الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
أما من سَافر لمُجَرّد زِيَادَة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ فَهُوَ يجوز لَهُ قصر الصَّلَاة على قَوْلَيْنِ معروفين
أَحدهمَا وَهُوَ قَول مُتَقَدِّمي الْعلمَاء الَّذين لَا يجوزون الْقصر فِي سفر الْمعْصِيَة كَأبي عبد الله بن بطة وَأبي الْوَفَاء ابْن عقيل وَطَوَائِف كثيرين من الْمُتَقَدِّمين أَنه لَا يجوز الْقصر فِي مثل هَذَا السّفر
وَمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ أَحْمد أَنه لَا يقصر فِي سفر منهى عَنهُ
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يقصر وَهَذَا بقوله من يجوز الْقصر فِي السّفر الْمحرم كَأبي حنيفَة ويقوله بعض الْمُتَأَخِّرين من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَأحمد مِمَّن يجوز السّفر لزيارة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ كَأبي حَامِد الْغَزالِيّ وَأبي الْحسن بن عَبدُوس الْحَرَّانِي وَأبي مُحَمَّد ابْن قدامَة الْمَقْدِسِي
وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ السّفر لَيْسَ بِمَعْصِيَة لعُمُوم قَوْله زوروا الْقُبُور
وَاحْتج أَبُو مُحَمَّد ابْن قدامَة بِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يزور قبَاء وَأجَاب عَن قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا تشد الرّحال الحَدِيث بِأَنَّهُ مَحْمُول على نفي الِاسْتِحْبَاب
وَأما الْأَولونَ فَإِنَّهُم يحتجون بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام والأقصى ومسجدي هَذَا فَلَو نذر أَن يَأْتِي الْمَسْجِد الْحَرَام لحج أَو عمْرَة لزمة بالِاتِّفَاقِ وَلَو نذر الصَّلَاة فِي مَسْجده صلى الله عليه وسلم أَو الْأَقْصَى لزمَه عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَلَا يلْزمه عِنْد أبي حنيفَة
قَالُوا لِأَن شدّ الرحل وَالسّفر لزيارة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ بِدعَة لم يَفْعَلهَا أحد من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين وَلَا اسْتحبَّ ذَلِك أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين فَمن اعْتقد ذَلِك عبَادَة وفعلها فَهُوَ مُخَالف للسّنة ولإجماع الْمُسلمين
وَذكر ذَلِك أَبُو عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل من الْبدع الْمُخَالفَة للسّنة وَالْإِجْمَاع وزيارة قبَاء لَيْسَ فِيهِ شدّ رَحل
وَحمل حَدِيث لَا تشد الرّحال على نفي الِاسْتِحْبَاب فِيهِ تَسْلِيم أَن السّفر لَيْسَ بِعَمَل صَالح وَلَا قربَة وَلَا طَاعَة وَلَا من الْحَسَنَات فَمن اعْتقد كَونه قربَة فقد خَالف الْإِجْمَاع وَلَا يُسَافر أحد إِلَيْهَا إِلَّا لذَلِك وَأما لَو قدر أَن الرجل سَافر إِلَيْهَا لغَرَض مُبَاح فَهَذَا جَائِز لَيْسَ هَذَا من هَذَا الْبَاب وَالنَّفْي يَقْتَضِي النَّهْي وَالنَّهْي للتَّحْرِيم وَمَا ذكر من الْأَحَادِيث فِي زِيَارَة قُبُور الْأَنْبِيَاء فضعيفة بالِاتِّفَاقِ بل مَالك إِمَام الْمَدِينَة كره أَن يَقُول الرجل زرت قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد صَحَّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عبيدا وصلوا عَليّ حَيْثُمَا كُنْتُم وَقَالَ لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُورهم أَنْبِيَائهمْ وصالحيهم مَسَاجِد يحذر مَا فعلوا قَالَ عَائِشَة رضي الله عنها وَلَوْلَا ذَلِك لأبرز قَبره وَلَكِن كره أَن يتَّخذ مَسْجِدا
وَلما كَانَت حجرَة عَائِشَة الَّتِي دفن فِيهَا الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مُنْفَصِلَة عَن الْمَسْجِد إِلَى زمن الْوَلِيد بن عبد الْملك لم يكن أحد من الصَّحَابَة يدْخل إِلَيْهَا لَا لصَلَاة وَلَا لدعاء وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي الْمَسْجِد وَكَانُوا إِذا سلمُوا عَلَيْهِ أَو أَرَادوا الدُّعَاء استقبلوا الْقبْلَة وَهَذَا كُله مُحَافظَة مِنْهُم على التَّوْحِيد فَإِن من أعظم أَسبَاب الشّرك بِاللَّه اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد كَمَا ذكر فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا لَا تذرن آلِهَتكُم وَلَا تذرن ودا وَلَا سواعا} أَنهم كَانُوا قوما صالحين فِي قوم نوح فَلَمَّا مَاتُوا عكفوا على قُبُورهم ثمَّ صوروا على صورهم تماثيل ثمَّ طَال عَلَيْهِم الأمد فعبدوها ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَغَيره وَقد ثَبت عَنهُ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيح أَلا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُور مَسَاجِد فَإِنِّي أنهاكم عَن ذَلِك وَالله أعلم