الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مر عَلَيْك مُنْذُ وَلدتك أمك فَقَالَ من عنْدك أم من عِنْد الله تَعَالَى فَقَالَ بل هُوَ من عِنْد الله وَأخْبرهُ أَنه تَابَ عَلَيْهِ من عِنْده
وكلا الْوَجْهَيْنِ فِي قَول مَرْيَم عَن رزقها هُوَ من عِنْد الله فَلَمَّا كَانَ الرزق لَا يَأْتِي بِهِ بشر وَلم تسع فِيهِ السعى الْمُعْتَاد قَالَت هُوَ من عِنْد الله
فَهَذَا الْمعَانِي وَمَا يُنَاسِبهَا هِيَ الَّتِي يشْهد لَهَا اسْتِعْمَال هَذَا اللَّفْظ
وَإِن قَالَ قَائِل وَكَذَلِكَ كَلَام الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ أَرَادَ بِهِ مثل هَذَا كَانَ مُحْتملا وَقد قَالَ عمر رضي الله عنه احْمِلْ كَلَام أَخِيك على أحْسنه حَتَّى يَأْتِيك مَا يَغْلِبك مِنْهُ وَالله أعلم
وَالتَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار قد يكونَانِ من ترك الْأَفْضَل والذم والوعيد لَا يكونَانِ إِلَّا على ذَنْب
وَمن سمع الْمُؤَذّن وَهُوَ فِي صَلَاة أتمهَا وَلَا يَقُول مثل مَا يَقُول عِنْد الْجُمْهُور كَمَا لَو سمع غَيره يقْرَأ سَجْدَة لم يسْجد فِي الصَّلَاة عِنْد الْجُمْهُور
وَقَول لَيْسَ رلا الله وَمَا ثمَّ رلا الله مُجمل يحْتَمل حَقًا وباطلا
فصل
روى أَبُو ذَر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيمَا يرْوى عَنهُ ربه تبارك وتعالى أَنه قَالَ يَا عبَادي إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي وَجَعَلته بَيْنكُم محرما فَلَا تظلموا الحَدِيث
فَقَوله حرمت الظُّلم على نَفسِي فِيهِ مَسْأَلَتَانِ كبيرتان كل مِنْهُمَا ذَات شعب وفروع
إِحْدَاهمَا أَن الظُّلم الَّذِي حرمه الله ونفاه نَفسه بقوله وَمَا ظلمنَا لَهُم وَقَوله {وَلَا يظلم رَبك أحدا} {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} {إِن الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة} {وَلَا تظْلمُونَ فتيلا} {وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد} {فَلَا يخَاف ظلما وَلَا هضما}
فقد تنَازع النَّاس فِي معنى هَذَا الظُّلم تنَازعا صَارُوا فِيهِ بَين طرفين ووسط بَينهمَا وَخير الْأُمُور أوسطها
وَذَلِكَ بِسَبَب الْبَحْث فِي الْقدر ومجامعته للشَّرْع إِذا الْخَوْض فِيهِ بِغَيْر علم تَامّ أوجب ضلال عَامَّة الْأُمَم وَلِهَذَا نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَصْحَابه عَن التَّنَازُع فِيهِ فَذهب الكذبون بِالْقدرِ الْقَائِلُونَ بِأَن الله لم يخلق أَفعَال الْعباد وَلم يرد أَن يكون رلا مَا أَمر بِأَن يكون وغلاتهم المكذبون بِتَقْدِيم علم الله وَكتابه سَيكون من أَفعَال الْعباد من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم إِلَى أَن الظُّلم مِنْهُ تَعَالَى هُوَ نَظِير الظُّلم من الْآدَمِيّين بَعضهم لبَعض وشبهوه ومثلوه فِي الْأَفْعَال بزفعال الْعباد حَتَّى كَانُوا هم ممثلة الْأَفْعَال وضربوا لله الْأَمْثَال ولميجعلوا لَهُ الْمثل الْأَعْلَى بل أوجبوا عَلَيْهِ وحرموا مَا رَأَوْا أَنه يجب على الْعباد وَيحرم بقياسه على الْعباد
قَالُوا إِذا أَمر العَبْد وَلم يعنه بِجمع مَا يقدر بِهِ عَلَيْهِ من وُجُوه الْإِعَانَة كَانَ ظَالِما لَهُ والتزموا أَنه لَا يقدر أَن يهدي ضَالًّا كَمَا قَالُوا إِنَّه لَا يقدر أَن يضل مهتديا وَقَالُوا إِذا أَمر اثْنَيْنِ بِأَمْر وَاحِد وَخص أَحدهمَا باعانته على فعل الْمَأْمُور كَانَ ظلما إِلَى أَمْثَال ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي هِيَ من بَاب الْفضل وَالْإِحْسَان جعلُوا تَركه لَهَا ظلما
وَكَذَلِكَ ظنُّوا أَن التعذيب لمن كَانَ فعله مُقَدرا ظلم لَهُ وَلم يفرقُوا بَين التعذيب لمن قالم بِهِ سَبَب اسْتِحْقَاق ذَلِك وَمن لم يقم بِهِ سَببه وَإِن كَانَ ذَلِك الِاسْتِحْقَاق لحكمة أُخْرَى عَامَّة أَو خَاصَّة
وَهَذَا الْموضع زلت فِيهِ أَقْدَام وضلت فِيهِ أفهام
فعارض هَؤُلَاءِ آخَرُونَ من أهل الْكَلَام المثبتين للقدر وَقَالُوا لَيْسَ الظُّلم مِنْهُ حَقِيقَة يُمكن وجودهَا بل هُوَ من الْأُمُور الممتنعة لذاتها فَلَا يجوز أَن يكون مَقْدُورًا وَلَا أَن يُقَال إِنَّه تَارِك لَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب الْجمع بَين الضدين وَجعل الْجِسْم الْوَاحِد فِي مكانين وقلب الْقَدِيم مُحدثا ورلا فمهما قدر فِي الذِّهْن وَكَانَ وجوده مُمكنا فَالله قَادر عَلَيْهِ فَلَيْسَ بظُلْم مِنْهُ سَواد فعله أَو لم يَفْعَله
وتلقى هَذَا القَوْل عَن هَؤُلَاءِ طوائف من أهل الاثبات من الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث من أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَغَيرهم وَمن شرح الحَدِيث وفسروا هَذَا الحَدِيث بِمَا يَنْبَنِي عَليّ هَذَا القَوْل وَرُبمَا احْتَجُّوا بظواهر أَقْوَال مآثورة كَمَا روينَا عَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة أَنه قَالَ مَا ناظرت بعقلي كُله أحدا رلا الْقَدَرِيَّة قلت لَهُم مَا لاظلم قَالُوا أَن تَأْخُذ مَا لَيْسَ لَك أَو تتصرف فِيمَا لَيْسَ لَك قلت فَللَّه كل شئ
وَلَيْسَ هَذَا من إِيَاس إِلَّا ليبين أَن التَّصَرُّفَات الْوَاقِعَة فِي مكله تَعَالَى فَلَا يكن ظلما بِمُوجب حَدهمْ وَهَذَا لَا نزاع فِيهِ بَين أهل الْإِثْبَات فَإِنَّهُم متفقون مَعَ أهل الْإِيمَان بِالْقدرِ على أَن كل مَا فعله الله فَهُوَ عدل
فَرَأى إِيَاس أَن هَذَا الْجَواب المطابق لحدهم خَاصم لَهُم وَلم يدْخل مَعَهم فِي التَّفْصِيل الَّذِي يطول
وَبِالْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن لغيلان حِين قَالَ لَهُ غيلَان نشدتك الله أَتَرَى الله يحب ان يَعْصِي فَقَالَ ربيعَة نشدتك الله أرى الله يعْصى قسرا فَكَأَنَّمَا ألقمه حجرا فَإِن قَوْله يحب أَن يَعْصِي لفظ فِيهِ إِجْمَال وَقد لَا يَأْتِي فِي المناظرة تَفْسِير المجملات خوفًا من لدد الْخصم فَيُؤتى بالواضحات كَمَا ألزمهُ بِالْعَجزِ الَّذِي هُوَ لَازم للقدرية وَلمن هُوَ شَرّ مِنْهُم من الدَّهْر والفلاسفة
وَغَيرهم فَقَوله لَا يخَاف ظلما وَلَا هضما قَالَ أهل التَّفْسِير لَا يخَاف أَن يظلم فَيحمل عَلَيْهِ سيئات غَيره وَلَا يهضم فينقصه من حَسَنَاته
وَلَا يجوز أَن يكون هَذَا الظُّلم هُوَ شَيْئا مُمْتَنعا غير مَقْدُور عَلَيْهِ فَيكون التَّقْدِير فَلَا يخَاف مَا هُوَ مُمْتَنع لذاته خَارج عَن الممكنات والمقدورات فَإِن مثل هَذَا إِذا لم يكن وجوده مُمكنا حَتَّى يَقُولُوا إِنَّه غير مَقْدُور وَلَو أَرَادَهُ كخلق الْمثل فَكيف يعقل وجوده فضلا عَن أَن يتَصَوَّر خَوفه حَتَّى ينفى خَوفه ثمَّ أى فَائِدَة فِي نفي خوف هَذَا وَقد علم من سِيَاق الْكَلَام أَن الْمَقْصُود بَيَان أَن هَذَا الْعَامِل لَا يجزى على إحسانه بالظلم والهضم
فَعلم أَن الظُّلم المنفى يتَعَلَّق بالجزاء كَمَا ذكره أهل التَّفْسِير وَأَن الله لَا يجْزِيه رلا بِعَمَلِهِ وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَاب أَن الله لَا يعذب رلا من أذْنب
وَكَذَا قَوْله وَمَا رَبك بظلام للعبيد يدل الْكَلَام على أَنه لَا يظلم محسنا فينقصه من حَسَنَاته أَو يَجْعَلهَا لغيره وَلَا يظلم مسيئا فَيحمل عَلَيْهِ إساءة غَيره بل لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا أكتسبت وَهَذَا كَقَوْلِه {أم لم ينبأ بِمَا فِي صحف مُوسَى وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} فَلَيْسَ على أحد وزر غَيره وَلَا يسْتَحق أحد إِلَّا ماسعاه وكلا الْقَوْلَيْنِ حق على ظَاهره
وَكَذَلِكَ قَوْله فِيمَن عاقبهم وَمَا ظلمناهم كَانُوا هم الظَّالِمين بَين أَن عِقَاب الْمُجْرمين عدل لذنوبهم واخاذهم الْآلهَة الَّتِي لَا تغنى عَنْهُم شَيْئا لَا لأَنا ظلمناهم فعاقبناهم لغير ذَنْب وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا قوم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم مثل يَوْم الْأَحْزَاب مثل دأب قوم نوح وَعَاد وَثَمُود وَالَّذين من بعدهمْ وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد}
بَين أَن هَذَا الْعقَاب لم يكن ظلما بل هُوَ لاستحقاقهم ذَلِك
وزيضا فَالْأَمْر الَّذِي لَا يُمكن الْقُدْرَة عَلَيْهِ لَا يصلح أَن يمدح الممدوح بِعَدَمِ