الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
هَذِه الْأُخوة الَّتِي تكون بَين بعض النَّاس فِي هَذَا الزَّمَان وَقَول كل وَاحِد مِنْهُمَا مَالِي مَالك ودمى دمك وَوَلَدي ولدك وَيشْرب أَحدهمَا دم الآخر
فَهَذَا الْفِعْل على هَذَا الْوَجْه غير مَشْرُوع بِاتِّفَاق الْمُسلمين
وَإِنَّمَا كَانَ أصل الْأُخوة أَنه صلى الله عليه وسلم آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وحاف بَينهم فيدار أنس بن مَالك كَمَا آخى بَين سعيد بن الرّبيع وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَبَين سُلَيْمَان الْفَارِسِي وَأبي الدَّرْدَاء
وَأما مَا يذكرهُ بعض المصنفين من أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم آخى عليا وآخى أبي بكر وَعمر رضي الله عنهم وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا بَاطِل بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة فَإِنَّهُ لم يؤاخ بَين مُهَاجِرِي ومهاجري وَإِنَّمَا آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَكَانُوا يتوارثون بالمؤاخاة حَتَّى نزل {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض}
وَتَنَازَعُوا اهل يُورث بهَا عِنْد تقدم الْوَرَثَة على قَوْلَيْنِ هما رِوَايَتَانِ عِنْد أَحْمد وَكَذَلِكَ تنَازع النَّاس هَل يشرع فِي الْإِسْلَام أَن يتآخى اثْنَان ويتحالفا كَمَا فعل الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار رضي الله عنهم فَقيل إِن ذَلِك مَنْسُوخ لما رَوَاهُ مُسلم أَنه قَالَ لَا حلف فِي الْإِسْلَام وَمَا من حلف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَّا زَاده الْإِسْلَام شدَّة وَلِأَن الله تَعَالَى جعل المومنين بِنَصّ الْقُرْآن وَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَخُو الْمُسلم فَمن كَانَ قَائِما بِوَاجِب الْإِيمَان كَانَ أَخا لكل مُؤمن وَيجب عَلَيْهِ أَن يقوم بحقوقه وَإِن لم يجر بَينهمَا عقد أخوة خَاص فَإِن الله وَرَسُوله قد عقدا الْأُخوة بَينهمَا فَيجب على كل مُسلم أَن يكون حبه وبغضه ومعاداته وموالاته تبعا لحب الله وَرَسُوله ولأمر الله وَرَسُوله
وَمن النَّاس من يَقُول يشرع مثل ذَلِك تِلْكَ المؤاخاة والمحالفة وَهُوَ يُنَاسب من
يَقُول بالتوارث بالمحافة لَكِن لَا نزاع بَين الْمُسلمين فِي أَن ولد أَحدهمَا يضرون ولد الآخر بإرثهم مَعَ أَوْلَاده فَإِن الله تَعَالَى قد نسخ التبنى الَّذِي كَانَ من دين الْجَاهِلِيَّة حَيْثُ كَانَ الرجل يتبنى ولد غَيره وَكَذَلِكَ لَا يصير مَال كل وَاحِد مِنْهُمَا مَالا للْآخر يُورث عَنهُ وَلَكِن إِذا طابت نفس الْوَاحِد بِمَا يتَصَرَّف الآخر فِيهِ من مَاله فَهَذَا جَائِز كَمَا كَانَ السّلف يَفْعَلُونَ فقد كَانَ أحدهم يدْخل بَيت الآخر فيأكل من طَعَامه مَعَ غيبته بِطيب نَفسه بذلك كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَو صديقكم}
وَأما شرب كل مِنْهُمَا دم الآخر فَهَذَا لَا يجوز بِحَال وَيُشبه هَذَا بالذين يتآخون متعاونين على الْإِثْم والعدوان بالاكتواء وعَلى حب المردان وَهَذَا مثل مؤاخاة من ينتسب الى المشيخة والسلوك للنِّسَاء فيؤاخى أحدهم الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة ويخلو بهَا وَقد أقرّ طوائف من هَؤُلَاءِ بِمَا جرى بَينهم من الْفَوَاحِش فَمثل هَذِه المؤاخاة مِمَّا فِيهِ تعاون على الْإِثْم والعدوان كَائِنا مَا كَانَ حرَام بِإِجْمَاع الْمُسلمين
وَإِنَّمَا النزاع فِي مؤاخاة يكون مقصودها التعاون على الْبر وَالتَّقوى بِحَيْثُ تجمعهما طَاعَة الله وتفرق بَينهمَا مَعْصِيّة الله كَمَا يَقُولُونَ تجمعنا السّنة وتفرقنا الْبِدْعَة فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي فِيهَا النزاع فَأكْثر الْعلمَاء لَا يرونها اكْتِفَاء بالأخوة فِي الْإِسْلَام الَّتِي عقدهَا الله وَرَسُوله
وَبِالْجُمْلَةِ فَكل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل وَإِن كَانَ مائَة شَرط سَوَاء فِي ذَلِك البيع وَالْإِجَارَة والأخوة والمشيخة وَغَيرهَا
وَإِذا اقتتل طَائِفَتَانِ من الفلاحين وَغَيرهم فَانْهَزَمَ وَاحِد تَوْبَة وخوفا من الله لم يحكم لَهُ بالنَّار وَأما إِن كَانَ قد انهزم عَجزا وَلَو قدر على خَصمه لقَتله فَهُوَ فِي النَّار كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا التقى المسلمان بسفيهما فالقاتل والمقتول فِي النَّار قيل يَا رَسُول الله هَذَا الْقَاتِل فَمَا بَال الْمَقْتُول قَالَ إِنَّه أَرَادَ قتل صَاحبه فَإِذا كَانَ الْمَقْتُول فِي النَّار مَعَ كَونه لَيْسَ أَسْوَأ حَالا مِمَّن انهزم فَكيف بالمنهزم فمصيبة قَتله لم تكفر مَا كَانَ حَرِيصًا عَلَيْهِ من قتل صَاحبه وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَة من