بعض الْأَوْقَات من الزهاد والنساك من هُوَ إِمَّا ظَالِم لنَفسِهِ وَإِمَّا مقتصد مخطىء مغْفُور لَهُ وَأما السَّابِقُونَ فهم لذين يَتَقَرَّبُون بالنوافل بعد الْفَرَائِض على هدى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أَي بقْعَة كَانُوا
وَلَا خلاف أَن جنس فضل سَاكِني الْجبَال والبوادي كفضيلة الْقَرَوِي على البدوي وَالْمُهَاجِر على الْأَعرَابِي قَالَ الله تَعَالَى {الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقا وأجدر أَلا يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله} وَفِي الحَدِيث إِن من الْكَبَائِر أَن يرْتَد الرجل أَعْرَابِيًا بعد الْهِجْرَة هَذَا فِيمَن هـ وَسَاكن فِي الْبَادِيَة بَين الْجَمَاعَة فَكيف بالمقيم وَحده دَائِما فِي جبل أَو بادية فَإِنَّهُ يفوتهُ من مصَالح دينه نَظِير
مَا يفوتهُ من مصَالح الدُّنْيَا أَو قَرِيبا مِنْهَا فَإِن يَد الله على الْجَمَاعَة والشيطان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الاثنيين أبعد
وَأما اعْتِقَاد بعض الْجُهَّال أَن فِيهِ الْأَرْبَعين الأبدال فَهَذَا جهل وضلال مَا اجْتمع فِيهِ فِيهِ الأبدال الْأَرْبَعُونَ قطّ وَلَا هُوَ مَشْرُوع لَهُم وَلَا فَائِدَة فِي ذَلِك بل وَلَيْسَ هُنَاكَ أبدال على مَا يتوهمون وَهُوَ نَظِير اعْتِقَاد الرافضة فِي الإِمَام الْمَعْصُوم صَاحب الزَّمَان الَّذِي يَقُولُونَ إِنَّه غَائِب عَن الْأَبْصَار فِي سرداب سامرا ويعظمون قدره ويستفتونه فِي مسائلهم الدِّينِيَّة والدنيوية على يَد السَّدَنَة القائمين مِنْهُم عِنْد السرداب ويرجون بركته وَهُوَ مَعْدُوم لَا حَقِيقَة لَهُ فَكل من علق دينه بالمجهولات فَهُوَ من أهل الضلال وَكَذَلِكَ قَول بعض الْجُهَّال إِن بِهِ أَو بِغَيْرِهِ رجال الْغَيْب فقد ضلوا وأضلوا بِهِ كثيرا من الأتراك والجهال وأكلوا أَمْوَالهم بِالْبَاطِلِ وَلم يكن من أَوْلِيَاء الله من هُوَ غَائِب الْجَسَد عَن أنظار النَّاس وَلَكِن يغيب كثير مِنْهُم عَن النَّاس حَقِيقَة قلبه وَمَا فِي نَفسه من ولَايَة فَيكون بَين عَامَّة النَّاس من وَهُوَ من أَوْلِيَاء الله ولاي علم أحد مِنْهُم حَاله كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم رب أَشْعَث أغبر ذِي طمرين مَدْفُوع بالأبواب لَو أقسم على الله لَأَبَره وَلَيْسَ ذَلِك محصورا فِي رثاثة الْحَال وَلَا قذارة الثِّيَاب بل الْولَايَة فِي كل مُؤمن تَقِيّ كَمَا قَالَ {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}
وَكَذَلِكَ خبر الرجل الَّذِي ينْبت الشّعْر على جَمِيع بدنه كالمعز بَاطِل مَحل نعم قد يكون فِي الضلال من الزهاد من يتْرك الْحلق السّنة والسنين فينبت الشّعْر وَيكثر على جسده كصوفية الْهِنْد الوثنيين فَيَنْبَغِي أَن يُؤمر بِمَا أَمر الله وَرَسُوله من إحفاء الشَّوَارِب ونتف الْإِبِط وَحلق الْعَانَة فَإِن ظن أَن هَدِيَّة أفضل من هدى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كَافِر
وَالْمَقْصُود أَن الاعتناء بِهَذَا الْجَبَل هُوَ من الجهالات والضلالات وَكَذَلِكَ التَّبَرُّك بِمَا تحمل أشجاره من الثَّمر وَهُوَ من الْبدع والعقائد الْجَاهِلِيَّة المضاهئة