الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخمس كَمَا يسْتَحق بَنو هَاشم وَإِن كَانَ ينتسب إِلَيْهِم نسبا مُطلقًا فَلهُ نوع امتياز لكَونه أمه مِنْهُم
وَأما الْأَوْلَاد العترة فَلهم من الِاخْتِصَاص بِقدر مَا لَهُم من النّسَب لكَون أحدهم أفضل من غَيرهم
وَبِكُل حَال فَهَذِهِ الخصائص لَا توجب أَن يكون الرجل بِنَفسِهِ أفضل من غَيره لأجل نسبه الْمُجَرّد بل التَّفَاضُل عِنْد الله بالتقوى كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم إِن آل بني فلَان لَيْسُوا لي بأولياء إِنَّمَا وليي الله وَصَالح الْمُؤمنِينَ فَمن كَانَ الْإِيمَان وَالتَّقوى أفضل كَانَ عِنْد الله أفضل مِمَّن هُوَ دونه فِي ذَلِك وأولاهم برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِن كَانَ غَيره أقرب نسبا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا شكّ أَن الْولَايَة الإيمانية الدِّينِيَّة أعظم وأوثق صلَة من الْقَرَابَة النسبية وَالله أعلم
فصل
وَإِذا طلبا حاكمين أُجِيب من طلب الَّذِي لَهُ الْولَايَة على مَحل النزاع إِذا كَانَ الحاكمان عَدْلَيْنِ فَإِن كَانَ لَهما الْولَايَة مَعًا أُجِيب من طلب الْحَاكِم الْأَقْرَب فإمَّا أَن يقرع بَينهمَا أَو يُجَاب الْمُدعى فَهَذَا القَوْل الثَّالِث أفتى بِهِ طَائِفَة فِي زَمَاننَا والأولان مقدمان فَهَذِهِ مَسْأَلَة نزاع وَلَا يمْضِي حكم الْعَدو على عدوه كَمَا لَا يقبل شَهَادَته عَلَيْهِ بل يترافعان إِلَى حَاكم آخر
فصل
وَلَفظ الصُّوفِيَّة لم يكن مَشْهُورا فِي الْقُرُون الثَّلَاثَة وَإِنَّمَا اشْتهر بعد ذَلِك نقل التَّكَلُّم بِهِ عَن أَحْمد وَأبي سُلَيْمَان الدارني وَغَيرهمَا وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَذكر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ
وَتَنَازَعُوا فِي الْمَعْنى الَّذِي أضيف إِلَيْهِ ذَلِك فَقيل نسبه إِلَى أهل الصّفة وَهُوَ غلط لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال صفي وَقيل نِسْبَة إِلَى الصَّفّ الْمُقدم بَين يَدي الله تَعَالَى وَهَذَا غلط أَيْضا لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن يُقَال صَيْفِي وَقيل نِسْبَة إِلَى الصَّفَا وَهُوَ غلط أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال صفائي وَقيل نِسْبَة إِلَى الصفوة وَهُوَ غلط أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال صفائي وَقيل نِسْبَة إِلَى الصفوة من خلق الله وَهُوَ غلط أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال صفوي وَقيل نِسْبَة إِلَى صفوة بن مر أد بن طابخة قَبيلَة من الْعَرَب يحاورون بِمَكَّة ينتسب إِلَيْهِم النساك وَهَذَا وَإِن كَانَ مُوَافقا فِي النّسَب بِحَسب اللُّغَة لكنه ضَعِيف لأَنهم غير مشهورين وَلم تعرف الصَّحَابَة وَلَا التابعون وتابعوهم
وَقيل إِنَّه نِسْبَة إِلَى لبس الصُّوف وَهُوَ الْمَعْرُوف فَإِنَّهُ أول من ظهر الصُّوفِيَّة من الْبَصْرَة وَأول من ابتنى دويرة الصُّوفِيَّة بعض أَصْحَاب عبد الْوَاحِد بن زيد وَعبد الْوَاحِد من أَصْحَاب الْحسن وَكَانَ فِي أهل الْبَصْرَة من الْمُبَالغَة فِي الزهادة وَالْعِبَادَة مَا لم يكن فِي سَائِر الْأَمْصَار قَالَ ابْن سِيرِين هدى نَبينَا صلى الله عليه وسلم أحب إِلَيْنَا وَكَانَ يلبس الْقطن وَغَيره قَالَ ذَلِك لما قيل لَهُ إِن قوما يلبسُونَ الصُّوف تشبها بالمسيح
وَأما سَماع الْقُرْآن والتماوت أَو الْمَوْت عِنْده والغشي وَنَحْوه كَمَا نقل عَن زُرَارَة ابْن أوفى قاي الْبَصْرَة أَنه سمع قَارِئًا يقْرَأ فَإِذا نفر فِي الناقور فَمَاتَ وَكَذَا جرى لأبي جهير فَأنْكر ذَلِك طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَظن ذَلِك تكلفا وتصنعا كَمَا قَالَ ابْن سِيرِين بَيْننَا وَبَين الَّذين يصعفون عَن سَماع الْقُرْآن أَن يقْرَأ وَاحِد مِنْهُم على رَأس الْحَائِط فَإِن خر فَهُوَ صَادِق وَمِنْهُم من أنكرهُ لِأَنَّهُ
رَآهُ بِدعَة مُخَالفَة لما عرف من هدى الصَّحَابَة رضي الله عنهم
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور من هَؤُلَاءِ أَنه إِذا كَانَ مَغْلُوبًا لم يُنكر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ حَال الثَّبَات أكمل مِنْهُ وَلِهَذَا لما سُئِلَ أَحْمد عَن هَذَا قَالَ قرىء الْقُرْآن على يحيى بن سعيد فَغشيَ عَلَيْهِ وَأخذ أَن يدْفع عَن نَفسه وَلَو قدر لدفعه فَمَا رَأَيْت أغفل مِنْهُ وَنقل عَن الشَّافِعِي أَنه أَصَابَهُ ذَلِك وَكَذَلِكَ عَن الفضيل بن عِيَاض
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا كثير مِمَّن لَا يستراب فِي صدقه لَكِن أَحْوَال الصَّحَابَة رضي الله عنهم هِيَ الَّتِي ذكرت فِي الْقُرْآن من وَجل الْقُلُوب ودمع الْعُيُون واقشعرار الْجُلُود وَقد يُنكر أَحْوَال هَؤُلَاءِ من عِنْده قسوة قلب لَا يلين عِنْد تِلَاوَة الْقُرْآن ويغلو فيهم من بطن أَن حَالهم أكمل الْأَحْوَال فَكل من الطَّرفَيْنِ مَذْمُوم بل الْمَرَاتِب ثَلَاثَة ظَالِم لنَفسِهِ الَّذِي هُوَ قَاس الْقلب لَا يلين لِلْقُرْآنِ وَلَا للذّكر فَفِيهِ شبه من الْيَهُود لقَوْله تَعَالَى {ثمَّ قست قُلُوبكُمْ من بعد ذَلِك} الْآيَة
وَالثَّانِي حَال الَّذِي فِيهِ ضعف عَن حمل مَا يرد على قلبه فَهَذَا يصعف صعق موت أَو غشي لقُوَّة الْوَارِد وَلَيْسَ هَذَا بعلامة على الْإِيمَان أَو الْفَتْوَى فَإِنَّهُ قد يحصل لمن يفرح أَو يحزن أَو يخَاف أَو يحب فَفِي عشاق أهل الصُّور من أمراضه الْعِشْق أَو قَتله أَو جننه وَكَذَلِكَ فِي غَيرهم
وَالْحَاصِل أَنه إِذا لم يكن ثمَّ تَفْرِيط وَلَا عدوان وَلَا ذَنْب لَهُ فِيمَا أَصَابَهُ وَجعل لَهُ ضعف فَلَيْسَ بملوم كمن سمع الْقُرْآن سَمَاعا شَرْعِيًّا وَلم يفرط بترك مَا وَجب لَهُ من ذَلِك وَكَذَلِكَ مَا يرد على الْقُلُوب مِمَّا يسمونه الشُّهُود والفناء وَنَحْوه من الْأُمُور الَّتِي تغيب الْعقل فَإِنَّهُ إِذا كَانَ السَّبَب مَحْظُورًا لم يكن السَّكْرَان مَعْذُورًا فَإِن السكر لذه بِلَا تَمْيِيز فَإِذا حصل بِمحرم كَالْخمرِ والحشيشة فَهُوَ حرَام
بِلَا نزاع وَقد يحصل بِسَبَب محبَّة الصُّور كَمَا قَالَ الشَّاعِر
…
سَكرَان سكر هوى وسكر مدامة
…
وَمَتى إِقَامَة من بِهِ سَكرَان
…
وَهَذَا مَذْمُوم لِأَن سَببه مَحْظُور وَقد يحصل بِسَبَب سَماع الْأَصْوَات المطربة من المغنين والمغنيات وَهَذَا أَيْضا مَذْمُوم فَإِنَّهُ لَيْسَ للرجل أَن سمع من الْأَصْوَات الَّتِي لم يُؤمر بسماعها مَا يزِيل عقله إِذْ إِزَالَة الْعقل مُحرمَة فَمَتَى أفْضى إِلَيْهِ بِسَبَب غير شَرْعِي كَانَ محرما وَمَا يحصل فِي معنى ذَلِك من لَذَّة قلبية أَو روحية وَلَو بِأُمُور فِيهَا نوع من الْإِيمَان فَهِيَ مغمورة بِمَا يحصل مَعهَا من زَوَال الْعقل وَلم يَأْذَن الله تبارك وتعالى لنا أَن نمتع قُلُوبنَا بِمَا يكون سَببا لزوَال عقولنا وَلم يَأْذَن الله تبارك وتعالى لنا أَن نمتنع قُلُوبنَا بِمَا يكون سَببا لزوَال عقولنا بِخِلَاف من زَالَ عقله بِسَبَب مَشْرُوع أَو بِأَمْر صادفه لَا حِيلَة لَهُ فِيهِ
وَقد يحصل السكر بِسَبَب لم يَفْعَله العَبْد كسماع مالم يَقْصِدهُ هيج بَاطِنه وحرك ساكنه فَهَذَا لَا يلام عَلَيْهِ وَمَا صدر فِي حَال زَوَال عقله فَهُوَ فِيهِ مَعْذُور لِأَن الْقَلَم رفع عَنهُ كالمغمى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُون أما زَوَال عقله بِمحرم كَالْخمرِ فَهَل هُوَ مُكَلّف حَال زَوَال عقله فِيهِ قَولَانِ مشهوران وَفِي طَلَاقه نزاع وَمن زَالَ عقله بالبنج فَقيل يلْحق بِهِ وَقيل لَا لِأَن هَذَا لَا يشتهى بِخِلَاف الْخمر وَقد أوجب الْحَد فِي هَذَا دون هَذَا
وَمن هَؤُلَاءِ من يغلب عَلَيْهِ الْوَارِد حَتَّى يصير مَجْنُونا إِمَّا بخلط أَو غَيره وَمن هَؤُلَاءِ عقلاء المجانين الَّذين يعدون فِي النساك ويسمون المولهين
فصل الْخطاب أَن هَذَا الْأَحْوَال إِذا كَانَت أَسبَابهَا مَشْرُوعَة وصاحبها
صَادِقا عَاجِزا عَن دَفعهَا كَانَ مَحْمُودًا على مَا فعله من الْخَيْر مَعْذُورًا فِيمَا عجز عَنهُ وأصابه بِغَيْر اخْتِيَاره وهم أكمل مِمَّن لم يبلغ مَنْزِلَتهمْ لنَقص إيمَانه وقساوة قلبه وَمن لم يزل عقله مَعَ كَونه قد حصل لمن من الْإِيمَان مَا حصل لَهُم وَأكل فَهُوَ أفضل مِنْهُم وَهَذِه حَال الصَّحَابَة رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَحَال نَبينَا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أسرى بِهِ وَرَأى مَا رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى وَأصْبح ثَابت الْعقل لم يتَغَيَّر فحاله بِلَا شكّ أكمل من حَال مُوسَى الَّذِي خر صعقا لما تجلى ربه للجبل وَجعله دكا وَحَال مُوسَى جليلة فاضلة علية لَكِن حَال مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل وَأَعْلَى فَخير الْكَلَام كَلَام الله وَخير الْهدى هدي مُحَمَّد وَأفضل الطّرق مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابه
فالصوفي مَنْسُوب إِلَى اللبسة لِأَنَّهَا ظَاهر حَالهم ثمَّ إِن عِنْدهم حقائق وأحوال مَعْرُوفَة يشيرون بهَا إِلَى الصُّوفِي كَقَوْلِه بَعضهم الصُّوفِي من صفا من الكدر وامتلأ قلبه من الْفِكر واستوى عِنْده الذَّهَب وَالْحجر والتصوف كتمان السِّرّ وَترك الدَّعَاوَى وَهَؤُلَاء يشيرون إِلَى معنى الصدْق وَقد انتسب إِلَيْهِم طوائف من الزَّنَادِقَة وَغَيرهم كالحلاج مثلا فَإِن أَكثر الْمَشَايِخ مَشَايِخ الطَّرِيق أنكروه وأخرجوه عَن الطَّرِيق مثل الْجُنَيْد بن مُحَمَّد شيخ الطَّائِفَة وَغَيره كَمَا ذكر أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي طَبَقَات الصُّوفِيَّة والحافظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد
وَقد تنَازع النَّاس فِي طريقهم فطائفة ذمت الصُّوفِيَّة والتصوف وَقَالُوا إِنَّهُم مبتدعون خارجون عَن السّنة