المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وربما لهذه الأسباب لا تفضِّلُ بعض المجتمعات الحديثة -وخاصة في - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: وربما لهذه الأسباب لا تفضِّلُ بعض المجتمعات الحديثة -وخاصة في

وربما لهذه الأسباب لا تفضِّلُ بعض المجتمعات الحديثة -وخاصة في الدول المتقدمة- أن تطلق على المواطن بعد تجاوزه الستين "صفة الشيخوخة"، والتسمية الشائعة لديهم هي "المواطن الكبير" senior citizen، وهذه التسمية في اللغة الإنجليزية لا تحمل معنى التقدُّم في السن فحسب، وإنما تتضمن أيضًا معاني الاحترام والمكانة الرفيعة والقدر العالي، وفي رأينا أن صفة "الشيخ" في اللغة العربية تحمل هذه المعاني جميعًا؛ فالكبير لغةً -كما بينا- هو الطاعن في السن1، بينما الشيخ لغةً هو الأستاذ والعالِمُ الكبير وكبير القوم ورئيس الصناعة، وهو الكبير في أعين القوم علمًا أو فضيلةً أو مقامًا ونحو ذلك، وحين يُنَادَى المرء في العربية بأنه شيخ، فإن ذلك يحمل كل معاني التبجيل والاحترام والتقدير.

1 لعل هذا التحليل اللغوي يدفع المتخصصين في التربية إلى تعديل مسمياتهم لمجال "تعليم الكبار"، وإحلال مصطلح تربية الراشدين محله كما ذكرنا من قبل.

ص: 506

‌حدود الشيخوخة

‌المحك العمري

حدود الشيخوخة:

متى تبدأ الشيخوخة؟ على الرغم من أن الشيخوخة حالةٌ نفسيةٌ وعقليةٌ لدى الكثيرين، إلّا أنه توجد مجموعة أحداث ثقافية ترتبط بالجسم والعقل تعد معالم لبدء هذه المرحلة، ولعلَّ من المفيد أن نعرض هذه الأحداث التي يمكن الاستفادة بها كمحكاتٍ لتعيين بداية هذه المرحلة الهامة من حياة الإنسان.

المحك العمري:

لعل أهل المحكات العملية في وقتنا الحاضر هو المحك العمري، والذي يحدد بداية زمنية معينة كبدء للعمر الثالث للإنسان؛ فعادةً ما يُعْتَبَرُ السن ما بين الستين والخامسة والستن هو المحك الرئيسي الذي يحدد بداية الشيخوخة، والواقع أن هذا المحك في جوهره هو من نوع المحكات الاعتباطية، ولعل ما يجعل للفترة من 60 -65 علاقة بحدود الشيخوخة أنها تمثِّلُ سن التقاعد واعتزال أدوار العمل الرئيسية، وبداية الاستفادة من نظام المعاشات والتأمين الصحي، والإعفاء من الضرائب، وفي بعض المجتمعات يحصل المسنون على امتيازاتٍ أخرى إضافية؛ مثل: تذاكر المواصلات المخفضة، والأسعار الخاصة لبعض المشتريات.

وإذا كان الفترة من 60-65 هي بداية هذا العمر الثالث للإنسان، فماذا عن حدوده الزمنية؟ يثير هذا السؤال موضوع طول الحياة أو ديمومتها average life span، والذين يمكن النظر إليه من زوايتين: إحداهما متوسط الأعمار، ويدل على العمر الذي يقضيه الإنسان حيًّا في المتوسط، ويسمى متوسط

ص: 506

مدى الحياة longevity، وثانيهما الحد الأعلى للعمر الذي يعيشه الإنسان، ويُسَمَّى المدى الأقصى للحياة maximum life span، ويعكس المؤشر الأول الظروف البيئية من تغذيةٍ ورعايةٍ طبيةٍ وغيرهما، أما المؤشر الثاني فيدل على الخصائص البيولوجية المميزة للإنسان، وكلاهما -من قبل ومن بعد- تتحكم فيه إرادة الله ومشيئته سبحانه وتعالى.

1-

المدى الأقصى للحياة:

يبدو أن المدى الأقصى للحياة ظلَّ ثابتًا خلال بضع فترات تاريخية متعاقبةٍ وعبر الثقافات المختلفة، وخاصةً الإنسان في العصر الحديث حين توافرت للباحثين البيانات التي يمكن أن تخضع للتحليل المنظم، وفي ضوءِ ما هو متاحٌ حتى وقتنا الحاضر يمكن القول أن المدى الأقصى لحياة الإنسان في العصر الحديث هو ما بين 110، 120 سنة، وأن أقصى ما أمكن التوصل إليه بالفعل هو حوالي 115 سنة1.

والسؤال هنا: كيف تتفق هذه النتائج مع ما نقرأ ونسمع من مزاعم حول أفراد معاصرين عاشوا بيننا أعمارًا تفوق كثيرًا هذا الحد الظاهر؟ يرى الباحثون أن معظم هؤلاء "المعمرين" عاشوا في وقتٍ كان من الصعب - إن لم يكن من المستحيل- التحقق من عمر الشخص بطريقةٍ دقيقة Perlmutter "Hall، 1985:61" فحين قام بعض الباحثين ببحثٍ عَمَّا ذُكِرَ عن حوالي 600 شخص من هؤلاء، من أنهم عاشوا 120 سنة على الأقل، لم يجد هؤلاء الباحثون واحدًا منهم عاش لأكثر من 114 سنة "Fries&Crapo، 1981" وقد تأكَّد ذلك من بحوث أخرى، لعل أهمها بحث "Walford، 1983"، وأحيانًا ما نقرأ أو نسمع عن أشخاصٍ يعيشون في بعض الثقافات والمجتمعات النائية، ويشار إليهم بأن متوسط مدى الحياة لديهم يتجاوز 150 عامًا، ومن أشهر هذه المجتمعات ثلاثة: بعض قرى الإكوادور، وبعض مقاطعات الدولة الروسية، وبعض المناطق في باكستان، وقد أُجْرِيَتْ دراسات علمية على هذه الحالات الثلاث على وجه الخصوص، وأكدت خطأ هذه التقديرات العمرية؛ ففي حالة معمري الإكوادور، وُجِدَ أن هناك خطأً واضحًا بين أسماء الآباء والأبناء، وبسبب شيوع الزواج الداخلي فقد تكررت بالفعل الأسماء داخل السلسلة الواحدة، كما لوحظ

1 يجب على القارئ أن يتنبه إلى أننا نشير هنا إلى البيانات التي خضعت للتحليل بالنسبة للإنسان خلال القرنين الماضيين، ويخرج من هذا السياق كليةً، ما ورد في الأثر حول أعمار الأنبياء كنوحٍ عليه السلام، فهذا من الغيب الذي يجب الإيمان به، وكذلك ما ورد حول بعض الحضارات القديمة، فهذه ليست موضوع بحثنا.

ص: 507

أن من عاداتهم أنه حين يموت الطفل يُعْطي الآباء نفس الاسم لطفلٍ جديد، وقد لوحظ أيضًا أن سكان هذه القرى الذين تمتد أعمارهم بين 60، 70 سنة، كانوا يعطون بصفة عامة أعمارهم الصحيحة، أما أولئك الذين تجاوزوا هذا السن فكانوا أقل دقة، ويزداد عدم الدقة مع مزيد من التقدُّمِ في السن، وحين صحح الباحثون هذه البيانات باختيار الوثائق وجدوا أن أحدًا منهم لم يتجاوز عمره مائة عام "Perlmutter Hall، 1985".

وقد أجريت دراسات مماثلة على المعمِّرين الروس؛ حيث لم يجد الباحثون وثائق ميلاد رسمية لهؤلاء، كما لاحظوا أن بعض هؤلاء الذين بالغوا في تقدير عمرهم فعلوا ذلك كحيلةٍ للهرب من الخدمة العسكرية، وربما لهذا السبب لم يُجَنَّدْ بعضهم أثناء الحرب العالمية الأولى حين استخدموا وثائق الوالد "المماثل له في الاسم" بدلًا من وثائقهم هم، وحين صُحِّحَتْ أعمارهم وُجِدَ أنها لم تتجاوز الثمانين عامًا، وقس على ذلك حالة معمري باكستان.

ولعل ما يلفت النظر حقًّا أن المناطق الثلاثة المشار إليها تتسم بالبعد والعزلة عن أعباء الحياة المعاصرة، فهم سكانٌ يعيشون حياةً ريفيةً تقليديةً تمامًا، وبالطبع فإن مثل هذه الثقافات يكون للمسن فيها سلطته وتقديره واحترامه، وربما لهذا السبب كانت المبالغة في تقدير العمر، ومع ذلك فإننا لا نستبعد مطلقًا أن يعيش هؤلاء السكان لما يقترب من مائة عام، بل قد يتجاوزون ذلك بعض الشيء، والسبب في ذلك أنهم يظلون على درجةٍ كافيةٍ من النشاط والحيوية والمشاركة في حياة مجتمعهم وبيئتهم حتى عُمٍرٍ متأخِّرٍ، بالإضافة إلى أن نظامهم الغذائي جيد ومتوازن إلى حدٍّ كبيرٍ، وعدم وقوعهم في أسر بعض العادات السيئة التي يعاني منها الإنسان المعاصر، وخاصةً التدخين وإدمان المخدرات وتعاطي المسكرات، إنهم بذلك يعيشون حياةً أقرب إلى تلك التي يوصي بها الباحثون المعاصرون المتخصصون في علم الإعمار Gerontology، وهو أحدث العلوم الإنسانية نشأةً وأكثرها تطورًا في وقتنا الحاضر:

2-

متوسط مدى الحياة:

أما عن متوسط مدى الحياة، وهو المؤشر الثاني الذي يُسْتَخْدَمُ في دراسة العمر فإنه يختلف من ثقافة لأخرى، كما يتغير من عصرٍ لآخر.

إلّا أن الملاحظ أنه خلال القرنين الماضيين طرأت زيادة على متوسط العمر الذي يعيشه الإنسان "وخاصة الإنسان في الغرب"، ويرجع حدوث ذلك خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى سبب جوهري هو زيادة موارد الغذاء

ص: 508

وتحسين مستواه بالنسبة للغربيين، أما سبب ذلك عندهم في النصف الثاني من القرن الماضي فكان التقدم في الرعاية الطبية، وقد شهد القرن العشرين خاصة تطورات هامة في مجال الطب، وخاصةً مع الإجراءات الوقائية كالتحصين ضد الأمراض المعدية، والطرق العلاجية؛ كالتطورِ في مجال الجراحة والعقاقير "وخاصةً اكتشاف المضادات الحيوية" على نحوٍ أدى إلى خفض معدَّلِ الوفيات "وخاصةً وفيات الأطفال"، فإذا أضنفا إلى ذلك زيادة الوعي لدى الإنسان -مع نهاية القرن الحالي، واستشراف أفاق القرن الحادي والعشرين القادم- من أن فهمنا لأسلوب حياتنا وطريقة عيشنا له أثر كبير في الصحة والمرض، وبالتالي في قصر العمر وطوله "بعد مشيئة الله تعالى" فإننا نتوقع أن يزداد متوسط مدى حياة الإنسان في المستقبل.

إلّا أن هذا القول ليس متماثلًا لدى الجميع، فمن حقائق الإحصاءات الحيوية في كثير من البلدان أن المرأة تعيش بصفة عامة أطول من الرجل، كما أن نسبة وفيات الإناث عند الميلاد أقل منها للذكور، وفي مختلف الأعمار توجد لدى النساء قدرة أكبر من الرجال على مقاومة المرض، كما أنهن أقلّ تعرضًا لمرض العصر القاتل وهو مرض القلب، إلّا أن هذه الميزة للنساء ليست كذلك في جميع المجتمعات؛ ففي بعضها نجد أن عدد المعمرين من النساء يكاد يتساوى مع عددهم من الرجال، وفي البعض الآخر قد يزيد عدد المعمرين من الرجال على النساء، إلّا أن من العوامل التي أدت إلى الصورة الراهنة، والتي وصفناها فيما سبق، أن الرجال أكثر تمسكًا بعادة التدخين، كما أن إدمان المخدرات والمسكرات أكثر شيوعًا بينهم، وكذلك فهم أكثر عرضة للحوادث القاتلة. وعلى الرغم من هذه العوامل الخارجية، فإن بعض الباحثين يرون أن النساء لديهن استعداد بيولوجي للعيش أطول من الرجال، وهم يستندون في ذلك إلى الحقيقة البيولوجية التي تؤكد أن إناث معظم الحيوانات أطول عمرًا من ذكورها، إلّا أن حياة الإنسان ليست محض حقائق بيولوجية، ولكنها ذات إطار اجتماعي وثقافي وتاريخي، ولعله الأهم والأخطر.

ويتضح ذلك مما تأكَّدَ من أن التغذية والرعاية الطبية لها أثر كبير في صحة الإنسان، وبالتالي في احتمال زيادة عمره، ولهذا فمن المعقول فهم ما يُوجَدُ من فروقٍ في هذا الصدد في المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وبين الثقافات الفرعية داخل المجتمع الواحد، وبين الدول المتقدمة والدول النامية.

وبالطبع فإن ارتفاع متوسط مدى الحياة يؤدي بدوره إلى زيادة عدد المسنين

ص: 509

وهذا ما تكشف عنه التعدادات السكانية الأخيرة، وقد أدى ذلك إلى توسيع نطاق مرحلة العمر الثالث للإنسان، ورفع حدّها الأقصى الذي أصبح ينتهي بالإنسان إلى الموت في سن مائة سنة أو أكثر، كما بينا عند الحديث عن المدى الأقصى للحياة، ويذكر "Binger، 1983" أن هذه التطورات أدت إلى أن الإنسان المعاصر يمكنه أن يعيش -إن شاء الله- في هذه المرحلة في الوقت الحاضر ما بين 20، 40 سنة.

هل العمر الزماني معك كافٍ؟ لعل أشد الأخطاء خطرًا أن يتصور المرء أن العمر الزمني في ذاته متغير تفسيري "أي: له علاقة سببية بما يحدث من تغيراتٍ في أيِّ طور من أطوار العمر"؛ فالعمر في ذاته لا يمكنه حتى أن يصف، ناهيك أن يفسِّر هذه التغيرات، وعلى هذا فبلوغ المرء سن الستين أو تجاوزه لا يفسر مباشرة ما يحدث من تغيراتٍ من النوع الذي يشيع في العصر الثالث للإنسان. وكل ما يمكن أن يكون عليه أنه مؤشر تتفاعل فيه مجموعة من العوامل التفسيرية من ناحيةٍ "كالآثار الاجتماعية والبيئية التي يعيش فيها الإنسان الراشد المسن، أو التغيرات البيولوجية التي تطرأ عليه"، ومجموعة أخرى من الخصائص المترتبة عليها من ناحية أخرى "مثل اتجاهات الراشدين المسنين أو العمليات السيكولوجية التي تصدر عنهم"، ويشبه Kermis" "1984 العمر الزمني -باعتبار محض مرور الزمن- بأيّ أداة قياس أخرى "السنتيمترات في المتر مثلًا"؛ فالسنتيمترات وسيلة لقياس الطول، ولكنها لا تحدثه أو تؤثر فيه بالزيادة أو النقص، وبالمثل فإن الساعات والأيام والشهور والسنوات التي تؤلّف مقياس الزمن "وبالتالي مقياس العمر الزمني" تقيس هذا الحدث الفيزيائي، ولا تدل على أكثر من طول الزمن الذي قضاه المرء حيًّا، وكل ما نستطيع قوله: إن هناك تغيرات معينة تحدث في العمر الزمني أو تصاحبه، ولكنها لا تنتج عنه، وهذه التغيُّرات البيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية هي -كما سبق أن وصفناها في مطلع هذا الكتاب- هي محتوى الزمن.

ص: 510