الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني
الاتجاهات النظرية الوصفية
معايير النمو
…
الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني
الاتجاهات النظرية الوصفية:
لقد ظلَّ علم نفس النمو منذ نشأته على يد ج. ستانلي هول "1844-1924" في أواخر القرن التاسع عشر، وحتى بدايات الأربعينيات من هذا القرن العشرين "وخاصة أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية" علمًا وصفيًّا، وتمثل ذلك خاصة في الاهتمام بمسألتين هما: معايير EDevelopmental norms، ومهام النمو Developmental tasks.
معايير النمو:
منذ نشر ستانلي هول دراسته الأولى الهامة عام 1891، أُرْسِيَتْ تقاليدُ اتجاهٍ سيطر على بحوث علم نفس النمو طوال النصف الأول من عمر هذا العلم.
ويتلخص هذا الاتجاه في قياس وملاحظة مجموعات من الأطفال، ثم تلخيص النتائج على هيئة "مستويات" عمرية مختلفة في صورة متوسطات، ومثل هذا النوع من البحوث تناول مجموعة واسعة النطاق من الخصائص؛ تبدأ بالخصائص الجسمية؛ كالطول والوزن، وتشمل القدرات الجسمية والحركية والإدراكية والعقلية، وتتناول عادات الطفل اليومية؛ كالنوم والطعام والإخراج، ونوباته الانفعالية؛ كالخوف والغضب، وعلاقاته الاجتماعية. وعلى الرغم من أن هذه البحوث سُمِّيَتْ في المؤلفات التقليدية لعلم نفس النمو بالبحوث المعيارية Normative، إلّا أنها في جوهرها بحوث وصفية؛ لأنها لم تتجاوز وصف المستوى "العادي" أو "المتوسط" لسلوك الأطفال في الخصائص موضع البحث، وعادةً ما تُسَمَّى النتائج التي تلخصها هذه البحوث معايير العمر Agy Norms.
ويعد العالم الأمريكي أرنولد جيزل Gesell "188-1961" أكبر ممثلي هذا الاتجاه، وهو اتجاه يعود بأصوله إلى عالم النفس الفرنسي ألفريد بيينيه، الذي توصَّلَ إلى معيار العمر العقلي في بحوثه عن قياس الذكاء، إلّا أن جيزل وسَّعَ
إطار المفهوم واستخدامه، وطبَّقَه على عدد كبير من الظواهر النفسية، وأشاع ما يُسَمَّى العمر العظمي والعمر الفسيولوجي والعمر التحصيلي، وهكذا.
ولإجراء بحوثه العديدة ابتكر جيزل وزملاؤه مجموعة من الاختبارات، ووسائل القياس، وأساليب الملاحظة التي تعين على وصف الطفل بدقةٍ في كثير من مجالات النمو، وجمع فريق البحث معلومات كثيرة عن الأطفال الذين تمت دراستهم في العيادة النفسية التي أنشأها في كلية الطب بجامعة ييل، والتي تحولت إلى معمل كامل هدفه الدراسة الشاملة لنمو الطفل، كما قام فريق البحث بإجراء مقابلات مع الآباء والأمهات لمعرفة سلوك الطفل في المنزل، وقد أفادت المعلومات في وصف الخطوات والمراحل التي يسير فيها الطفل العادي في كل مرحلة عمرية، وقد انحاز جيزل انحيازًا واضحًا في كل مراحل بحثه إلى طرف النضج، واعتبره العامل الأهم في نمو الطفل؛ فالتغيرات في بنية الطفل وسلوكه ترجع في جوهرها -عنده- إلى العوامل الوراثية، أما البيئة الاجتماعية فإن آثارها محدودة للغاية، ولعل هذا الاعتقاد هو الذي جعله يرى ان مهمهته الكبرى في مجال دراسة النمو "جدولة" الخصائص الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية في كلِّ مستوى عمري على نحوٍ أشبه "بالكتالوج" الذي يشمل الخصائص المتوسطة أو العادية. وفي رأيه أن "قوائم الخصائص" هذه تزود المربين والوالدين وأطباء الأطفال وغيرهم من المهتمين بشئون الطفل بالسمات التي يتوقع لها الظهور في كل مرحلة عمرية، ويوضح الجدول "5-1" أمثلة من جداول معاييره أثاء الطفولة، والتي شاعت لفترة طويلة، واستخدمها الكثيرون في الحكم على مدى سواء معدل النمو عند الأطفال.
جدول "5-1" أمثلة من جداول معايير النمو لجيزل
وتوجد فكرة هامة أخرى عند جيزل، وهي فكرة "دورات السلوك"؛ حيث يرى أن النمو تتناوبه أطوار من "الجودة" و"السوء"، وهذه الأطوار موحدة عند الجميع، ويوصف الطور بأنه جيد إذا أظهر فيه الطفل تكيفًا طيبًا مع ذاته ومع الآخرين، أما الطور السيئ فهو الذي تسود فيه الصراعات بين الطفل وبيئته الاجتماعية والمادية، ويشعر فيه بعدم التوافق مع نفسه، ويرى أن تناوب هذه الأطوار أمر حتمي، وتحكمه مباديء النضج وحدها. ويلخص إلج وآمس & IIg ames. 1981"، وهما من تلاميذ جيزل، هذه الأطوار في الجدولين "5-2"، "5-3".
جدول "5-2" الأطوار الجديدة والسيئة في الأسابيع الأولى من حياة الطفل.
جدول "5-3" الأطوار الجيدة والسيئة في سنوات عمر الطفل المختلفة "إبتداء من عمر سنتين"
وخلاصة ذلك أن دورات النمو الإنساني "التي قد تمتد إلى مراحل تالية في الرشد والشيخوخة، على الرغم من أن البحوث لجيزل وتلاميذه لم تتجاوز سن السادسة عشرة" هي في جوهرها دورات من السلوك النفسي والاجتماعي تعكس الحالات الداخلية للتوافق مع البيئة، وكل دورة منها تزداد طولًا بالتدريج مع نمو الشخص، وتتآلف كل دورة من ستة أطوار، ويبدأ الطفل كل دورة بطور من التوازن الجيد، يتبعه طور من عدم التوازن الملحوظ بين الذات والبيئة، وبعد ذلك يظهر طورٌ من التوازن النسبي، يتلوه طور من الانسحاب الظاهر والاستبطان الداخلي والحساسة الفائقة للأحداث، والتشاؤم، ويتبع ذلك طور من التوافق الجيد، يتسم بالتوسع الكبير في النشاط الاجتماعي على نحوٍ قد ينجم عنه بعض المخاطر للطفل، ثم يتحول الطفل إلى طور آخر من التكيف السيئ، على هيئة عدم توازن عصابي قبل أن ينتقل إلى طور جيد من التوافق الجيد، وهكذا.
وتركزت اهمامات جيزل وتلاميذه على عشر فئات كبرى من سلوك الإنسان، مع وجود أقسام فرعية داخل كل فئة، وهذه الفئات هي:
1-
الخصائص الحركية:
أ- نشاط الجسم.
ب- تآزر العين واليد.
2-
الصحة الشخصية:
أ- الأكل.
ب- النوم.
ج- الإخراج.
د- الاستحمام.
هـ- الآلام والأمراض الجسمية.
3-
التعبير الانفعالي:
أ- الاتجاهات الوجدانية.
ب- الصراخ والسلوك المرتبط به.
ج- العناد والعدوان والغضب.
4-
المخاوف والأحلام.
5-
الذات والدور الجنسي.
6-
العلاقات الشخصية:
أ- الأم والطفل.
ب- الطفل والأطفال والآخرون.
ج- التجمعات أثناء اللعب.
7-
اللعب وقضاء وقت الفراغ:
أ- الميول العامة.
ب- القراءة الحرة.
ج- الموسيقى والراديو والسينما، وغيرها من الوسائل المستحدثة بعد ذلك".
8-
الحياة المدرسية "في المدرسة الابتدائية خاصة":
أ- التكيف للمدرسة.
ب- جو حجرة الدراسة.
ج- القراءة المنظمة.
د- الكتابة.
هـ- الحساب.
9-
الحس الخلقي:
أ- اللوم والاعتذار.
ب- الاستجابة للتوجيه وأساليب الثواب والعقاب.
ج- التمييز بين الخير والشر.
د- التمييز بين الصواب والخطأ.
10-
النظرة الفلسفية:
أ- الزمن.
ب- المكان.
ج- الحرب.
د- الموت.
هـ- الدين.
وينشأ عن هذا التصور للنمو في ضوء معايير العمر سؤالان هامان: أولهما: ما هو موضع الفروق الفردية في نسق يرى أن الأطفال في كل مرحلة عمرية متشابهون في نواحٍ كثيرة؟ يجيب جيزل على هذا السؤال بتقبل فكرة الفروق الفردية؛ فالسلوك المميز لأي عمر لا يعني عنده أن جميع الأطفال في هذا العمر
يسلكون على نفس النحو، والمعيار باعتباره نوعًا من المتوسطات يتضمن في جوهره وجود اختلافات حوله بالزيادة أو النقص، إلّا أنه في نفس الوقت يرى أن من الواجب مساعدة الطفل "المختلف عن المعيار" على التكيف؛ فالاختلاف عن "المعيار" عنده علامة على عدم التكيف.
والسؤال الثاني: ما هي النصيحة التي توجه للمهتمين بالنمو، حول ما يمكن أن يفعلوه لمواجهة الدورات الجيدة والسيئة للنمو من ناحيةٍ، والانحراف عن المعيار المتوسط من ناحية أخرى؟ الإجابة عند أصحاب مدرسة جيزل بإيجاز هي الصبر والانتظار حتى تمر دورة النمو السيئة الحتمية. أمّا بالنسبة لعلامات سوء التكيف فإنهم لا يوصون بأي أسلوب علاجي واضح أو صريح، وفي هذا كان الخطأ الفادح لأصحاب اتجاه معايير العمر على وجه العموم.
إلّا أن أهم أخطاء جيزل على وجه الخصوص تشبثه المتطرف بفكرة الأثر شبه الوحيد الذي تلعبه الوراثة في نمو الإنسان؛ فالنمو هو أيضًا انعكاس للبيئة التي ينشط فيها، ومما يؤكد ذلك ما تَبَيَّنَ من أنه حتى الجوانب العامة نسبيًّا في سلوك الإنسان، والتي درسها جيزل، ثبت أنها تظهر درجة كبيرة من التفاوت؛ فالأطفال من مختلف الثقافات والبيئات لا يظهرون نفس الدرجة من القدرة في عمر زمني ثابت، بالإضافة إلى أن تأكيد جيزل على فكرة "المعالم الرئيسية للنمو" أدى إلى إخفاء الحقيقة العلمية الواضحة، وهي أن المكونات المختلفة للنمو تظهر بدرجات مختلفة في فترت زمنية مختلفة من مدى حياة الإنسان. ناهيك عن أن النضج الذي يلعب دورًا هامًّا في النمو أثناء الطفولة التي كانت موضوع جيزل الرئيسي يقلّ دروه في بعض المراحل الأخرى "الرشد مثلًا"، ففي مرحلة الرشد تلعب البيئة والثقافة ومتطلبات المجتمع الدور الحاسم، ولعل هذا ما جعل ليفنسون "Levinson، 1978" في نظريته حول مراحل نمو الذكور، وفريز "Frieze" في نظريتها حول مراحل نمو الإناث يحلان ما يسميانه "الساعة الاجتماعية" في مرحلة الرشد محل "الساعة البيولوجية" التي تسود مرحلة الطفولة.