الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
مرحلة إعادة التوجيه:
وفيها يبدأ المرء في تقبل حقيقة التقاعد ومعناه بالنسبة له وللمجتمع، وحينئذ يبدأ في إعادة توجيه ذاته للمستقبل، ولإعادة تقويم أهدافه ووسائله في الوصول إليها.
6-
مرحلة الاستقرار:
ويختلف الأفراد في معدلات وصولهم إلى هذه المرحلة، فالبعض يصل إليها بعد مرحلتي التحرر من الالتزام وإعادة التوجيه، والبعض الآخر يصل إليها مباشرة بعد مرحلة الأثر المبدئي،
وتأتي أهمية هذه المرحلة من أنها وقت اتخاذ قراراتٍ هامَّةٍِ حول اختيارات أو أهداف طويلة المدى وتنفيذها.
7-
المرحلة الختامية:
وهي المرحلة الأخيرة في عملية التقاعد، وفيها يفقد التقاعد الكثير من أهميته ومغزاه للشخص المسن، وتحل محله في الأهمية عوامل أخرى مثل المرض الخطير، وعندئذٍ يتخلّى المسن عن دور المتقاعد ويحل محله دور المريض أو العاجز، وعند البعض تتخذ المرحلة الختامية صورة أخرى، فعدم الرضا عن أهداف وأنشطة التقاعد، ويشمل ذلك ما يرتبط منه بوقت الفراغ الطويل، قد يدفع الشخص المسن إلى البحث عن العمل مرة أخرى، وعادةً ما يكون بعض الوقت، وغالبًا ما يكون عملًا لا يرتبط مطلقًا بالأنشطة المهنية السابقة، وقد يكون عملًا تطوعيًّا، وهكذا تكتمل الدائرة بالفرد من عاملٍ إلى غير عامل إلى عاملٍ مرةً أخرى.
التكيف للتقاعد:
اهتم الباحثون في سيكولوجية الشيخوخة في السنوات الأخيرة بموضوع التكيف للتقاعد، ولعل من أهم العوامل التي تحدد ذلك مقدار الاختيار المتاح للمسن عند التقاعد، وقد أشرنا إلى التنوع الكبير في هذ المسألة، ولعل أكثر الأشخاص قدرةً على الاستمرار في العمل إلى فترة زمنية أطول مما يحدده العمر الزمني للتقاعد هم العاملون في الأعمال الحرة كما بينا، كما أن بعض المهن وبعض التشريعات تقدم للمسنين فرصًا للتقاعد المبكر لمن يشاء مع بعض الفوائد والمغريات، وتوجد بعض نظم "التقاعد المرن" والتي تسمح للناس بالعمل بعد التقاعد الرسمي "كالأستاذ المتفرغ بالجامعة"، وبالطبع هناك الأغلبية الساحقة من الموظفين المدنيين والعاملين الذين ليس لهم خيار إلّا الاستمرار في العمل حتى الوصول إلى سن التقاعد الرسمي، وعنده ينتهي كل شيء، وهكذا يمكن القول أن التقاعد قد يكون خبرةً طيبةً لدى بعض المسنين، وقد لا يكون له أثر يذكر فيهم، أما بالنسبة لأغلبيتهم فإنه خبرة سيئة أو صدمية، والسؤال هنا: من هم أولئك الذين
يشعرون بالرضا عند التقاعد، ومن لا يشعرون بذلك؟
يمكن القول بصفةٍ عامة أن الاتجاهات المسبقة نحو التقاعد، وخصائص شخصية المسنين وظروفهم الاقتصادية وأوضاعهم الصحية، وظروف عملهم تلعب دورًا حاسمًا؛ فالأشخاص الذين يؤدون الأعمال الروتينية أو غير الماهرة، والذين يشعرون بالملل من عملهم، وغير السعداء بنظم الإدارة له، وغير الراضين عن العلاقات الإنسانية فيه، قد يشعرون بكثيرٍ من الرضا عند تقاعدهم "Troll، 1982". أما الآخرون الذين يعملون في مهن تتطلّب مهاراتٍ عليا، فإنهم يظلّون في عملهم حتى سن التقاعد الرسمي بل بعده إن كان ذلك ممكنًا، ولعل هؤلاء هم أكثر الفئات شعورًا بعدم الرضا عند التقاعد، ويكون توافقهم معه أكثر صعوبة. إنهم أولئك الذين "يحبون عملهم" ويتفانون فيه، ربما لفترةٍ تصل إلى أربعين عامًا من الإنجاز والكفاءة، ثم فجأةً يصل كل ذلك إلى نهايته بخاتمة غير سعيدة. إن هؤلاء الأشخاص يشعرون أن فقدهم لعملهم بالصورة التي عليها نظام التقاعد الحالي إنما هو نوع من "الكارثة المفاجئة"؛ فالعمل الذي أعطاهم طوال هذه الفترة الطويلة شعورًا قويًّا بالاستقلال والسلطة والاعتقاد في قيمتهم من خلال ما يسهم به عملهم في المجتمع، يتلاشى فجأة، ويؤدي ذلك بمثل هؤلاء المسنين إلى أن يكون انتقالهم إلى العمر الثالث من حياتهم صعبًا وشاقًّا؛ فمثل هؤلاء يكون العمل عندهم جزءًا رئيسيًّا من حياتهم بما حقق لهم من مكانة عالية.
كما أن التوافق للتكيّف يكون صعبًا أيضًا لدى أولئك الذين ليست لديهم مدخرات ملائمة أو دخل كافٍ عند التقاعد، وحقيقة الأمر أن دخل المعاش في ظلّ التشريعات الحالية في عدد كثير من الأقطار غير ملائم لمعظم المسنين الذين قضوا حياتهم المهنية يؤدون أعمالهم بأمانة وذمة وشرف، ولذلك كثيرًا ما تنشأ ظاهرة "فقر ما بعد التقاعد"، فعادةً ما يترتّب على التقاعد قطع المنح والعلاوات والحوافز وخفض كثير من الرواتب، ولا يمكن للمتقاعد أن تكون روحه المعنوية عالية إلّا إذا كان مستواه الاقتصادي يمكن مقارنته بشكلٍ ملائمٍ مع مستواه عندما كان يعمل "Bromley، 1974"، ويضاف إلى عامل الدخل عامل آخر هو الصحة، وقد أكدت الدراسات أن هذين العاملين هما أفضل منبئين بالرضا عن الحياة لدى المسنين المتقاعدين، والواقع أن توافر هذين العاملين يهيئ للمسن فرصة فرض تحكمه على بيئته ويعينه عل الاستمرار "راشدًا"، ومن محكاته كما أشرنا كثيرًا، الاستقلال الاقتصادي، بالإضافة إلى شعوره بأنه يمكنه المساهمة في نشاط مفيد، وله قيمته لنفسه وللمجتمع.
ويوجد عامل آخر يؤثر في الاتجاهات نحو التقاعد، هو نوعية الخطط التي أعدها المسن للتقاعد قبل التحوّل الفعلي من دور العامل إلى دور غير العامل، إلّا أن ما نحب أن ننبه إليه هو أن بعض الشركات الكبرى، وبعض المؤسسات الإرشادية الرئيسية في الدول المتقدمة، تقدم للمسنين خططًا للتقاعد قبل حلوله "ولعل اليابان هي أكثر الدول اهتمامًا بهذا الموضوع"، وبالطبع فإن اقتناع المسن بأهمية التخطيط المبدئي لتقاعده يسهم كثيرًا في تكوين اتجاهات إيجابية نحوه عنده حدوثه "Troll، 1982".
وقد يكون أكثر الموضوعات أهميةً بالنسبة لاتجاهات المسنين نحو التقاعد وتوافقهم معه ما يتصل بطريقة استثمار "الوقت الطويل" عندئذ، والبدائل تشمل إعادة الاهتمام بالهوايات وبرامج الترويح، أو الانشغال بعمل نصف الوقت، أو القيام بخدمات تطوعية ورعاية الآخرين، أو النشاط السلبي مثل مشاهدة التليفزيون والتأمل في الحياة والناس، وعلى الرغم من أن النشاط السلبي يبدو بديلًا جذابًا بعد عمر طويل من العمل "طوال العمر الثاني للإنسان"، إلّا أن هذا ليس اختيارًا محبَّذًا، كما أن الفراغ الطويل الذي يتضمنه يحمل معنًى سيئًا في بعض الأحيان؛ فالفراغ يرتبط عادةً بالعمل، فكيف يوصف وقت بأنه "فراغ حيث لا عمل"، وبالطبع فإن لهذا معناه في الثقافة الإنسانية الموجهة أساسًا نحو العمل.
ويتزايد في الوقت الحاضر تشجيع المسنين -بالإضافة إلى مَنْ هم في منتصف العمر- على البحث عن عمل آخر، ولا يحتاج ذلك أن يكون العمل "مهنة" بالمعنى التقليدي، فقد يكون امتدادًا لعمله السابق أو عملًا جديدًا تمامًا، ومن ذلك مثلًا القيام بدورٍ مهنيٍّ جديد، أو الاستفادة من نواتج الهوايات بالبيع "إنتاج فني مثلًا"، أو القيام بنشاطٍ في خدمة الحي الذي يعيش فيه، وغير ذلك من الأعمال التي ربما كان الشخص يصبو إلى القيام بها من قبل ولكن لم يتهيأ له الوقت لذلك من قبل. ويفيد المسن كثيرًا أن يكون قد اختار "طريقة الثاني" في مرحلة الرشد المبكر أو الأوسط، ففي ذلك كثير من بعد النظر، ويهيئ للمرء فرصة لاستثمار مهاراته وميوله في مرحلة الشيخوخة، وقد يجد بعض المسنين حلولًا من خلال عمل غير متفرغ -كما بينا- سواء في مجالهم الأصلي، أو أحد المجالات المرتبطة به. كما بدأ الاهتمام في السنوات الأخيرة بتهيئة الفرص التعليمية للمسنين، وظهر مجال جديد في ميدان تعليم الراشدين يتصل في جوهره بمرحلة الشيخوخة.