المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

شرهم فَلَا يحل لأحد أَن يكتم مَا يعرفهُ من أخبارهم - مختصر الفتاوى المصرية - ط الفقي

[بدر الدين البعلي]

فهرس الكتاب

- ‌بَاب النِّيَّة

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌فَصِلَ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الاستطابة

- ‌بَاب الْغسْل

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب الْحيض

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة التَّطَوُّع

- ‌فصل

- ‌بَاب الْأَدْعِيَة والأذكار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْكُسُوف

- ‌بَاب فِي الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب فِي ترك الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الرّوح

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الصَّيام

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سُؤال

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب اللبَاس

- ‌كتاب الْبيُوع

- ‌فصل فِيمَا يجوز بَيْعه ومالا يجوز

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بيع الْأُصُول وَالثِّمَار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌كتاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الاجارة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْوَقْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب اللّقطَة

- ‌كتاب الْوَصَايَا

- ‌فصل

- ‌كتاب الْفَرَائِض

- ‌فصل

- ‌كتاب النِّكَاح وشروطه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَوْلِيَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب عشرَة النِّسَاء وَالْخلْع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْعدَد

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كتاب النَّفَقَات

- ‌كتاب الْهِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجراح

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب حد الزِّنَا وَالْقَذْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الذُّنُوب الْكَبَائِر

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَشْرِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌فصل

- ‌بَاب عقد الذِّمَّة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الصَّيْد والذبائح

- ‌فصل فِي السَّبق

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب جَامع الْأَيْمَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور

- ‌فصل

- ‌بَاب فِي آدَاب القَاضِي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الشَّهَادَات

- ‌فصل

- ‌كتاب الدعاوي والبينات

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: شرهم فَلَا يحل لأحد أَن يكتم مَا يعرفهُ من أخبارهم

شرهم فَلَا يحل لأحد أَن يكتم مَا يعرفهُ من أخبارهم بل يَنْبَغِي أَن يفشيها ويظهرها ليعرف الْمُسلمُونَ حَقِيقَة حَالهم ويحذروه وَلَا يحل لأحد أَن يعاونهم على بقائهم فِي الْجند والمستخدمين وَلَا يحل لأحد السُّكُوت عَن الْقيام عَلَيْهِم بِمَا أَمر الله بِهِ وَرَسُوله فَإِن هَذَا من أعظم أَبْوَاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله وَقد قَالَ لنَبيه {يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} وَهَؤُلَاء لَا يخرجُون عَن الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ والمعاون على كف شرهم وعَلى هدايتهم بِحَسب الْإِمْكَان لَهُ من الْأجر وَالثَّوَاب مَالا يُعلمهُ إِلَّا الله فَإِن الْمَقْصُود وهدايتهم لما فِيهِ صَلَاح حَالهم وَحَال النَّاس فِي المعاش والمعاد كَمَا قَالَ تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس}

فَمن هداه الله مِنْهُم سعد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن لم يهتد كف الله ضَرَر عَن غَيره وَمَعْلُوم أَن الْجِهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر هُوَ أفضل الْأَعْمَال كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَأس الْأَمر الْإِسْلَام وعموده الصَّلَاة وذروة سنامة الْجِهَاد فِي سَبِيل الله

وكما قَالَ تَعَالَى {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وجاهد فِي سَبِيل الله لَا يستوون عِنْد الله وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم أعظم دَرَجَة عِنْد الله وَأُولَئِكَ هم الفائزون}

‌فصل

من لعن أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عَنْهُم كمعاوية وَعَمْرو بن الْعَاصِ أَو من هُوَ أفضل من هَؤُلَاءِ كَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي هُرَيْرَة أَو من هُوَ أفضل من هَؤُلَاءِ كطلحة وَالزُّبَيْر وَعُثْمَان أَو على أَو أبي بكر

ص: 478

أَو عمر أَو عَائِشَة أَو نَحْو هَؤُلَاءِ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرَضي الله عَنْهُم فَإِنَّهُ يسْتَحق الْعقُوبَة البليغة بِاتِّفَاق الْمُسلمين

وَتَنَازَعُوا هَل يُعَاقب بِالْقَتْلِ أَو مَا دون الْقَتْل وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تسبوا أَصْحَابِي فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه واللعنة أعظم من السب فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعن الْمُؤمن كقتله وَأَصْحَابه خِيَار الْمُؤمنِينَ كَمَا قَالَ خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الدّين يَلُونَهُمْ وكل من رَآهُ وآمن بِهِ فَلهُ من الصُّحْبَة بِقدر ذَلِك

وَلما كَانَ لفظ الصُّحْبَة فِيهِ عُمُوم كَانَ من أختص من الصُّحْبَة بِمَا يتَمَيَّز بِهِ عَن غَيره فَوق من لم يشْتَرك مَعَه فِيهَا كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث أبي سعيد لخَالِد بن الْوَلِيد رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ لما اخْتصم هُوَ وَعبد الرَّحْمَن يَا خَالِد لَا تسبوا أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه فعبد الرَّحْمَن بن عَوْف هُوَ وَأَمْثَاله رضي الله عنهم من السَّابِقين ولين الَّذين أَنْفقُوا قبل الْفَتْح فتح الْحُدَيْبِيَة وخَالِد بن الْوَلِيد وَغَيره مِمَّن أسلم بعد الْحُدَيْبِيَة وأنفقوا وقاتلوا دون أُولَئِكَ قَالَ تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا} وَالْمرَاد بِالْفَتْح الَّتِي أنزلهَا الله قبل فتح مَكَّة بل قبل أَن يعْتَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عمْرَة الْقَضِيَّة وَكَانَت بيعَة الرضْوَان عَام الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَصَالح الْمُشْركين صلح الْحُدَيْبِيَة الْمَشْهُور وَبِذَلِك الصُّلْح حصل من الْفَتْح وَالْخَيْر مَالا يُعلمهُ إِلَّا الله مَعَ أَنه قد كَانَ كرهه خلق كثير من الْمُسلمين وَلم يعلمُوا مَا فِيهِ من حسن الْعَاقِبَة حَتَّى قَالَ سهل بن حنيف أَيهَا النَّاس اتهموا

ص: 479

أَنفسكُم فَلَقَد رَأَيْتنِي يَوْم أبي جندل وَلَو أَسْتَطِيع أَن أرد أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لرددته رَوَاهُ البُخَارِيّ فَلَمَّا كَانَ من الْعَام الْقَابِل اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عمْرَة الْقَضِيَّة وَدخل هُوَ وَمن اعْتَمر مَعَه مَكَّة معتمرين وَأهل مَكَّة يَوْمئِذٍ مَعَ الْمُشْركين وَلما كَانَ فِي الْعَام الثَّانِي من فتح مَكَّة فِي شهر رَمَضَان وَقد أنزل الله فِي سُورَة الْفَتْح {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين مُحَلِّقِينَ رؤوسكم} إِلَى قَوْله {فَجعل من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا} فَوَعَدَهُمْ فِي سُورَة الْفَتْح أَن يدخلُوا مَكَّة آمِنين وَأَن موعدهم الْعَام الثَّانِي عَام عمْرَة الْقَضِيَّة وَأنزل فِي ذَلِك {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص} وَذَلِكَ كُله قبل تفتح مَكَّة

فَمن توهم أَن سُورَة الْفَتْح نزلت بعد فتح مَكَّة فقد غلط غَلطا بَينا

وَالْمَقْصُود أَن الدّين صحبو النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل الْفَتْح واختصوا من الصُّحْبَة بِمَا استحقوا بِهِ فَإِنَّهُم صحبوه قبل أَن يَصْحَبهُ خَالِد وَأَمْثَاله وَلما كَانَ لأبي بكر الصّديق رضي الله عنه من مزية الصُّحْبَة مَا يتَمَيَّز بِهِ عَن جَمِيع الصحاب رضي الله عنهم خصة بذلك فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ أَنه كَانَ بَين أبي بكر وَعمر كَلَام فَطلب أَبُو بكر من عمر أَن يسْتَغْفر لَهُ فَامْتنعَ عمر وَجَاء أَبُو بكر إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذكر لَهُ مَا جرى ثمَّ نَدم عمر فَخرج يطْلب أَبَا بكر فِي بَيته فَذكرُوا لَهُ أَنه عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَخذ يغْضب لأبي بكر وَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي جِئْت إِلَيْكُم فَقلت إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم فقلتم كذبت وَقَالَ أَبُو بكر صدقت فَهَل أَنْتُم تاركوا لي صَاحِبي فَهَل أَنْتُم تاركو الى صَاحِبي فَهَل أَنْتُم تاركوا لي صَاحِبي فَمَا أوذي بعْدهَا فخصه هُنَا بالصحبة كَمَا خصّه بهَا الله فِي قَوْله {إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن}

ص: 480

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم إِن من أَمن النَّاس عَليّ فِي صحبته وَذَات يَده أَبُو بكر وَلَو كنت متخذا من أهل الأَرْض خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن صَاحبكُم خَلِيل الله لَا تبقين خوخة إِلَّا سدت إِلَّا خوخة أبي بكر هَذَا حَدِيث من أصح حَدِيث يكون بِاتِّفَاق أهل الحَدِيث

فعموم الصُّحْبَة ينْدَرج فِيهَا كل من رَآهُ مُؤمنا بِهِ وَلِهَذَا يُقَال صُحْبَة سنة أَو شهرا أَو سَاعَة

وَمُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما هما من الْمُؤمنِينَ لم يتهم أحد من السّلف بِنفَاق بل ثَبت فِي الصَّحِيح أَن عَمْرو بن الْعَاصِ لما بَايع النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ على أَن يفغر الله لي مَا تقدم من ذَنبي فَقَالَ يَا عَمْرو أما علمت أَن الْإِسْلَام يهدم مَا كَانَ قبله وَأَن الْهِجْرَة تهدم مَا كَانَ قبلهَا وَأَن الْحَج يهدم مَا كَانَ قبله وَالْإِسْلَام الهادم هُوَ إِسْلَام الْمُؤمنِينَ

وَأَيْضًا فعمرو وَأَمْثَاله مِمَّن قدم مُهَاجرا بعد الْحُدَيْبِيَة هَاجرُوا من بِلَادهمْ طَوْعًا والمهاجرون لم يكن فيهم مُنَافِق وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاق فِي بعض الْأَنْصَار وَذَلِكَ لِأَن الْأَنْصَار هم أهل الْمَدِينَة فَلَمَّا أسلم أَشْرَافهم وجمهورهم احْتَاجَ الْبَاقُونَ أَن يظهروا الْإِسْلَام نفَاقًا لعزة الْإِسْلَام وظهوره فِي قَومهمْ وَأما أهل مَكَّة فَكَانَ أَشْرَافهم كفَّارًا فَلم يكن يظْهر الْإِسْلَام إِلَّا من هُوَ مُؤمن ظَاهرا وَبَاطنا فَإِن من أظهر الْإِسْلَام كَانَ يُؤْذِي ويهجر فالمهاجرون كلهم لم يتهمهم أحد بالنفاق وَلعن الْمُؤمن كقتله

وَأما مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأَمْثَاله من الطُّلَقَاء الَّذين أَسْلمُوا بعد الْفَتْح كعكرمة بن أبي جهل والْحَارث بن هِشَام وَسُهيْل بن عَمْرو وَصَفوَان بن أُميَّة وَأبي سُفْيَان بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب مِمَّن حسن إسْلَامهمْ بِاتِّفَاق الْمُسلمين وَلم يتهم أحد مِنْهُم بعد ذَلِك بِنفَاق

ص: 481

وَمُعَاوِيَة قد اسْتَكْتَبَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم للوحي وَكَانَ أَكثر النَّاس كِتَابَة لَهُ وَقد روى بِإِسْنَاد جيد أَن النَّبِي وَقَالَ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ علمه الْكتاب والحساب وقه سوء الْعَذَاب وَكَانَ أَخُوهُ يزِيد بن أبي سُفْيَان خيرا مِنْهُ وَأفضل وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء الَّذين بَعثهمْ أَبُو بكر رضي الله عنه فِي فتح الشَّام ووصاه بِوَصِيَّة مَعْرُوفَة وَأَبُو بكر ماش وَيزِيد رَاكب فَقَالَ لَهُ يزِيد يَا خَليفَة رَسُول الله وَقَالَ صلى الله عليه وسلم إِمَّا أَن تركب وَإِمَّا أَن أنزل قَالَ لست بِرَاكِب وَلست بنازل إِنِّي أحتسب خطاي فِي سَبِيل الله وَعَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ هُوَ الْأَمِير الآخر وَالثَّالِث شُرَحْبِيل بن حَسَنَة وَالرَّابِع خَالِد بن الْوَلِيد وَهُوَ أَمِيرهمْ الْمُطلق رَضِي الله عَن الصَّحَابَة أَجْمَعِينَ

ثمَّ عزل عمر رضي الله عنه خَالِدا وَولى أَبَا عُبَيْدَة الَّذِي شهد لَهُ النَّبِي وَقَالَ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ أَمِين هَذِه الْأمة فَكَانَ فتح الشَّام على يَد أبي عُبَيْدَة وَفتح الْعرَاق على يَد سعد بن أبي وَقاص ثمَّ لما مَاتَ يزِيد بن أبي سُفْيَان فِي خلَافَة عمر اسْتعْمل مَكَانَهُ أَخَاهُ مُعَاوِيَة وَكَانَ عمر بن الْخطاب من أعظم النَّاس فراسة وَأخْبرهمْ بِالرِّجَالِ وأقومهم بِالْحَقِّ وأعلمهم بِهِ حَتَّى قَالَ عَليّ كُنَّا نتحدث أَن السكينَة تَنْطَلِق على لِسَان عمر وَقَلبه وَقَالَ لَو لم أبْعث فِيكُم لبعث عمر وَمَا اسْتعْمل عمر وَلَا أَبُو بكر منافقا وَلَا استعملا من أقاربهما أحد وَلَا كَانَا تأخذهما فِي الله لومة لائم بل مَا قَاتلُوا أهل الرِّدَّة وأعادوهم إِلَى الْإِسْلَام منعوهم ركُوب الْخَيل وَحمل السِّلَاح فَكَانَ عمل يَقُول لسعد بن أبي وَقاص وَهُوَ أَمِير الْعرَاق لَا تسْتَعْمل مِنْهُم أحدا وَلَا تشاورهم فِي الْحَرْب فَإِنَّهُم كَانُوا أُمَرَاء أكَابِر مثل طَلْحَة الْأَسدي والأقرع بن حَابِس وعيينة بن حصن والأشعث بن قيس وأمثالهم

ص: 482

فَهَؤُلَاءِ لما تخوف أَبُو بكر وَعمر رضي الله عنهما مِنْهُم نوع نفاق لم يولوهم على الْمُسلمين فَلَو كَانَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَمُعَاوِيَة مِمَّن يتخوف مِنْهُمَا النِّفَاق لم يولوهما على الْمُسلمين بل قد أَمر رَسُول الله وَقَالَ صلى الله عليه وسلم عَمْرو بن الْعَاصِ فِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل وَالنَّبِيّ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لم يول على الْمُسلمين منافقا وَاسْتعْمل على نجوان أَبَا سُفْيَان فِي حَرْب أَبُو مُعَاوِيَة وَمَات رَسُول الله وَقَالَ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو سُفْيَان نَائِبه عَلَيْهَا بل جَمِيع عُلَمَاء الصَّحَابَة متفقون على إسْلَامهمْ وَصدقهمْ وَالْأَخْذ عَنْهُم وَإِذا كَانُوا مُؤمنين محبين لله وَلِرَسُولِهِ فَمن لعنهم فقد عصى الله

وأئمة الدّين لَا يَعْتَقِدُونَ عصمَة أحد من الصَّحَابَة وَلَا من الْقَرَابَة بل يجوزون عَلَيْهِم وُقُوع الذُّنُوب وَالله تَعَالَى يغْفر لَهُم

وقصة حَاطِب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فِي الصَّحِيح فقد غفر لَهُ الذَّنب الْعَظِيم بشهوده بَدْرًا وللصحابة من الْحَسَنَات والأسباب الَّتِي تمحو السَّيِّئَات أعظم نصيب وَقد قَالَ تَعَالَى {ليكفر الله عَنْهُم أَسْوَأ الَّذِي عمِلُوا} هَذَا فِي الذُّنُوب المحققة وَأما مَا اجتهدوا فِيهِ فَتَارَة يصيبون وَتارَة يخطئون فهم مأجورون على الْحَالين

فَأهل السّنة لَا يعصمون وَلَا يؤتمرون بِخِلَاف أهل الْبدع الَّذين غلوا من الْجَانِبَيْنِ طَائِفَة عصمت وَطَائِفَة أتمت فتولد بَينهم من الْبدع مَا سبوا بِهِ السّلف بل يفسقونهم ويكفرونهم كَمَا كفرت الْخَوَارِج عليا وَعُثْمَان وَاسْتَحَلُّوا قِتَالهمْ وهم الَّذين قَالَ فيهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم تمزق مارقه على خير فرقة من الْمُسلمين نقلتها أولى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ فَقَتلهُمْ على وهم المارقة الَّذين مرقوا على على وَكَفرُوا كل من تولاه وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْحسن ابْن عَليّ إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين فَأصْلح بِهِ بَين شيعَة عَليّ وشيعة مُعَاوِيَة فَدلَّ على أَنه فعل مَا أحبه الله وَرَسُوله

ص: 483

وَأَن الفئتين لَيْسُوا مثل الْخَوَارِج الَّذين أَمر صلى الله عليه وسلم بقتالهم وَلِهَذَا فَرح عَليّ بقتاله للخوارج وحزن لقِتَال صفّين وَأظْهر الكآبة والألم

وتبرئة الْفَرِيقَيْنِ من الْكفْر والنفاق والترحم على قَتَلَاهُمَا هُوَ من الْأُمُور الْمُتَّفق عَلَيْهَا وَأَن كل وَاحِدَة من الطَّائِفَتَيْنِ مُؤمنَة وَقد شهد الْقُرْآن بِأَن قتال الْمُؤمنِينَ لَا يخرجهم عَن الْإِيمَان

والْحَدِيث المروى إِذا قتل خليفتان فأحدهما مَلْعُون كذب مفترى لم يروه أحد من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ

وَمُعَاوِيَة لم يدع الْخلَافَة وَلم يُبَايع لَهُ بهَا حِين قَاتل عليا وَلم يُقَاتل علينا على أَنه خَليفَة وَلَا أَنه يسْتَحق الْخلَافَة وَلَا كَانَ هُوَ وَأَصْحَابه يرَوْنَ ابْتِدَاء على الْقِتَال بل لما رأى على أَنه يجب عَلَيْهِم مبايعته وطاعته إِذا لَا يكون للنَّاس خليفتان وَأَن هَؤُلَاءِ خارجون عَن طَاعَته رأى أَن يقاتلهم حَتَّى يؤدوا الْوَاجِب وَتحصل الطَّاعَة وَالْجَمَاعَة وهم قَالُوا إِن ذَلِك لَا يجب عَلَيْهِم وَأَنَّهُمْ إِذا قوتلوا على ذَلِك كَانُوا مظلومين لِأَن عُثْمَان قتل مَظْلُوما بِاتِّفَاق الْمُسلمين وقتلته فِي عَسْكَر عَليّ وهم غالبون لَهُم شَوْكَة فَإِذا لم نمتنع ظلمونا واعتدوا علينا وعَلى لَا يُمكنهُ دفعهم كَمَا لَا يُمكنهُ الدّفع عَن عُثْمَان وَإِنَّمَا علينا أَن نُبَايِع خَليفَة يقدر على أَن ينصفنا ويبذل لنا الْإِنْصَاف وَكَانَ فِي جهال الْفَرِيقَيْنِ من يظنّ بعلي وَعُثْمَان ظنونا كَاذِبَة برأهما الله تَعَالَى مِنْهَا مِنْهُم من ظن أَن عليا أَمر بقتل عُثْمَان وَكَانَ يحلف وَهُوَ الْبَار الصَّادِق بِلَا يَمِين أَنه لم يَأْمر بقتْله وَلم يمالىء على قَتله وَهَذَا مَعْلُوم بِلَا ريب من على فَكَانَ أنَاس من محبي عَليّ وَمن مبغضيه يشيعون ذَلِك عَنهُ فمحبوه يقصدون الطعْن على عُثْمَان وَأَنه كَانَ يسْتَحق الْقَتْل وَأَن عليا أَمر بقتْله ومبغضوه يقصدون الطعْن على عَليّ وَأَنه أعَان على قتل الْخَلِيفَة الْمَظْلُوم الشَّهِيد الَّذِي صَبر نَفسه وَلم يدْفع عَنْهَا وَلم يسفك دم مُسلم فِي الدّفع عَنهُ فَكيف فِي طلب طَاعَته

ص: 484

وأمثال هَذِه الْأُمُور الَّتِي يتسبب بِهِ الزائغون على الشيعتين العثمانية والعلوية وَلَا يجوز أَن يكون خَليفَة مَعَ إِمْكَان اسْتِخْلَاف عَليّ فَإِن فضل عل وسابقته وَعلمه وَدينه وشجاعته وَسَائِر فضائله كَانَت عِنْدهم ظَاهِرَة مَعْرُوفَة كفضل إخوانه أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَغَيرهم رضي الله عنهم وَلم يكن بَقِي من أهل الشورى غَيره وَغير سعد بن أبي وَقاص لَكِن سَعْدا قد ترك هَذَا الْأَمر وَكَانَ الْأَمر قد انحصر فِي عُثْمَان وَعلي فحص بذلك قُوَّة لأهل الظُّلم والعدوان وَضعف لأهل الْعلم والايمان حَتَّى حصل من الْفرْقَة وَالِاخْتِلَاف مَا صَار بطاع فِيهِ من غَيره أولى مِنْهُ بِالطَّاعَةِ وَلِهَذَا أَمر الله بِالطَّاعَةِ والائتلاف وَنهى عَن الْفرْقَة وَالِاخْتِلَاف

وَأما الحَدِيث الَّذِي فِيهِ إِن عمارا تقتله الفئة الباغية فَهَذَا الحَدِيث قد طعن فِيهِ طَائِفَة من أهل الْعلم وَلَكِن رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَهُوَ فِي بعض نسخ البُخَارِيّ

وَقد تَأَوَّلَه بَعضهم على أَن المُرَاد بالباغية الطالبة بِدَم عُثْمَان كَمَا قَالُوا نبغي ابْن عَفَّان بأطراف الأسل وَلَيْسَ بِشَيْء بل يُقَال مَا قَالَه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَهُوَ حق كَمَا قَالَه وَلَيْسَ فِي كَون عمار تقتله الفئة الباغية مَا يُنَافِي مَا ذَكرْنَاهُ فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا} إِلَى قَوْله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم} فجعلهم مَعَ وجود الْقِتَال وَالْبَغي مُؤمنين إخْوَة بل أَمر بِقِتَال الفئة الباغية وَلَيْسَ كل من كَانَ بَاغِيا يخرج عَن الْإِيمَان وَلَا يسْتَوْجب اللَّعْنَة فَكيف يسْتَوْجب ذَلِك من كَانَ من خير الْقُرُون خُصُوصا المتأول الْمُجْتَهد كَأَهل الْعلم وَالدّين الَّذين اجتهدوا واعتقدوا حل أُمُور واعتقد الْآخرُونَ تَحْرِيمهَا كَمَا اسْتحلَّ بَعضهم بعض أَنْوَاع الْأَشْرِبَة وَبَعْضهمْ بعض الْمُعَامَلَات الربوية وعقود التَّحْلِيل والمتعة وأمثال ذَلِك كثير فغاية الْمُجْتَهد أَن يكون مخطئا مغفورا لَهُ خَطؤُهُ كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح أَن الله تَعَالَى

ص: 485

اسْتَجَابَ دُعَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} الْآيَة وَقد حكم دَاوُد وَسليمَان عليهما السلام فِي الْحَرْث الَّذِي نفثت فِيهِ غنم الْقَوْم وَخص الله أَحدهمَا بِالْعلمِ وَالْحكم وَأثْنى عز وجل عَلَيْهِمَا وَإِن كَانَ قد خص أَحدهمَا بِالْعلمِ وَالْحكم وَالْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء فَإِذا فهم أحدهم من الْعلم مالم يفهمهُ الآخر أَحدهمَا بِالْعلمِ وَالْحكم وَالْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء فَإِذا فهم أحدهم من الْعلم مالم يفهمهُ الآخر لَو لم يكن مَعْلُوما وَإِن كَانَ مَا لَو فعله وَقَالَهُ مَعَ علمه يكون ملموما عَلَيْهِ بل تَحْلِيل الْحَرَام وَتَحْرِيم الْحَلَال كفر وَالْبَغي من هَذَا الْبَاب يكون الْبَاغِي مُجْتَهدا ومتأولا وَلم يتَبَيَّن لَهُ أَنه بَاغ بل يعْتَقد أَنه على الْحق وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن تَسْمِيَته بَاغِيا مُوجبا لإثمه فضلا عَن أَن يُوجب فسقه وَالَّذين يَقُولُونَ بِقِتَال الْبُغَاة المتأولين لَا يَقُولُونَ بفسقهم بل هم باقون عِنْدهم على عدالتهم وَإِنَّمَا قِتَالهمْ لدفع ضَرَر بغيهم لَا عُقُوبَة لَهُم كَمَا يمْنَع الصَّبِي وَالْمَجْنُون والناشىء من عدوان يصدر مِنْهُم بل الْبَهَائِم تمنع من الْعدوان وَيجب على من قتل مُؤمنا خطأ الدِّيَة بِالنَّصِّ مَعَ أَنه إِثْم عَلَيْهِ وَهَكَذَا من دفع إِلَى الإِمَام من أهل الْحُدُود وَتَابَ بعد الْقُدْرَة عَلَيْهِ يُقَام عَلَيْهِ الْحَد والتائب من الذَّهَب كمن لَا ذَنْب لَهُ

ثمَّ بِتَقْدِير أَن يكون الْبَغي بِغَيْر تَأْوِيل بل يكون ذَنبا فالذنوب تَزُول عقوبتها بِأَسْبَاب مُتعَدِّدَة كالتوبة والحسنات والمصائب والشفاعة وعفو أرْحم الرَّاحِمِينَ

ثمَّ قَوْله صلى الله عليه وسلم إِن عمارا تقتله الفئة الباغية لَيْسَ نصا فِي أَن هَذَا اللَّفْظ المُرَاد بِهِ مُعَاوِيَة وَأَصْحَابه بل يُمكن أَن يكون المُرَاد تِلْكَ الْعِصَابَة الَّتِي حملت عَلَيْهِ حَتَّى قتلته وَهِي طَائِفَة من الْعَسْكَر وَمن رَضِي بقتل عمار كَانَ حكمه حكمهَا وَمن الْمَعْلُوم أَنه كَانَ فِي الْعَسْكَر من لم يرض بقتْله كَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَغَيره بل كَانَ النَّاس كَانُوا منكرين لقتل عمار حَتَّى مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَغَيرهَا ويروى أَن مُعَاوِيَة تَأَول أَن الَّذِي قَتله هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ إِلَى سيوف قتلته وَأَن عليا رد هَذَا التَّأْوِيل بقوله فَنحْن إِذن قتلنَا حَمْزَة وَلَا ريب أَن

ص: 486

قَول عَليّ هُوَ الصَّوَاب لَكِن من نظر فِي كَلَام المتناظر الَّذين لَيْسَ بَينهم قتال وَلَا ملك رَأْي لَهُم من التأويلات مَا هُوَ أَضْعَف من ذَلِك فَلم ير مُعَاوِيَة أَنه قتل عمارا وَلم يعْتَقد أَنه بَاغ فَهُوَ متأول وَالْفُقَهَاء لَيْسَ فيهم من رأى الْقِتَال مَعَ من قتل عمارا لَكِن هَلُمَّ قَولَانِ مشهوران كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أكَابِر الصَّحَابَة مِنْهُم من يرى الْقِتَال مَعَ عمار وطائفته وَمِنْهُم من يرى الْإِمْسَاك عَن الْقِتَال مُطلقًا وَفِي كل من الطَّائِفَتَيْنِ طوائف من السَّابِقين الْأَوَّلين فَفِي الطَّائِفَة الأولى عمار وَسَهل بن حنيف وَأَبُو أَيُّوب وَفِي الثَّانِيَة سعد بن أبي وَقاص وَمُحَمّد بن مسلمة وَأُسَامَة بن زيد وعبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهم

وَلَعَلَّ أكَابِر الصَّحَابَة كَانُوا على هَذَا القَوْل وَلم يكن فِي العسكرين بعد عَليّ أفضل من سعد وَكَانَ من القاعدين وَحَدِيث عمار قد يحْتَج بِهِ من رأى الْقِتَال لِأَنَّهُ إِذا كَانَ قَاتلُوهُ بغاة فَالله عز وجل أَمر بِقِتَال الطَّائِفَة الَّتِي تبغي والساكتون يحتجون بالأحاديث الصَّحِيحَة الْكَثِيرَة من أَن الْقعُود فِي الْفِتْنَة خير من الْقِتَال فِيهَا وَهَذَا الْقِتَال وَنَحْوه هُوَ قتال الْفِتْنَة وَالله تَعَالَى لم يَأْمر بِقِتَال الْبَاغِي أَولا بل أَمر بِالصُّلْحِ فَإِن بغث إِحْدَاهمَا قوتلت الباغية ردا لشرها من بَاب رد الصَّائِل الَّذِي لَا ينْدَفع ظلمه إِلَّا بِالْقِتَالِ كَمَا قَالَ من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد

فبتقدير أَن يكون جَمِيع الْعَسْكَر بغاة لم يُؤمر بقتالهم ابْتِدَاء بل أمرنَا بالإصلاح بَينهمَا والقتال الأول لم يَأْمر الله بِهِ وَلَا أَمر الله كل من بنى عَلَيْهِ أَن يُقَاتل الْبَاغِي فَإِن قتل كل بَاغ كفر فَإِن غَالب النَّاس لَا يَخْلُو من ظلم وبغي وَلَكِن إِذا اقْتتلَتْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ فَالْوَاجِب الْإِصْلَاح بَينهمَا وَلم تكن طَائِفَة مِنْهُمَا مأمورة بِالْقِتَالِ ثمَّ إِذا بَغت الْوَاحِدَة بعد ذَلِك قوتلت

وَأَيْضًا فَيمكن أَنهم لم يَكُونُوا بغاة فِي الأول بل فِي أثْنَاء الْحَال بغوا

ص: 487