الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فِي الْأَحَادِيث الَّتِي سُئِلَ فِيهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن السَّاعَة فَقَالَ إِن يَعش هَذَا الْغُلَام لن يُدْرِكهُ الْهَرم حَتَّى تقوم السَّاعَة
المُرَاد بذلك سَاعَة الْقرن وَهن مَوْتهمْ فَإِن فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كَانَ الْأَعْرَاب إِذا قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَأَلُوهُ مَتى السَّاعَة فَينْظر إِلَى أحدث إِنْسَان مِنْهُم فَيَقُول إِن يَعش هَذَا الْغُلَام لم يُدْرِكهُ الْهَرم حَتَّى تقوم عَلَيْكُم سَاعَتكُمْ قَالَ هِشَام يَعْنِي مَوْتهمْ
فَهَذَا يبين تِلْكَ الْأَحَادِيث
وَقد يُرَاد بالقيامة الْمَوْت وَأَن من مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته كَمَا قَالَ الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة رضي الله عنه أَيهَا النَّاس إِنَّكُم تَقولُونَ الْقِيَامَة الْقِيَامَة وَإِن من مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته
وَلَيْسَ وَاحِد من هذَيْن النَّوْعَيْنِ منافيا لما أخبر الله بِهِ من الْقِيَامَة الْكُبْرَى الَّتِي يقوم فِيهِ النَّاس من قُبُورهم لرب الْعَالمين حُفَاة عُرَاة بعد أَن تُعَاد الْأَرْوَاح إِلَى الأجساد وَإِنَّمَا يُنكر هَذَا أهل الزندقة من الفلاسفة وَنَحْوهم ويتأولون مَا فِي الْقُرْآن من ذَلِك وَمن ذكر الْقِيَامَة على أَن المُرَاد بهَا الْمَوْت {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} إِنَّهَا أَعْضَاء الْإِنْسَان وحواسه {وَإِذا الْجبَال سيرت} إِنَّهَا أعضاؤه الْكِبَار الَّتِي يحملهَا الحاملون إِلَى الْقَبْر {وَإِذا العشار عطلت} إِنَّهَا مَا فِي بدنه من الْأَرْوَاح البخارية وقواها
وأمثال هَذِه التأويلات الَّتِي يذكرونها السهرودي الْمَقْتُول على الزندقة فِي الْأَرْوَاح الْعمادِيَّة ويذكرها من المتفلسفة القرامطة الباطنية
فَإِن الْقِيَامَة الْكُبْرَى مِمَّا علم بالاضطرار من دين الْإِسْلَام وَمن تدبر الْقُرْآن
وَتَفْسِيره وَالْأَحَادِيث المتواترة عَنهُ صلى الله عليه وسلم وَعَن أَصْحَابه وَسَائِر الْأَئِمَّة علم ذَلِك كَمَا يعلم أَن مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ وبالصوم وَحج الْبَيْت الْعَتِيق وَتَحْرِيم الْفَوَاحِش وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي أول سُورَة الْوَاقِعَة وَقَالَ فِي آخر السُّورَة فلولا إِذا بلغت الْحُلْقُوم فَهَذَا تَفْصِيل لحَال الْمَوْت كَمَا أَن أول السُّورَة لذكر الْقِيَامَة
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} ثمَّ قَالَ {وَلَا أقسم بِالنَّفسِ اللوامة أيحسب الْإِنْسَان ألن نجمع عِظَامه} فَجمع عِظَامه هُوَ فِي الْقِيَامَة الْكُبْرَى إِلَى قَوْله {أذا بلغت التراقي وَقيل من راق وَظن أَنه الْفِرَاق} فَبين مَا يَقُوله عِنْد الْمَوْت إِلَى قَوْله {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى ألم يَك نُطْفَة من مني يمنى} إِلَى أَن قَالَ {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى}
فاستدل سُبْحَانَهُ بقدرته على الْخلق الأول على قدرته على إحْيَاء الْمَوْتَى وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن كثير يسْتَدلّ بالنشأة على الْبَعْث فِي الْقِيَامَة الْكُبْرَى وَتارَة يبين الْعَبَث بِبَيَان قدرته على خلق الْحَيَوَان وَتارَة بِخلق النَّبَات كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث} الْآيَة وَقَوله {وَترى الأَرْض هامدة فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت} إِلَى قَوْله {وَأَنه يحيي الْمَوْتَى وَأَنه على كل شَيْء قدير وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور} وَقَوله {وأحيينا بِهِ بَلْدَة مَيتا كَذَلِك الْخُرُوج} {كَذَلِك النشور} فَهَذَا كُله بَيَان للقيامة الْكُبْرَى
وَتارَة يسْتَدلّ عَلَيْهَا بقدرته على خلق الْعَالم كَمَا فِي قَوْله فِي سُورَة ق {أفلم ينْظرُوا إِلَى السَّمَاء} إِلَى قَوْله {ونزلنا من السَّمَاء مَاء مُبَارَكًا} إِلَى قَوْله {كَذَلِك الْخُرُوج} ثمَّ ذكر الْمَوْت بقوله {وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ} وَقَوله {أَو لَيْسَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِقَادِر على أَن يخلق مثلهم} وَقَوله {لخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس} وَقَوله تَعَالَى
وَتارَة يسْتَدلّ بالنشأة الأولى نَحْو قَوْله {وَضرب لنا مثلا} ألايات وَقَوله تَعَالَى {قل كونُوا حِجَارَة أَو حديدا} الْآيَة
وَذكر إحْيَاء الْمَوْتَى فِي غير مَوضِع نَحْو قَوْله تَعَالَى {ثمَّ بعثناكم من بعد موتكم} وَقَالَ فِيهَا أَيْضا {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى} وَقَالَ فِيهَا {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت فَقَالَ لَهُم الله موتوا ثمَّ أحياهم} وَقَالَ فِيهَا {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها ثمَّ نكسوها لَحْمًا} وَذَلِكَ أَكثر من أَن يحصر
وَأما أَشْرَاط السَّاعَة الَّتِي ذكر الله تَعَالَى أَنه لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ مثل الدَّجَّال وَالدَّابَّة وطلوع الشَّمْس من معربها وَغير ذَلِك فَهِيَ من أشرط السَّاعَة وَهِي الْقِيَامَة الْكُبْرَى الَّتِي لَا يعلمهَا أحد إِلَّا الله فَهَذِهِ ابساعة لَا يعلمهَا أحد غَيره سُبْحَانَهُ بِخِلَاف غَيرهَا من موت الْإِنْسَان وانخرام الْقرن فَإِنَّهُ يعرفهُ من الْخلق من شَاءَ الله مِنْهُم وَجُمْهُور الْخلق يعلمُونَ ذَلِك تَقْرِيبًا وَإِن لم يعلموه تحديدا كَمَا يعمون أَن غَالب الْخلق لَا يبقون مائَة سنة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة
وَقد يعلم ذَلِك بطرِيق أُخْرَى مِمَّا لَا يَتَّسِع لَهُ هَذَا الْموضع
فَلَا يُقَال فِي تِلْكَ السَّاعَة الصُّغْرَى {لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي حفي علمهَا على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَقَالَ {إِنَّمَا علمهَا عِنْد الله} وَقد قَالَ {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث وَيعلم مَا فِي الْأَرْحَام وَمَا تَدْرِي نفس مَاذَا تكسب غَدا وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت إِن الله عليم خَبِير}
وَالنَّاس فِي الْمعَاد على أَرْبَعَة أَصْنَاف
فَالَّذِي عَلَيْهِ الرُّسُل وأتباعهم الَّذين لَا بِدعَة فيهم هُوَ الاقرار بمعاد الْأَبدَان والأرواح
وَأكْثر هَؤُلَاءِ الدهرية كذبُوا بالمعاد مُطلقًا
وَبَين هذَيْن طَائِفَتَانِ طَائِفَة من أهل الْكَلَام أقرُّوا بمعاد الْأَبدَان وَالْقِيَامَة الْكُبْرَى وأنكروا أَمر الرّوح فَلم يقرُّوا بِأَنَّهُ بعد الْمَوْت يكون فِي نعيم أَو عَذَاب
وَمِنْهُم من أقرّ بِالْعَذَابِ على الْبدن فَقَط دون الرّوح وَزعم أَن الرّوح هِيَ الْحَيَاة الَّتِي للبدن وَمِنْهُم من يقر بمعاد الرّوح فَقَط
وَطَائِفَة من المتفلسفة أقرُّوا بمعاد الْأَنْفس فَقَط دون الْأَبدَان وَكَفرُوا بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل
وَقد دخل مَعَ أُولَئِكَ من متكلمى الْإِثْبَات جمَاعَة كَالْقَاضِي أبي بكر بن الطّيب وَأَمْثَاله مِمَّن يزْعم أَن الرّوح لَيست جواهرا قَائِما لَكِنَّهَا عرض من أَعْرَاض الْبدن
وَمِنْهُم من جعل الرّوح جَزَاء من أَجزَاء الْبدن وَهُوَ الرّيح الَّذِي يدْخل الْبدن وَيخرج مِنْهُ البخار الَّذِي من الْقلب وَهَذِه الْأَقْوَال فَاسِدَة
وَالَّذِي عَلَيْهِ السّلف أَن الرّوح الَّتِي تقبض بِالْمَوْتِ لَيست هِيَ الْبدن وَلَا جُزْء مِنْهُ وَلَا صفة من صِفَاته بل هِيَ جَوْهَر قَائِم بِنَفسِهِ وَدَلَائِل الْكتاب وَالسّنة على ذَلِك كَثِيرَة جدا
لَكِن هَؤُلَاءِ مَعَ غلطهم وضلالهم أقرب إِلَى الْإِسْلَام مِمَّن قَالَ إِن هَذِه الرّوح لَيست دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا تُوصَف بحركة وَلَا سُكُون وَلَا دُخُول وَلَا خُرُوج وَلَا تحول وَلَا انْتِقَال وَأَن الْمعَاد لَيْسَ إِلَّا لَهَا وَالْبدن لَا يُعَاد فَإِن إِنْكَار معاد الْأَبدَان كفر بَين وَقد علم من دين الْإِسْلَام فَسَاده وَأَن المكذبين بالمعاد مراغمون للرسل مراغمة بَيِّنَة كَمَا قد بسط فِي موصعه وَالله أعلم