الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر
"
مدخل
…
الفصل السابع عشر: طور بلوغ الأشد:"وسط العمر"
مع دخول الفرد في سن الأربعين يبدأ طورٌ جديدٌ في النمو الإنساني يُسَمَّى في الكتابات المتخصصة باسم طور الرشد الأوسط أو وسط العمر، والذي يمتد حتى بلوغ الراشد سن التقاعد، وقد آثرنا أن نطلق على هذا الطور التسمية القرآنية البليغة "بلوغ الأشد"1.
وقد ورد لفظ "أشد" في بعض آيات القرآن الكريم دون تقييدٍ بعمر معين، يقول الله تعالى في موضعين من كتابه العزيز:{ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} [غافر: 67] .
{ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} [الحج: 5]
ثم ورد مقيدًا بسن الأربعين مرةً واحدةً في قوله تعالى:
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: 15] .
وقد نقل القرطبيّ عن الحسن قوله في ذلك أن بلوغ الأشد هو بلوغ الأربعين من العمر، والأشد هو بلوغ القوة التي قد تكون في البدن، وقد تكون في المعرفة بالتجربة، ولا بُدَّ من حصول الوجهين، ولهذا نجدنا في هذا الصدد لا نوافق على ما أوردته المعاجم العربية في تعريف الأشد بأنه ما بين الثماني عشرة سنة إلى الثلاثين من العمر؛ ففي هذا يتداخل بلوغ الأشد مع بلوغ السعي وبلوغ الرشد، وهي كلها مفاهيم قرآنية لا بُدَّ أن يكون بينها فوارق واضحة.
ومفهوم بلوغ الأشد يتطابق مع مفهوم نمائي آخر هو الكهولة2، مع
1 الأشد على وزن أفعل، واحد لا جمع له، وقيل مفرده شدّ كفلس وأفلس، وأصله من شد النهار، أي: ارتفع، يقال: أتيته شد النهار ومد النهار، وكان سيبويه يقول: مفرده شدة، فيقال: بلغ الكلام شدته، ولكن لا تجمع فعلة على أفعل.
2 تعرف المعاجم العربية الكهل بأنه من جاوز الثلاثين إلى نحو الخمسين، وجاء في لسان العرب: الكهل هو الرجل إذا خَطَّه الشيب ورأيت له بجالة، وفي الصحاح: الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين وخَطَّه الشيب، وعند ابن الأثير: الكهل من الرجال من زاد على الثلاثين سنة إلى الأربعين، وقيل: هو من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين، وقال الأزهري: وقيل له كهل حينئذ لانتهاء شبابه، وكمال قوته.
اختلافنا مرةً أخرى مع التعريف الذي تقدمه المعاجم لهذا المصطلح، بأن الكهل من كانت سنون عمره بين الثلاثين والخمسين، والأصح في رأينا أن تكون بداية بلوغ الأشد "وهو طور الكهولة أيضًا" في سن الأربعين كما حدده القرآن الكريم، ونهايته مع مطلع الشيخوخة.
ولعل ما يؤيد التطابق بين الأشد والكهولة ما جاء في قول الشاعر سحيم بن وثيل "على الرغم من اختلافنا معه في الحد الأدنى الزمني الذي وضعه":
أخو خمسين مجتمع أشدى
…
ونجني مداورة السنين
ويؤيده مرة أخرى قول الطبري في تفسيره للقرآن الكريم، من أن انتهاء الكهولة فيها مجتمع الأشد، أي: قمته وذروته.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد مؤشر واحد يكفي وحده للدلالة على الانتقال من طور الرشد المبكر إلى طور بلوغ الأشد "الرشد الأوسط"، وإنما يوجد عدد من المؤشرات تتسم بأنها فردية وشخصية، وتختلف من شخص إلى آخر، ولعل أهم هذه المؤشرات ما يلاحظه المرء على جسمه من علامات تدل على التقدم في السن، ومنها ما يقع في نطاق الأسرة والعمل من أحداثٍ تنبه الشخص إلى أنه لم يعد "صغيرًا" أو "شابًّا"، كما كان من قبل، ومن ذلك شغل وظيفة "قيادية" في مجال العمل، أو وفاة والديه، فيتحول في لحظة واحدة ليصبح منتميًا إلى "جيل الكبار" في الأسرة، أو حين يصير الأبناء مراهقين أو شبابًا، ففي ذلك علامة مؤكدة على أنه لم يعد صغيرًا؛ لأنه يوجد جيل جديد أصغر منه، وقد يكون الأكثر دلالة على هذا التحوّل النمائي ميلاد حفيد، أي: ظهور الجيل الثالث في الأسرة.