المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إِرَادَته وَفعله وَإِنَّمَا يكون الْمَدْح بترك الْأَفْعَال إِذا كَانَ الممدوح - مختصر الفتاوى المصرية - ط الفقي

[بدر الدين البعلي]

فهرس الكتاب

- ‌بَاب النِّيَّة

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌فَصِلَ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الاستطابة

- ‌بَاب الْغسْل

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب الْحيض

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة التَّطَوُّع

- ‌فصل

- ‌بَاب الْأَدْعِيَة والأذكار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْكُسُوف

- ‌بَاب فِي الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب فِي ترك الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الرّوح

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الصَّيام

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سُؤال

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب اللبَاس

- ‌كتاب الْبيُوع

- ‌فصل فِيمَا يجوز بَيْعه ومالا يجوز

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بيع الْأُصُول وَالثِّمَار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌كتاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الاجارة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْوَقْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب اللّقطَة

- ‌كتاب الْوَصَايَا

- ‌فصل

- ‌كتاب الْفَرَائِض

- ‌فصل

- ‌كتاب النِّكَاح وشروطه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَوْلِيَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب عشرَة النِّسَاء وَالْخلْع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْعدَد

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كتاب النَّفَقَات

- ‌كتاب الْهِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجراح

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب حد الزِّنَا وَالْقَذْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الذُّنُوب الْكَبَائِر

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَشْرِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌فصل

- ‌بَاب عقد الذِّمَّة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الصَّيْد والذبائح

- ‌فصل فِي السَّبق

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب جَامع الْأَيْمَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور

- ‌فصل

- ‌بَاب فِي آدَاب القَاضِي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الشَّهَادَات

- ‌فصل

- ‌كتاب الدعاوي والبينات

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: إِرَادَته وَفعله وَإِنَّمَا يكون الْمَدْح بترك الْأَفْعَال إِذا كَانَ الممدوح

إِرَادَته وَفعله وَإِنَّمَا يكون الْمَدْح بترك الْأَفْعَال إِذا كَانَ الممدوح قَادِرًا عَلَيْهَا فَعلم أَنه قَادر على مَا نزه نَفسه عَنهُ من الظُّلم وَأَنه لَا يَفْعَله

وَبِذَلِك يَصح قَوْله إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي فَلَا يجوز أَن يكون فِيمَا هُوَ مُمْتَنع لذاته فَلَا يصلح أَن يُقَال حرمت أَو منعت نَفسِي من خلق مثلي أَو من جعل الْمَخْلُوقَات خالقه وَنَحْو ذَلِك من المحالات الَّتِي يعلم كل أحد أَنَّهَا لَيست مرَادا للرب

وَالَّذِي قَالَه النَّاس إِن الظُّلم وضع الشئ فِي غير مَوْضِعه يتَنَاوَل هَذَا الْمَقْدُور دون ذَاك الْمُمْتَنع كَقَوْل بَعضهم الظُّلم إِضْرَار غير الْمُسْتَحق فَالله لَا يُعَاقب أحدا بِغَيْر حق

وَكَذَلِكَ من قَالَ هُوَ نقص الْحق كَقَوْلِه {كلتا الجنتين آتت أكلهَا وَلم تظلم مِنْهُ شَيْئا} وَمن قَالَ هُوَ التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر فَلَيْسَ بمطرد وَلَا منعكس فقد يتَصَرَّف الإسنان فِي ملك غَيره بِحَق وَلَا يكون ظلما وَقد يتَصَرَّف فِي ملكه بِغَيْر حق فَيكون ظلما وظلم العَبْد نَفسه كثير فِي الْقُرْآن

‌فصل

فَتبين بِمَا قدمْنَاهُ الْوسط وَهُوَ الْحق أَن الظُّلم الَّذِي حرمه الله عَليّ نَفسه مثل أَن يتْرك حَسَنَات المحسن فَلَا يجْزِيه بهَا ويعاقب البرئ على مالم يَفْعَله من السَّيِّئَات ويعاقب هَذَا بذنب غَيره أَو يحكم بَين النَّاس بِغَيْر الْقسْط وَنَحْو ذَلِك من الْأَفْعَال الَّتِي نزه نَفسه سُبْحَانَهُ عَنْهَا لقسطه وعدله وَهُوَ قَادر عَلَيْهَا وَإِنَّمَا اسْتحق الْحَمد وَالثنَاء لِأَنَّهُ ترك هَذَا الظُّلم وَهُوَ قَادر عَلَيْهِ

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة للنَّاس فِي أَفعَال الله بِاعْتِبَار مَا يصلح مِنْهُ وَيجوز وَمَا لَا يجوز

ص: 120

لَهُ حَتَّى وضعُوا لَهُ شَرِيعَة التَّعْدِيل والتجويز لَا يمعنى أَن الْعقل آمُر لَهُ وناه فَإِن هَذَا لَا يَقُوله عَاقل بل بِمَعْنى أَن تِلْكَ الْأَفْعَال مِمَّا علم بِالْعقلِ وُجُوبهَا وتحريمها وَلَكِن أدخلُوا فِي ذَلِك من النكرات مَا بنوه على بدعتهم من التَّكْذِيب بِالْقدرِ وتوابع ذَلِك

الطّرف الثَّانِي الغلاة فِي الرَّد عَلَيْهِم وهم الَّذين قَالُوا لَا ينزه الرب عَن فعل من الْأَفْعَال وَلَا يعلم وَجه امْتنَاع الْفِعْل مِنْهُ إِلَّا من جِهَة خَبره أَنه لَا يَفْعَله المطابق لعلمه بِأَنَّهُ لَا يَفْعَله فَهَؤُلَاءِ منعُوا حَقِيقَة مَا أخبر تَعَالَى بِهِ أَنه كتب على نَفسه الرَّحْمَة وَحرم على نَفسه الظُّلم

الطّرف الثَّالِث القَوْل الْوسط أَنه سُبْحَانَهُ عَليّ كل شئ قدير وَله الْخلق وَالْأَمر وَأَنه مَعَ ذَلِك حرم على نَفسه أَشْيَاء وَأخْبر أَنه لَا يَفْعَلهَا وَهِي مقدورة لَهُ وَيتْرك أَشْيَاء مَعَ قدرته عَلَيْهَا لِأَنَّهُ عَادل لَيْسَ بظالم كَمَا ينزه نَفسه عَن عُقُوبَة الْأَنْبِيَاء وكما ينزه نَفسه أَن يحمل البرئ ذنُوب الْمُعْتَدِينَ

وَقَوله لَا تظالموا فِيهِ كل الدّين

فالجملة الأولى قَوْله إِنِّي حرمت الظُّلم عَليّ نَفسِي يجمع حل مسَائِل الصِّفَات إِذا أَعْطَيْت حَقّهَا من التَّفْسِير وَهَذِه تَتَضَمَّن الدّين كُله فَإِن كل مانهى الله عَنهُ واجع إِلَى اظلم وكل مَا أَمر بِهِ رَاجع إِلَى الْعدْل

وَلما ذكر مَا أوجبه من الْعدْل وَحرمه منالظلم عَليّ نَفسه وَعلي عباده ذكر إحسانه إِلَى عباده مَعَ غناهُ عَنْهُم وفقرهم رليه وَأَنَّهُمْ لَا يقدرُونَ على جلب مَنْفَعَة لأَنْفُسِهِمْ وَلَا دفع مضرَّة رلا أَن يكون هُوَ سُبْحَانَهُ الميسر لذَلِك وَأمر الْعباد بِأَن يسألوه ذَلِك وَأخْبر أَنهم لَا يقدرُونَ عَليّ نَفعه وَلَا ضره مَعَ عظم مَا يوصله إِلَيْهِم من النعماء وَمَا يدْفع عَنْهُم من الْبلَاء

وجلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة إِمَّا أَن يكون للدّين أَو الدُّنْيَا فَصَارَت أَرْبَعَة أَقسَام

ص: 121

الْهِدَايَة وَالْمَغْفِرَة وهما جلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة فِي الدّين وَالطَّعَام والسكوة وهما جلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة فِي الدُّنْيَا

وَإِن شِئْت قلت الْهِدَايَة وَالْمَغْفِرَة متعلقتان بِالْقَلْبِ الَّذِي ملك الْبدن وَهُوَ الأَصْل فِي الْأَعْمَال الإرادية

وَالطَّعَام وَالْكِسْوَة متعلقتان بِالْبدنِ الطَّعَام لجلب الْمَنْفَعَة وَالْكِسْوَة لدفع الْمضرَّة وَفتح الْأَمر كُله بالهداية فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت الْهِدَايَة النافعة هِيَ الْمُتَعَلّقَة بِالدّينِ فَكل أَعمال النَّاس تَابِعَة لهداية الله إيَّاهُم قَالَ وَالَّذِي قدر فهدى وهديناه النجدين إِنَّا هديناه اليسبيل وَلِهَذَا قيل إِن الْهِدَايَة النافعة أَرْبَعَة أَقسَام

أَحدهَا الْهِدَايَة إِلَيّ مصَالح الدُّنْيَا

الثَّانِي الْهِدَايَة بِمَعْنى دُعَاء الْخلق إِلَى مَا يَنْفَعهُمْ وَأمرهمْ بذلك

الثَّالِث الَّذِي لاا يقدر عَلَيْهِ رلا الله وَهُوَ جعل الْهدى فِي الْقلب لقَوْله تَعَالَى {من يهد الله فَهُوَ الْمُهْتَدي} وَهُوَ لذِي يُسَمِّيه بَعضهم بالإلهام والإرشاد وَهَذَا يُنكر الْقَدَرِيَّة أَن يكون الله هُوَ الْفَاعِل لَهُ بل يَزْعمُونَ أَن العَبْد يهدي نَفسه وَهَذَا الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم حَيْثُ قَالَ فاستهدوني أهدكم بعد قَوْله {كلكُمْ ضال إِلَّا من هديته}

وَعِنْدهم لَا يقدر الله على شئ من الْهدى رلا مَا فعله من إرْسَال الرُّسُل وَنصب الْأَدِلَّة وإزاحة الْعِلَل وَلَا مزية للْكَافِرِ عَليّ الْمُؤمن فِي هِدَايَة الله وَلَا نعْمَة لله على الْمُؤمن عِنْدهم أعظم من نعْمَته على الْكَافِر فِي بَاب الْهدى

وَالْقسم الرَّابِع الْهدى فِي الآخر كَمَا قَالَا لله تَعَالَى {وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد}

وَأما قَوْله {كلكُمْ جَائِع إِلَّا من أطعمته وكلكم عَار إِلَّا من كسوته} فَيَقْتَضِي أصلين عظيمين

أَحدهمَا وجوب التَّوَكُّل عَليّ الله فِي الرزق واللباس وَأَنه لَا يقدر أحد

ص: 122

غير الله ذَلِك قدرَة مُطلقَة وَالْقُدْرَة الَّتِي تحصل لبَعض الْعباد تكون على بعض أَسبَاب ذَلِك وَلِهَذَا قَالَ {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} فَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَات مَا هُوَ وَحده سَبَب تَامّ لحُصُول الْمَطْلُوب فَمن ظن الِاسْتِغْنَاء بِالسَّبَبِ عَن التَّوَكُّل فقد ترك الْوَاجِب عَلَيْهِ من التَّوَكُّل وأخل بِوَاجِب التَّوْحِيد وَلِهَذَا يخذل هَؤُلَاءِ كَمَا أَن من دخل فِي التَّوَكُّل وَترك مَا أَمر بِهِ من الْأَسْبَاب فَهُوَ جَاهِل ظَالِم عَاص لله يتْرك مَا أمره بِهِ فان فعل الْمَأْمُور بِهِ عبَادَة الله قَالَ الله {فاعبده وتوكل عَلَيْهِ} {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين}

وَفِي هَذَا رد على من جعل الْأَخْذ بِالسَّبَبِ نقصا أَو قدحا فِي التَّوْحِيد والتوكل وَأَن تَركه من كَمَال التَّوَكُّل وَهُوَ ملبوس عَلَيْهِم وَقد يقْتَرن بذلك اتِّبَاع الْهوى وميل النَّفس إِلَى البطالة وَلِهَذَا تجدعامة هَذَا الضَّرْب يتعلقون بِأَسْبَاب دون ذَلِك إِمَّا بالخلق رَغْبَة وَرَهْبَة وَإِمَّا أَن يتْركُوا وَاجِبَات أَو مستحبات أَنْفَع لَهُم من ذَلِك كمن يصرف همته فِي توكله إِلَى شِفَاء مَرضه بلادواء أَو نيل رزقه بِلَا سعى فقد يحصل لَهُ ذَلِك وَلَكِن كَانَت مُبَاشرَة الدَّوَاء وَالسَّعْي الْيَسِير وَصرف الهمة فِي عمل صَالح أَنْفَع لَهُ

وَفَوق هَؤُلَاءِ من يَجْعَل التَّوَكُّل والدعاد نقصا وانقطاعا عَن الْخَاصَّة أَن مُلَاحظَة مَا فرغ مِنْهُ فِي الْقدر هُوَ حَال الْخَاصَّة فقد قَالَ هَذَا {كلكُمْ جَائِع إِلَّا من أطعمته وكلكم عَار إِلَّا وَكسوته فاستطعموني أطْعمكُم واستكسوني أكسكم} وَإِنَّمَا غلطوا لظنهم أَن سبق التَّقْدِير بِمَنْع أَن يكون بِالسَّبَبِ الْمَأْمُور بِهِ كمن يتزندق فَيتْرك الْأَعْمَال الْوَاجِبَة بِنَاء على زن الْقدر قد سبق بِأَهْل السَّعَادَة والشقاوة أَو لم يعلم أَن الْقدر سبق بالأمور على ماهي عَلَيْهِ بِأَسْبَاب بهَا

وَطَائِفَة تظن أَن التَّوَكُّل إِنَّمَا هُوَ من مقامات الْخَاصَّة المتقربين بالنوافل وَكَذَلِكَ قَوْلهم فِي أَعمال الْقلب وتوابعها من الْحبّ والرجاء وَالْخَوْف وَالشُّكْر

ص: 123

وَنَحْوه وَهَذَا ضلال مُبين بل جَمِيع هَذِه الْأُمُور فرض على الْأَعْيَان بِاتِّفَاق أهل الْإِيمَان

وقله {يَا عبَادي إِنَّكُم تخطئون باليل وَالنَّهَار وَأَنا أَغفر الذُّنُوب جَمِيعًا} فالمغفرة الْعَامَّة نَوْعَانِ

أَحدهمَا الْمَغْفِرَة لمن تَابَ وَهَذِه عَامَّة فِي جَمِيع الذُّنُوب على الصَّحِيح خلافًا لمن يسْتَثْنى بعض الذُّنُوب كتوبة الداعية إِلَى الْبدع لَا تقبل بَاطِنا وكتوبة الْقَاتِل وَنَحْوه لِأَن الله قد ذكر أَنه يَتُوب على أَئِمَّة الْكفْر الَّذِي هُوَ أعظم من الْبدع وَغَيرهم وَالتَّوْبَة الْعَامَّة كَمَا فِي قَوْله تعال ي {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا}

النَّوْع الثَّانِي من الْمَغْفِرَة الْعَامَّة الَّتِي دلّ عَلَيْهَا قَوْله {يَا عبَادي إِنَّكُم تخطئون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَأَنا أَغفر الذُّنُوب جَمِيعًا} الْمَغْفِرَة بِمَعْنى تَخْفيف الْعَذَاب أَو تَأْخِيره إِلَى أحل مُسَمّى وَهَذَا عَام مُطلقًا وَلِهَذَا شفع النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي زبي طَالب مَعَ مَوته على الشّرك فَنقل من غنرة النَّار حَتَّى جعل فِي ضحضاح يغلى مِنْهَا رَأسه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس بِمَا كسبوا مَا ترك على ظهرهَا من دَابَّة} {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير}

وَأما قَوْله {إِنَّكُم لن تبلغوا ضرى فتضروني وَلنْ تبلغو نفعي فتنفعوني} فَإِنَّهُ بَين بذلك إِنَّه لَيْسَ هُوَ بمستعيض فِيمَا يحسن بِهِ إِلَيْهِم من إِجَابَة الدعْوَة وغفران الذُّنُوب بذلك جلب مَنْفَعَة أَو دفع مضرَّة كَمَا يَفْعَله الْخلق مَعَ بَعضهم لبَعض فَقَالَ {إِنَّكُم لن تبلغوا ضرى فتضروني وَلنْ تبلغوا نفعى فتنفعوني} فلست إِذا هديتكم وأطعمتكم وكسوتكم بِالَّذِي أطلب أَن تنفعواني وَلَا إِذا غفرت خَطَايَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار أتقى بذلك أَن تضروني فَإِنَّكُم لن تبلغوا ذَلِك بل عاجزون عَن ذَلِك كُله بل لَا تقدرون رلا عَليّ مَا أقدره لكم وأريده وَكَذَلِكَ مَا يَأْمُركُمْ

ص: 124

بِهِ من الطَّاعَات وَمَا يَنْهَاكُم عَنهُ من السيذات فَإِنَّهُ لَا يتَضَمَّن استجلاب نَفعه كأمر السَّيِّد لعَبْدِهِ وَالْوَالِد لوَلَده وَلَا دفع مضرتهم كنهى هَؤُلَاءِ وَغَيرهم فنزه نَفسه سُبْحَانَهُ عَن لُحُوق نفعهم وضرهم فَلهَذَا ذكر هذَيْن الْأَصْلَيْنِ بعد ذَلِك

فَذكر أَن برهم وفحورهم وطاعتهم ومعصيتهم لَا تزيد ملكه وَلَا تنقص وَأَن مَا يعطيهم غَايَة مَا يسألونه نسبته إِلَيّ مَا عِنْده أدنى نِسْبَة فَقَالَ {يَا عبَادي لَو أَن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم على أفجر قلب رجل وَاحِد مَا زَاد ذَلِك فِي ملكي شَيْئا وَلَو أَن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كَانُوا على أتقى قلب رجل مِنْكُم مَا زَاد ذَلِك فِي ملكي شَيْئا}

إِذْ ملكه قدرته عَليّ التَّصَرُّف فَلَا تزيد وَلَا تنقص كَمَا تزداد قدرَة الْملك بِكَثْرَة المطعين لَهُ وتنقص بقلة المطيعين فرن ملكه سُبْحَانَهُ مُتَعَلق بِنَفسِهِ وَهُوَ خَالق كل شئ وربه يُؤْتِي الْملك من يَشَاء وينزعه مِمَّن شاد

ثمَّ ذكر حَالهم فِي النَّوْعَيْنِ سُؤال بره وَطَاعَة أمره اللَّذين ذكرهمَا فِي الحَدِيث وَذكر الاستهداء والاستطعام والاستكساء وَذكر الغفران وَالْبر والفجور فَقَالَ {لَو أَن أولكم وأخركم وإنسكم جنكم قَامُوا فِي صَعِيد وَاحِد فسألوني فَأعْطيت كل وَاحِد مَسْأَلته مَا نقص ذَلِك مِمَّا عِنْدِي أَلا كَمَا ينقص الْمخيط أذا أَدخل الْبَحْر}

فَذكر أَن جَمِيع الْخَلَائق إِذا سَأَلُوهُ وهم فِي مَكَان وَاحِد وزمان وَاحِد فَأعْطى كل وَاحِد مَسْأَلته لم ينقص ذَلِك مماعنده رلا كَمَا ينقص الْمخيط وَهِي الإبرة إِذا غمس فِي الْبَحْر

وَقَوله لم ينقص مِمَّا عِنْدِي فِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا يدل على أَن عِنْده أمورا مَوْجُودَة

ص: 125

وعَلى هَذَا فَيُقَال لفظ النَّقْص على حَاله لِأَن الْإِعْطَاء من الْكثير وَإِن كَانَ قَلِيلا فَلَا بُد أَن ينقص شَيْئا مَا

وَمن رَوَاهُ لم ينقص من ملكي يحمل عَليّ مَا عِنْده

وَقد يُقَال الْمُعْطى إِن كَانَ أعيانا قَائِمَة فقد تنقل من مَحل إِلَى مَحل فَيظْهر النَّقْص وَإِن كَانَ صِفَات فَلَا تنقل من محلهَا وَإِنَّمَا يُوجد نظيرها فِي مَحل آخر كَمَا يُوجد نَظِير علم الْمعلم فِي قلب المتعلم من غير زَوَال علم الْمعلم وكما يتَكَلَّم الْمُتَكَلّم بِكَلَام الْمُتَكَلّم قبله من غير انْتِقَال كَلَام الأول إِلَى الثَّانِي

وعَلى هَذَا فالصفات لَا تنقص مِمَّا عِنْده شَيْئا وَهِي من المسؤل كالهدى

وَقد يُجَاب عَن هَذَا بِأَنَّهُ من الْمُمكن فِي بعض الصِّفَات أَن لَا يثبت مثلهَا فِي الْمحل الثَّانِي حَتَّى تَزُول عَن الأول كاللون وكالروائح الَّتِي تعبق بمَكَان وتزول كَمَا دَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَليّ حمى الْمَدِينَة أَن تنْتَقل إِلَيّ الْجحْفَة

وَهل هَذَا الِانْتِقَال بانتقال عين الْعرض الأول أَو بِوُجُود مثله من غير انْتِقَال عينه فِيهِ للنَّاس قَولَانِ

وَالْقَوْل الثَّانِي أَن النَّقْص هُنَا كالنقص الَّذِي فِي حَدِيث مُوسَى وَالْخضر فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه قَالَ لمُوسَى وَقد وَقع عُصْفُور على قاب السَّفِينَة فَنقرَ فِي الْبَحْر فَقَالَ مَا نقص علمي وعلمك من علم الله إِلَّا كَمَا نقص هَذَا العصفور من هَذَا الْبَحْر وَمَعْلُوم أَن نفس علم الله الْقَائِم بِهِ لَا يَزُول مِنْهُ شئ بتَعَلُّم الْعباد

وَإِنَّمَا الْمَقْصُود أَن نِسْبَة علمي وعلمك إِلَى علم الله كنسبة مَا علق بمنقار العصفور إِلَى الْبَحْر

وَمن هَذَا الْبَاب كَون الْعلم يُورث وَكتاب يُورث

وَتَحْقِيق الْأَمر مَا أحَاط علمي وعلمك من علم الله إِلَّا كَمَا ينقص هذطا العصفور نِسْبَة هَذَا كنسبة هَذَا إِلَيّ هَذَا وَإِن كَانَ الْمُشبه بِهِ جسما ينْقل من مَحل إِلَيّ مَحل يَزُول عَن مَحل وَلَيْسَ الْمُشبه كَذَلِك

ص: 126

فَهَذَا الْفرق يُعلمهُ المستمع من غير التباس

ثمَّ خَتمه بتحقيق مَا بَينه فِيهِ من عدله وإحسانه فَقَالَ {إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصيها لكم ثمَّ أَو فِيكُم إِيَّاهَا فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن رلا نَفسه}

فَبين أَنه محسن رلى عباده فِي الجزاءأ على أَعْمَالهم إحسانا يسْتَحق بِهِ الْحَمد لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنعم بِالْأَمر بهَا والارساد إِلَيْهَا والإعانة عَلَيْهَا ثمَّ إحصائها ثمَّ توفيه جزائها فَكل ذكل فضل مِنْهُ وإحسان فَكل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل وَإِن كَانَ ذَلِك أوجبه عَليّ نَفسه فَلَيْسَ هُوَ كوجوب حُقُوق النَّاس بَعضهم على بعض لكَون إِحْسَان بعض النَّاس إِلَى بعض لحق الْمُعَاوضَة ورجاء الْمَنْفَعَة وَقد تبين عدم ذَلِك فِي حَقه فَلَيْسَ لأحد من جِهَة نَفسه عَلَيْهِ حق بل هُوَ الَّذِي أَحَق الْحق على نَفسه بكلماته فَهُوَ المحسن بِالْإِحْسَانِ وباحقاقه وكتابته على نَفسه فَهُوَ محسن إحسانا مَعَ إِحْسَان

ثمَّ بَين أَنه عَادل فِي الْجَزَاء عَليّ السَّيِّئَات فَقَالَ {وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه} كَمَا تقدم {وَمَا ظلمناهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ}

وَهَذِه نُكْتَة مختصرة تنبه الْفَاضِل على مَا فِي الْحَقَائِق من لجوامع والفوارق الَّتِي تفصل بَين الْحق وَالْبَاطِل فِي هَذِه المضايق

وَالله ينفعنا وَسَائِر إِخْوَاننَا بِمَا علمنَا ويعلمنا مَا ينفعنا ويريدنا علما وَلَا حول وَلَا قُوَّة رلا بِاللَّه وَعَلِيهِ التكلان

ص: 127