الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور
أصل عقد النّذر مَكْرُوه لما فِي الصَّحِيح عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِن النّذر لَا يَأْتِي بِخَير وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل لَكِن إِن نذر طَاعَة الله لزمَه الْوَفَاء بِهِ وَمن نذر أَن يعْصى الله فا يَعْصِهِ فقد ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يَعْصِي الله فَلَا يَعْصِهِ وَمن نذر للقبور زيتا أَو شمعا وَنَحْوه فقد جعله الْعلمَاء من قسم الْمعْصِيَة الَّذِي لَا يجوز الْوَفَاء بِهِ فَفِي السّنَن أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لعن الله زوارات الْقُبُور والمتخذين عَلَيْهَا السرج والمساجد رَوَاهُ أهل اسنن وَابْن جبان فِي صَحِيحه وَحسنه التِّرْمِذِيّ وَكَذَلِكَ لَو نذر لبيت شيخ أَو شَجَرَة زيتا أَو خلوقا أَو نَحْو ذَلِك فَلَا يجوز بِلَا نزاع بل هَذَا من جنس عبَادَة الْأَوْثَان وَقد بلغ عمر رضي الله عنه أَن قوما يأْتونَ الشَّجَرَة الَّتِي بَايع النَّبِي صلى الله عليه وسلم تحتهَا بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة فقطعها وَقد كَانَ للمشركون شَجَرَة يعلقون عَلَيْهَا أسلحتهم يسمونها ذَات أنواط فَقَالَ الْمُسلمُونَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم اجْعَل لنا ذَات أنواط فَقَالَ الله أكبر قُلْتُمْ كَمَا قَالَ قوم مُوسَى {اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} ثمَّ قَالَ لتركبن سنَن من كَانَ قبلكُمْ الحَدِيث فَلَا يجوز أَن يتَّخذ شَيْء من الْقُبُور والْآثَار وَالْأَشْجَار والأحجار وَنَحْوهَا بِحَيْثُ يُرْجَى نَفعه وبركته بِالنذرِ لَهُ والتمسح بِهِ أَو تَعْلِيق شَيْء عَلَيْهِ أَو تخليقه بل كَانَ هَذَا من جنس الشّرك وَأما نذر الزَّيْت وَنَحْوه لِلْمَسْجِدِ لإضاءته فَهُوَ من الْبر على أَن لَا يكون مَبْنِيا على قبر
وَأما الْوَقْف على قُبُور الْأَنْبِيَاء فَإِن كَانَ وَقفا على بِنَاء الْمَسَاجِد عَلَيْهَا وَإِيقَاد المصابيح فقد تقدم حكمه وَأَنه مَعْصِيّة لَا يحل الْوَفَاء بِهِ وَأَنه من عمل الْمُشْركين
وَالَّذين يَقُولُونَ إِن من الْعلمَاء من وقف على مَدِينَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُرِيدُونَ بذلك أَنه وقف على قبر فَهُوَ خطأ مِنْهُم فِي فهم الْعبارَة فَإِن هَذَا إِنَّمَا
هُوَ وقف على من بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَلَيْسَ لذَلِك اخْتِصَاص بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَمِيع مَا يصرفهُ الْمُسلمُونَ من الْأَمْوَال فِي أَنْوَاع الْوَقْف وَغَيره إِنَّمَا هُوَ بِأَمْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَوْله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ}
وكل مَا ينذر لَهُ أَو يعظم بعض من الْأَحْجَار أَو الْقُبُور أَو الْأَشْجَار وَنَحْوهَا يجب أَن يزَال لِأَنَّهُ يحصل للنَّاس بِهِ ضَرَر عَظِيم فِي دينهم كَمَا كسر الْخَلِيل عليه السلام الْأَصْنَام وكما حرق مُوسَى عَلَيْهِ اسلام الْعجل وكما كسر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْأَصْنَام وحرقها لما فتح مَكَّة وَكتب أَبُو مُوسَى إِلَى عمر رضي الله عنه لما فتحُوا تستر ووجدوا على سَرِير بِبَيْت مَالهَا جسم دانيال وَكَانَ أهل تستر يستسقون بِهِ فَكتب إِلَيْهِ عمر أحفر بِالنَّهَارِ ثَلَاثَة عشر قبرا وادفنه لَيْلًا فِي وَاحِد مِنْهَا وعمها لِئَلَّا يفتن النَّاس بِهِ
وَمن قَالَ أَنه يشفى بِمثل نَذره لهَذِهِ الْأَشْيَاء فَهُوَ كَاذِب بل يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل فَإِنَّهُ مكذب لله وَرَسُوله فقد ثَبت أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن النّذر لَا يَأْتِي بِخَبَر فَمن قَالَ إِنَّه يَأْتِي بِخَير عرف ذَلِك فَإِن أصر فقد شاق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيكسر مَا يُوقد عِنْدهَا من السرج أَو يدْفع إِلَى من ينْتَفع بِهِ من الْمُسلمين
وَالنّذر الْمُطلق مثل قَوْله لله على كَذَا وَالْوَقْف الْمُطلق وَالْكَفَّارَة لَا يصرف ذَلِك كُله إِلَى غنى بل إِلَى من يسْتَحقّهُ من مستحقي الزَّكَاة
وَلَو نذر لشيخ معِين على وَجه الاستغاثة بِهِ طُولِبَ قَضَاء الْحَاجة مِنْهُ فَإِنَّهُ نذر مَعْصِيّة لَا يجوز الْوَفَاء بِهِ وَهل عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين على قَوْلَيْنِ بِخِلَاف من كَانَ قَصده الصَّدَقَة عَلَيْهِ فِي حَيَاته فَقَط لَا يعدمونه لفقره إحسانا إِلَيْهِ لله تَعَالَى فَإِن إِلَّا يقبض الْهِبَة فَإِن قبلهَا فَلَا كَلَام وَإِن لم يقبلهَا فَلَا شَيْء على الْوَاهِب كَمَا لَو حلف ليهبن فلَانا فَلم يقبل فَإِن أَصْحَابنَا وَغَيرهم قَالُوا إِذا حلف لَا يهب