المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَيدل على ذَلِك أَن قصَّة الذَّبِيح كَانَت بِمَكَّة وَلما فتح - مختصر الفتاوى المصرية - ط الفقي

[بدر الدين البعلي]

فهرس الكتاب

- ‌بَاب النِّيَّة

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌فَصِلَ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الاستطابة

- ‌بَاب الْغسْل

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب الْحيض

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة التَّطَوُّع

- ‌فصل

- ‌بَاب الْأَدْعِيَة والأذكار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الْكُسُوف

- ‌بَاب فِي الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب فِي ترك الصَّلَاة

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الرّوح

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الصَّيام

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سُؤال

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب اللبَاس

- ‌كتاب الْبيُوع

- ‌فصل فِيمَا يجوز بَيْعه ومالا يجوز

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بيع الْأُصُول وَالثِّمَار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌كتاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الاجارة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْوَقْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب اللّقطَة

- ‌كتاب الْوَصَايَا

- ‌فصل

- ‌كتاب الْفَرَائِض

- ‌فصل

- ‌كتاب النِّكَاح وشروطه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَوْلِيَاء

- ‌فصل

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب عشرَة النِّسَاء وَالْخلْع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْعدَد

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كتاب النَّفَقَات

- ‌كتاب الْهِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجراح

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب حد الزِّنَا وَالْقَذْف

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الذُّنُوب الْكَبَائِر

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَشْرِبَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌فصل

- ‌بَاب عقد الذِّمَّة

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌بَاب الصَّيْد والذبائح

- ‌فصل فِي السَّبق

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب جَامع الْأَيْمَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور

- ‌فصل

- ‌بَاب فِي آدَاب القَاضِي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الشَّهَادَات

- ‌فصل

- ‌كتاب الدعاوي والبينات

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: وَيدل على ذَلِك أَن قصَّة الذَّبِيح كَانَت بِمَكَّة وَلما فتح

وَيدل على ذَلِك أَن قصَّة الذَّبِيح كَانَت بِمَكَّة وَلما فتح النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَكَّة كَانَ قرنا الْكَبْش فِي الْكَعْبَة فَقَالَ للسادن أردْت أَن آمُرك أنتخمر قَرْني الْكَبْش ففنسيت فخمرها فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْقبْلَة شئ يلهي الْمُصَلِّي فَلهَذَا جعلت مني محلا للنسك من عهد إِبْرَاهِيم

وَإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل هما اللَّذَان بنيا الْبَيْت بِنَصّ الْقُرْآن وَلم يقل أحد أَن إِسْحَاق ذهب إِلَى مَكَّة

وَبَعض الْمُفَسّرين من أهل الْكتاب يزْعم أَن قصَّة الذَّبِيح كَانَت فِي الشَّام وَهَذَا افتراء بَين فَإِنَّهُ لَو كَانَ بِبَعْض جبال الشَّام لعرف ذَلِك الْجَبَل وَرُبمَا جعل منسكا كَمَا جعل الْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي بناه إِبْرَاهِيم وَمَا خوله من المشاعر وَهُنَاكَ دَلَائِل أخر وعَلى مَا ذَكرْنَاهُ أسئلة أوردهَا طَائِفَة كَابْن جرير وَالْقَاضِي أبي يعلى والسهيلي وَلَكِن لَا يَتَّسِع هَذَا الْموضع لذكرها وجوابها

‌‌

‌فصل

وَمن ضحى بِشَاة ثمنهَا أَكثر من ثمن الْبَقَرَة كَانَ أفضل من الْبَقَرَة فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَي الصَّدقَات أفضل فَقَالَ أغلاها ثمنا وأنفسها عِنْد أَهلهَا وَالَّذِي دلّت عَلَيْهِ السّنة أَن الضحية وَإِن كَانَت وَاجِبَة يضحى الرجل بِالشَّاة الْوَاحِدَة عَنهُ وَعَن أهل بَيته فقد ضحى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بكبشين وَقَالَ الله مهذا عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد وَقَالَ الرجل يضحى بِالشَّاة الْوَاحِدَة عَن أهل بَيته

فصل

الْأَعْمَال الَّتِي تكون بَين أثنين فَصَاعِدا يطْلب كل مِنْهُمَا أَن يغلب الآخر ثَلَاثَة أَصْنَاف

ص: 525

صنف أَمر بِهِ وَرَسُوله كالسباق بِالْخَيْلِ وَالرَّمْي بِالنَّبلِ وَنَحْوه من الآت الْحَرْب لِأَنَّهُ مِمَّا يعين على الْجِهَاد فِي سَبِيل الله

والصنف الثَّانِي مَا نهى الله وَرَسُوله بقوله {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ} إِلَى آخر الْآيَة

مَسْأَلَة فالميسر محرم بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع وَمِنْه اللّعب بالنرد وَالشطْرَنْج وَمَا أشبهه مِمَّا يصد عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة ويوقع الْعَدَاوَة والبغضاء فاذا كَانَ بعوض حرم إِجْمَاعًا وَإِن لم يكن بعوض فَفِيهِ نزاع عِنْد الصَّحَابَة وَجُمْهُور الْعلمَاء كمالك وَأبي حنيفَة وَأحمد وَنَصّ الشَّافِعِي على تَحْرِيم النَّرْد وَإِن كَانَ بِلَا عوض وَتوقف فِي الشطرنج وَمِنْهُم من أَبَاحَ النَّرْد الْخَالِي عَن الْعِوَض لما ظنُّوا أَن الله حرم الميسر لأجل مَا فِيهِ من المخاطرة المتضمنة أكل المَال بِالْبَاطِلِ فَقَالُوا إِذا لم يكن فِيهِ أكل مَال بِالْبَاطِلِ زَالَ سَبَب التَّحْرِيم

وَأما الْجُمْهُور إِن تَحْرِيم الميسر تَحْرِيم الْخمر لاشْتِمَاله على الصد عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة ولالقائه الْعَدَاوَة والبغضاء وَمنعه عَن صَلَاح الْبَين الَّذِي يُحِبهُ الله وَرَسُوله وإيقاعه اللاعبين فِي الْفساد الَّذِي ببغضه الله وَرَسُوله واللعب بذلك يلهي الْقلب ويشغله ويغيب اللاعب بِهِ عَن مَصَالِحه أَكثر مِمَّا يفعل الْخمر فَفِيهَا مَا فِي الْخمر وَزِيَادَة وَيبقى صَاحبهَا عاكفا عكوف شَارِب الْخمر على خمرة وَأَشد وَكِلَاهُمَا مشبه بالعكوف على الْأَصْنَام كَمَا فِي الْمسند أَنه قَالَ شَارِب الْخمر كعابد الوثن وَثَبت عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رضي الله عنه أَنه مر بِقوم يَلْعَبُونَ الشطرنج فَقَالَ مَا هَذِه الْأَوْثَان الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون وقلب الرقعة وَإِذا كَانَ ثمَّ مَال تضمن أَيْضا أكل المَال بِالْبَاطِلِ فَيكون حَرَامًا من وَجْهَيْن وَالله حرم الرِّبَا لما فِيهِ من أكل المَال بَاطِلا

ص: 526

وَمَا نهى عَنهُ من بيع الْغرَر كَبيع حَبل الحبلة وَبيع الثِّمَار قبل بَدو الصّلاح وَالْمُلَامَسَة والمنابذة إِنَّمَا حرمه لما فِيهِ من أكل المَال بِالْبَاطِلِ

النَّوْع الثَّالِث من المغالباات مَا هُوَ مُبَاح لعدم الْمضرَّة الراجحة وَلَيْسَ مَأْمُورا بِهِ على الْإِطْلَاق لعدم احْتِيَاج الدّين إِلَيْهِ وَلَكِن قد يَقع أَحْيَانًا كالمصارعة والمسابقة على الْأَقْدَام وَنَحْوه فَهَذَا مُبَاح بِاتِّفَاق الْمُسلمين إِذا خلا عَن مفْسدَة راجحة وَقد صارع النَّبِي صلى الله عليه وسلم ركَانَة بن عبد يزِيد وسابق عَائِشَة وَكَانَ أَصْحَابه رضي الله عنهم يتسابقون على أَقْدَامهم بِحَضْرَتِهِ لَكِن أَكثر الْعلمَاء لَا يجوزون فِي هَذَا سبقا وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل وَلِأَن إِنَّمَا أُبِيح إِعَانَة على مَا أوجبه الله وَرَسُوله من الْجِهَاد وَأَبُو حنيفَة أَبَاحَ السَّبق بالمحلل كَمَا يبيحه فِي سباق الْخَيل بِنَاء على أَن الْعَمَل بِنَفسِهِ مُبَاح والسبق عِنْده من الْجعَالَة والجعالة تجوز على الْعَمَل الْمُبَاح وَالَّذِي قَالَه هُوَ الْقيَاس وَلَو كَانَ السَّبق الْمَشْرُوع من جنس الْجعَالَة فان النَّاس قد تنازعوا فِي جَوَاز الْجعَالَة وأبطلها طَائِفَة من الظَّاهِرِيَّة وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور جَوَازهَا وَلَيْسَت عقدا لَازِما لِأَن الْعَمَل فِيهَا مَعْلُوم وَلِهَذَا يجوز أَن يَجْعَل للطبيب جعلا على الشِّفَاء كَمَا جعل سيد الْحَيّ اللذيغ لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين رقاه أَبُو سعيد الخذري وَلَا يجوز أَن يسْتَأْجر الطَّبِيب على الشِّفَاء لِأَنَّهُ غير مَقْدُور عَلَيْهِ

وَمن هُنَا يظْهر فقه بَاب السَّبق فَإِن كثيرا من الْعلمَاء اعتقدوا أَن السَّبق إِذا كَانَ من الجانبيين وَلَيْسَ بَينهمَا مُحَلل كَانَ هَذَا من الميسر الْمحرم وَأَنه قمار لِأَن كلا مِنْهُمَا مُتَرَدّد بَين أَن يغرم أَو يغنم وَمَا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ قمار واعتقدوا أَن الْقمَار إِنَّمَا الْمحرم حرم لما فِيهِ من المخاطرة وَالتَّعْزِير وظنوا أَن الله حرم الميسر لذَلِك وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي المتسابقين إِذا أخرج كل مِنْهُمَا السَّبق فحرموا ذَلِك وروى فِي ذَلِك حَدِيث ظَنّه بَعضهم صَحِيحا وَهُوَ قَوْله من أَدخل فرسا بَين فرسين وَهُوَ

ص: 527

لَا يَأْمَن أَن يسْبق فَلَيْسَ بقمار وَمن أَدخل فرسا بَين فرسا وَهُوَ آمن أَن يسْبق فَهُوَ قمار

وَمَعْلُوم أَن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ هُوَ من كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم بل هُوَ من كَلَام سعيد بن الْمسيب هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَات وَرَفعه سُفْيَان بن حُسَيْن الوَاسِطِيّ وَهُوَ ضَعِيف

ثمَّ إِن الَّذين اعتقدوا أَن هَذِه الْمُسَابقَة بِلَا مُحَلل قمار تنازعوا بعد ذَلِك فَمنهمْ من لم يجوز الْعِوَض بِحَال وَمِنْهُم من جوزه من أَحدهمَا بِشَرْط أَن لَا يرجع إِلَيْهِ بل يُعْطِيهِ الْجَمَاعَة إِن غلب وروى ذَلِك عَن مَالك وَغَيره وَهُوَ أصح

وَالْقِيَاس لَو كَانَت الْمُسَابقَة من الطَّرفَيْنِ قمارا محرما فَإِنَّهُم رَأَوْا أَن هَذِه لَيست جعَالَة يقْصد الْجَاعِل فِيهَا بدل الْجعل فِي عمل ينْتَفع بِهِ إِنَّمَا يقْصد أَن يغلب صَاحبه فحرموها وَقَالُوا دُخُول الْمُحَلّل فِيهَا يزيدها شرا وَأَن المغامرة حرمت لما فِيهَا من أكل المَال بِالْبَاطِلِ والمحلل يزيدها شرا فَإِن المتسابقين إِذا غلب أَحدهمَا صَاحبه فَأخذ مَاله كَانَ هَذَا فِي مُقَابلَة أَن الآخر إِذا غَلبه أَخذ مَاله فَكَانَ مبناها على الْعدْل بِخِلَاف الْمُحَلّل فانه ظلم مَحْض فانه بعرضة أَن يغنم أَو يسلم والآخران قد يغرمان فَلَا يستوون فِي الْمغنم والمغرم والسلامة بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن بَينهمَا مُحَلل فكلاهما قد يغرم وَقد يغنم وَقد يسلم فِيمَا إِذا تَسَاويا وجاءا مَعًا فَهَذَا أقرب إِلَى الْعدْل فاذا حرم الْأَقْرَب إِلَى الْعدْل فَلِأَن يحرم الْأَبْعَد عَنهُ بطرِيق الأولى

وَأَيْضًا فاذا قيل هَذَا محرم لما فِيهِ من المخاطرة وَأكل المَال بِالْبَاطِلِ كَانَ بالمحلل أَشد تَحْرِيمًا لِأَنَّهَا أَشد مخاطرة وَأَشد أكلا لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهَا عِنْد عَدمه إِمَّا أَن يغنم أَو يغرم أَحدهمَا وَهنا المخاطرة بَاقِيَة كل مِنْهُمَا قد يغنم أَو قد يغرم وانضم إِلَى ذَلِك مخاطرة ثَالِثَة وَهِي أَنه هُنَاكَ يغرم إِذا غَلبه صَاحبه وَهنا يغرم إِذا غَلبه الْمُحَلّل فَكَانَ الْمُحَلّل زِيَادَة فِي المخاطرة

ص: 528

وَأَيْضًا فَإِن كلا يحْتَمل أَن يغلب ويغنم أَو يغرم وَأما الْمُحَلّل فَلَا يحْتَمل أَن يغلب أَو يغرم بل هُوَ يغنم لَا محَالة أَو يعلم

فَمن تدبر هَذِه الْأُمُور علم أَن الشَّرِيعَة منزهة عَن مثل هَذَا أَن تحرم الشَّرّ دفعا لمفسدة قَليلَة ونتيجة بالمفسدة عينهَا إِذا كثرت وَلَكِن أَصْحَاب الْحِيَل كثيرا مَا يقعون فِي هَذَا فيحرمون على الرجل بعض أَنْوَاع الزِّيَادَة دفعا لأكل المَال بِالْبَاطِلِ لِئَلَّا يتَضَرَّر ويفتحون لَهُ حِيلَة يُؤْكَل فِيهَا مَاله بِالْبَاطِلِ أَكثر وَيكون فِيهَا ظلمه وضرره أعظم

وَمن الْعلمَاء من أَبَاحَ السَّبق بالمحلل كَقَوْل أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَهَذَا مَبْنِيّ على أصلين

أَحدهمَا أَن هَذِه جعَالَة

وَالثَّانِي أَن الْقمَار هُوَ المخاطرة الدائرة بَين أَن يغنم باذل المَال أَو يغرم أَو يسلم وَهَذَا الْمَعْنى يَنْتَفِي بالمحلل فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَدُور على أَمريْن أَن يغنم أَو يغرم أَو يسلم وَقد تقدم التَّنْبِيه على بعض مَا فِي كل من الْأَصْلَيْنِ

وَالْمَقْصُود الْأَعْظَم بَيَان فَسَاد ظن الظَّان أَنه بِدُونِ الْمُحَلّل قمار وبالمحلل يَزُول الْقمَار فَيُقَال

أَولا إِن الدَّلِيل الشَّرْعِيّ قد دلّ على أَن الْقمَار هُوَ هَذَا دون هَذَا

وَيُقَال ثَانِيًا المتسابقان كل مِنْهُمَا مُتَرَدّد بَين أَن يغنم أَو يغرم أَو يسلم فَإِنَّهُمَا لَو جَاءَا مَعًا لم يَأْخُذ أَحدهمَا سبق الآخر فَقَوْلهم إِن الْقمَار هُوَ المتردد بَين أَن يغنم أَو يغرم فَقَط لَيْسَ بِمُسْتَقِيم بل عِنْدهم وَإِن تردد بَين أَن يغنم أَو يغرم أَو يسلم فَهُوَ أَيْضا قمار وَهَذَا مَوْجُود مَعَ الْمُحَلّل فَإِن كلا مِنْهُمَا يتَرَدَّد بَين أَن يغنم إِن غلب وَبَين أَن يغرم إِن غلب وَبَين أَن يسلم إِن جَاءَا مَعًا أَو جَاءَ هُوَ ورفيقه مَعًا فالمخاطرة فِيهَا مَوْجُودَة مَعَ الْمُحَلّل وَبِدُون الْمُحَلّل بل زَادَت بِدُخُولِهِ

فَتبين أَن الْمَعْنى لم يزل بِدُخُول الْمُحَلّل بل ازْدَادَ مفْسدَة فَإِنَّهُ على بر السَّلامَة

ص: 529

وَلَا عدل فِيهِ بِخِلَاف مالو كَانُوا بِلَا مُحَلل فَكَانَ كل مِنْهُمَا مُسَاوِيا للْآخر فِي الِاحْتِمَال وَهَذَا عدل وَهُوَ على الْمِيزَان بَينهمَا بل الَّذِي بذل الْجعل ليجعل الرَّغْبَة فِيمَا يُحِبهُ لَا ينظر فِي مصْلحَته بل معرضًا للخسارة وَيجْعَل الدخيل الَّذِي جَاءَ تَابعا للغرض لَا يخسر شَيْئا من مَاله وَالَّذِي يتَقرَّب إِلَى الله بِمَا يُحِبهُ يخسر وَالَّذِي لم يقْصد لم يُعْط شَيْئا وَلَا يخسر بل إِمَّا سالما وَإِمَّا غانما فَهَل يحسن هَذَا فِي شرع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وإنن كَانَ الْقَائِلُونَ عُلَمَاء فضلاء أَئِمَّة فَإِنَّمَا وَقعت الشُّبْهَة من حَيْثُ ظنُّوا أَن الميسر الْمحرم الَّذِي هُوَ الْقمَار حرم لما فِيهِ من المخاطرة ثمَّ مِنْهُم من رأى المخاطرة كلهَا مُحرمَة من الْمُحَلّل وَعَدَمه وَهَذَا أقرب إِلَى الأَصْل الَّذِي ظنُّوا لَو كَانَ صَحِيحا وَمِنْهُم من رأى الْحَاجة إِلَى السَّبق وَقد جَاءَ الشَّرْع بهَا فَجمع بَين مَا أَمر الله بِهِ وَبَين مَا أبْطلهُ من الْقمَار فأباحه مَعَ الْمُحَلّل فَقَط وَالْمَقْصُود هُنَا بالجعل أَن يظْهر أَنه قوي لِأَن صَاحبه يغلبه وَيَأْخُذ مَاله بِخِلَاف الْجعَالَة فَإِن الْغَرَض بهَا الْعَمَل من الْعَامِل الَّذِي يَأْخُذ الْجعل فَلَيْسَتْ هَذِه جعَالَة والجاعل قَصده وجود الشَّرْط والمسابق الَّذِي أظهر المَال قَصده أَن لَا يُوجد الشَّرْط الَّذِي هُوَ سبق صَاحبه لَهُ بل قَصده عَدمه فَأَيْنَ هَذَا من هَذَا هَذَا يكره أَن يطْلب وَذَاكَ يجب أَن يحصل قَصده الَّذِي هُوَ رد آبقة أَو ابناء حَائِطه كَمَا يَقُول الْحَالِف إِن فعلت كَذَا فَمَالِي صَدَقَة أَو على الْحَج ومقصده أَنه لَا يَفْعَله بِخِلَاف النَّاذِر الَّذِي يَقُول إِن شفى الله مريضي فعلي أَن أَصوم شهرا وكالمخالع الَّذِي يَقُول إِن أبرأنيني من صداقك فَأَنت طَالِق

وَمن تبين حَقِيقَة هَذِه الْمَسْأَلَة تبين لَهُ أَن مَا من رأى أَنه حرَام وَلَو مَعَ مُحَلل فَقَوله أصح على مَا ظنوه

وَأما إِذا تقرر أَن تَحْرِيم الميسر لما نَص الله تَعَالَى على أَنه يُوقع الْعَدَاوَة والبغضاء ويصد عَن ذكر الله عز وجل وَعَن الصَّلَاة وَقد يشْتَد تَحْرِيمه لما فِيهِ

ص: 530

من أكل المَال بِالْبَاطِلِ والمسابقة الَّتِي أَمر الله بهَا وَرَسُوله لَا تشْتَمل لَا على هَذَا الْفساد وَلَا على هَذَا الْبَيْت فَلَيْسَتْ من الميسر وَلَيْسَ إِخْرَاج السَّبق فِيهَا مِمَّا حرمه الله وَرَسُوله وَلَا من الْقمَار الدَّاخِل فِي الميسر فَإِن لفظ الْقمَار الْمحرم لَيْسَ فِي الْقُرْآن إِنَّمَا فِيهِ لفظ الميسر والقمار دَاخل فِي هَذَا الِاسْم وَالْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة يجب أَن تتَعَلَّق بِكَلَام الله وَرَسُوله وَمَعْنَاهُ فَينْظر فِي دلَالَة أَلْفَاظ الْقُرْآن والْحَدِيث وَفِي الْمعَانِي والعلل وَالْحكم والأسباب الَّتِي علق الشَّارِع بهَا الْأَحْكَام فَيكون الِاسْتِدْلَال بِمَا أنزل الله من الْكتاب وَالْمِيزَان وَالْقِيَاس الصَّحِيح الَّذِي يسوى بَين المتماثلين وَيفرق بَين الْمُخْتَلِفين هُوَ من الْعدْل وَهُوَ من الْمِيزَان

وَذَلِكَ أَن الْمُسَابقَة والمناضلة عمل صَالح يُحِبهُ الله وَرَسُوله وَقد سَابق النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَين الْخَيل فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميا وَكَانَ قد صَار مَعَ أحد الحزبين ثمَّ قَالَ ارموا فَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ تعديلا بَين الطَّائِفَتَيْنِ

وَالرَّمْي وَالرُّكُوب قد يكون وَاجِبا وَقد يكون فرضا على الْكِفَايَة وَقد يكون مُسْتَحبا وَقد نَص أَحْمد وَغَيره على أَن الْعَمَل بِالرُّمْحِ أفضل من صَلَاة الْجِنَازَة فِي الْأَمْكِنَة الَّتِي يحْتَاج فِيهَا إِلَى الْجِهَاد كالثغور فَكيف يَرْمِي النشاب وروى أَن الْمَلَائِكَة لم تحضر شَيْئا من لهوكم إِلَّا الرَّمْي وروى أَن قوما كَانُوا يتناضلون فَحَضَرت الصَّلَاة فَقَالُوا يَا رَسُول الله قد حضرت الصَّلَاة فَقَالَ هم فِي صَلَاة وَمَا كَانَ كَذَلِك فَلَيْسَ من الميسر الَّذِي حرمه الله بل هُوَ من الْحق كَمَا قَالَ كل لَهو يلهو بِهِ الرجل فَهُوَ بَاطِل إِلَّا رمية بقوسه أَو تأديبه لفرسه أَو ملاعبته لامْرَأَته فَإِنَّهُنَّ من الْحق

وَحِينَئِذٍ فَأكل المَال بِهَذِهِ الْأَعْمَال بِالْحَقِّ لَا بِالْبَاطِلِ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث الرّقية لعمري لمن أكل برقية بَاطِل لقد أكلْتُم برقية حق فَجعل كَون الْعَمَل نَافِعًا لَا ينْهَى عَنهُ بل إِذا أكل بِهِ المَال فقد أكل بِحَق وَهنا

ص: 531

هَذَا الْعَمَل نَافِع للْمُسلمين مَأْمُور بِهِ لم ينْه عَنهُ فَالْمَعْنى الَّذِي لأَجله حرم الله الميسر أكل المَال بالقمار وَهُوَ أَن يَأْكُل المَال بِالْبَاطِلِ وَهَذَا أكل بِالْحَقِّ

وَأما المخاطرة فَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة مَا يوج تَحْرِيم كل مخاطرة بل قد علم أَن الله وَرَسُوله لم يحرما كل مخاطرة وَلَا كل مَا كَانَ مترددا بل أَن يغنم أَو يغرم أَو يسلم وَلَيْسَ فِي أَدِلَّة اشرع مَا يُوجب تَحْرِيم جَمِيع هَذِه الْأَنْوَاع لَا نصا وَلَا قِيَاسا وَلَكِن يحرم من هَذِه الْأَنْوَاع مَا يشْتَمل على أكل المَال بِالْبَاطِلِ والموجب للتَّحْرِيم عِنْد الشَّارِع أَنه أكل مَال بِالْبَاطِلِ كَمَا يحرم أكل المَال بِالْبَاطِلِ وَإِن لم يكن مخاطرة لَا أَن مُجَرّد المخاطرة محرم مثل المخاطرة على اللّعب بالنرد وَالشطْرَنْج لما فِيهِ من أكل المَال بِالْبَاطِلِ وَهُوَ لَا مَا لَا نفع فِيهِ لَهُ وَلَا للْمُسلمين فَلَو جعل السُّلْطَان أَو أَجْنَبِي مَالا لمن يغلب بذلك لما جَازَ وَإِن لم يكن مخاطرة وَكَذَلِكَ لَو جعل أَحدهمَا جعلا وَكَذَلِكَ لَو أدخلا محللا

فَعلم أَن ذَلِك لم يحرم لأجل المخاطرة لَا سِيمَا وَجُمْهُور الْعلمَاء يحرمُونَ هَذَا الْعَمَل وَإِن خلا من عوض

وَأما أَخذ الْعِوَض فِي الْمُسَابقَة والمصارعة فَهَذِهِ الْأَعْمَال لم تجْعَل فِي الأَصْل لعبادة الله تَعَالَى وطاعته وَطَاعَة رَسُوله فَلهَذَا لم يحض الشَّارِع عَلَيْهَا وَلَا رغب فِيهَا إِنَّمَا يقْصد بهَا فِي الْغَالِب رَاحَة النُّفُوس أَو الِاسْتِعَانَة على الْمُبَاحَات فأباحها الشَّارِع لعدم الضَّرَر الرَّاجِح وَلم يَأْمر بهَا وَلَا رغب فِيهَا لِأَنَّهَا لَيست مِمَّا يَحْتَاجهُ الْمُسلمُونَ وَلَا يتَوَقَّف قيام الدّين عَلَيْهَا كالرمى وَالرُّكُوب وَلَو خلال الْمُسلمُونَ عَن مصَارِع ومسابق على الْأَقْدَام لم يضرهم لَا فِي دينهم وَلَا فِي دنياهم بِخِلَاف مَا لَو خلوا عَن الرَّمْي وَالرُّكُوب لغلب الْكفَّار على الْمُسلمين وَلِهَذَا لم يدْخل فِيهَا السَّبق

أَلا ترى أَن للْإِمَام أَن يخرج جعلا لمن يرى وَلَا يحل لَهُ أَن يُخرجهُ لمن يصارع

إِذا عرف هَذَا عرف أَن مُجَرّد المخاطرة لَيْسَ مقتضيا لتَحْرِيم الْمَسْأَلَة

ص: 532

وانكشفت وَظَهَرت وَعرف أَن الصَّوَاب أَن يعرف مُرَاد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أَقْوَاله وَحكمه وَعلله الَّتِي علق بهَا الإحكام فَإِن الْغَلَط إِنَّمَا ينشأ من عدم الْمعرفَة بمراده صلى الله عليه وسلم

والمخاطرة مُشْتَركَة بَين كل من المتسابقين فان كلأ يَرْجُو أَن يغلب الآخر وَيخَاف أَن يغلبه فَكَانَ ذَلِك عدلا وإنصافا بَينهمَا كَمَا تقدم

وَكَذَلِكَ كل من الْمُتَبَايعين لسلعة فَإِن كلا يَرْجُو أَن يربح فِيهَا وَيخَاف أَن يخسر فَمثل هَذِه المخاطرة جَائِزَة بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع والتاجر مخاطر وَكَذَلِكَ الْأَجِير المجعول لَهُ جعل على رد آبق وعَلى بِنَاء حَائِط فَإِنَّهُ قد يحْتَاج إِلَى بذل مَال فَيكون مترددا بَين أَن يعرم أَو يغنم وَمَعَ هَذَا فَهُوَ جَائِز والمخاطرة إِذا كَانَت من الْجَانِبَيْنِ أقرب إِلَى الْعدْل والإنصاف مثل الْمُضَاربَة وَالْمُسَاقَاة والمزارعة فَإِن أَحدهمَا مخاطر قد يحصل لَهُ ربح وَقد لَا يحصل

وَمَا علمت أَن أحدا من الصَّحَابَة شَرط فِي السباق محللا وَلَا حُرْمَة إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا يخرج وَإِنَّمَا علمت الْمَنْع فِي ذَلِك عَن بعض التَّابِعين وَقد روينَا عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَنه رَاهن رجلَانِ فِي سباق الْخَيل وَلم يكن بَينهمَا مُحَلل وَثَبت فِي الْمسند وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا أَنه لما اقتلت فَارس وَالروم فَغلبَتْ فَارس الرّوم وَبلغ ذَلِك أهل مَكَّة وَكَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام ففرح بذلك الْمُشْركُونَ لِأَن الْمَجُوس أقرب إِلَيْهِم من أهل الْكتاب وساء ذَلِك الْمُسلمين لِأَن أهل الْكتاب أقرب إِلَيْهِم من الْمَجُوس فَأخْبر أَبُو بكر رضي الله عنه بذلك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأنْزل الله تَعَالَى {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} فَخرج أَبُو بكر رضي الله عنه فراهن الْمُشْركين على أَنه إِن غلبت الرّوم فِي بضع سِنِين أَخذ الرِّهَان وَإِن لم تغلب الرّوم أخذُوا الرِّهَان وَهَذِه الْمُرَاهنَة هِيَ مثل الْمُرَاهنَة فِي سباق الْخَيل وَالرَّمْي بالنشاب وَكَانَت جَائِزَة لِأَنَّهَا مصلحَة للاسلام لِأَن فِيهَا مصلحَة بَيَان صدق الرَّسُول

ص: 533

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أخبر بِهِ من أَن الرّوم سَوف يغلبُونَ بعد ذَلِك وفيهَا ظُهُور أقرب الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْمُسلمين على أبعدهُمَا وَهَذَا فعله الصّديق رضي الله عنه وَأقرهُ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنكره عَلَيْهِ وَلَا قَالَ هَذَا ميسر وقمار وَالصديق أجل قدرا من أَن يقامر فَإِنَّهُ لم يشرب الْخمر فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام وَهِي أشهى إِلَى النُّفُوس من الْقمَار

وَقد ظن بَعضهم أَن هَذَا قمار لَكِن فعله هَذَا كَانَ قبل تَحْرِيم الْقمَار وَهَذَا إِنَّمَا يقبل إِذا ثَبت أَن مثل هَذَا ثَابت فِيمَا حرمه الله من الميسر وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيل شَرْعِي أصلا بل هِيَ مُجَرّد أَقْوَال لَا دَلِيل عَلَيْهَا وأقيسة فَاسِدَة يظْهر تناقضها لمن كَانَ خَبِيرا بِالشَّرْعِ وَحل مثل ذَلِك ثَابت بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أقرّ صديقه على ذَلِك فَهَذَا الْعَمَل مَعْدُود من فَضَائِل الصّديق رضي الله عنه وَكَمَال يقينه حَيْثُ أَيقَن بِمَا قَالَه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأحب ظُهُور أقرب الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحق وراهن على ذَلِك رَغْبَة فِي إعلاء كَلمه الله وَدينه بِحَسب الْإِمْكَان

وَبِالْجُمْلَةِ إِذا ثَبت الْإِبَاحَة فمدعى النّسخ يحْتَاج إِلَى دَلِيل

وَالْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة مَبْسُوط فِي مَوَاضِع وَإِنَّمَا كتبت ذَلِك فِي جلْسَة وَاحِدَة

والسبق بِالْفَتْح هُوَ الْعِوَض وبالسكون هُوَ الْفِعْل

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَا سبق إِلَّا فِي نصل أَو خف أَو حافر مُطلقًا لم يشْتَرط محللا لَا هُوَ وَلَا أَصْحَابه بل ثَبت عَنْهُم مثل ذَلِك بِلَا مُحَلل

وَمِمَّا يُوضح الْأَمر فِي ذَلِك أَن السَّبق فِي غير هَذِه الثَّلَاثَة لم يحرم لِأَنَّهُ قمار فَإِنَّهُ لَو بذل أَحدهمَا عوضا فِي النَّرْد وَالشطْرَنْج حرم اتِّفَاقًا مَعَ أَن الْعِوَض لَيْسَ من الجانبيين وَلَو كَانَ بَينهمَا مُحَلل فِي النَّرْد حرم اتِّفَاقًا أَيْضا فالعوض فِي النَّرْد وَالشطْرَنْج حرَام سَوَاء كَانَ مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا أَو من غَيرهمَا بِمُحَلل أَو غير مُحَلل فَلم يحرم لأجل المخاطرة فَلَو كَانَ الميسر الْمجمع على تَحْرِيمه والنرد وَالشطْرَنْج

ص: 534