الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستحقيه بِكِتَاب الله كَانَ عدلا بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَلَو قسم مغنما بَين الْغَانِمين بِالْحَقِّ كَانَ عدلا باجماع الْمُسلمين وَلَو حكم بِبَيِّنَة عادلة لَا معَارض لَهَا وَجب طَاعَته فِيهِ
فَأَما إِن كَانَت الْقِسْمَة غير عادلة مثل أَن يُعْطي بعض النَّاس فَوق مَا يسْتَحق أَو ينقص بَعضهم فَهَذَا من الأثرة الَّتِي ذكرهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ على الْمُسلم السّمع وَالطَّاعَة فِي عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عَلَيْهِ مَا لم يُؤمر بِمَعْصِيَة وَمَعْلُوم أَن هَذَا مَا زَالَ فِي وُلَاة الْأَمر وَإِنَّمَا يسْتَثْنى الْخُلَفَاء الراشدون وَمن اتبعهم على سُنَنهمْ
وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول آخذه بِمُجَرَّد الِاسْتِيلَاء كَمَا لَو لم يكن حَاكم وَلَا قَاسم فَإِنَّهُ على نُفُوذ هَذِه الْمقَالة تبطل الْأَحْكَام والأعطية الَّتِي فعلهَا وُلَاة الْأُمُور جَمِيعهم غير الْخُلَفَاء وَحِينَئِذٍ تسْقط طَاعَة وُلَاة الْأُمُور إِذا فرق بَين حكم وَقسم وَبَين عَدمه وَفِي ذَلِك من الْفساد فِي الْعقل وَالدّين مَالا يخفي فَإِنَّهُ لَو فتح ذَلِك الْبَاب أفْضى إِلَى فَسَاد أعظم من الْمَظَالِم ثمَّ كَانَ كل وَاحِد يظنّ أَن مَا يَأْخُذهُ بِنَفسِهِ هُوَ حَقه وَلَيْسَ للْإنْسَان أَن يكون حَاكما لنَفسِهِ وَلَا شَاهدا لَهَا فَكيف يكون قاسما لَهَا وَلَو كَانَ على مَا يَظُنّهُ الْجَاهِل لَكَانَ وجود الْحَاكِم كَعَدَمِهِ وَهَذَا لَا يَقُوله عَاقل بل قَالَ الْعُقَلَاء سِتُّونَ سنة من سُلْطَان ظَالِم خير من لَيْلَة بِلَا سُلْطَان وَمَا أحسن قَول عبد الله بن الْمُبَارك رَحمَه الله تَعَالَى
…
لَوْلَا الْأَئِمَّة لم يُؤمن لنا سبل
…
وَكَانَ أضعفنا نهبا لاقوانا
…
فصل
وَيجوز إِجَارَة المقصبة ليقوم عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجر ويسقيها فتنبت الْعُرُوق الَّتِي فِيهَا بِمَنْزِلَة من يسْقِي الأَرْض لينبت لَهُ فِيهَا الْكلأ بِلَا بذر
ثَبت أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم احْتجم وَأعْطى الْحجام أجره وَلَو كَانَ سحتا لم يُعْطه إِيَّاه
وَلَا ريب أَن الْحجام إِذا حجم أعطي أُجْرَة حجمه عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء وَإِن كَانَ فِيهِ قَول ضَعِيف بِخِلَاف ذَلِك وَقد أرخص لَهُ أَن يعلفه نَاضِحَهُ ويطعمه رَقِيقه كَمَا روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبِذَلِك احْتج أَكثر الْعلمَاء على أَنه لَا يحرم وَإِنَّمَا يكره للْخَبَر تَنْزِيها لِأَنَّهُ لَا يَأْمر بإطعام الْحَرَام للرقيق
وَقيل بل يحرم لما روى مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كسب الْحجام خَبِيث وَمَا رُوِيَ أَنه نهى عَن ثمن الدَّم
قَالَ الْأَولونَ وَكَذَلِكَ قَالَ من أكل من هَاتين الشجرتين الخبيثتين فَلَا يقربن مَسْجِدنَا فسماهما خبيثتين لخبث ريحهما وليستا حَرَامًا وَقَالَ لَا يصلين أحدكُم وَهُوَ مَا يدافعه الأخبثان فَيكون تَسْمِيَته خبيثا لملاقاة النَّجَاسَة لَا لتحريمه بِدَلِيل أَنه أعْطى الْحجام أجره وَأذن أَن يطعمهُ الرَّقِيق والبهائم وَمهر الْبَغي لَا يطعمهُ رَقِيقا
وَبِكُل حَال فحال الْمُحْتَاج لَيْسَ كَحال المستغني عَنهُ كَمَا قَالَ بعض السّلف كسب فِيهِ بعض الدناءة خير من مَسْأَلَة النَّاس
وَلِهَذَا تنَازع النَّاس أَخذ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن وَنَحْوه على ثَلَاثَة أَقْوَال لِأَحْمَد وَغَيره
أَحدهَا أَنه يُبَاح للمحتاج قَالَ أَحْمد أُجْرَة التَّعْلِيم خير من جوائز السُّلْطَان وجوائز السُّلْطَان خير من صلَة الإخوان
وأصول الشَّرِيعَة تفرق فِي المنهيات بَين الْمُحْتَاج وَغَيره كَمَا فِي المأمورات
فأبيحت الْمُحرمَات عِنْد الضَّرُورَة لَا سِيمَا إِذا قدر أَنه يعدل على ذَلِك إِلَى سُؤال النَّاس فَالْمَسْأَلَة أَشد تَحْرِيمًا وَلِهَذَا قَالَ الْعلمَاء يجب أَدَاء الْوَاجِبَات وَإِن لم يقم إِلَّا بِالشُّبُهَاتِ كَمَا سُئِلَ الإِمَام أَحْمد رضي الله عنه سَأَلَهُ رجل فَقَالَ إِن ابْنا لي مَاتَ وَعَلِيهِ دين وَله دُيُون أَكثر مِمَّا عَلَيْهِ أفأتقاضاها فَقَالَ أتدع ذمَّة ابْنك مرتهنة بدينة وَلِهَذَا اتّفق الْعلمَاء على أَن رزق الْحَاكِم وَأَمْثَاله جَائِز عِنْد الْحَاجة وَتَنَازَعُوا فِي الرزق عِنْد عدمهَا وَأَصله ولي الْيَتِيم يَأْكُل من مَال الْيَتِيم لِحَاجَتِهِ قَالَ الله تَعَالَى {وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ}
إِذْ الشَّرِيعَة مبناها على تَحْصِيل الْمصَالح وتكميلها وتعطيل الْمَفَاسِد وتقليلها والورع ترجيج خير الخيرين بِتَقْدِيم أَحدهمَا وَدفع شَرّ الشرين وَإِن حصل أدناهما
وَقد جَاءَ فِي الْحجامَة أَحَادِيث كَثِيرَة وَفِي الصَّحِيح أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ شِفَاء أمتِي فِي ثَلَاث شربة غسل أَو شرطة محجم أَو كَيَّة نَار وَمَا أحب أَن أكتوى والتداوي بالحجامة جَائِز بِالسنةِ المتواترة وَإِجْمَاع الْعلمَاء
وَإِذا جَاءَ من يخْتم القماش بِدَرَاهِم يَدْفَعهَا عَن دينه وَذكر أَنَّهَا من غير كَسبه وَغلب عَليّ الظَّن صَدَقَة جَازَ أَخذهَا وَإِن لم يغلب على الظَّن كذبة جَازَ تَصْدِيق إِذا لم يعرف كذبه
وَأي الْأَمريْنِ أفضل فِي أَرض تقبل للنَّاس أَن تَأْخُذ أجرتهَا وَتَتَصَدَّق بهَا أَو تقبل بِلَا أُجْرَة إِن كَانُوا فُقَرَاء فَتَركه لَهُم أفضل وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء وَهُنَاكَ مُحْتَاج فَأخذ الْأُجْرَة لأجل الْمُحْتَاج أفضل
وَمن اسْتَأْجر أَجِيرا يعْمل فِي بُسْتَان فَترك الْعَمَل الْمَشْرُوط عَلَيْهِ من غير عذر فَتلف من المَال شَيْء ضمن مَا تلف بِسَبَب تفريطه
وَمن اسْتَأْجر أَرضًا فَمَا وَالْأُجْرَة مقسطة فَلَا يجب على أَوْلَاده تَعْجِيل جَمِيع الْأُجْرَة لَكِن إِذا لَا يُوثقُوا بِهِ فَلهُ أَن يطالبهم بِمن يضمن لَهُ الْأُجْرَة فِي أقساطها وَهَذَا قَول من يَقُول لَا يحل الدّين الْمُؤَجل بِمَوْت من هُوَ عَلَيْهِ ظَاهر فَأَما على قَول
من يَقُول إِنَّه يحل فَكَذَلِك هُنَا على الصَّحِيح من قولي الْعلمَاء لِأَن الْوَارِث الَّذِي ورث الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ أُجْرَة تِلْكَ الْمَنْفَعَة الَّتِي استوفاها بِحَيْثُ لَو كَانَ على الْمَيِّت دُيُون لم يكن للْوَارِث أَن يخْتَص بِمَنْفَعَة ويزاحم أهل الدّين بِالْأُجْرَةِ بِنَاء على أَنَّهَا من الدُّيُون الَّتِي على الْمَيِّت كَمَا لَو كَانَ ثمن مَبِيع نافد بِمَنْزِلَة أَن تنْتَقل الْمَنْفَعَة إِلَى مُشْتَر أَو متهب مثل أَن يَبِيع الأَرْض أَو يَهَبهَا أَو تورث عَنهُ فَإِن أُجْرَة الأَرْض من حِين الِانْتِقَال تلْزم أَو الْمُتَّهب أَو الْوَارِث فِي أصح قولي الْعلمَاء كَمَا عَلَيْهِ عمل الْمُسلمين فَإِنَّهُم يطالبون المُشْتَرِي وَالْوَارِث بالحكر قسطا لَا يطْلبُونَ الحكر جَمِيعه من البَائِع أَو تَركه الْمَيِّت على ذَلِك لِأَن الْمَنَافِع لَا نستقر إِلَّا بِاسْتِيفَاء الْأُجْرَة وَلَو تلفت الْمَنَافِع قبل الِاسْتِيفَاء سَقَطت الْأُجْرَة بِاتِّفَاق وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَغَيره أَن الْأُجْرَة لَا تملك بِالْعقدِ بل بِالِاسْتِيفَاءِ وَلَا يملك الْمُطَالبَة إِلَّا شَيْئا فَشَيْئًا وَلِهَذَا قَالَ إِن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِن قَالَا لَا تملك بِالْعقدِ الْمُطَالبَة بهَا إِذا أسلم الْعين فَلَا نزاع عِنْدهمَا أَنَّهَا تملك إِلَّا بالإستياء وَلَا نزاع أَنَّهَا إِذا كَانَت مُؤَجّلَة لم تطلب إِلَّا عِنْد مَحل الْأَجَل فَإِذا كلف الْوَارِث أَن يعجل الْأُجْرَة الَّتِي لم تجب إِلَّا مؤجرة مَعَ تَأْخِير اسْتِيفَاء حَقه من الْمَنْفَعَة كَانَ هَذَا ظلما لَهُ مُخَالفا للعدل الَّذِي هُوَ مبْنى الْمُعَاوضَة وَإِذا لم يرض الْوَارِث بِأَن يجب عَلَيْهِ الْأُجْرَة وَقَالَ الْمُؤَجّر أَنا مَا أسلم إِلَيْك الْمَنْفَعَة لتوفى حَقك مِنْهَا فأوجبنا عَلَيْهِ أَدَاء الْأُجْرَة حَالَة من التَّرِكَة مَعَ تَأْخِير الْمَنْفَعَة تبين مَا فِي ذَلِك من الحيف عَلَيْهِ
وَأما إِذا كَانَ الْمُؤَجّر وَقفا فَهُنَا لَيْسَ للنَّاظِر تَعْجِيل الْأُجْرَة كلهَا بل لَو شَرط ذَلِك لم يجز لِأَن الْمَنَافِع المستقلة إِذن لم يملكهَا وَيملك أجرتهَا من يحدث فِي الْمُسْتَقْبل فَإِذا تعجلت من غير حَاجَة إِلَى عمَارَة كَانَ ذَلِك أخذا لما لم يسْتَحقّهُ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ الْآن
وَأجَاب لَا يلْزمهُم تَعْجِيل الْأُجْرَة فِي أصح قولي الْعلمَاء لَا سِيمَا إِذا كَانَ الْمُؤَجّر حبسا فَإِن تَعْجِيل الْأُجْرَة فِي الْحَبْس لَا يجوز إِلَّا لعمارة وَنَحْوهَا لِأَن