الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَرْض فَإِنَّهُ من تَمام الْحَج بالِاتِّفَاقِ وَلَا يفعل المتحلل الأول وكرمي الْجمار فانه من تَمام الْحَج وَإِذا طَاف قبل ذَلِك فقد رمى بعد الْحلَل التَّام وَهُوَ السّنة كَمَا فعله النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وَصَوْم رَمَضَان يَتَخَلَّل صِيَام أَيَّامه فطر اللَّيْل
فصل
لم يخْتَلف النَّقْل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا عَن أحد من أهل الْعلم أَنه صلى الله عليه وسلم أَمر أَصْحَابه بِفَسْخ الْحَج إِلَى الْعمرَة وَأَنه أَمرهم إِذا طافوا بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة أَن يحلوا من إحرامهم فَهُوَ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيث
وَلم يَخْتَلِفُوا أَنه صلى الله عليه وسلم لم يعْتَمر بعد حجَّة صلى الله عليه وسلم وَلَا أحد من أَصْحَابه رضي الله عنهم إِلَّا عَائِشَة رصي الله عَنْهَا
لَكِن تنازعوا فِي إِحْرَامه هَل كَانَ مُتَمَتِّعا أَو قَارنا أَو مُفردا أَو أحرم مُطلقًا
واضطربت عَلَيْهِم الْأَحَادِيث وَهِي بِحَمْد الله متفقة لمن فيهم مرادها
وَالْمَنْصُوص على أَحْمد أَنه كَانَ قَارنا وَهُوَ قَول إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ وَغَيره وَهُوَ الصَّوَاب
وَأول من أدعى أَنه صلى الله عليه وسلم التَّمَتُّع الْخَاص القَاضِي أَبُو يعلى
ثمَّ الَّذين قَالُوا إِنَّه كَانَ مُتَمَتِّعا على قَوْلَيْنِ
أضعفهما أَنه حل من إِحْرَامه مَعَ سوقه الْهدى وحملوا الْهدى على أَن الْمُتْعَة كَانَت خَاصَّة وَأَنَّهُمْ حلوا من الْإِحْرَام مَعَ سوى الْهدى وَهَذِه طَريقَة القَاضِي وَهِي مُنكرَة عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء
القَوْل الثَّانِي أَنه تمتّع بِمَعْنى أَنه أحرم بِالْعُمْرَةِ وَلم يحل لسوق الْهدى
وَأحرم بِالْحَجِّ بعد أَن طَاف وسعى للْعُمْرَة وَهِي طَريقَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْمَقْدِسِي وَقد يسمون هَذَا قَارنا
وَأما الشَّافِعِي فَقَالَ تَارَة إِنَّه أفرد وَتارَة إِنَّه تمتّع إِنَّه أحرم مُطلقًا
وَأحمد يَقُول من روى الْإِفْرَاد كعائشة وَابْن عمر لكَونه أحفظ وَجَابِر قَالَ وَظن أَن الْأَحَادِيث فِيهَا مَا يُخَالف بعضة بَعْضًا خطأ
فَإِن قَالَ قَائِل فَمن أَيْن أثبت حَدِيث عَائِشَة وَجَابِر وَابْن عمر رضي الله عنهم وَفِي الصَّحَابَة من قَالَ قرن
قيل لتقدم صُحْبَة جَابر وَحسن سياقته لحجة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ولفضل حفظ عَائِشَة ولقرب ابْن عمر مِنْهُ
قلت وَالصَّوَاب أَن الْأَحَادِيث متفقة الْإِسْنَاد إِلَّا شَيْئا يَسِيرا وَالِاخْتِلَاف يَقع مثله فِي غير ذَلِك فقد كَانَ عُثْمَان رضي الله عنه ينْهَى عَن الْمُتْعَة وَكَانَ على رضي الله عنه يَأْمر بهَا فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه لقد علمت أَنا تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُثْمَان أجل وَلَكِن كُنَّا خَائِفين
فقد اتّفق عُثْمَان وَعلي رضي الله عنهما أَنهم تمَتَّعُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّحِيح
وَقَول عُثْمَان رضي الله عنه كُنَّا خَائِفين فَإِنَّهُم مَا كَانُوا خَائِفين إِلَّا فِي عمْرَة الْقَضِيَّة وَكَانُوا اعتمروا فِي أشهر الْحَج وكل من اعْتَمر فِي أشهر الْحَج يُسمى مُتَمَتِّعا
والناهون عَن الْمُتْعَة كَانُوا ينهون عَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج مُطلقًا فَفِي الصَّحِيح عَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه لما بلغه أَن مُعَاوِيَة رضي الله عنه نهى عَن الْمُتْعَة قَالَ فعلناها مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهَذَا كَافِر بالعرش يَعْنِي مُعَاوِيَة
وَمَعْلُوم أَن مُعَاوِيَة رضي الله عنه كَانَ مُسلما فِي حجَّة الْوَدَاع بل وَفِي عمْرَة الْجِعِرَّانَة عَام الْفَتْح وَلَكِن فِي عمْرَة الْقَضِيَّة كَانَ كَافِرًا بالعرش بِمَكَّة فقد سمى سعد رضي الله عنه عمْرَة الْقَضِيَّة وَكَانُوا خَائِفين أَيْضا عَام الْفَتْح أما عَام حجَّة الْوَدَاع فَكَانُوا آمِنين وَلِهَذَا قَالُوا صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بمنى آمن مَا كَانَ النَّاس رَكْعَتَيْنِ
فَلَعَلَّهُ قد اشْتبهَ حَالهم هَذَا الْعَام بحالهم ذَاك الْعَام كَمَا اشْتبهَ على من روى أَنه نهى عَن مُتْعَة النِّسَاء فِي حجَّة الْوَدَاع وَإِنَّمَا كَانَ النَّهْي عَنْهُمَا فِي غزَاة الْفَتْح وكما ظن بَعضهم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دخل الْكَعْبَة فِي حج أَو عمْرَة وَإِنَّمَا دَخلهَا عَام الْفَتْح وَلم يقل أحد إِنَّه دَخلهَا فِي حج وَلَا عمْرَة
أَو يكون مُرَاد عُثْمَان رضي الله عنه أَن غَالب أهل الأَرْض كَانُوا كفَّارًا مخالفين لنا والآن فقد فتحت الأَرْض فَيمكن الْإِنْسَان أَن يذهب إِلَى مقرة ثمَّ يرجع لعمرة وَهَذَا لم يكن مُمكنا فِي حجَّة الْوَدَاع لمن كَانَ مجاور الْعَدو بِالشَّام وَالْعراق ومصر
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن مطرف بن عبد الله بن الشخير قَالَ قَالَ لي عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه أحَدثك حَدِيثا لَعَلَّ الله ينفعك بِهِ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جمع بَين حجَّته وعمرته ثمَّ إِنَّه لم ينع عَنهُ حَتَّى مَاتَ وَلم ينزل فِيهِ قُرْآن يحرمه
وَفِي رِوَايَة تمتّع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا مَعَه
فَهَذَا عمرَان بن حُصَيْن من أجل السَّابِقين الْأَوَّلين أخبر أَنه تمتّع وَأَنه جمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة
وَفِي مُسلم عَن غنيم بن قيس قَالَ سَأَلت سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه عَن الْمُتْعَة فِي الْحَج فَقَالَ فعلناها وَهَذَا كَافِر بالعرش يَعْنِي مُعَاوِيَة وَهُوَ إِنَّمَا كَانَ كَافِرًا فِي عمْرَة الْقَضِيَّة
فَكَانَ السَّابِقُونَ ينهون عَن الِاعْتِمَاد فِي أشهر الْحَج فَصَارَ الصَّحَابَة رضي الله عنهم يوردون السّنة فِي ذَلِك ردا على من نهى عَن ذَلِك فالقارن عِنْدهم متمتع وَلِهَذَا وَجب على الْقَارِن أَن يهدي هَديا وَدخل فِي قَوْله تَعَالَى {فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج}
وَفِي البخار عَن عمر رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول أَتَانِي آتٍ من رَبِّي فَقَالَ صل فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك وَاديا لعتيق وَقل عمْرَة فِي حجَّة
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث صَرِيحَة فِي أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ قَارنا بِلَا شكّ والقارن يسمونه مُتَمَتِّعا
وَفِي الصحيحن عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة قَالَ بكر فَحَدِيث ابْن عمر قَالَ لبّى بِالْحَجِّ وَحده فَلَقِيت أنسا فَقَالَ رضي الله عنه مَا يعدونا إِلَّا صبيانا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة جَمِيعًا
وَقد روى الثِّقَات مثل سَالم روى عَن ابْن عمر أَنه قَالَ تمتّع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ بِالْعُمْرَةِ وَالْحج
وَهَؤُلَاء أثبت عَن ابْن عمر من بكر وَغلط بكر أولى من غلط سَالم على أَبِيه وتغليطه هُوَ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ونسبته إِلَى ابْن عمر رضي الله عنهما أَنه قَالَ لَهُ أفرد الْحَج فَظن هُوَ أَنه قَالَ لبّى بِالْحَجِّ فَإِنَّهُم كَانُوا يطلقون إِفْرَاد الْحَج ويريدون إِفْرَاد أَعماله
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن سَالم عَن أَبِيه رضي الله عنهما قَالَ تمتّع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حجَّة الْوَدَاع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج قَالَ الزُّهْرِيّ وحَدثني عُرْوَة عَن عَائِشَة رضي الله عنها بِمثل حَدِيث سَالم عَن أَبِيه
فَهَذَا أصبح حَدِيث على وَجه الأَرْض
وَثَبت عَنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم اعْتَمر أَربع عمر الرَّابِعَة مَعَ حجَّته وَلم يعْتَمر بعد حجَّته بِاتِّفَاق الْمُسلمين فَتعين أَن يكون كَانَ تمتّع قرَان
وَأما الَّذين نقلوا أَنه أفرد فيهم ثَلَاثَة عَائِشَة وَابْن عمر وَجَابِر رضي الله عنهم وَالثَّلَاثَة نقل عَنْهُم أَنهم كَانُوا يتمتعون وَحَدِيث عَائِشَة وَابْن عمر رضي الله عنهما أَنه تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج أصح من حَدِيثهمَا أَنه أفرد الْحَج
وَلَئِن صَحَّ ذَلِك عَنْهُمَا فَمَعْنَاه إِفْرَاد أَعمال الْحَج
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه أَمر أَزوَاجه أَن يتحللن عَام حجَّة الْوَدَاع قَالَت حَفْصَة رضي الله عنها لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمَا مَنعك أَن تحل قَالَ إِنِّي لبدت رَأْسِي وقلدت هَدْيِي فَلَا أحل حَتَّى أنحر
وَفِي حَدِيث عَائِشَة وَابْن عمر رضي الله عنه فَطَافَ بالصفا وَطَاف بالمروة ثمَّ لم يحل من شَيْء حرم مِنْهُ حَتَّى قضى حجَّة وَنحر هَدْيه يَوْم النَّحْر وأفاض بالمروة ثمَّ لم يحل من شَيْء حرم مِنْهُ حَتَّى قضى حجه وَنحر هَدْيه يَوْم النَّحْر وأفاض بِالْبَيْتِ ثمَّ حل من كل شَيْء وَفِي رِوَايَة قَالَت حَفْصَة رضي الله عنها لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا شَأْن النَّاس حلوا وَلم تحل أَنْت من عمرتك فَقَالَ إِنِّي لبدت رَأْسِي وقلدت هَدْيِي فَلَا أحل حَتَّى أنحر
فَهَذَا يدل على أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ مُعْتَمِرًا وَلَيْسَ فِيهِ أَنه لم يكن مَعَ الْعمرَة حَاجا
فقد تبين أَن الرِّوَايَات الْكَثِيرَة الثَّابِتَة عَن ابْن عمر وَعَائِشَة رضي الله عنهم توَافق مَا نَقله سَائِر الصَّحَابَة أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ مُتَمَتِّعا التَّمَتُّع الْعَام
وَمن قَالَ إِنَّه أحرم مُطلقًا يحْتَج بِحَدِيث مُرْسل فَلَا يُعَارض هَذِه الْأَحَادِيث الثَّابِتَة
فقد تبين أَن من قَالَ إِنَّه أفرد الْحَج وَأَرَادَ أَنه آعتمر بعد حجَّة كَمَا يَظُنّهُ بعض المتفقهة فَهَذَا مخطىء بِاتِّفَاق الْعلمَاء وَأَن من قَالَ أفرد الْحَج بِمَعْنى أَنه
لم يَأْتِ مَعَ حجه بِعُمْرَة فقد اعتقده بعض الْعلمَاء فَهُوَ غلط لأَنهم اتَّفقُوا على أَنه اعْتَمر أَربع عمر الرَّابِعَة مَعَ حجه
وَمن قَالَ إِنَّه أحرم إحراما مُطلقًا فَقَوله غلط لم ينْقل عَن أحد من الصَّحَابَة وَمن قَالَ إِنَّه تمتّع بِمَعْنى أَنه حل من إِحْرَامه فَهُوَ أَيْضا مخطىء بِاتِّفَاق الْعلمَاء العارفين بالأحاديث
وَمن قَالَ إِنَّه قرن بِمَعْنى أَنه طَاف طوافين وسعى سعيين فقد غلط أَيْضا وَلم ينْقل ذَلِك أحد من الصَّحَابَة رضي الله عنهم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فالغلط وَقع مِمَّن هُوَ دون الصَّحَابَة مِمَّن لم يفهم كَلَامهم وَأما الصَّحَابَة رضي الله عنهم فنقولهم متفقة
وَمِمَّا يبين أَنه لم يطف طوافين وَلَا سعى سعيين لَا هُوَ وَلَا أَصْحَابه مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ من كَانَ مَعَه هدى فليهل بِالْحَجِّ مَعَ الْعمرَة ثمَّ لَا يحل حَتَّى يحل مِنْهُمَا جَمِيعًا وَقَالَت فِيهِ فَطَافَ الَّذين كَانُوا أهلوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة ثمَّ حَلقُوا ثمَّ طافوا آخر بعد أَن رجعُوا لحجهم وَأما الَّذين جمعُوا الْحَج وَالْعمْرَة فَإِنَّمَا طافوا طَوافا وَاحِدًا وَفِي مُسلم عَنَّا أَنَّهَا قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم يسعك طوافك لحجك وعمرتك فَأَبت فبعثها مَعَ أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر إِلَى اتنعيم فاعتمرت بعد الْحَج وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسّنَن أَنه قَالَ لَهَا يسعك طوافك لحجك وعمرتك يَكْفِيك طوافك لحجك وعمرتك وَقد حللت من حجك وعمرتك جَمِيعًا قَالَت يَا رَسُول الله إِنِّي أجد فِي نَفسِي أَنِّي لم أطف بِالْبَيْتِ حَتَّى حججْت قَالَ فَاذْهَبْ بهَا يَا عبد الرَّحْمَن فأعمرها من التَّنْعِيم وَذَلِكَ لَيْلَة الحصبة
فقد أخْبرت أَن الَّذين قرنوا لم يطوفوا بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة إِلَّا الطّواف