المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌بَاب النِّيَّة

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌فَصِلَ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الاستطابة

- ‌بَاب الْغسْل

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب الْحيض

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة التَّطَوُّع

- ‌فصل

- ‌بَاب الْأَدْعِيَة والأذكار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْكُسُوف

- ‌بَاب فِي الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب فِي ترك الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الرّوح

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الصَّيام

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سُؤال

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب اللبَاس

- ‌كتاب الْبيُوع

- ‌فصل فِيمَا يجوز بَيْعه ومالا يجوز

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بيع الْأُصُول وَالثِّمَار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌كتاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الاجارة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْوَقْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب اللّقطَة

- ‌كتاب الْوَصَايَا

- ‌فصل

- ‌كتاب الْفَرَائِض

- ‌فصل

- ‌كتاب النِّكَاح وشروطه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَوْلِيَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب عشرَة النِّسَاء وَالْخلْع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْعدَد

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كتاب النَّفَقَات

- ‌كتاب الْهِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجراح

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب حد الزِّنَا وَالْقَذْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الذُّنُوب الْكَبَائِر

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَشْرِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌فصل

- ‌بَاب عقد الذِّمَّة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الصَّيْد والذبائح

- ‌فصل فِي السَّبق

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب جَامع الْأَيْمَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور

- ‌فصل

- ‌بَاب فِي آدَاب القَاضِي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الشَّهَادَات

- ‌فصل

- ‌كتاب الدعاوي والبينات

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌فصل في الروح

‌فصل فِي الرّوح

روح الْإِنْسَان مخلوقة بِاتِّفَاق سلف الْأمة وأئمتها حكى الْإِجْمَاع على ذَلِك غير وَاحِد مثل مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي الإِمَام الَّذِي هُوَ أعلم أهل زَمَانه بِالْإِجْمَاع وَالِاخْتِلَاف وَأبي مُحَمَّد بن قُتَيْبَة

وَالَّذين قَالُوا إِنَّهَا لَيست مخلوقة هم الزَّنَادِقَة وَالنَّصَارَى فِي عِيسَى فَقَط والقائلون بقدمها صنفان

أَحدهمَا من الصابئة والفلاسفة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ هِيَ قديمَة أزلية لَكِن لَيست من ذَات الله كَمَا يَقُولُونَ ذَلِك فِي الْعُقُول والنفوس الفلكية

وَزعم من دخل مَعَهم من أهل الْملَل أَنَّهَا هِيَ الْمَلَائِكَة

وصنف من زنادقة هَذِه الْأمة من المتصرفة والمتكلمة والمتحدثة يَزْعمُونَ أَنَّهَا من ذَات الله هَؤُلَاءِ شَرّ من أُولَئِكَ فَإِنَّهُم جعلُوا الآدمى نِصْفَيْنِ نصف لَا هوت وَهُوَ روحه وَنصف ناسوت وَهُوَ جسده نصف رب وَنصف عبد وَقد كفر الله النَّصَارَى بِنَحْوِ من هَذَا القَوْل الَّذِي قَالُوهُ فِي الْمَسِيح فَقَط فَكيف بِمن يزْعم ذَلِك لكل النَّاس حَتَّى فِي فِرْعَوْن وهامان وَقَارُون

وَالنَّاس فِي روح الأدمِيّ على طرفى نقيض فكثير من المتكلمة يَجْعَلهَا جَزَاء من هَذَا الْبدن أوصفة من صِفَاته وَهَذَا خطأ بل روح أَمر غير الْبدن وأبعاضة وَصِفَاته وَلِهَذَا تكون بَاقِيَة بعد مُفَارقَة الْبدن

وَكثير من المتفلسفة يبالغون فِي عدم تحيزها ووصفها بِالصِّفَاتِ السلبية حَتَّى يَقُولُونَ لَيست دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا متحركة وَلَا سَاكِنة وَلَا تخْتَص بمَكَان دون مَكَان كَمَا يَقُولُونَ فِي وَاجِب الْوُجُود

وَهَذَا القَوْل أَيْضا ضلال وباطل

ص: 212

هَل يكون العَبْد قَادِرًا على غير الْفِعْل الَّذِي فعله الَّذِي سبق الْعلم بِهِ من الله تَعَالَى

هَذَا مِمَّا تنَازع فِيهِ النَّاس كَمَا تنازعوا فِي أَن الِاسْتِطَاعَة هَل تكون مُقَارنَة للْفِعْل أَو يجب أَن تتقدمه

فَمن قَالَ إِن الِاسْتِطَاعَة لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل يَقُول إِن العَبْد لَا يَسْتَطِيع غير مَا فعله وَهُوَ مَا تقدم بِهِ الْعلم وَالْكتاب

وَمن قَالَ إِن الِاسْتِطَاعَة قد تقدم الْفِعْل وَقد تُوجد بِدُونِ الْفِعْل فَإِنَّهُ يَقُول إِنَّه سَيكون مستطيعا لما يَفْعَله وَلما علم وَكتب أَنه لَا يَفْعَله

وَفصل الْخطاب أَن الِاسْتِطَاعَة فِي الْكتاب وَالسّنة نَوْعَانِ

أَحدهمَا الِاسْتِطَاعَة المصححة للْفِعْل وَهِي متناوله لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي لقَوْله تَعَالَى

ص: 213

فَهَذِهِ الِاسْتِطَاعَة مُقَدّمَة على الْفِعْل لِأَنَّهَا لَو كَانَت لاتوجد إِلَّا مَعَ الْفِعْل لوَجَبَ أَلا يجب الْحَج إِلَّا على من حج

ص: 215

وَأما الِاسْتِطَاعَة الَّتِي يكون مَعهَا الْفِعْل فقد يُقَال هِيَ المقرونة بِالْفِعْلِ الْمُوجبَة لَهُ

ص: 216

وَهَذَا النَّوْع الثَّانِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَمَا كَانُوا يبصرون}

ص: 217

فَإِن الِاسْتِطَاعَة الْمَشْرُوطَة فِي الْأَمر وَالنَّهْي الَّتِي هِيَ منَاط التَّكْلِيف كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم}

لَكِن قد يُقَال إِن الِاسْتِطَاعَة هُنَا كالاستطاعة المنفية فِي قَول الْخضر

ص: 218

لمُوسَى عليهم السلام {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} فَإِن هَذِه لَو أُرِيد بهَا مُجَرّد الْمُقَارنَة فِي الْفَاعِل والتارك لم يكن هُنَاكَ فرق بَين الْمُجْرمين والمؤنين وَلَا

ص: 219

بَين مُوسَى وَالْخضر فَإِن كل وَاحِد فعل أَو لم يفعل لَا تكون الِاسْتِطَاعَة الْمُقَارنَة مَوْجُودَة قبل فعله

ص: 220

وَالْقُرْآن يدل على أَن هَذِه الِاسْتِطَاعَة إِنَّمَا نفيت عَن التارك لَا عَن الْفَاعِل فَعلم أَنَّهَا تقوم بِالْعَبدِ من الْوَاقِع الَّتِي تصدر عَن إِرَادَة الْفِعْل وَعَمله بِكُل حَال

ص: 221

فَهَذِهِ الِاسْتِطَاعَة منتفية فِي حق من كتب عَلَيْهِ أَنه لَا يفعل وَقضى عَلَيْهِ ذَلِك

ص: 222

وَإِذا عرف هَذَا الْقسم علم أَن إِطْلَاق القَوْل بِأَن العَبْد لَا يَسْتَطِيع غير مَا فعل وَلَا يَسْتَطِيع خلاف الْمَعْلُوم الْمَقْدُور وَأَن إِطْلَاق القَوْل بِأَن استطاعة الْفَاعِل

ص: 223

والتارك سَوَاء أَن الْفِعْل لَا يخْتَص من التارك بإستطاعة خَاصَّة الإطلاقين خطأ بِدعَة

ص: 224

وَلِهَذَا أتفق سلف الْأمة وأئمتها على ان الله قَادر على مَا علمه وَأخْبر أَنه لَا يكون وعَلى مَا يمْتَنع ضَرُورَة عَدمه لعدم إِرَادَته لَا لعدم قدرته عَلَيْهِ ش

ص: 225

وَإِنَّمَا خَالف فِي ذَلِك أهل الضلال من الْجَهْمِية والقدرية والمتفلسفة الصابئة وَالَّذين يَزْعمُونَ انحصار الْمَقْدُور فِي الْمَوْجُود ويخصون قدرته بِمَا شاءه

ص: 226

وَقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ حِين نزلت هَذِه الْآيَة {من فَوْقكُم} أعوذ بِوَجْهِك {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} أعوذ بِوَجْهِك {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض} قَالَ هَاتَانِ أَهْون

ص: 228

وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} وَمن حكى عَن أحد أَن العَبْد لَيْسَ قَادِرًا على غير مَا فعل الَّذِي هُوَ خلاف

ص: 229

الْمَعْلُوم فَإِنَّهُ مُخطئ فِيمَا نَقله عَنْهُم من نفى الْقُدْرَة مُطلقًا ومصيب فِيمَا نَقله عَنْهُم من نفي الْقُدْرَة الَّتِي اخْتصَّ بهَا الْفَاعِل دون التارك

ص: 230

وَأما مَا يجب على أعيانهم فَهَذَا يتنوع بتنوع قدرهم ومعرفتهم وحاجتهم وَهَذَا من أصُول تنازعهم فِي جَوَاز تَكْلِيف مَا لَا يُطلق

فَإِن من يَقُول إِن الِاسْتِطَاعَة لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل والتارك لَا استطاعة

ص: 231

لَهُ بِحَال يَقُول كل من عصى الله فَمَا عَصَاهُ إِلَّا أَنه كلفه مَا لَا يطيقه كَمَا قد يَقُولُونَ إِن جَمِيع الْعباد كلفوا مَالا يُطِيقُونَ

ص: 232

وَمن يَقُول إِن استطاعة الْفِعْل هِيَ التّرْك يَقُول إِن الْعباد لم يكلفوا إِلَّا بِمَا هم مسبوقون فِي طَاعَته وقدرتهت والاستطاعة لَا يخْتَص الْفَاعِل دون التارك باستطاعة خَاصَّة

فإنطلاق القَوْل بِأَنَّهُ كلف مَالا يطيقه كإطلاقه بِأَنَّهُ مجبور عَليّ أَفعاله إِذا سلب الْقُدْرَة فِي الْمَأْمُور نَظِير إِثْبَات الْجَبْر فِي الْمَحْظُور

وَإِطْلَاق القَوْل بِأَن العَبْد لَيْسَ مجبورا بِحَال كإطلاقه بِأَن العَبْد قَادِرًا على خلاف مَعْلُوم الله وَتَقْدِيره

وَسلف الْأمة وأئمتها يُنكرُونَ هَذِه الإطلاقات كلهَا لاشتمال كل وَاحِد من طرفِي النَّفْي وَالْإِثْبَات عَليّ بَاطِل وَإِن كَانَ فِيهِ حق بل الْوَاجِب إِطْلَاق الْعبارَات الْحَسَنَة وَهِي الْمَأْمُور بهَا الَّتِي جَاءَت بهَا النُّصُوص وَالتَّفْصِيل فِي الْعبارَات المجملة المشتبهة

وَكَذَلِكَ الْوَاجِب نَظِير ذَلِك فِي ساذر زبواب أصُول الدّين أَن يَجْعَل نُصُوص الْكتاب وَالسّنة هِيَ الأَصْل الْمُعْتَمد الَّذِي يجب اتِّبَاعه ويسوغ إِطْلَاقه وَتجْعَل الْأَلْفَاظ الَّتِي تنَازع فِيهَا النَّاس نفيا أَو إِثْبَاتًا موقوفاة على الاسفسار وَالتَّفْصِيل وَيمْنَع من إِطْلَاق نفي مَا أطلقهُ الله وَرَسُوله وَإِطْلَاق إِثْبَات مَا نفى الله ورسلوه

وَفصل الْخطاب أَن النزاع فِي أصلين

أَحدهمَا أَن التَّكْلِيف الْوَاقِع اتّفق الْمُسلمُونَ على وُقُوعه فِي الشَّرِيعَة وَهُوَ أَمر الْعباد كلهم بِمَا أَمرهم الله وَرَسُوله من الأذمان بِهِ وتقواه وَهل يُسمى هَذَا أَو شَيْء مِنْهُ تَكْلِيف لَا يُطَاق

ص: 242

فالقائل إِن الْقُدْرَة لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل يَقُول إِن الْمعاصِي مِمَّا لَا يُطَاق وَيَقُول كل أحد كلف حِين كَانَ مطيقا

وَكَذَلِكَ من زعم أَن تقدم الْعلم وَالْكتاب بالشئ يمْنَع أَن يقدر العَبْد عَليّ خِلَافه

وَكَذَلِكَ من يَقُول إِن الْعرض لَا يبْقى زمانين يَقُول إِن الِاسْتِطَاعَة الْمُتَقَدّمَة لَا تبقى رلى حِين الْفِعْل وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ دَائِما فِي الْأَفْعَال الَّتِي أَمر الله بهَا أَو نهى عَنْهَا هَل يَتَنَاوَلهَا التَّكْلِيف

وَقد قدمنَا أَن الْقُدْرَة نَوْعَانِ وَأَن من يُطلق القَوْل بِأَن الِاسْتِطَاعَة لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل فإطلاقه مُخَالف فِي الْمَسْأَلَة وَقَول ثَالِث كَانَ مُمْتَنعا لذاته كالجمع بَين النقيضين مُخَالف لما ورد فِي الْكتاب وَالسّنة كإطلاق الْخَيْر وَإِن كَانَ قد أطلق ذَلِك طوائف من المنتسبين إِلَى السّنة

وَمنع الاطلاق فِي ذَلِك مَنْقُول عَن شُرَيْح والقلانسي وَنقل عَن أبي حنيفَة وَهُوَ مُقْتَضى قَول الْأَئِمَّة

وَامْتنع أَبُو إِسْحَاق بن شاقلا وَحكى فِيهِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا ذكره عَن القَاضِي أبي يعلى الِاسْتِطَاعَة مَعَ الْفِعْل أَو قبله

وَهَذَا كَمَا أَن من قَالَ لَيْسَ للْعَبد إِلَّا قدرَة وَاحِدَة يقدر بهَا على الْفِعْل وَالتّرْك فَهُوَ بَاطِل وهم الْقَدَرِيَّة الَّذين يَقُولُونَ إِن العَبْد لَا يفْتَقر حَال الْفِعْل إِلَى الله يُعينهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا إوجده الْفِعْل وَأَن الله لَيْسَ لَهُ نعْمَة بهَا على من آمن بِهِ وأطاعه أَكثر من نعْمَته على من كفر بِهِ وَعَصَاهُ

وَاتفقَ أهل السّنة على تضليل هَؤُلَاءِ

ثمَّ النزاع بَينهم بعد ذَلِك مِنْهُ لفظى وَمِنْه اعتبارى كتنازعهم فِي أَن الْعرض هَل يبْقى زمانين أم لَا وبنوا عَلَيْهِ بَقَاء الِاسْتِطَاعَة

ص: 243

فَالْوَاجِب أنتجعل نُصُوص الْكتاب وَالسّنة هِيَ الأَصْل كَمَا قدمنَا

وَأما الأَصْل الثَّانِي وَهُوَ مَا اتّفق النَّاس عَليّ أَنه غير مَقْدُور للْعَبد وَتَنَازَعُوا جَوَاز التَّكْلِيف بِهِ فَهُوَ نَوْعَانِ

أَحدهمَا مَا هُوَ مُمْتَنع عَادَة كالمشي على الْوَجْه والطيران وَنَحْو ذَلِك

وَالثَّانِي مَا هُوَ مُمْتَنع فِي نَفسه كالجمع بَين الضدين فَهَذَا فِي جَوَازه عقلا ثَلَاثَة أَقْوَال كَمَا تقدم وَأما وُقُوعه فِي الشَّرِيعَة وجوازه شرعا فقد اتّفق حَملَة الشَّرِيعَة عَليّ أَن مثل هَذَا لَيْسَ بواقع فِي الشَّرِيعَة

وَحكى الْإِجْمَاع على ذَلِك غير وَاحِد وَمِنْهُم ابْن الزاغرانى قَالَ إِن التَّكْلِيف على ضَرْبَيْنِ

أَحدهمَا مَالا يُطَاق لوُجُود ضِدّه من الْعَجز كنقط الْكتاب للأعمى فَلَا يجوز الاجماع على ذَلِك

وَالثَّانِي تَكْلِيف مَالا يُطَاق لوُجُود ضِدّه من الْعَجز مثل أَن يُكَلف الْكَافِر الَّذِي سبق فِي علمه تَعَالَى أَنه لَا يستجيب للتكليف كفرعون وهامان وَأبي جهل فَهَذَا جَائِز

وَذَهَبت الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن تَكْلِيف مَالا يُطَاق غير جَائِز

وَهَذَا الْإِجْمَاع الَّذِي ذكره هُوَ إِجْمَاع الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء

فَإِنَّهُ قد ذهب طاذفة من أهل الْكَلَام إِلَى أَن التَّكْلِيف بالمتنع لذاته وَاقع فِي الشَّرِيعَة وَهُوَ قَول الرَّازِيّ وَطَائِفَة قبله وَزَعَمُوا أَن تَكْلِيف أبي جهل من هَذَا الْقَبِيل حَيْثُ كلف أَن يصدق بالأخبار الَّتِي من جُمْلَتهَا الْإِخْبَار بِأَنَّهُ لَا يُؤمن

وَهَذَا غلط فَإِن من أخبر أَنه لَا يُؤمن بعد دُعَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاه إِلَى الْإِيمَان فقد حقت عَلَيْهِ كملة الْعَذَاب كَالَّذي يعاين الملاذكة وَقت الْمَوْت وَلم يبْق بعد هَذَا مُخَاطبا من جِهَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِهَذَيْنِ الْأَمريْنِ المتناقضين

ص: 244