الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
إِذا وَقع فِي المَاء نَجَاسَة فغيرته تنجس اتِّفَاقًا وَإِن لم يتَغَيَّر فَقيل لَا ينجس وَهُوَ قَول أهل الْمَدِينَة وَكثير من أهل الحَدِيث وَرِوَايَة عَن أَحْمد اخْتَارَهَا طَائِفَة من أَصْحَابه ونصرها ابْن عقيل وَابْن المنى وَغَيرهمَا
الثناي ينجس قَلِيل الماد بِقَلِيل النَّجَاسَة وَهِي رِوَايَة الْبَصرِيين عَن مَالك
الثَّالِث مَذْهَب الشَّافِعِي وَرِوَايَة عَن أَحْمد ينجس وَالْكثير
وَالرَّابِع الْفرق بَين الْبَوْل والعذرة المائعة وَغَيرهمَا فَالْأول ينجس مِنْهُ مَا أمكن نزحه دون مَالا يُمكن نزحه وَهِي الْمَشْهُورَة عِنْد أَحْمد وَاخْتِيَار أَكثر أَصْحَابه
الْخَامِس أَن المَاء ينجس بملاقاة النَّجَاسَة سَواد كَانَ قَلِيلا أَو كثيرا لَكِن مالم تصل النَّجَاسَة إِلَيْهِ مِنْهُ لَا ينجس
ثمَّ حدوا مَالا تصل رليه بِمَا لَا يَتَحَرَّك أحد طَرفَيْهِ بتحرك الطّرف الآخر
ثمَّ تنازعوا هَل هُوَ بحركة الْمُتَوَضِّئ أَو المغتسل وقدرء مُحَمَّد بن الْحسن يمسجده فَوَجَدَهُ عشرَة أَذْرع فِي عشرَة زذرع
وانازعوا فِي الْآبَار رذا وَقعت فِيهَا النَّجَاسَة فَزعم بشر المريسى أَنه لَا يُمكن تطهيرها وَقَالَ زبو حنيفَة يُمكن بالنزح وَلَهُم فِي تَقْدِير الدَّلْو زقوال مَعْرُوفَة
السَّادِس قَول أهل الظَّاهِر الَّذين ينجسون مَا بَال فِيهِ البائل دون مَا ألْقى فِيهِ الْبَوْل
وأصل ذَلِك أَن اخْتِلَاط الْخبث بِالْمَاءِ هَل يُوجب تَحْرِيم الْجَمِيع أم يُقَال بل اسحال فَلم يبْق لَهُ حكم فَهَل الأَصْل الْإِبَاحَة حَتَّى يقوم الدَّلِيل على التَّحْرِيم أم الأَصْل الْمَنْع رلا مَا قَامَ الدَّلِيل على إِبَاحَته
وَالصَّحِيح الأول وَهُوَ أَن النَّجَاسَة مَتى استحالت فالماء طَاهِر قَلِيلا كَانَ أول كثيرا فَإِنَّهُ دَاخل فِي حد الطّيب خَارج عَن الْخبث وَقد صَحَّ قَوْله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الماد طهُور لَا يُنجسهُ شئ وَهُوَ عَام فِي قَلِيل وَالْكثير وَفِي جَمِيع النَّجَاسَات
وَأما رذا تغير فَإِنَّمَا حرم لظُهُور جرم النَّجَاسَة فِيهِ بِخِلَاف مَا رذا اسْتهْلك وَيبين ذَلِك أَن الْخمر وَاللَّبن لَو وَقع فِي مَاء فاستهلك فشربه شَارِب لم يحد وَلم ينشر الْحُرْمَة
وَنَهْيه صلى الله عليه وسلم عَن الْبَوْل فِي الماد الداذم لِأَنَّهُ ذَرِيعَة إِلَى تنجيسه فسد الذريعة وَلِهَذَا يعم النَّهْي فِي كل ماد راكد فَلَا يجوز فِيمَا فَوق الْقلَّتَيْنِ وَلَا فِيمَا لَا يُمكن نزحه وَلَا فِيمَا لَا يَتَحَرَّك أحد بتحرك الآخر وَمن قَالَ يجوز فِي ذَلِك فقد خَالف إِذْ هُوَ عَام
وَأما قَوْله صلى الله عليه وسلم الماد طهُور لَا يُنجسهُ شئ فَلَا يُقَال وصف المَاء بِكَوْنِهِ طهُورا يدل على تنجيس غَيره لِأَنَّهُ يجوز تَعْلِيل الحكم بعلتين وَكَون الماد طهُورا يُوجب دفع النَّجَاسَة عَن نَفسه وَأَنه أولى من غَيره وَلَا يمْنَع أَن يكون فِي غَيره مَا يمْنَع عَنهُ النَّجَاسَة
وَأَيْضًا فَإِنَّهُم سَأَلُوهُ صلى الله عليه وسلم عَن الماد فخصه بذلك لحَاجَة السَّائِل رليه مَعَ أَنه مَفْهُوم لقب وَهُوَ ضَعِيف
وَأما حَدِيث الْقلَّتَيْنِ رذا صَحَّ فمنطوقه مُوَافق لغيره وَهُوَ أَنه رذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يُنجسهُ شئ
وَأما مَفْهُومه إِذا قُلْنَا بِدلَالَة مَفْهُوم الْعدَد فانه إِنَّمَا يدل على أَن الحكم فِي
الْمَسْكُوت عَنهُ مُخَالف للْحكم فِي الْمَنْطُوق لَو بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا يشْتَرط أَن يكون الحكم مُخَالفا للمنطوق من كل وَجه وَهَذَا معنى قَوْلهم الْمَفْهُوم لَا عُمُوم لَهُ فَلَا يلْزم أَن كل مَا لم يبلغ الْقلَّتَيْنِ ينجس بل رذا قيل بالمخالفة فِي صُورَة حصل الْمَقْصُود فمنطوقه زنه لَا يحمل الْخبث عِنْد بُلُوغ الْقلَّتَيْنِ مَفْهُومه والقليل قد يحمل لمظنة الْقلَّة فَيَكْفِي الْمُخَالفَة لجَوَاز احْتِمَال الْخبث فِي الْقَلِيل دون الْكثير فقد خَالف الْمَفْهُوم الْمَنْطُوق بذلك وَهُوَ كَاف إِذْ لَا يلْزم أَن الْمَفْهُوم يُخَالف الْمَنْطُوق فيكل صُورَة من صوره بل يَكْفِي وَلَو فِي صُورَة فَلَا عُمُوم للمفهوم كَمَا قُلْنَا وَهَذَا ظَاهر
وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذَلِك حكما عَاما إِنَّمَا ذكره فِي جَوَاب من سزله عَن مَاء بِعَيْنِه فيتقيد بِهِ فَإِن التَّخْصِيص إِذا كَانَ لَهُ سَبَب غير اخْتِصَاص الحكم لم يبْق حجَّة بالتفاق كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق}
فَلَمَّا كَانَ حَال المَاء الْمَسْئُول عَنهُ أَنه كثير قد بلغ الْقلَّتَيْنِ وَمن شزن الْكثير أَنه لَا يحمل الْخبث بل يَسْتَحِيل فِيهِ دلّ ذَلِك على أَن منَاط الحكم كَون الْخبث مَحْمُولا فَحَيْثُ كَانَ مَحْمُولا أَي مَوْجُودا كَانَ نجسا وَحَيْثُ اسْتهْلك فَهُوَ غير مَحْمُول فَصَارَ حَدِيث الْقلَّتَيْنِ مُوَافقا لقَوْله المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شئ
ونكت الْجَواب عَن كَونه يحمل الْخبث أَولا يحملهُ أَنه أَمر حسى مَعْرُوف والحس دَلِيل وَالدَّلِيل على هَذَا اتِّفَاقهم على أَن المَاء إِذا تغير حمل الْخبث ونجسه فَصَارَ قَوْله رذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث وَلم يُنجسهُ شئ مثل قَوْله الماد لَا يُنجسهُ شئ وَهُوَ إِنَّمَا أَرَادَ إِذا لم يتَغَيَّر فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأما إِذا كَانَ قَلِيلا فقد يحمل الْخبث لضَعْفه
وعَلى هَذَا يحمل أمره فِي الْكَلْب لما أَمر بتطهير مَا ولغَ فِيهِ سبعا
وَكَذَلِكَ قَوْله للمستيقظ من نوم اللَّيْل لَا يدْخل يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا المُرَاد الْإِنَاء الَّذِي للْمَاء الْمُعْتَاد للولوغ ولإدخال الْيَد وَهُوَ الصَّغِير وَالْكَلب يلغ بِلِسَانِهِ شَيْئا فَلَا بُد أَن يبْقى فِي المَاء من رقّه فَيكون ذَلِك مَحْمُولا وَالْمَاء يَسِيرا فيراق لأجل كَون الْخبث مَحْمُولا وَيغسل الْإِنَاء الَّذِي لاقاه ذَلِك الْخبث
بِخِلَاف مَا إِذا اسْتهْلك الْخبث كَالْخمرِ رذا قلب الله عينهَا فَتطهر بالدن لِأَن الاستحالة والاستهلاك حصل فِي الْخمر دن تِلْكَ وَلَو أَرَادَ الْفَصْل بَين الْمُبْتَدِئ وَالِي ينجس بِمُجَرَّد الملاقاة لقَالَ رذا لم يبلغ قُلَّتَيْنِ نجس وَمَا بلغَهَا لم ينجس إِلَّا بالتغير أَو نَحْو ذَلِك أما مُجَرّد قَوْله رذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث مَعَ كَونه رذا تغير حمله وينجس فَلَا يدل على هَذَا الْمَقْصُود وَأما نَهْيه الْقَائِم من نوم اللَّيْل أَن يغمس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا فَهَذَا لَا يقتضى التَّنْجِيس بالِاتِّفَاقِ بل لِأَنَّهُ قد يُؤثر فِي المَاء معنى أَو يُفْضِي رليه مثل قَوْله لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم وقدتقدم أَنه لَا يدل على التَّنْجِيس وَأما نَهْيه عَن الِاغْتِسَال فِيهِ بعد الْبَوْل إِن صَحَّ فَهُوَ كنهيه عَن الْبَوْل فِي المستحم وَقَوله فَإِن عَامَّة الوسواس مِنْهُ وَرُبمَا بقى من أَجزَاء الْبَوْل فَعَاد عَلَيْهِ رشاشها فَكَذَلِك رذا بَال فِي مَاء ثمَّ اغْتسل فِيهِ فقد يغْتَسل قبل الاستحالة مَعَ بَقَاء أَجزَاء الْبَوْل
وَنَهْيه عَن الِاغْتِسَال فِي المَاء الدَّائِم وَإِن صَحَّ يتَعَلَّق بِمَسْأَلَة الماد الْمُسْتَعْمل وَقد يكون لما فِيهِ من تقذير المَاء على غَيره لَا لأجل النَّجَاسَة وَلَا لصيرورته مُسْتَعْملا فقد قَالَ المَاء لَا يجنب