الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النمو الانفعالي والوجداني:
يكتشف طفل مرحلة الطفولة المتأخرة أن التعبير العنيف عن الانفعالات، وخاصة الانفعالات غير السارة، سلوك غير مُحَبَّذٍ اجتماعيًّا لدى أقرانه؛ فهم يعتبرون الانفعالات الحادة سلوكًا "طفوليًّا"، واستجابة الانسحاب عند الخوف نوعًا من الجبن، وعلى ذلك يكون لدى الطفل دوافع قوية ليتعلَّم التحكم في التعبيرات الصريحة عن الانفعالات، إلّا أن مثل هذه الدوافع لا يكون عادةً قويًّا داخل المنزل، ولهذا كثيرًا ما نجد الطفل يعبر عن انفعالاته في البيت بقوةٍ كما كان يفعل في مراحل نموه السابقة، وعادةً ما تكون التعبيرات الانفعالية في هذه المرحلة من النوع السارِّ؛ كالضحك والقهقهة والجري والقفز والارتماء على الأرض، ورغم أن هذه التعبيرات الانفعالية "ليست ناضجة" بمعايير الكبار، فإنها تدل على أن الطفل سعيد ومتوافق، إلّا أن انفعالات الطفل في هذه المرحلة ليست كلها من هذا النوع، فقد تحدث حالات تقلب المزاج، وقد يعاني الطفل من القلق أو الإحباط، وعادةً ما تلجأ البنات إلى البكاء، أما الأولاد فََيَقِلُّ في هذا السن لجوؤهم إلى البكاء، ويظهرون بدلًا منه العبوس وتقطيب الجبين، والطفل الذي يشعر بأن لا مكان له في المدرسة -إما لأنه شديد التفوق أو شديد التخلف- والذي تكون بيئته الأسرية مقيدة لنشاطه، والذي يتوقع منه الآباء أكثر مما يستطيع، أو الذي تكون مستويات طموحه غير واقعية -وبالتالي يفشل- قد يعاني من الانفعالات غير السارة، وقد يؤدي إلى توافق سيئ في المنزل والمدرسة.
والانفعالات الشائعة في هذ السن هي نفسها التي نجدها في مرحلة الطفولة المبكرة، إلّا أنها تختلف عنها في ناحيتين هما: طبيعة الموقف الذي يستثير الانفعالات، وصور التعبير عن هذه الانفعالات، وهذه التغيرات ناتجة عن اتساع خبرات الطفل، وتعلمه أكثر من أن تكون ناتجة عن زيادة النضج الفسيولوجي، فزيادة ذكاء الطفل واتساع خبراته يؤديان به إلى أن يفسِّرَ المواقف تفسيرات مختلفة عما كان يحدث في المرحلة السابقة، وبالتالي يستجيب لها استجابات مختلفة ناتجة عن اتصاله بأشخاص أكثر خارج نطاق الأسرة، مما يساعد على
اكتشاف كيف يشعر الناس المختلفون إزاء التعبيرات الانفعالية المختلفة، وسعيًا للحصول على التَّقَبُّلِ الاجتماعي يحاول أن يتعلَّم مسايرة هذه الأنماط الاجتماعية المقبولة للتعبير الانفعالي.
وأشهر الانفعالات في هذه المرحلة هي الخوف والغضب والغيرة والاستطلاع والسرور.
وبالنسبة لانفعال الخوف نلاحظ أنه في الوقت الذي تتناقض فيه المخاوف المستثارة من الأشياء المحسوسة، تزداد المخاوف من الأشياء المتخيلة ومن ذلك الظلام وما يرتبط به "كالجن والعفاريت"، والموت وما يرتبط به، وتظهر أنواع جديدة من المخاوف مثل: الخوف من أن يوصف الطفل بأنه "مختلف" عن أقرانه، فيتعرض للسخرية منهم، والخوف من الفشل في المهامِّ التي يقوم بها، وحتى لا تبدو عليه أعراض الخوف أمام أقرانه فيسخرون منه، يحاول الطفل في هذه المرحلة أن يتجنب قدر الإمكان أن "يُضْبَطَ متلبسًا بحالة الخوف".
وعلى الرغم من أن الخوف انفعالٌ طبيعيٌّ عند الإنسان، إلّا أنه قد يتحول إلى خوفٍ مرضيٍّ أو رهاب "فوبيا" إذا زاد عن حدِّه، أو كان غير واقعيٍّ، أو غير مسيطر عليه؛ بحيث يستدعيه أو يستثيره موضوع أو موقف بذاته. وقد أُجْرِيَتْ دراسةٌ حديثةٌ قامت بها مها فؤاد أبو حطب "M Abou Hatab 1995" للحصول على الماجستير في الطب النفسي للأطفال Child Psychiatry لتحديد المخاوف المرضية الشائعة لدى أطفال المدرسة من سن 8-14 سنة من الجنسين، ومن المستويات الاقتصادية الاجتماعية المختلفة، وكانت عينة الدراسة مؤلفة من 460 طفلًا في المدى العمرية المشار إليه، من الجنسين "206 من الذكور، 254 من الإناث" من تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية بمحافظة القاهرة، وكشفت الدراسة عن أن الأطفال من مختلف الأعمار يظهرون مخاوف مرضية من أشياء كثيرة؛ منها الظلام والأحلام المفزعة والكوابيس والموت والعقاب والامتحان والمدرسة، وعلى الرغم من وجود اختلافات بين الجنسين وبين المستويات الاقتصادية والاجتماعية في نوعية المخاوف، إلّا أن الجميع اتفقوا على الخوف من المدرسة والخوف من الامتحان، وهذه نتيجةٌ تستحق أن يضعها المربون في مصر موضع الاعتبار، حتى لا تصبح المدرسة مصدرًا للاضطراب النفسي للأطفال.
وتظهر بوادر القلق في هذه المرحلة، وأهم مصادر القلق المشكلات المدرسية، والمشكلات المرتبطة بالتوافق الشخصي والاجتماعي والمشكلات الصحية، ويتغلب قلق المدرسة على غيره من مصادر القلق، وأشهر أنواعه قلق الاختبارات، والقلق
من التأخير عن المدرسة، والقلق من التخلف الدارسي، وبصفة عامة، فإن الأشياء التي تسبب للطفل القلق هي تلك التي لها أهميتها عند الوالدين أو عند جماعة الأقران، ويعتمد ذلك على النظام القيمي لدى كلٍّ منهما، ويزداد القلق العام لدى الطفل الأقل تقبلًا من أقرانه، وبصفة عامة يمكن القول أن القلق لدى البنات أكثر حدوثًا من البنين، ويزداد القلق مع نموِّ الطفل وزيادة الضغط عليه.
أما بالنسبة للغضب: فإنه أكثر حدوثًا في هذه المرحلة من المرحلة السابقة؛ لأن طفل المدرسة الابتدائية لديه رغبةٌ أقوى في الاستقلال، وهذه الرغبة كثيرًا ما تتعرض للإحباط، ويشعر طفل هذه المرحلة بالغضب أيضًا حين يقاطع أثناء اندماجه في أداء أحد الأنشطة، أو حين يتعرض للنقد، أو حين تُجْرَى مقارنة غير عادلة بينه وبين غيره من الأطفال، كما يشعر بالغضب حين يُعَاقَبُ أو يُلَامُ على عملٍ يفعله، وحين يرى شخصًا يغش أو يظلم الآخرين، أو حين يُتَّهَمُ بالكذب.
وبالنسبة لانفعال الغيرة: يلاحظ أن الطفل الذي يشعر بالغيرة من إخوته داخل المنزل، قد ينقل هذا الشعور إلى زملاء الفصل، وخاصة الذين يظهرون التفوق عليه، أو الشعبية دونه بين التلاميذ.
أما عن انفعال الاستطلاع: فيتسم في هذه المرحلة بأنه أقلّ قوةً من المرحلة السابقة، وقد يرجع ذلك إلى أن معظم البيئة من حوله أصبحت مألوفة له، فإذا ظهرت في هذه البيئة أشياء جديدة، أو إذا أصبحت الأشياء الممنوعة في الماضي موضع اهتمامه في هذه المرحلة "كاللعب بالكبريت أو إشعال موقد الغاز"، فإنها تستثير الاستطلاع فيه من جديد، ويستخدم في الاستطلاع طرقه السابقة؛ فهو يفحص الأشياء للكشف عن غموضها، وقد يفكها ليعرف كيف تعمل، وبالإضافة إلى هذا الاسكتشاف المباشر يلجأ طفل هذه المرحلة إلى الأسئلة لمزيد من المعرفة، وحين يصل الطفل إلى الصف الثالث الابتدائي يلجأ إلى القراءة، ومنذ ذلك الحين تزداد أهمية القراءة كمصدر للمعلومات، ولا يحب الطفل في هذه المرحلة أن يُقَبِّلَهُ أحد الوالدين أو يحتضنه وخاصة في وجود الآخرين، ويرفض أن ينادى باسم "الدلع". وبدلًا من ذلك يظهر الطفل مشاعره بشكل غير مباشر عن طريق البقاء مع من يحب، وأن يؤدي الأشياء التي يطلبونها منه، وأن يساعدهم قدر الإمكان، وتكون لديه شخصايته المفضلة بين الإخوة ورفاق اللعب وبين الوالدين.
ويظهر الطفل انفعال السرور والفرح بالابتسام والضحك، ويزداد اهتمامه باللعب بالألفاظ وتذوق الفكاهة، وفي هذه المرحلة تنتاب الطفل فترات من الانفعالية العنيفة، وهي فترات عدم التوازن الناتج عن عدم الاهتمام به أو عن بعض الصعوبات التي يواجهها.