الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النمو اللغوي:
مع بلوغ الطفل عامه الأول تبدأ أول كلمة حقيقية في الظهور، وقد يتأخر بعض الأطفال الأسوياء عن النطق بالكلمة الأولى عدة شهور بعد ذلك، والبعض يبدأ قبل ذلك بقليل، وتنمو اللغة لدى الرضيع خلال عامه الثاني، ويكون مقدار ما يعرفه ويفهمه من الكلمات في هذه الفترة أكبر مما ينطق به بالفعل، ومعنى ذلك أن الفهم اللغويّ ينمو مبكرًا وبسرعة أكبر من إنتاج الكلمات، ويلاحظ على الطفل خلال العام الثاني من عمره أنه يستجيب للأسئلة والتعليمات بالإيماءات والأفعال قبل أن يقول كلمة، وبصفةٍ عامَّةٍ يمكن تقدير عدد الكلمات التي يفهمها الطفل بخمسة أمثال ما يمكن إنتاجه منها، ويكون معدل الزيادة في الفهم اللفظي خلال العام الثاني من العمر أكثر من 20 كلمة جديدة يفهمها الطفل كل شهر، بينما يكون معدل الزيادة في عدد الكلمات التي ينتجها الطفل هو 9 كلمات جديدة في الشهر.
ويرى بعض الباحثين أن مستوى الفهم اللفظي لا يرتبط إلّا قليلًا بنضج القدرة على إنتاج الكلمات؛ فالطفل الذي لا ينطق إلّا بقليلٍ من الكلمات، قد يفهم أكثر من طفلٍ آخر ينتج الكلمات بكثرة "Mussen et al 1984"، ويصل محصول الطفل عند بلوغه سن ما بين 18 شهرًا وعامين، حوالي 50 كلمة، والتي تشير غالبًا إلى الأشياء الهامة أو البارزة في بيئة الطفل، والأفعال والأنشطة التي يقوم بها، والأشخاص الهامين في حياته، وأنواع الأطعمة، وأجزاء الجسم، وأسماء الملابس والحيوانات، وأدوات المنزل، ووسائل النقل، ولا يشير الطفل إلى الأشياء الثابتة المعتادة "كالمناضد والنوافذ" ولا يعطي لها أسماء، ويتوجه انتباهه إلى الفعل؛ فيعطي الأسماء للأشياء التي تتحرك أو تتغير، أو يمكن استخدامها في النشاط.
ويمكن للطفل حينئذٍ أن يستخدم الكلمة الواحدة مصحوبة بالإيماءة أو التنغيم لينقل الأفكار أو الملاحظات أو المطالب أو التعبيرات الانفعالية، ويكتسب الطفل الكلمات الجديدة ومعانيها من خلال عملية "تسمية" مفصلة، يتفاعل فيها الوالدان مع الطفل منذ أن ينطق الطفل بأيِّ شيءٍ له هيئة الكلمة؛ فالوالدان يشيران إلى الشيء ويسميانه، ويصححان محاولة الطفل تكرار الأسماء، ويستخدم الوالدان مع طفل الثانية والثالثة ما يسميه ميوسن وزملاؤه "Meussen et al 1984".
المستوى المتوسط من التعميم في "عَنْوَنَةِ" الأشياء، وهو الأسلوب الشائع لدى الطفل ابتداءً من العام الأول وحتى نهاية العام الثالث من العمر، فالطفل يُعَنْوِنُ أيَّ نوعٍ من الكلاب على أنه "كلب" لا على أنه "ولف" أو "حيوان".
وتشير الكلمة الواحدة من مفردات الطفل إلى كلٍّ من الاسم والفعل؛ فالطفل قد يستخدم كلمة "باب" للإشارة إلى أن الباب يفتح أو يغلق، بينما يستخدم طفل آخر كلمة "فتح" للإشارة إلى هذه الأفعال، وقد يعطي الأطفال للكلمات معاني تختلف عن معانيها عند الكبار، فقد يبالغون في توسيع المعنى حين يشيرون إلى القطط والخيول والأرانب وغيرها من الحيوانات ذات الأربع على أنها كلاب، وهذا النوع من تعميم المثيرات يعتمد على التشابه الإدراكي، سواء في الشكل أو الوظيفة.
وهناك أسلوب آخر يستخدمه الأطفال في هذه المرحلة وهو تضييق نطاق المعنى، فمثلًا نجد أن طفل الشهر التاسع يستخدم كلمة "سيارة" للإشارة إلى السيارات الحقيقية التي تتحرك في الشارع لا السيارات الواقفة أو المرسومة في صورة، وكلمة "قطة" لا تشير إلّا إلى هذا الحيوان الموجود في بيته فقط.
وحين تصل مفردات الطفل المنطوقة إلى 50 كلمة مع بلوغه نهاية عامه الثاني، يمكنه حينئذ أن يضع كلمتين معًا، وتزداد تدريجيًّا أنواع المجموعات الثنائية من الكلمات، ويبدو أول تجمع من كلمتين في البداية على هيئة صيغة مختصرة للجمل عند الكبار، وتتألف في جوهرها من الأسماء والأفعال وقليلٍ من الصفات أو النعوت، وهي أشبه بالتلغراف الذي لا يحتوي إلّا على الكلمات الأساسية، وعادةً ما تحذف منها حروف العطف والجر وأدوات التعريف وغيرها من الإضافات اللغوية. إنك إذا طلبت من طفلٍ عمره عامان أو ثلاثة أعوام أن يكرر الجملة الآتية "أنا أقدر أشوف قطة"، يقول الطفل:"أشوف قطة"، وعلى الرغم من أن بعض الكلمات الهامة قد حُذِفَتْ، إلّا أن الترتيب الصحيح للكلمات يظل موجودًا، وكأن الطفل يتبع قواعد بسيطة للنحو، وهكذا يدرك الطفل "نموذج الجملة" على أنها نوعٌ من البنية، وليس مجرد مجموعة من الكلمات.
وهذه الجمل التلغرافية تعبر عن مدى واسع من المعاني، ويمكن أن يُسْتَنْتَجَ قصد الطفل من ترتيب الكلمات، ومن الموقف الذي تصدر فيه الجملة، وقد وجد علماء النفس اللغويون تشابهًا كبيرًا في السلوك اللغوي للأطفال الذين يتحدثون لغات مختلفة، ويظهر هذا التشابه خاصةً في محتوى هذه الجمل التي تتألف من كلمتين.
ويبدأ الأطفال تدريجيًّا في استخدام أدوات التعريف والضمائر وبعض الصيغ
الصرفية وحروف الجر وغيرها من الإضافات اللغوية، ويتجه النموّ في هذه الحالة من البسيط إلى المركب، ويحاول الأطفال إظهار معرفتهم النامية بقواعد النحو "هناك نحو للهجات العامة كما هو للغة الفصحى"، إلّا أن الطفل أحيانًا يبالغ في الإلتزام بالقواعد بطريقة قد توقعه في "أخطاء النحو"، ومن الطريف أن الطفل قبل أن يتعلم هذه القواعد يطبقها على هذه الصيغ غير العادية، فيقع في الأخطاء التي أشرنا إليها.
وقبل وصول الطفل إلى نهاية العام الثالث من العمر، يكون قد اكتسب القدرة على تكوين جمل بسيطة مؤلفة من حوالي أربع كلمات، كما تبدأ الجمل المركبة في الظهور التلقائي في كلام الطفل، وهي تتألف من جملتين بسيطتين أو أكثر، يربطهما "بالواو" كحرف عطف، أو يدمجهما معًا دون استخدام لحرف العطف، وهذا الحرف هو الأكثر شيوعًا في لغة الطفل خلال عامه الثالث، وتستخدم الحروف الأخرى بالتدريج بعد ذلك. ويزداد النمو اللغوي تحسنًا بإنتاج الجمل الاستفهامية وفهمها والإجابة عليها إذا استخدمها معه الكبار، ويجيب الأطفال في البداية على أسئلة متى وكيف ولماذا، كما لو كانت أسئلة ماذا وأين، وتتحسن قدرة الطفل على الإجابة الصحيحة على السؤال طوال الفترة من سن 3-5 سنوات.
وهكذا حين يصل الطفل إلى سن المدرسة، أو سن التمييز، تكون لديه ثروة من المحصول اللفظي الذي يفهمه -والذي قد يقلُّ بالطبع عَمَّا يستخدمه بالفعل، كما يكون قادرًا على فهم التعليمات التي تعطى له، وقادرًا على فهم معاني القصص والحكايات التي تروى له، ويتوقف هذا المحصول اللغوي بالطبع على ذكاء الطفل، والظروف البيئية المحيطة به، والتي تهيئ له ظروف الاستماع اللغوي؛ كوجود الراديو أو التليفزيون ودخول الطفل مدرسة الحضانة، وزيادة وقت الفراغ للآباء؛ بحيث يقضونه مع أطفالهم، والطبقة الاجتماعية. أما بالنسبة للفروق بين الجنسين: فإن البنات يتفوقن تفوقًا بسيطًا على الذكور في مهارات التعبير، أما الذكور فيتفرقون بمقدار بسيطٍ أيضًا في المحصول اللغوي ومعرفة معاني الكلمات، من المعاني المختلفة، وبصفة عامة تكون ثروة الطفل من الكلمات بعد نهاية العام الرابع من العمر أكثر من ألفي كلمة، ومع نهاية العام الخامس قد يصل هذا العدد إلى حوالي ثلاثة آلاف كلمة.
ويتميز السلوك اللغوي في هذه المرحلة بأنه يتمركز حول الذات تبعًا للدراسات التي أجراها بياجيه منذ عام 1926، إلّا أن هذه النتائج عليها بعد التحفظ الآن، ويمكن قصرها على بعض الحالات في بداية هذه المرحلة، ومعنى