الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَإِذا شَرط ولي الْأَمر على التُّجَّار الداخلين إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام وهم من أهل الْحَرْب أَن يضمنُون مَا أَخذه الْحَرْب مِنْهُم لتجار الْمُسلمين جَازَ ذَلِك وَكَانَ شرطا صَحِيحا لِأَن غَايَته أَنه ضَمَان مَجْهُول أَو ضَمَان مَا لم يجب فَهُوَ كضمان السُّوق وَهُوَ أَن يضمن الضَّامِن مَا يجب على التَّاجِر للنَّاس من الدُّيُون وَهَذَا جَائِز عِنْد أَكثر الْعلمَاء مَالك وَأحمد وَأبي حنيفَة وَغَيرهم كَمَا فِي قَوْله {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} وَلِأَن هَؤُلَاءِ الطَّائِفَة الممتنعة ينصر بَعضهم بَعْضًا فهم كالشخص الْوَاحِد فَإِذا اشترطوا أَن تجارهم يدْخلُونَ بِلَاد الْإِسْلَام بِشَرْط أَن لَا يَأْخُذُوا للْمُسلمين شَيْئا وَمَا أَخَذُوهُ كَانُوا ضامنين لَهُ والمضمون يُؤْخَذ من أَمْوَال التُّجَّار جَازَ ذَلِك ذَلِك وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم للأسير الْعقيلِيّ حِين قَالَ يَا مُحَمَّد علام أوخذ فَقَالَ بجريرة حلفائك من ثَقِيف وأسره النَّبِي صلى الله عليه وسلم وحبسه لينال بذلك من حلفائه مَقْصُوده
وَلَو أسرنا حَرْبِيّا لأجل تَخْلِيص من أسروه منا جَازَ بِاتِّفَاق الْمُسلمين وَلنَا أَن نحبسه حَتَّى يردوا أسيرنا وَلَو أَخذنَا مَال حَرْبِيّ حَتَّى يردوا علينا مَا أَخَذُوهُ لمُسلم جَازَ فَإِذا اشْترط عَلَيْهِم ذَلِك فِي عقد الْأمان جَازَ
فصل
وَإِذا كَانَ الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي خَبِيرا بالطب ثِقَة عِنْد الْإِنْسَان جَازَ لَهُ أَن يستطبه كَمَا يجوز لَهُ أَن يودعه المَال وَأَن يعامله وَقد اسْتَأْجر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مُشْركًا لما هَاجر وَكَانَ هاديا خريتا ماهرا بالهداية إِلَى الطَّرِيق من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وائتمنه على نَفسه وَمَاله وَكَانَت خُزَاعَة عَيْبَة نصح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم وَقد روى أَن الْحَارِث بن كلدة وَكَانَ كَافِرًا أَمرهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يستطبوه وَإِذا وجد طَبِيبا
مُسلما فَهُوَ أولى وَأما إِن لم يجد إِلَّا كَافِرًا فَلهُ ذَلِك وَإِذا خاطبه بِالَّتِي هِيَ أحسن كَانَ حسنا
وَلَيْسَ لأهل الذِّمَّة إِظْهَار شَيْء من شعار دينهم فِي ديار الْمُسلمين لَا فِي أَوْقَات الاسْتِسْقَاء وَلَا فِي مَجِيء النوائب وَيمْنَعُونَ من إِظْهَار التَّوْرَاة وَلَا يرفعون أَصْوَاتهم بِالْقِرَاءَةِ وصلاتهم وعَلى ولي الْأَمر مَنعهم من ذَلِك
وَلَيْسَ الْخَمِيس من أعياد الْمُسلمين بل هُوَ من أعياد النَّصَارَى كعيد الميلاد وَعِيد الغطاس لكل أمة قبله وَلَيْسَ لأه الذِّمَّة أَن يعينوهم على أعيادهم فِي بِلَاد الْمُسلمين وَلَيْسَ للْمُسلمين أَن يعينوهم على أعيادهم لَا يَبِيع مَا يستعينون بِهِ على عيدهم وَلَا بِإِجَازَة دوابهم ليركبوها فِي عيدهم لِأَن أعيادهم مِمَّا حرمه الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم لما فِيهَا من الْكفْر والفسوق والعصيان
وَأما إِذا فعل الْمُسلمُونَ مَعَهم أعيادهم مثل صبغ الْبيض وتحمير دوابهم بمغرة وَيجوز وتوسيع النَّفَقَات وَعمل طَعَام فَهَذَا أظهر من أَن يحْتَاج إِلَى سُؤال بل قد نَص طَائِفَة من الْعلمَاء من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَمَالك على كفر من يفعل ذَلِك وَقَالَ بَعضهم من ذبح بطيخة فِي عيدهم فَكَأَنَّمَا ذبح خنزيرا وَلَو تشبه الْمُسلم باليهود أَو النَّصَارَى فِي شَيْء من الْأُمُور المختصة بهم لنهى عَن ذَلِك بِاتِّفَاق الْعلمَاء وَإِن كَانَ أصل ذَلِك جَائِزا إِذا لم يكن من شعارهم مثل لِبَاس الْأَصْفَر وَنَحْوه فَإِن هَذَا جَائِز فِي الأَصْل لَكِن لما صَار من شعار الْكفْر لم يجز لأحد أَن يلبس عِمَامَة صفراء أَو زرقاء لكَون ذَلِك من لباسهم الَّذِي يمتازون بِهِ فَكيف من يشاركهم فِي عَادَتهم وشعاذر دينهم بل لَيْسَ لأحد من الْمُسلمين أَن يخص مواسمهم بِشَيْء مِمَّا يخصونها بِهِ فَلَيْسَ للْمُسلمِ أَن يخص خميسهم الحقير لَا بتجديد طَعَام الرز والعدس وَالْبيض الْمَصْبُوغ وَغير ذَلِك وَلَا بالتجمل بالثياب وَلَا بصبغ دَوَاب وَلَا بنشر ثِيَاب وَلَا غير ذَلِك وَمن فعل ذَلِك على وَجه الْعِبَادَة والتقرب بِهِ واعتقاد
التبرر بِهِ فَإِنَّهُ يعرف دين الْإِسْلَام وَأَن هَذَا لَيْسَ مِنْهُ بل هُوَ ضِدّه ويستتاب مِنْهُ فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل
وَلَيْسَ لأحد أَن يُجيب دَعْوَة مُسلم يعْمل فِي أعيادهم مثل هَذِه الْأَطْعِمَة وَلَا يحل لَهُ أَن يَأْكُل من ذَلِك بل لَو ذبحواهم فِي أعيادهم شَيْئا لأَنْفُسِهِمْ فَفِي جَوَاز أكل الْمُسلم من ذَلِك نزاع بَين الْعلمَاء وَالأَصَح عدم الْجَوَاز لكَوْنهم يذبحونها على وَجه القربان فَصَارَ من جنس مَا ذبح على النصب وَمَا أهل بِهِ لغير الله وَأما ذبح الْمُسلم لنَفسِهِ فِي أعيادهم على وَجه الْقرْبَة فَكفر بَين كالذبح للنصب وَلَا يجوز الْأكل من هَذِه الذَّبِيحَة بِلَا ريب وَلَو لم يقْصد التَّقَرُّب بذلك بل فعله لِأَن عَادَة أَو لتفريج أَهله فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْك ذَلِك وَاسْتحق الْعقُوبَة البليغة إِن عَاد إِلَى مثل ذَلِك لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ منا من تشبه بغيرنا وَمن تشبه بِقوم فَهُوَ مِنْهُم وَقد بسطنا ذَلِك فِي كتَابنَا اقْتِضَاء الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَذكرنَا دَلَائِل ذَلِك كلهَا وَسَأَلَ رجل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي نذرت أَن أذبح بيوانة قبل أوف بنذري فَقَالَ إِن كَانَ بِهِ عيد من أعياد الْمُشْركين أَو وثن فَلَا تذبح بهَا فَنَهَاهُ أَن يذبح فِي مَكَان كَانُوا يتخذونه فِي الْجَاهِلِيَّة عيدا لِئَلَّا يكون ذبحه ذَرِيعَة لي إحْيَاء سنَن الْكفْر فَكيف بِمن يظْهر شَعَائِر كفرهم وإفكهم وَإِن كَانَ لَا يعلم أَنه من خَصَائِص دينهم بل يَفْعَله على وَجه الْعَادة فَهِيَ عَادَة جَاهِلِيَّة مَأْخُوذَة عَنْهُم لَيْسَ هَذَا من عادات الْمُسلمين الَّتِي أخذوها عَن الْمُؤمنِينَ
وَالدّين الْفَاسِد هُوَ عبَادَة غير الله أَو عبَادَة الله فَاسِدَة ابتدعها بعض الضَّالّين وَالدّين الصَّحِيح عبَادَة الله وَحده وعبادته بِمَا شرع الله وَرَسُوله وَقد كره السّلف صِيَام أَيَّام أعيادهم وَإِن لم يقْصد تعظيمها فَكيف بتخصيصها بِمثل مَا يَفْعَلُونَهُ هم بل قد نهى أَئِمَّة الدّين عَن أَشْيَاء ابتدعها بعض النَّاس من الأعياد وَإِن لم تكن من أعياد الْكفَّار كَمَا يَفْعَلُونَهُ فِي يَوْم عَاشُورَاء وَفِي رَجَب وَفِي لَيْلَة