الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا الْوَاجِب الصَّبْر وَلَا يُنَافِي الشكوى واختلاج السِّرّ لَا ينافى الرضى بِالْقضَاءِ بافاق الْعُقَلَاء والرضى يكون بعد الْقَضَاء
فصل
أصل الْإِيمَان فِي الْقلب وَهُوَ قَول الْقلب وَعَمله وَهُوَ إِقْرَار الْقلب بالتصديق وَالْحب والانقياد وَلَا بُد أَن يظْهر مُوجبه وَمُقْتَضَاهُ على الْجَوَارِح فالأعمال الظَّاهِرَة من مُوجب إِيمَان الْقلب وَدَلِيل عَلَيْهِ وَشَاهد لَهُ وَشعْبَة من مَجْمُوع الْإِيمَان الْمُطلق وَبَعض لَهُ وَمَا فِي الْقلب أصل لَهَا وَهُوَ الْملك والأعضاء جُنُوده وَقد ظن طوائف أَن الْإِيمَان هُوَ مافي الْقلب خَاصَّة وَمَا على الْجَوَارِح لَا يدْخل فِي مُسَمَّاهُ لَكِن هُوَ من ثَمَرَته ونتائجه حَتَّى آل الْأَمر بغلاتهم كجهم ابْن صَفْوَان وَأَتْبَاعه إِلَى أَن قَالُوا يُمكن أَن يصدق بِقَلْبِه لَا يظْهر بِلِسَانِهِ رلا الْكفْر وَيكون مَا فِي الْقلب إِيمَانًا نَافِعًا لَهُ
وَإِذا حكم الشَّرْع بِكفْر أحد بِعَمَل أَو قَول فلكونه دَلِيلا على انْتِفَاء مَا فِي الْقلب فتناقض قَوْلهم
فَإِنَّهُ إِذا كَانَ دَلِيلا مستلزما لانْتِفَاء الْإِيمَان من الْقلب امْتنع أَن يكون الْإِيمَان فِي الْقلب مَعَ الدَّلِيل المستلزم نَفْيه وَإِن لم يكن دَلِيلا لم يجزأن يسْتَدلّ بِهِ على المفر الْبَاطِن
فالتحقيق أَن اسْم الْإِيمَان الْمُطلق قد تنَاول الأَصْل مَعَ الْفَرْع وَقد يخص بِالِاسْمِ وَحده وبالاسم مَعَ الاقتران وَقد لَا يتَنَاوَل رلا الأَصْل إِذا لم يخص رلا هُوَ كاسم الشَّجَرَة يتَنَاوَل الأَصْل وَالْفرع إِذا وجد
وَلَو قطعت الْفُرُوع لتناول اسْم الشَّجَرَة الأَصْل وَحده
وَكَذَا اسْم الْحَج يتَنَاوَل كل مَا شرع من ركن وواجب ومستحب وَهُوَ أَيْضا تَامّ بِدُونِ المستحبات وَحج نَاقص بِدُونِ الْوَاجِبَات
والشارع لَا يَنْفِي اسْم الايمان عَن العَبْد لترك مُسْتَحبّ لَكِن لترك وَاجِب
وَلَفظ الْكَمَال يُرَاد بِهِ الْكَمَال الْوَاجِب والكمال الْمُسْتَحبّ فَلَمَّا قَالَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَلَا إِيمَان لمن لَا أَمَانَة لَهُ وَنَحْو ذَلِك كَانَ المُرَاد أَنه يَنْفِي بعض مَا وَجب فِيهِ لَا يَنْفِي الْكَمَال الْمُسْتَحبّ
وَالْإِيمَان يَتَبَعَّض ويتفاضل النَّاس فِيهِ كَالْحَجِّ وَالصَّلَاة وَلِهَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام يخرج من النَّار من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان ومثقال شعيرَة
وَأما إِذا اسْتعْمل اسْم الْإِيمَان مُقَيّدا كَقَوْلِه تَعَالَى {الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} وَقَوله صلى الله عليه وسلم الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وكته وَرُسُله والبعث بعد الْمَوْت
فَهُنَا قد يُقَال إِنَّه متناول لذَلِك وَأَن عطف ذَلِك عَلَيْهِ من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام كَقَوْلِه تَعَالَى {من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال}
وَقد يُقَال إِن دلَالَة الإسم متنوعة بِالْإِفْرَادِ والاقتران كَلَفْظِ الْفَقِير والمسكين إِذا أفرد أَحدهمَا تنَاول الآخر وَإِذا جمع بَينهمَا كَانَا صنفين
وَلَا ريب أَن فروع الْإِيمَان مَعَ أُصُوله كالمعطوفين وَهِي مَعَ جَمِيعه كالبعض مَعَ الْكل
وَمن هُنَا نَشأ النزاع والاشتباه هَل الْأَعْمَال دَاخِلَة الْإِيمَان أم لَا لكَونهَا عطفت عَلَيْهِ فِي الْآيَات وَالْأَحَادِيث
وَقد يعْطف على الْإِيمَان بعض شُعْبَة فَيُقَال هَذَا أرفع الْإِيمَان أَي الْيَقِين وَالْمُؤمن الَّذِي مَعَه يَقِين وَعلم أرفع من الْمُؤمن الَّذِي مَعَه يَقِين وَلَيْسَ مَعَه علم
وَمَعْلُوم أَن النَّاس يتقاضون فِي نفس الْإِيمَان والتصديق فِي قوته وَضَعفه وعمومه وخصوصه وبقائه ودوامه وموجبه ومقتضيه وَغير ذَلِك من أُمُوره
فيخص أحد نوعيه باسم يفضل بِهِ على النَّوْع الآخر وَيبقى اسْم الْإِيمَان وَمثل ذَلِك متناول للقسم الآخر كَمَا يُقَال خير الْحَيَوَان وَالْإِنْسَان خير الدَّوَابّ وَإِن كَانَ الْإِنْسَان يدْخل فِي الدَّوَابّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِن شَرّ الدَّوَابّ}
فَإِذا عرف ذَلِك فَحَيْثُ وجد تَفْضِيل شَيْء على الْإِيمَان فَإِنَّمَا هُوَ تَفْضِيل خَاص على عُمُومه أَو تَفْضِيل بعض شُعْبَة الْعَالِيَة على غَيرهَا وَاسم الْإِيمَان قد يتَنَاوَل النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا وَقد يخص أَحدهمَا كَمَا تقدم
وَأكْثر اخْتِلَاف الْعُقَلَاء من جِهَة اشْتِرَاك الْأَسْمَاء
وَالْإِيمَان لَهُ نور فِي الْقلب قَالَ تَعَالَى {مثل نوره كمشكاة فِيهَا مِصْبَاح} أَي مثل نوره فِي قلب الْمُؤمن كمشكاة فِيهَا مِصْبَاح إِلَى قَوْله {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور} وَقَالَ تَعَالَى {أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس كمن مثله فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا} فَسمى الايمان الَّذِي يَهبهُ للْعَبد نورا
وَلَا ريب أَنه يحصل بسبب مثل سَماع الْقُرْآن وتدبره وَمثل رُؤْيَة أهل الايمان وَالنَّظَر فِي أَحْوَالهم وَمَعْرِفَة أَحْوَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وَالنَّظَر فِي آيَات الله والتفكر فِي ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض والتأمل فِي أَحْوَال نفس الْإِنْسَان والضرورات الَّتِي يحدثها الله تَعَالَى للْعَبد يضطره بهَا إِلَى ذكر الله والاستسلام لَهُ واللجأ إِلَيْهِ وَقد يكون هَذَا سَببا لشَيْء من الْإِيمَان وَهَذَا سَببا لشَيْء آخر بل كل مَا يكون فِي الْعَالم فَلَا بُد لَهُ من سَبَب وَسبب الْإِيمَان وشعبه يكون تَارَة من العَبْد وَتارَة من غَيره مثل من يقيض لَهُ من يَدعُوهُ إِلَى لإيمان ويأمره بِالْخَيرِ وينهاه عَن الشَّرّ
ثمَّ قد يكون بعض أَسبَابه أَهْون على بعض النَّاس من بَعْضهَا الآخر
وَمِنْهُم من يكون الْعلم أيسر عَلَيْهِ من الزهرد وَبِالْعَكْسِ