الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْهِبَة
لَيْسَ للْوَاهِب أَن يرجع فِي هِبته غير الْوَالِد لوَلَده إِلَّا أَن تكون الْهِبَة على جِهَة الْمُعَاوضَة لفظا أَو عرفا فَإِذا كَانَت لأجل عوض وَلم يحصل فللواهب الرُّجُوع فِيهَا إِذا كَانَت بَاقِيَة وَإِلَّا فعوضها
وَإِذا لم يكن ضَرَر على الْأَوْلَاد فلأبيهم أَن يَأْخُذ من مَالهم مَا يشترى بِهِ أمه يَطَؤُهَا وتخدمه وَمذهب مَالك وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ أَن البيع وَالْهِبَة وَالْإِجَارَة تثبت بالمعاطاة وَبِمَا بعده النَّاس بيعا أَو هبة أَو إِجَارَة وَمذهب الشَّافِعِي اعْتِبَار الصِّيغَة إِلَّا فِي مَوَاضِع مُسْتَثْنَاة وَلَيْسَ لذَلِك صِيغَة محددة فِي الشَّرْع بل الْمرجع فِي الصِّيغَة الْمقيدَة لذَلِك إِلَى عرف الْخطاب وَهَذَا مهذب الْجُمْهُور وَكَذَلِكَ صححوا الْهِبَة بِمثل قَوْله أعمرتك وأطعمتك وحملتك على هَذَا الدَّابَّة وَنَحْوه مِمَّا يفهم مِنْهُ أهل الْخطاب الْهِبَة
وتجهيز الْمَرْأَة بجهازها إِلَى بَيت زَوجهَا تمْلِيك لجهازها كَمَا أفتى بِهِ أَصْحَاب أبي حنيفَة وَأحمد وَغَيرهمَا
وعادات النَّاس إِذا اشْترى الرجل أمة وَقَالَ لِابْنِهِ خُذْهَا لَك استمتع بهَا وَنَحْو ذَلِك كَانَ ذَلِك تَمْلِيكًا فَإِذا أذن لِابْنِهِ فِي الْوَطْء مَعَ علمه أَن الْوَطْء لَا يكون إِلَّا فِي ملك فَلَا يكون مَقْصُوده إِلَّا تمليكها وَكَانَ وَطْؤُهُ فِي ملكه فَإِذا حصل الْإِذْن بقول أَو بِفعل ثَبت التَّمْلِيك على قَول الْجُمْهُور وَهُوَ أصح وَولده حر لَا حق النّسَب بِهِ وَالْأمة أم وَلَده لَا تبَاع وَأما إِن قدر أَن الْأَب لم يصدر مِنْهُ تمْلِيك بِحَال واعتقد الابْن أَنه قد ملكهَا كَانَ أَيْضا حرا وَنسبه لاحقا وَلَا حد عَلَيْهِ وان اعْتقد الابْن أَنه لم يملكهَا وَلَكِن وَطئهَا بِالْإِذْنِ فَهَذِهِ تبنى على الأَصْل الثَّانِي فَإِن الْعلمَاء فِيمَن وطىء
أمة غَيره باذنه قَالَ مَالك يملكهَا بِالْقيمَةِ حبلت أَو لم تحبل وَقَالَ الثَّلَاثَة لَا يملكهَا بذلك فعلى قَول مَالك هِيَ أَيْضا ملك للْوَلَد وَأم وَلَده وَولده حر وعَلى قَول الثَّلَاثَة لَا تصير أم ولد لَكِن هَل لولد حر مثل أَن يطَأ جَارِيَة امْرَأَته بِإِذْنِهَا فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن لَا يكون حرا قوهو قَول أبي حنيفَة وَإِن ظن أَنَّهَا حَلَال لَهُ
وَالثَّانيَِة أَن الْوَلَد يكون حرا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح إِذا ظن أَنَّهَا حَلَال فَهُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص عَن الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمُرْتَهن فَإِذا وطىء الْأمة الْمَرْهُونَة بِإِذن الرَّاهِن وَظن أَن ذَلِك جَائِز فَإِن وَلَده ينْعَقد حرا لأجل الشُّبْهَة فَإِن شُبْهَة اعْتِقَاد الْملك تسْقط الْحَد بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة فَلذَلِك يُؤثر فِي حريَّة الْوَلَد فَيكون حرا بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة وَأَبُو حنيفَة يخالفهم فِي هَذَا وَيَقُول الْوَلَد مَمْلُوك وَأما مَالك فَعنده الوطىء قد ملك الْجَارِيَة بِالْوَطْءِ الْمَأْذُون فِيهِ وَهل على هَذَا الواطىء بِالْإِذْنِ قيمَة الْوَلَد فِيهِ قَولَانِ للشَّافِعِيّ
أَحدهمَا وَهُوَ الْمَنْصُوص عَن أَحْمد أَنه لَا تلْزمهُ قِيمَته لِأَنَّهُ وطىء بِإِذن الْمَالِك فَهُوَ كَمَا لَو أتلف مَاله بِإِذْنِهِ
الثَّانِي تلْزمهُ قِيمَته وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب أَحْمد وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي من زعم أَن هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي قولا وَاحِدًا
وَأما الْمهْر فَلَا يلْزمه فِي مَذْهَب أَحْمد وَمَالك وَغَيرهمَا وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ وكل مَوْضُوع لَا تصير فِيهِ الْأمة أم ولد فَإِنَّهُ يجوز بيعهَا
وصلَة الرَّحِم الْمُحْتَاج أفضل من الْعتْق لِأَن مَيْمُونَة رضي الله عنها أعتقت جَارِيَة فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو أعطيتهَا أخوالك كَانَ خيرا لَك فَإِذا أعْطى وَلَده الْمُحْتَاج عبدا أَو جَارِيَة كَانَ أفضل من عتقهما
وَإِذا ذهب ابْنه شَيْئا فَتعلق حق الْغَيْر بِهِ مثل أَن يكون قد صَار عَلَيْهِ دين أَو زوجوه لأجل ذَلِك المَال فَلَيْسَ للْأَب أَن يرجع بذلك
إِذا ملك أُخْته ربع دَاره تَمْلِيكًا مَقْبُوضا فَإِنَّهُ ينْتَقل بعْدهَا إِلَى ورثتها وَفِي سنَن أبي دَاوُد وَغَيره عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ من شفع لِأَخِيهِ شَفَاعَة فأهدى لَهُ هَدِيَّة فقبلها فقد أَتَى بَابا عَظِيما من أَبْوَاب الرِّبَا وَسُئِلَ ابْن مَسْعُود رضي الله عنه عَن السُّحت فَقَالَ هُوَ أَن يشفع لأخيك شَفَاعَة بشفاعة فيهدى لَك هَدِيَّة فتقبلها قيل لَهُ أَرَأَيْت لَو كَانَت هَدِيَّة فِي بَاطِل فَقَالَ ذَلِك كفر {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ}
وَلِهَذَا قَالَ الْعلمَاء إِن من أهْدى هَدِيَّة لوَلِيّ الْأَمر ليفعل مَعَه مَالا يجوز كَانَ حَرَامًا على المهدى وَالْمهْدِي إِلَيْهِ وَهِي من الرِّشْوَة الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي والرائش وَيُسمى البرطيل والبرطيل فِي اللُّغَة الْحجر المستطيل
فَأَما إِذا أهْدى لَهُ هَدِيَّة ليكف ظلمه عَنهُ أَو ليعطيه حَقه الْوَاجِب فَهَذِهِ الْهَدِيَّة تكون حَرَامًا على الْآخِذ وَجَاز للدافع كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنِّي لأعطى أحدهم الْعَطِيَّة فَيخرج بهَا يتأبطها نَارا قيل يَا رَسُول الله فَلم تعطيهم قَالَ يأبون إِلَّا أَن يَسْأَلُونِي ويأبى الله لي الْبُخْل
وَمثل ذَلِك إِعْطَاء من أعتق عبدا وكنتم عتقه أَو أسر حرا أَو كَانَ ظَالِما للنَّاس فإعطاء هَؤُلَاءِ جَائِز للمعطى حرَام على الْآخِذ
وَأما الْهَدِيَّة فِي الشَّفَاعَة مثل أَن يشفع الرجل عِنْد ولي أَمر أَن يرفع عَنهُ مظْلمَة أَو يُوصل إِلَيْهِ حَقه أَو يوليه ولَايَة يَسْتَحِقهَا فِي الْجند الْمُقَاتلَة وَهُوَ يسْتَحق ذَلِك أَو يُعْطِيهِ من المَال الْمَوْقُوف على الْفُقَرَاء أَو الْفُقَهَاء أَو الْقُرْء أَو النساك أَو غَيرهم وَهُوَ من أهل الِاسْتِحْقَاق وَمثل هَذِه الشَّفَاعَة على فعل وَاجِب أَو ترك محرم فَهَذِهِ لَا يجوز فِيهَا قبُول الْهَدِيَّة وَيجوز للمهدي أَن يبْذل مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَخذ حَقه أَو دفع الظُّلم عَنهُ هَذَا هُوَ الْمَنْقُول عَن
السّلف ولأئمة الأكابر وَقد رخص فِيهِ بعض الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء وَجعل هَذَا من بَاب الْجعَالَة وَهُوَ مُخَالف للسّنة وأقوال الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَالْأَئِمَّة فَهُوَ غلط لِأَن مثل هَذَا الْعَمَل من الْمصَالح الْعَامَّة الَّتِي يكون الْقيام بهَا فرضا إِمَّا على الْأَعْيَان وَإِمَّا على الْكِفَايَة وَمن سوغ أحد الْجعل على مثل هَذَا لزم أَن تكون الْولَايَة وَإِعْطَاء أَمْوَال الْفَيْء وَالصَّدقَات وَغَيرهَا وكف الظُّلم عَمَّن يبْذل فِي ذَلِك وَالَّذِي لَا يبْذل لَا يولي وَلَا يعْطى وَإِن كَانَ أَحَق وأنفع للْمُسلمين من هَذَا وَالْمَنْفَعَة فِي هَذَا لَيست لهَذَا الْبَاذِل حَتَّى يُؤْخَذ من الْجعل كالجعل على الْآبِق والشارد وَإِنَّمَا الْمَنْفَعَة لعُمُوم النَّاس أَعنِي الْمُسلمين فَإِنَّهُ يجب أَن يُولى فِي كل مرتبَة أصلح من يقدر عَلَيْهَا وَأَن يرْزق من رزق الْمُقَاتلَة وَالْأَئِمَّة والمؤذنين وَأهل الْعلم وَالَّذين أَحَق الْمُسلمين وأنفعهم للْمُسلمين وَهَذَا وَاجِب على الإِمَام وعَلى الْأَئِمَّة أَن يعاونوه على ذَلِك فَمن أَخذ جعلا من شخص معِين على ذَلِك أفْضى إِلَى أَن تطالب هَذِه الْأُمُور بِالْعِوَضِ وَنَفس طلب الْولَايَة مَنْهِيّ عَنهُ فَكيف بِالْعِوَضِ وَيلْزم على ذَلِك تَوْلِيَة الْجَاهِل وَالْفَاسِق والفاجر وَيتْرك الْعَالم الْعَادِل الْقَادِر وَأَن يرْزق فِي ديوَان الْمُقَاتلَة الْفَاسِق والجبان الْعَاجِز عَن الْقِتَال وَترك الْعدْل والشجاع النافع للْمُسلمين وفاسد هَذَا كثير بل يشفع وَلَا يَأْخُذ هَذَا هُوَ الْمَأْمُور بِهِ وَأما ذَانك الْأَمْرَانِ فكلاهما مَنْهِيّ عَنهُ وَلَكِن إِذا كَانَ لَا بُد من أَخذ فقد يرجع هَذَا تَارَة وَهَذَا تَارَة أُخْرَى فَإِذا أَخذ وشفع لمن هُوَ الأحق وَالْأولَى فَهُنَا ترك الشَّفَاعَة وَالْأَخْذ أضرّ من الشَّفَاعَة وَالْأَخْذ وَيُقَال لهَذَا الشافع ذِي الجاه الَّذِي تقبل الشَّفَاعَة بجاهه عَلَيْك أَن تكون ناصحا لله وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم وَلَو لم يكن لَك هَذَا الجاه وَالْمَال فَكيف إِذا كَانَ لَك هَذَا الجاه وَالْمَال فَأَنت عَلَيْك أَن تنصح للمشفوع إِلَيْهِ فَتبين لَهُ من يسْتَحق الْولَايَة والاستخدام وَالعطَاء وَمن لَا يسْتَحق ذَلِك وتنصح للْمُسلمين بِفعل مثل ذَلِك وتنصح لله وَرَسُوله بطاعتهما فَإِن هَذَا من أعظم طاعتهما وَتَنْفَع أَخَاك هَذَا الْمُسْتَحق بمعاونته على ذَلِك كَمَا علك أَن تصلي وتصوم وتجاهد فِي سَبِيل الله