الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والطاقة والبذل، وبالشح في العاطفة، ويصاحب هذا السلوك القهريّ الزائد شعورٌ مستمرٌّ بالشكِّ من ناحيةٍ والعار من ناحيةٍ أخرى، والود والحنان والشفقة يؤدي بالطفل إلى تنمية شعوره بالتحكم الذاتي دون فقدان التقدير للذات، والذي يتطور في المستقبل "عند الرشد" إلى شعور الاستقلال الذاتي الذي يقبله المجتمع.
2-
أزمة المبادأة في مقابل الشعور بالذنب: تنشأ هذه الأزمة في المرحلة التي يسميها فرويد: الجنسية الطفلية من سن 3-6 سنوات، فمع زيادة مشاعر الثقة والاستقلال الذاتي، ومع اكتساب الطفل لمهارات جديدة في استخدام اللغة والحركة وتناول الأشياء ومعالجتها، وخاصة في السنتين الثالثة والرابعة من العمر، يتسع خيال الطفل؛ بحيث يحتوي على أشياء كثيرة بعضها يخفيه وبعضها يحلم بالحصول عليه، وحينئذ ينمو لدى الطفل شعور بالمبادأة، فيستطيع الذهاب إلى أماكن جديدة، ويمارس حب الاستطلاع والاستكشاف، ويبدأ في الظهور شعورٌ بتحديد الهدف، مع صور مبدئية للطموح، ويؤدي نموّ المبادأة وما يتلوها من خبرات الشعور بالذنب إلى تكوين الضمير، ويتعرض الطفل لأوامر ونواهي الوالدين، فإذا تجاوز المحظور، سواء في عالم الواقع أو الخيال، فإنه يشعر بالذنب، إلّا أنه حين يبالغ الوالدان والمعلمون في كَفِّ مبادأة الطفل، فإن ذلك يؤدي إلى أن يصبح الطفل محدود الأفق، ممتلئًا بمشاعر الذنب، أما حين لا يستخدمون هذه النواهي إلّا قليلًا، فإن الطفل لا ينمو لديه ضمير مكتمل، ولهذا لا بُدَّ من الوصول إلى حَلٍّ متوازنٍ لأزمة المبادأة والشعور بالذنب.
الخبرات التعليمية في طور الحضانة:
يواجه الطفل في سن ما قبل التمييز "الحضانة" عددًا أكبر من الراشدين الجدد حين يذهب إلى دار للحضانة أو روضة للأطفال، ومن الشائع أن يكون المعلمون في هذه المؤسسات التربوية لطفل ما قبل المدرسة من الإناث، إلّا أن السنوات الأخيرة شهدت عددًا من الرجال يعلمون في هذه المؤسسات أيضًا، وخاصةً في المجتمعات الغربية، ووجود كلٍّ من الذكور والإناث كمعلمين لأطفال ما قبل المدرسة، يهيئ لهؤلاء الأطفال جوًّا أقرب إلى الجوِّ الأسريّ، كما يهيئ لهم نماذج سلوكية من الجنسين، بالإضافة إلى ما يعنيه من معانٍ بالغة، وأهمها أن رعاية طفل ما قبل المدرسة هي مهمة الرجال والنساء على حَدٍّ سواء.
ونحب أن نشير هنا إلى أن برامج طفل ما قبل المدرسة وُجِدَتْ في معظم العصور "آمال صادق، أميمة أمين 1985" إلّا أن الاهتمام بها تزايد خلال السنوات التاريخية الماضية، مع زيادة مطردة في عدد الأطفال الذين يلتحقون بها
وقد اختلفت المبررات، ولعل أشهرها شيوعًا، استخدامَ برنامج مدرسة الحضانة في أغراض التربية التعويضية "Harris 1986"، فقد لُوحِظَ في الولايات المتحدة الأمريكية أن الأطفال الذين يُولَدُون وينشأون في ظروف اجتماعية واقتصادية غير ملائمة، يلحقهم آباؤهم في مؤسساتٍ تقدِّم برامج للتدخل التعويضي سعيًا وراء إكسابهم المهارات التي تتوافر لدى الأطفال من ذوي المستويات الاجتماعية والاقتصادية الأفضل، والتي تُعَدُّ ضروريةً للنجاح في المدرسة الابتدائية في الطور النمائي التالي.
وهناك سبب آخر وراء الاهتمام الزائد في السنوات الأخيرة بإلحاق الأطفال في هذه المؤسسات التربوية، وهو الإسراع بتنميتهم المعرفية، وفي هذه الحالة يعتقد بعض الآباء والأمهات أنه لو توافرت لأطفالهم فرصة اكتساب المهارات الأكاديمية في وقتٍ مبكرٍ فإنهم سوف يتفوقون على أقرانهم حين يحين أوان الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، ويتفق هذا الشعور مع الطبيعة التنافسية الإنجازية للمجتمع الحديث، إلّا أنه قد لا يتفق مع طبيعة الطفل "فؤاد أحمد أبو حطب، أمال صادق، 1995"؛ فنتائج هذا ضارة، وخاصةً إذا تحولت روضة الأطفال إلى "مدرسة"، ثم إلى مدرسة من نوعٍ شديد المطالب، على النحو الذي نلاحظه اليوم في مجتمعنا؛ حيث تقدم للأطفال برامج "تعليم" منظمة، ثم يزداد الأمر خطرًا على الصحة النفسية والاجتماعية والثقافية للطفل حين يتعلم طفل الحضانة لغة أجنبية، أويتعلم بلغة أجنبية، إننا وحينئذ تبذر بذور "الاغتراب" الثقافي في وجدان الطفل.
ويوجد سبب ثالث لزيادة عدد الأطفال الذين يلتحقون في الوقت الحاضر بدور الحضانة ورياض الأطفال، يتصل أساسًا بالتغيرات التي طرأت على بنية الأسرة المعاصرة، وعلى رأسها خروج المرأة للعمل، ولعل المفهوم الشائع لدى هؤلاء الأمهات العاملات عن دار الحضانة أنها مجرد مكانٍ لإيواء الطفل خلال الفترة التي تنشغل فيها عنه بالعمل، وبالطبع فإن بعض المؤسسات تعمل في ضوء هذا التصور، حتى تحولَّت إلى "مخازن" للأطفال كما بينا آنفًا.
أما السبب الرابع والأخير: فهو رغبة الآباء والآمهات في أن تكون دار الحضانة أو الروضة فرصةً تهيئ للطفل أن يلتقي بغيره من الراشدين وبالأطفال الآخرين، وتعلم مهارات التفاعل الاجتماعي في مواقف أكثر اتساعًا وشمولًا، وأداء مهام جديدة لا تتوافر عادةً داخل البيت، وكل ذلك بغرض مزيد من التطبيع الاجتماعي للطفل، وهذه المجموعة من الآباء والأمهات هم الأقلية بمقارنتهم
بالمجموعات الثلاث السابقة، وهم الأصوب في إدراك طبيعة الخبرات التربوية في هذا الطور من النموّ.
وعلى كلٍّ، فإن وجود الطفل في دارٍ جيدةٍ للحضانة، قد يؤثر تأثيرات إيجابية في نموه في هذا الطور، وخاصة إذا كانت الأنشطة التي يقوم به الطفل في هذه الدار مصممة بحيث تستثير النموّ في مختلف مجالاته، فاللعب "والذي يجب أن يكون هو جوهر النشاط في مثل هذه المؤسسات" ينمي الطفل جسميًّا وحركيًّا ومعرفيًّا واجتماعيًّا. ومن مزايا النشاط الحر هنا أن الطفل عادةً يختار نشاطه بإرشاد معلمه أو معلمته، وبهذا تتهيأ له الفرصة للنجاح فيما يختار، وهذا النجاح ينمي في الطفل مشاعر الثقة وتقدير الذات، وبالإضافة إلى ما يتوافر للطفل من ممارسة بعض الأنشطة المعرفية؛ كالعَدِّ وتمييز الألوان، فإن الفرص تتوافر له أيضًا لتنشيط الخيال وحب الاستطلاع والإبداع، كما أنه يتعلم تقدير حاجات الآخرين مع اكتساب المهارة في التفاعل مع الأقران والكبار، وهذه الخبرات لا تتوافر كلها داخل البيت، وبها يتم انتقاله "بسلام" من طور اللعب والملاعبة -الذي يشغل حيزه الزمني السنوات السبع الأولى من حياة الطفل- إلى طور التأديب والتهذيب والتعليم الرسمي في المدرسة الابتدائية في طور التمييز. وتوجد طرق كثيرة يستخدمها المربون مع أطفال ما قبل المدرسة، تتناولها المؤلفات المتخصصة "آمال صادق، أميمة أمين، 1985، سعد مرسي أحمد، كوثر كوجك 1984".
ولتحقيق أهداف تربية الطفل في سن ما قبل المدرسة، لا بُدَّ من إعداده لذلك، وخاصة أن دخوله دار الحضانة يُعَدُّ خطوةً هامةً في حياته، ولعل أهم ما يجب الحرص على تحقيقه تكوين اتجاهات إيجابية لدى الطفل نحو التعلم ونحو المدرسة، وذلك من خلال جعل هذه المؤسسات التربوية مصدرًا للبهجة في التعلم "سيد أحمد عثمان، 1977"، ولعل هذا يبرر إشارتنا إلى أهمية أن يكون اللعب محور النشاط في هذا الطور، أما الربط بين "فكرة المدرسة"، ومظاهر التهديد والعقاب والعمل الشاق، فإنه له أضراره على مستقبل الطفل التعليمي. ولعلنا نشير هنا إلى أن تكوين "الاتجاه الموجب" نحو المدرسة منذ هذا الطور المبكر، قد ينتقل إلى جميع مراحل التعليم التالية، حتى ولو تضمنت بعد ذلك مظاهر التهديد "التقويم، والامتحانات"، والعقاب "الالتزام بقواعد ونظم المدرسة كمؤسسة اجتماعية"، والعمل الشاق باعتبار التعليم سوف يصبح أكثر تنظيمًا وتوجيهًا نحو المستقبل، وكل هذا قد ينقلب إلى ضده إذا كان الاتجاه المبكر نحو المدرسة سلبيًّا منذ إلحاق الطفل بدار الحضانة أو الروضة.