الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَمن كَانَ قَادِرًا على الْكسْب وَيَأْكُل من صدقَات النَّاس فَهُوَ مَذْمُوم على ذَلِك وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم لَا تحل الصَّدَقَة لغنى وَلَا لقوى مكتسب وَأما سُؤال النَّاس مَعَ الْقُدْرَة على الْكسْب فَهُوَ حرَام بِلَا نزاع فَمن حج على أَن يسْأَل مَعَ إِمْكَان الْقعُود فَهُوَ عَاص فقد جَاءَ بضعَة عشر حَدِيثا فِي النَّهْي عَن الْمَسْأَلَة
وَإِذا تعدى أحد على الرَّاكِب فِي الطَّرِيق أَو فِي مَكَّة فدفعهم الركب عَن أنفسهم كالصائل فَيجوز الدّفع مَعَ الركب بل يجب دفع هَؤُلَاءِ عَن الركب أما إِذا عِنْدِي على أهل مَكَّة أَو غَيرهم فَلَا يعينهم على ذَلِك وَإِذا وجد مَعَ الركب جائعا أَو عطشانا فَعَلَيهِ أَن يبْذل مَا فضل عَن حَاجته فَأَما مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَلَا يجب بذله وَلَو وجد مَيتا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يتَخَلَّف ليدفنه بِحَيْثُ يخَاف الِانْقِطَاع
وَمن سَأَلَ وَظهر صدقه وَجب إطعامه لقَوْله تَعَالَى {فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم للسَّائِل والمحروم} وَإِن ظهر كذبه لم يجب إطعامه وَإِن سَأَلَ مُطلقًا بِغَيْر معِين لم يجب أَيْضا وَإِذا أقسم على غير معِين فَإِن إبرار الْقسم إِنَّمَا هُوَ إِذا أقسم على معِين وَقَوله لأجل فلَان من المخلوقين فَلَا حُرْمَة لَهُ وَأما قَوْله شَيْء لله وَلأَجل الله فَيعْطى لِأَنَّهُ سُؤال وَلَيْسَ هَذَا إقساما
فصل
ثَبت فِي صَحِيح مُسلم أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة ورمضان إِلَى رَمَضَان كَفَّارَة لما بَينهُنَّ إِذا اجْتنبت الْكَبَائِر وَهَذَا مُوَافق لقَوْله تَعَالَى {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا} فَإِنَّهُ سبحانه وتعالى وعد باجتنبابنا مَا نهى عَنهُ
أَن يكفر عَنَّا سيئاتنا ويدخلنا مدخلًا كَرِيمًا وَكَذَلِكَ قَوْله {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللمم} فقد فسر اللمم بِأَنَّهُ غير الْوَطْء من النّظر واللمس والسمع وَالْمَشْي وَنَحْوه كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ مَا رَأَيْت أشبه باللمم مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله كتب على ابْن آدم حَظه من الزِّنَا فَهُوَ مدرك ذَلِك لَا محَالة فالعينان تزنيان وزناهما النّظر والأذنان تزنيان وزناهما السّمع وَالْيَدَانِ تزنيان وزناهما الْبَطْش وَالرجلَانِ تزنيان وزناهما الْمَشْي وَالْقلب يتَمَنَّى ويشتهي والفرج يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ وَسَماهُ الله لمما لِأَن العَبْد يلم بالكبيرة وَلَا يَأْتِيهَا قَالَ
…
مَتى تأتنا تلم بِنَا فِي دِيَارنَا
…
تَجِد حطبا جزلا وَنَارًا تأججا
…
وَقَالَ
…
مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناده
…
تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد
…
فَإِن الطارق يلم بِأَهْل الْمنزل قبل أَن يدْخل إِلَى منزلهم وَيُقَال اللمم أَن يلمم بالذنب الصَّغِير مرّة من غير إِصْرَار لِأَن من أصر على الصَّغِيرَة صَارَت كَبِيرَة كَمَا فِي التِّرْمِذِيّ لَا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار وَلَا كَبِيرَة مَعَ اسْتِغْفَار فقد جَاءَ الْكتاب وَالسّنة بتكفير الصَّغَائِر لمن اجْتنب الْكَبَائِر وَهَذَا لَا ريب فِيهِ
ثمَّ قَالَ قَائِلُونَ مَفْهُوم هَذَا أَنه لَا يكفر الصَّغَائِر إِلَّا بِهَذَا الشَّرْط فَمن لم يجتب الْكَبَائِر كلهَا لَا يكفر عَنهُ صَغِيرَة وَخَالف الْخَوَارِج والمعتزلة فَقَالُوا إِن من أَتَى كَبِيرَة اسْتحق الْعقُوبَة حتما فتحبط جَمِيع حَسَنَاته بِتِلْكَ الْكَبِيرَة وَيسْتَحق التخليد فِي النَّار لَا يخرج مِنْهَا بشفاعة وَلَا غَيرهَا
وَهَذَا قَول بَاطِل بِاتِّفَاق الصَّحَابَة رضي الله عنه أَجْمَعِينَ وَسَائِر أهل السّنة والمرجئة من الشِّيعَة والأشعرية قابلوا الْمُعْتَزلَة بنقيض قَوْلهم فَقَالُوا لَا نجزم بتعذيب أحد من أهل التَّوْحِيد وَهَذَا أَيْضا بَاطِل بل تَوَاتَرَتْ السّنَن بِدُخُول أهل الْكَبَائِر النَّار وخروجهم مِنْهَا بشفاعة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَسلف الْأمة وأئمتها متفقون على مَا جَاءَت بِهِ السّنَن
وَقد يفعل العَبْد منالحسنات مَا يمحو الله بِهِ بعض الْكَبَائِر كَمَا غفر للبغي بسقى الْكَلْب وقلوه لأهل بدر اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم وَلَكِن هَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْحَسَنَات ومقاديرها وبصفات الْكَبَائِر ومقاديرها فَلَا يمكننا أَن نعين حَسَنَة تكفر بهَا الْكَبَائِر كلهَا غير التَّوْبَة فَمن أَتَى بكبيرة وَلم تب مِنْهَا وَلَكِن أَتَى مَعهَا بحسنات أخر فَهَذَا يتَوَقَّف أمره على المازنة فَمن ثقلت مَوَازِينه فَهُوَ فِي عيشة راضية وَمن خفت موازينة فأمه هاوية فَلهَذَا كَانَ صَاحب الْكَبِيرَة تَحت الْخطر مالم يتب مِنْهَا فَإِذا أَتَى بحسنات يُرْجَى لَهُ محو الْكَبِيرَة وَكَانَ بَين الْخَوْف والرجاء والحسنة الْوَاحِدَة قد يقْتَرن بهَا من الصدْق وَالْيَقِين مَا يَجْعَلهَا تكفر الكباذر كالحديث الَّذِي فِي صَاحب البطاقة الَّذِي ينشر لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ سجلا كل سجل مِنْهَا مد الْبَصَر وَيُؤْتى ببطاقة فِيهَا كلمة لَا إِلَه إِلَّا الله فتوضع البطاقة فِي كفة والسجلات فيكفة فَثقلَتْ البطاقة وطاشت السجلات وَذَلِكَ لعظم مَا فِي قلبه من الْإِيمَان وَالْيَقِين وَإِلَّا فَلَو كَانَ كل من نطق الْكَلِمَة تكفر خطاياه لم يدْخل النَّار من أهل الكباذر الْمُؤمنِينَ بل وَالْمُنَافِقِينَ أحد وَهَذَا خلاف مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْآيَات وَالسّنَن وَكَذَا حَدِيث الْبَغي وَإِلَّا فَلَيْسَ كل من سقى كَلْبا عشانا يغْفر لَهُ كَمَا أَنه قد يقْتَرن بِالسَّيِّئَةِ من الاستخفاف والإصرار مَا يعظمها فَلهَذَا وَجب التَّوَقُّف فِي الْمعِين فَلَا يقطع بجنبه وَلَا نَار إِلَّا بِبَيَان من الله لَكِن يُرْجَى للمحسن وَيخَاف عَليّ المسئ وَأما من شهد لَهُ النَّص فنقطع لَهُ وَمن لَهُ لِسَان صدق فَفِيهِ نزاع
وَمَا يُوجد فِي كتب أبي حَامِد الْغَزالِيّ من كَلَام الفلاسفة الباطنية كَمَا يُوجد فِي المضنون بِهِ على غير أَهله وَأَمْثَاله فَقَالَ طَائِفَة من الْفُضَلَاء إِنَّه كذب عَلَيْهِ وَطَائِفَة قَالَت بل رَجَعَ عَن ذَلِك فَإِنَّهُ صرح بِكفْر الفلاسفة فِي التهافت وَاسْتقر أمره على مطالعة الخاري وَمُسلم وَمَات عَليّ أحسن أَحْوَاله فَلَا يجوز أَن
تنْسب إِلَيْهِ هَذِه الْأَقْوَال نِسْبَة مُسْتَقِرَّة
وَمن قَالَ الله أكبر عَلَيْك فَهُوَ من نَحْو الدُّعَاء عَلَيْهِ فَإِن لم يكن بِحَق ورلا كَانَ ظَالِما لَهُ يسْتَحق الِانْتِصَار مِنْهُ لذَلِك إِمَّا بِمثل قَوْله وَإِمَّا بتعزيزه
وَلَيْسَ لأحد اسْتِعْمَال لغير مَا أنرله الله لَهُ وَبِذَلِك فسر الْعلمَاء الحَدِيث والمأثور لَا يناظر بِكِتَاب الله أَي لَا يَجْعَل لَهُ نَظِير يذكر مَعَه كَقَوْل القاذل لمن قدم لحَاجَة لقد جِئْت عَليّ قدر يَا مُوسَى وَقَوله عِنْد الْخُصُومَة مَتى هَذَا الْوَعْد وَالله يشْهد إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ
ثمَّ إِن خرجه مخرج الاستخفاف بِالْقُرْآنِ والاستهزاء بِهِ كفر صَاحبه وَأما إِن تَلا الْآيَة عِنْد الحكم الَّذِي أنزلت لَهُ أَو يُنَاسِبه من الْأَحْكَام فَحسن
وَمن هَذَا الْبَاب مَا يبنه الْفُقَهَاء من الْأَحْكَام الثَّابِتَة بِالْقِيَاسِ وَمَا يتَكَلَّم فِيهِ الْمَشَايِخ والوعاظ فَلَو دعى الرجل إِلَى مَعْصِيّة قد تَابَ مِنْهَا فَقَالَ {وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا} وَكَذَا لَو قَالَ عِنْد همه وخزنه {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله} وَنَحْو ذَلِك كَانَ حسنا وَلَو قَصده بِهِ التِّلَاوَة والتنبيه على معنى يُخَاطب بِهِ للْحَاجة كام جَائِزا مثل مَا قيل لعلى رضي الله عنه فِي الصَّلَاة {لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} فَقَالَ {فاصبر إِن وعد الله حق} فَهَذَا وَنَحْوه رخص فِيهِ الْعلمَاء
وَلَا يجوز أَن يظْهر مَا علمه من السَّيِّئَات سرا بل إِن أظهره كبر أثمه