الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذين يقْصد اجراء الأرزاق عَلَيْهِم وَإِن كَانَ قد يفْسخ لَهُم فِي مُجَرّد السُّكْنَى فِي الرَّبْط وَنَحْوهَا
وَمن جمع هَذِه الثَّلَاث كَانَ مَقْصُودا بالربط وَالْوَقْف عَلَيْهِ
وَأما غير هَؤُلَاءِ من أَرْبَاب والعلية وَالْأَحْوَال الزكية فَيدْخلُونَ فِي الْعُمُوم لَكِن لَا يخْتَص بهم الْوَقْف لقلتهم ولعسر تَمْيِيز الْأَحْوَال الْبَاطِنَة على غَالب الظَّن فَلَا يرْبط اسْتِحْقَاق الدُّنْيَا بذلك وَمَا دون هَذِه الصِّفَات من المقتصرين على مُجَرّد طقوس ورسوم فِي لبسة أَو مشْيَة فانهم لَا يسْتَحقُّونَ فِي الْوَقْف وَلَا يدْخلُونَ فِي مُسَمّى الصُّوفِيَّة لَا سِيمَا إِن كَانَ ذَلِك الرَّسْم مُحدثا فَإِن بذل المَال على مثل هَذِه الرسوم فِيهِ نوع من التلاعب بِالدّينِ وَأكل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ وصدهم عَن سَبِيل الله وَمن كَانَ من الصُّوفِيَّة الْمَذْكُورين فِيهِ قدر زَائِد مثل اجْتِهَاده فِي نوافل الْعِبَادَات أَو سعى فِي تَصْحِيح أَحْوَال الْقلب أَو الْكِفَايَة فَهُوَ أولى من غَيره
وَمن لم يكن متأدبا بالآداب الشَّرْعِيَّة فَلَا يسْتَحق شَيْئا الْبَتَّةَ
وطالب الْعلم الَّذِي لَيْسَ لَهُ كِفَايَة أولى مِمَّن لَيْسَ مَعَه الْأَدَب الشَّرْعِيّ وَلَا علم عِنْده مثل هَذَا فسبيله أَن لَا يسْتَحق شَيْئا
فصل
وَلَيْسَ للْحَاكِم أَن يتَوَلَّى نَاظرا وَلَا يتَصَرَّف فِي الْوَقْف بِدُونِ أَمر النَّاظر الشَّرْعِيّ الْخَاص إِلَّا أَن يكون النَّاظر الْخَاص قد تعدى فِيمَا يَفْعَله وللحاكم أَن ينْقض عَلَيْهِ إِذا خرج عَمَّا يجب عَلَيْهِ
وَإِذا كَانَ بَين الْحَاكِم والناظر مُنَازعَة حكم بَينهمَا غَيرهمَا حكم الله
وقرابة الْوَقْف أَحَق من الْفَقِير الْمسَاوِي لَهُ
وَمَا فضل من الْوَقْف يصرف فِي مصَالح مثله مثل مَسْجِد آخر وفقراء الْجِيرَان
وَنَحْو ذَلِك خير من أَن يرصد لعمارة أَو غَيرهَا فَإِنَّهُ لَا فَائِدَة فِي رصده مَعَ زِيَادَة الْوَقْف إِلَّا لمن يتَوَلَّى من المباشرين الظَّالِمين
وَأَيْضًا فعمر رضي الله عنه كَانَ يتَصَدَّق كل عَام بكسوة الْكَعْبَة بقسمها بَين الْحجَّاج
وَصَرفه إِلَى إِمَامه ومؤذنه مَعَ فقرهما أولى من غَيرهمَا
وليعلم أَن الْجِهَات الدِّينِيَّة مثل الخوانق والمدارس وَغَيرهَا لَا يجوز أَن ينزل فِيهَا فَاسِقًا وَسَوَاء كَانَ فسقه بظلمه الْخلق أَو فسقه بتعديه بقوله وَفعله حُدُود الله الَّتِي بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَمن نزل بِشَرْط الْوَاقِف لم يجز إِخْرَاجه وَمن أعَان على ذَلِك فقد أعَان عَليّ الْإِثْم والعدوان
وَإِذا رأى النَّاظر تَقْدِيم أَرْبَاب الْوَظَائِف الَّذين يَأْخُذُونَ من الْوَقْف على عمل مَعْلُوم كَالْإِمَامِ والمؤذن فقد أصَاب إِذا كَانَ الَّذِي يأخذونه لَا يزِيد عَن جعل مثلهم فِي عَادَة النَّاس كَمَا أَنه يجب تَقْدِيم الجابي وَالْعَامِل والصانع وَالْبناء وَنَحْوهم مِمَّن يَأْخُذ على عمل يعمله فِي تَحْصِيل المَال فَإِن عمار الْمَكَان يُقِيمُونَ بِأخذ الْأُجْرَة والإمامة وَالْأَذَان شَعَائِر لَا يُمكن إِبْطَالهَا وَلَا نَقصهَا بِحَال فَإِن جعل مثل ذَلِك لأصحابها يقدم على مَا يَأْخُذهُ الْفُقَهَاء بِخِلَاف الْمدرس والمعيد وَالْفُقَهَاء فَإِنَّهُم من جنس وَاحِد
وَإِذا كَانَ الْوَقْف على معِين وَلم يقبله فالتحقيق أَنه لَيْسَ كالوقف الْمُنْقَطع بل الْوَقْف هُنَا صَحِيح قولا وَاحِد ثمَّ إِنَّه ينْتَقل إِلَى من بعده كَمَا لَو مَاتَ أَو تعذر اسْتِحْقَاقه مثل أَن يقف عَلَيْهِ بِشَرْط كَونه فَقِيرا أَو عدلا ففاتت الصّفة انْتقل الْوَقْف إِلَى من بعده فَإِن الطَّبَقَة الثَّانِيَة يتلقون الْوَقْف عَن الْوَاقِف لَا عَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَلَا يشْتَرط فِي اسْتِحْقَاق الطَّبَقَة الثَّانِيَة اسْتِحْقَاق الطَّبَقَة الأولى وَالْقَبُول شَرط للمعين فِي الْمَوْقُوف عَلَيْهِم فَإِذا لم يقبل كَمَا رد الْوَصِيَّة
وَاحِد من الْمُوصى لَهُم لم يقْدَح ذَلِك فِي اسْتِحْقَاق بَقِيَّة الشُّرَكَاء بِخِلَاف مَا إِذا وقف على من لَا يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ فَإِن هَذَا يدْخل فِي مسَائِل تَفْرِيق الصَّفْقَة وَيُوجد جهل الْمُسْتَحق أَولا وَلِهَذَا صَار فِيهِ نزاع فَالصَّحِيح أَنه يَصح وَإِن لم يقبل الْمعِين لَكِن لَا يسْتَحق شَيْئا حَتَّى يقبل وَلَو رده لَا يبطل بل ينْتَقل إِلَى من بعده
وَمن شَرط كَون المقرىء غزبا مثلا فَهُوَ شَرط بَاطِل والمتأهل أَحَق بِمثل هَذَا من العزب إِذْ لَيْسَ فِي التعزب مَقْصُود شَرْعِي
وَهل يجب أَن يُوصي لأقاربه الَّذين لَا يرثونه على قَوْلَيْنِ هما رِوَايَتَانِ بِمذهب معِين فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنه لَو لم يكن فِي الْبَلَد إِلَّا حَاكم على غير الْمَذْهَب الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حَاكم الْبَلَد زمن الْوَاقِف أَن لَا يكون لَهُ نظر وَهَذَا بَاطِل بِاتِّفَاق الْمُسلمين فَإِن ذَلِك يَقْتَضِي بطلَان الشَّرْع فِي الْوُقُوف الْعَامَّة الَّتِي لم يعين ولي الْأَمر لَهَا نَاظرا خَاصّا وَفِي الْوَقْف الْخَاص نزاع مَعْرُوف ثمَّ قد يكون للْحَاكِم وَقت الْوَقْف مَذْهَب وَبعد ذَلِك يكون لَهُ مَذْهَب ثمَّ مَذْهَب آخر
وَلَو شَرط الإِمَام على الْحَاكِم أَو شَرط الْحَاكِم على خَلِيفَته أَن يحكم بِمذهب معِين بَطل الشَّرْط وَفِي فَسَاد العقد وَجْهَان وَلَا يسوغ لواقف أَن يمْنَع النّظر على الْوَقْف إِلَّا لذى مَذْهَب معِين دَائِما مَعَ إِمْكَان أَن لَا يتَوَلَّى من أهل هَذَا الْمَذْهَب أحد فَكيف إِذا لم يشْتَرط ذَلِك فالحاكم على أَي مَذْهَب كَانَ إِذا كَانَت ولَايَته تتَنَاوَل النّظر فِي الْوَقْف كَانَ تفويضه سائغا وَلم يجز لحَاكم آخر نقص وَلَو ولي كل حَاكم شخاص كَانَ الْوَاجِب على ولي الْأَمر أَن يقدم أحقهما
وَمن وقف على ولديه عمر وعبد الله بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ أبدا مَا عاشوا ثمَّ على أولادهما من بعدهمَا وَأَوْلَاد أولادهما ونسلهما وعقبهما بَطنا بعد بطن فتوفى عبد الله وَخلف أَوْلَادًا فَرفع عمر ولد عبد الله إِلَى حَاكم يرى الحكم بالترتيب بالمجموع وَسَأَلَهُ
رفع يَدَيْهِ ولد عبد الله عَن الْوَقْف وتسليمه إِلَيْهِ فَفعل فَلَيْسَ الحكم جَائِزا فِي جَمِيع الْبُطُون وَلَا يكون حكما لأولاده بِمَا حكم لَهُ بِهِ فَإِن قَوْله ثمَّ على أولادهما هُوَ لترتيب الْمَجْمُوع على الْمَجْمُوع أَو لترتيب الْأَفْرَاد بِحَيْثُ ينْتَقل نصيب كل ميت إِلَى أَوْلَاده فَفِيهِ قَولَانِ فَإِذا حكم بِاسْتِحْقَاق عمر الْجَمِيع بعد موت عبد الله كَانَ الِاعْتِقَاد أَنه لترتيب الْمَجْمُوع فَإِذا مَاتَ عمر فقد يكون ذَلِك الْحَاكِم يرى التَّرْتِيب فِي الطَّبَقَة الأولى فَقَط وَقد يكون يرى التَّرْتِيب فِي جَمِيع الْبُطُون لَكِن تَرْتِيب الْمَجْمُوع على الْمَجْمُوع وتشترك كل طبقَة من الطبقتين فِي الْوَقْف دون من هُوَ أَسْفَل مِنْهَا وَقد يرى غَيره بعد ذَلِك أَنه لترتيب الْأَفْرَاد على الْأَفْرَاد فَإِذا حكم حَاكم ثَان فِيمَا لم يحكم فِيهِ الأول بِمَا لَا يُنَاقض حكمه لم يكن نقضا لحكمه فَلَا ينْقض الثَّانِي إِلَّا لمُخَالفَة نَص أَو أجماع
وَلَا يجوز كِرَاء الْوَقْف لمن يضر بِهِ بِاتِّفَاق الْمُسلمين
وَلَا يجوز كِرَاء الشّجر بِحَال وَإِن سوقي عَلَيْهَا بِجُزْء يسير حِيلَة لم يجز ذَلِك فِي الْوَقْف بِاتِّفَاق الْعلمَاء
وَمن وقف مدرسة وَشرط على أَهلهَا الصَّلَوَات الْخمس فِيهَا فَلَيْسَ هَذَا شرطا صَحِيحا يقف الإستحقاق عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يُفْتِي بذلك فِي هَذِه الصُّورَة بِعَينهَا الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَغَيره من الْعلمَاء لأدلة مُتعَدِّدَة وَقد بسطناها فِي غير هَذَا الْموضع بل للْمَوْقُوف عَلَيْهِم الْمدرسَة أَن يصلوا فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى الصَّلَوَات الْخمس وَلَا يصلونها فِي الْمدرسَة ويستحقون مَعَ ذَلِك مَا قدر لَهُم وَذَلِكَ أفضل لَهُم من أَن يصلوا فِي الْمدرسَة والإمتناع من أَدَاء الْفَرْض فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَغَيره لأجل الْجَارِي ورع فَاسد يمْنَع صَاحبه عَن الثَّوَاب الْعَظِيم فِي الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد
وَقَوله صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنه من اشْترط شرطا لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل وَإِن كَانَ مائَة شَرط كتاب الله أَحَق وَشرط الله أوثق هَذَا حَدِيث مُتَّفق على عُمُومه فَإِنَّهُ من جَوَامِع الْكَلم الَّتِي
أوتيها النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبعث بهَا فَهُوَ عَام فِي جَمِيع الْعُقُود وَإِن كَانَ سَببه قصَّة عتق بَرِيرَة فَالْعِبْرَة بِعُمُوم اللَّفْظ لَا بِخُصُوص السَّبَب
وَلَكِن تنازعوا فِي الْعُقُود المباحت كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالنِّكَاح هَل معنى الحَدِيث من اشْتِرَاط شرطا لم يثبت أَنه مَأْذُون فِيهِ شرعا أَو من اشْترط شرطا لم يعلم أَنه مُخَالف لما شَرعه الله هَذَا فِيهِ نزاع لِأَن قَوْله فِي آخر الحَدِيث كتاب الله أَحَق وَشرط الله أوثق يدل على أَن الشَّرْط الْبَاطِل مَا خَالف ذَلِك وَقَوله من اشْترط شرطا لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل قد يفهم مِنْهُ مَا لَيْسَ بمشروع وَصَاحب القَوْل الأول يَقُول مَا لم ينْه عَن الْمُبَاحَات فَهُوَ مِمَّا أذن الله فِيهِ فَيكون مَشْرُوعا بِكِتَاب الله وَأما إِذا كَانَ فِي الْعُقُود الَّتِي يقْصد بهَا الطَّاعَات كالنذر فَلَا بُد أَن يكون لله
وَأما الْمَنْذُور طَاعَة فَمَتَى كَانَ مُبَاحا لم يجب الْوَفَاء وَكَذَلِكَ الْوَقْف وَحكم الشُّرُوط فِيهِ فَإِذا أوصى أَو وقف على معِين وَكَانَ كَافِرًا أَو فَاسِقًا لم يكن الْكفْر وَالْفِسْق هُوَ سَبَب الِاسْتِحْقَاق لَا شَرط فِيهِ بل هُوَ يسْتَحق مَا أعطَاهُ وَإِن كَانَ مُسلما عدلا فَكَانَت الْمعْصِيَة عديمة التَّأْثِير بِخِلَاف مَا لَو جعلهَا شرطا فِي ذَلِك على الْكفَّار أَو الْفُسَّاق أَو على الطَّائِفَة الْفُلَانِيَّة بِشَرْط أَن يَكُونُوا كفَّارًا أَو فساقا فَهَذَا الَّذِي لَا ريب فِي بُطْلَانه
وَهنا أصلان أَحدهمَا أَن بذل المَال لَا يجوز إِلَّا لمَنْفَعَة فِي الدّين أَو الدُّنْيَا وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْعلمَاء وَمن خرج عَن هَذَا كَانَ سَفِيها مبذرا لمَاله وَقد نهى الله تَعَالَى التبذير وَنهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن إِضَافَة المَال فِي الحَدِيث وَمن الْمَعْلُوم أَن الْوَاقِف لَا ينْتَفع بوقفه فِي الدُّنْيَا وَلَا ينْتَفع بِهِ فِي الدّين إِن لم يَنْفَعهُ فِي سَبِيل الله طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله فَإِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يثيب العَبْد على مَا أنفقهُ فيمَ يُحِبهُ فالمباحات لَا يثيب عَلَيْهَا وَلَا يكون فِي الْوَقْف عَلَيْهَا مَنْفَعَة فِي الدُّنْيَا وَلَا ثَوَاب فالوقف عَلَيْهَا خَال من الْمَنْفَعَة فِي الدّين وَالدُّنْيَا
فَيكون بَاطِلا كمن خصص الْغنى لكَونه غَنِيا مَعَ مشاركته الْفُقَرَاء عَلَيْهِ فَهَذَا مِمَّا يعلم بالاضطرار أَن الله لَا يُحِبهُ فَلَا يكون اشْتِرَاطه صَحِيحا
وَأَيْضًا المَال يمْنَع مِنْهُ الْوَارِث فَلَو أَن فِيهِ مصلحَة لما جَازَ منع الْوَارِث فَأَما منع الْوَارِث مِنْهُ وَلَا مصلحَة فِيهِ للْوَاقِف وَلَا مَنْفَعَة للآخذ فَهَذَا لَا يجوز تنفيذه
وَأما الوق على الْأَعْمَال الدِّينِيَّة كالقرآن والْحَدِيث وَالْفِقْه وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا هُوَ الأَصْل الثَّانِي وَلَا يُمكن أَن يكون فِي ذَلِك نزاع فِي جَوَازه إِذا كَانَ على مَا شَرعه الله تَعَالَى وأوجبه من هَذِه الْأَعْمَال فَأَما من ابتدع عملا لم يشرعه الله تَعَالَى وَجعله دينا فَهَذَا ينْهَى عَن عمل هَذَا فَكيف يشرع لَهُ أَن يقف عَلَيْهِ الْأَمْوَال بل هَذَا من جنس الْوَقْف على مَا يعتقدوه الْيَهُود وَالنَّصَارَى عبادات وَهِي من الدّين الْمُبدل الْبَاطِل فباب الْعِبَادَات والديانات متلقى عَن الله وَرَسُوله فَلَيْسَ لأحد أَن يَجْعَل شَيْئا عبَادَة أَو قربَة إِلَّا بِدَلِيل شَرْعِي فالبدع المذمومة شرعا هِيَ مَا لم يشرعه الله أَي لم يدْخل فِي أمره
وَلَا خلاف بَين الْمُسلمين أَن من وقف على صَلَاة أَو صِيَام أَو قِرَاءَة أَو جِهَاد غير شَرْعِي لم يَصح وَقفه وَفرق بَين الْمُبَاح الَّذِي يفعل لِأَنَّهُ مُبَاح وَبَين الْمُبَاح الَّذِي يتَّخذ دينا وَعبادَة وَطَاعَة فَمن جعل مَا لَيْسَ قربَة أَو طَاعَة ودينا وقربة وَطَاعَة كَانَ ذَلِك حَرَامًا باتفاقهم وَوَقفه على ذَلِك بَاطِل
وَلَكِن قد يَقع النزاع فِي بعض الْأُمُور هَل هُوَ من بَاب القربات أم لَا كَمَا تنازعوا فِي مسَائِل الِاجْتِهَاد كمن يرى وجوب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم وَآخر يَرَاهَا مَكْرُوهَة لَهُ
فَمن علم فِي شَيْء أَنه بِدعَة لم يجز أَن يقف عَلَيْهِ بِاتِّفَاق
فالشروط المتضمنة لِلْأَمْرِ بِمَا نهى الله وَرَسُوله عَنهُ أَو النَّهْي عَمَّا أَمر الله وَرَسُوله بِهِ مُخَالفَة للنَّص وَالْإِجْمَاع
إِذا تبين هَذَا تبين أَو الْوَقْف على الْمُبَاح من الشُّرُوط الْفَاسِدَة المضادة لمحبة
الشَّارِع وَرضَاهُ بل هِيَ من الْغنى وَمَا تبين أَنه مُوَافق لكتاب الله وَسنة رَسُوله أنفذه وَمَا اشْتبهَ أمره أَو كَانَ فِيهِ نزاع فَلهُ حكم نَظَائِره
وَمن هَذِه الشُّرُوط مَا يحْتَاج تَفْسِيره إِلَى همة قَوِيَّة وقدرة يؤيدها الله بِالْعلمِ وَالدّين وَإِلَّا فمجرد قيام الشَّخْص فِي هوى نَفسه لجلب دنيا أَو دفع مضرَّة دنيوية إِذا خرج ذَلِك على صُورَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لَا يكَاد ينجح سَعْيه وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
فمبيت الشَّخْص فِي مَكَان معِين دَائِما لَيْسَ قربَة وَلَا طَاعَة بِاتِّفَاق الْعلمَاء وَلَا يكون إِلَّا نَادرا كالمبيت فِي ليَالِي منى ومبيت الانسان فِي الثغر للرباط أَو فِي الحرس فِي سَبِيل الله أَو عِنْد عَالم أَو رجل صَالح ينْتَفع بِهِ وَأما أَن يرابط دَائِما فِي بقْعَة بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار لغير مصلحَة دينية فَلَيْسَ من الدّين بل تعْيين مَكَان للصلوات الْخمس أَو قِرَاءَة الْقُرْآن أَو هَدِيَّة غير مَا عينه الشَّارِع لَيْسَ مَشْرُوعا باتفاقهم حَتَّى لَو نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد غير الثَّلَاثَة لم يتَعَيَّن وَلَهُم فِي وُصُول الْعِبَادَات قَولَانِ لَكِن لم يقل أحد بالتفاضل فِي مَكَان دون مَكَان وَلم يقل أحد إِن الْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر أفضل وَلَا أَن الْمَيِّت ينْتَفع بسماعها وَمن قَالَ من الْمُتَأَخِّرين ذَلِك فَقَوله بِدعَة بَاطِلَة لِأَن الْمَيِّت بعد مَوته لَا ينْتَفع بأعمال يعلمهَا هُوَ وَلَا غَيره بعد الْمَوْت لَا من اسْتِمَاع وَلَا قِرَاءَة وَلَا غير ذَلِك بِاتِّفَاق الْمُسلمين وَإِنَّمَا ينْتَفع بآثار أَعماله فِي حَيَاته
مَسْأَلَة وإلزام الْمُسلم الَّذِي أَن لَا يعْمل وَلَا يتَصَدَّق إِلَّا فِي بقْعَة مُعينَة مثل كنائسهم وَنَحْوهَا لَا يَصح وَمَتى نَقَصُوا شرطا مِمَّا شَرط لَهُم الْوَاقِف كَانَ لَهُم أَن ينقصوا من الْمَشْرُوط عَلَيْهِم بِحَسب ذَلِك وَالله أعلم
إِذا تعدى النَّاظر فِي الْوَقْف مثل أَن يصرف المَال إِلَى من لَا يسْتَحقّهُ سَوَاء إِلَى نَفسه أَو غَيره أَو فرط فِيهِ مثل أَن يدع اسْتِخْرَاج مَا يجب استخراجه من مَال الْوَقْف فَإِن الْوَاجِب إِذا لم يستقم أَن يسْتَبْدل بِهِ نَاظر غَيره يقوم بِالْوَاجِبِ أَو
يضم إِلَيْهِ أَمِين ولمستحق الْوَقْف مُطَالبَة النَّاظر بالمحاسبة على الْمُسْتَخْرج والمصروف الْمُتَعَيّن للأماكن الْمَوْقُوفَة وَتعين المستأجرين لَهَا لينظروا مَالهم ويستدلوا بذلك على صَدَقَة فِيمَا يُخْبِرهُمْ أَو كذبة وعَلى عدله وجوره فقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم اسْتعْمل رجلا يُقَال لَهُ ابْن اللتبية فَلَمَّا رَجَعَ حَاسبه مَعَ أَنه كَانَ لَهُ ولَايَة فِي صرفهَا والمستحق غير معِين فَجَاز الْمولى والمستحق ذَلِك
وَمن بَاعَ أَرضًا ثمَّ تبين أَنَّهَا وقف عَلَيْهِ صَحِيح لَازم فَالْبيع بعد ذَلِك بَاطِل وَيرجع المُشْتَرِي على من غره بِالثّمن وَبِمَا يغرمه من الْأُجْرَة وَأما إِن لم يكن الْوَقْف كَذَلِك كمن أوقف وَقفا وَلم يُخرجهُ من يَده على مَذْهَب مَالك وَإِحْدَى الرايتين عَن أَحْمد وَأبي حنيفَة فَهُنَا لَا يبطل البيع بِمثل ذَلِك
وَمَا يضر أهل الْوَقْف من أُجْرَة تَسْتَقِر على الْغَار الَّذِي غر المُشْتَرِي فَهُوَ على من غره
وَإِذا كَانَت يَد الْمُسْتَحقّين على الْوَقْف وَلَهُم عَادَة مستمرة فِي صرفه وَذكر أَن تِلْكَ الْعَادة من شُرُوط بِخِلَافِهِ فَإِن يَد المصارف على الْوَقْف وَالْأَيْدِي المستقرة على الْملك أَو على الْوَقْف لَا ترفع إِلَّا بِحجَّة
وَالشَّهَادَة بمصرف الْوَقْف مَقْبُولَة وَإِن كَانَ مستندها الْإِفَاضَة فِي أصح قولي الْعلمَاء وَلَا يعلم مصارف الْوُقُوف المتقادمة إِلَّا بِمثل ذَلِك
وَمَا يضر بِأَهْل الْوَقْف من أجره تَسْتَقِر على الْغَار الَّذِي غر المُشْتَرِي فَهُوَ على من غره
وَإِذا كَانَت يَد الْمُسْتَحقّين على الْوَقْف وَلَهُم عَادَة مستمرة فِي صرفه وَذكر أَن تِلْكَ الْعَادة من شُرُوط الْوَاقِف بِخِلَافِهِ فَإِن يَد المصارف على الْوَقْف وَالْأَيْدِي المستقرة على الْملك أَو على الْوَقْف لَا ترفع إِلَّا بِحجَّة
وَالشَّهَادَة بمصرف الْوَقْف مَقْبُولَة وَإِن كَانَ مستندها الْإِفَاضَة فِي أصح قولي الْعلمَاء وَلَا يعلم مصارف الْوُقُوف المتقادمة إِلَّا بِمثل ذَلِك
وَإِذا كَانَ فِي شَرط الْوَاقِف أَنه لَا يؤجرا أَكثر من سنتَيْن فتعطل وَخرب وَلَا يُمكن إِجَارَته وعمارته إِلَّا بِأَرْبَع سِنِين أجر كَذَلِك وَإِن كَانَ فِيهِ مُخَالفَة لشرط الْوَاقِف الْمُطلق وَلَا يفسق النَّاظر بذلك
وَمن وقف وَقفا وَشرط نظره لنَفسِهِ مُدَّة حَيَاته ثمَّ من بعده إِلَى الأرشد فالأرشد من أَوْلَاده فَغَاب عَن الْبَلَد فَأجَاب طَائِفَة بِأَن النّظر للْحَاكِم مُدَّة الْغَيْبَة فَإِن الْوَاقِف إِذا خرج عَن الْأَهْلِيَّة كَانَ النّظر للْحَاكِم لَا لوَلَده بِنَاء على أَن الِانْتِقَال إِلَى الْوَلَد لَا يكون إِلَّا بعد ممات الْوَالِد
قَالَ شيخ الاسلام رحمه الله كَأَنَّهُمْ جعلُوا تَوْلِيَة الْوَقْف كترويج الأثم إِذا غَابَ الْوَلِيّ الْأَقْرَب
وَفِيه نظر لِأَن هَذَا ولَايَة الِاسْتِقْبَال لَا الاسْتِئْذَان وَلَيْسَ فِي التَّأْخِير تَفْوِيت مصلحَة وَكَذَا مَضَت السّنة بِأَن الْأَئِمَّة يولون مَعَ بعد الدَّار شرقا وغربا وَكَذَلِكَ المستحقون وَحفظ الْبضْع بل الْولَايَة على الولايات أوسع من الْولَايَة على الْبضْع وَالْمَال فَإِذا مَاتَ الْمدرس مثلا فَلَا يولي بدله حَاكم الْبَلَد بل يراسل النَّاظر فَأَما الِانْتِقَال بِخُرُوجِهِ عَن الِاسْتِقْلَال بِالْحَيَاةِ إِلَى الْمَوْت فَينْتَقل إِلَى الْأَبْعَد كَمَا فِي ولي النِّكَاح لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا نَبِي بعدِي أَي بعد نبوتي
فَقَوله وَالنَّظَر بعده أَي بعد نظره كَمَا أَن قَوْله مُدَّة حَيَاته مَشْرُوط بالأهلية فَقَوله وَالنَّظَر بعده أَي بعد نظره كَمَا أَن قَوْله مُدَّة حَيَاته مَشْرُوط بالأهلية فَقَوله بعد يعود إِلَى الْقسمَيْنِ عدم الْأَهْلِيَّة وتنويره وفرشه وإمامه ومؤذنه كفايتهم بِالْمَعْرُوفِ وَمَا فضل بعد ذَلِك يجوز صرفه إِلَى مَسْجِد آخر وَفِي مصَالح الْجِيرَان بِالْمَعْرُوفِ مثل رزق قَاضِي النَّاحِيَة وَنَحْو ذَلِك
وَإِذا حكم حَاكم باختصاص الْوَقْف بفلان لِأَنَّهُ لم يعقب من ولد الْوَاقِف غير أمه وَثَبت أَن فُلَانَة الْأُخْت الْأُخْرَى أعقبت فلَانا قسم بَينهمَا لِأَن بَيِّنَة الْإِثْبَات مُقَدّمَة على النَّفْي
وَالْوَقْف على الْيَتَامَى لَا يدْخل فِيهِ يتامى الْكفَّار وَأما الْغُلَام الصَّغِير الَّذِي أعتق وَلَيْسَ لَهُ أَب يعرف فَيدْخل وَإِن لم يعرف هَل مَاتَ أَبوهُ فِي دَار الْحَرْب أَو فِي دَار الاسلام
وَإِذا عدم بعض الْمَوْقُوف عَلَيْهِم قبل اسْتِحْقَاقه انْتقل نصِيبه لَو عَاشَ إِلَى وَلَده وَإِن لم يسْتَحق هُوَ شَيْئا لِأَن الطَّبَقَة الأولى أَو بَعضهم لَا يلْزم من حرمانها حرمَان الطَّبَقَة الثَّانِيَة إِذا تحققت فيهم الشُّرُوط وَلَا فرق بَين الصُّورَتَيْنِ