الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ميكانيزمات الوراثة
مدخل
…
ميكانيزمات الوراثة 1:
تعود البداية الحديثة لفهمنا العلمي لميكانيزمات الوراثة إلى العالم النمسوي الشهير جوهان جريجور مندل J G Mendel "1828-1884"، الذي بدأ حياته راهبًا يتسلّى بإجراء التجارب على نباتات حديقة الدير الذي يتنسك فيه، وقد نشر أول دراساته عام 1865، إلّا أنها لم تحظ باهتمام يذكر، ومع بداية القرن العشرين أُعِيدَ اكتشاف جهود مندل، وأعيد تقديره باعتباره مؤسس علم الوراثة الحديث.
ولعل أهم اكتشافات مندل أنه لاحظ أن بعض الخصائص التي توجد في الجيل الأول أو الأصلي "جيل الوالدين" تختفى في الجيل الثاني، ثم تعود للظهور في حوالي 25% من الحالات في الجيل الثالث، وقد حاول أن يفسر هذه النتائج، فافترض أنه في الجيل الأصلي يكون لدى كلٍّ من الوالدين عاملان وراثيان "أو مورثان بالتعبير الذي شاع فيما بعد" هما صورتان متضادتان لخاصية واحدة، وهذا النوع من المورثات يسمى الآن المورثات متضادة الصفات Allele، واقترح مندل أن كلًّا من الوالدين ينقل إلى النسل أحد قطبي هذه الصفة، ويتفق هذا مع ما أثبته علم الوراثة الحديث الذي يؤكد أن النطفة -باعتبارها تحمل نصف صبغيات الخلية الأصلية- تحمل في نفس الوقت أحد قطبي هذا النوع من المورثات المتضادة الصفات، فإذا انتقل إلى النسل نفس الصورة للخاصية من كلٍّ من الوالدين، تكون نطفة الأمشاج من النوع المتجانس homozygous بالنسبة للخاصية، أما إذا انتقلت إليه من أحد الوالدين إحدى صورتي الخاصية المتضادة، ومن الوالد الآخر الصورة الأخرى، تكون الأمشاج من النوع المتغاير heterozy gous، كما اقترح مندل أيضًا أن إحدى الصورتين قد تسيطر على الصورة الأخرى، وتسمى في هذه الحالة الخاصة السائدة dominant، وبسبب قوتها تظهر نفسها دائمًا في النسل التالي، وتسمى الصورة المتضادة في هذه الحالة بالخاصية المتنحية rececssive، والتي لا تظهر إلّا في حالة غياب الخاصية السائدة، وبالطبع
1 يمكن الرجوع إلى تفاصيل إضافية عن ميكانيزمات الوراثة في المرجع الآتي: فؤاد أبو حطب: القدرات العقلية "الطبعة السابعة" تحت الطبع.
فإن الخاصية المتنحية -على الرغم من أنها قد لا تظهر- إلّا أنها تظل كامنة في جميع الأجيال اللاحقة، وهكذا ميَّزَ مندل -لأول مرة أيضًا- بين ما يسمى الآن النمط الوراثي genotype والمظهر الموروث phenotype، وهما مفهومان هامان سنتناولهما بالتفصيل فيما بعد.
وبهذه الطريقة كان مندل قادرًا على تفسير نتائجه الطريفة التي حصل عليها من بحوثه على نبات الفاصوليا، ففي تجاربه كان يجعل الجيل الأصلي من النبات "الوالدان" يحمل كل منهما مورثين لكل خاصية، إلّا أن أحدهما كان يجعل مورثات من النوع السائد فقط "ولتكن مثلًا مورثات البذور الصفراء اللون""ويحمل الوالد الآخر مورثات متنحية فقط "مورثات البذور الخضراء اللون"، وبهذا ترث نباتات الجيل الثاني جميعًا مورثات الخاصية السائدة، ومورثات الخاصية المتنحية، ومع ذلك لا تظهر إلّا الخاصية السائدة فقط "بذور صفراء"، وحين تخصب هذه النباتات الجديدة ذاتيًّا، ورث 25% من النباتات الجديدة مورث الخاصية المتنحية، فإن هذه الخاصية "أي: البذور الخضراء اللون" تظهر.
وهكذا كانت بحوث مندل المبكرة، البداية العلمية الصحيحة لعلم الوراثة الحديث، وقد أفادت افتراضاته في تفسير أنماط معينة من الوراثة، لا تقتصر على النبات فحسب، وإنما تمتد إلى الأنواع الحيوانية أيضًا، إلّا أن التطورات التي شهدها هذا العلم بعد ذلك أثبتت أن ميكانيزمات الوراثة التي اقترحها مندل تقتصر على وراثة الخصائص التي تتأثر بزوج واحد من الموروثات أو عدد قليل منها، وقد أيدت هذه البحوث كثيرًا من فروضه إلّا أنه في بعض الحالات الأخرى تطلبت نتائج البحوث تفسيرات كثيرة عديدة أخرى، ومن ذلك مثلًا أن المورثات السائدة والمتنحية لا تظهر دائمًا على النحو الدقيق الذي وصفه مندل، وذلك للأسباب الآتية:
1-
الأدوار العديدة التي تلعبها بعض الموروثات الأخرى، بالإضافة إلى الدور الهام الذي تقوم به البيئة.
2-
توجد لبعض الصفات مورثات عديدة من النوع المتضاد الصفات alleles، وليس مورثًا واحدًا كما افترضت النظرية الأساسية لمندل.
3-
المورثات التي توجد على صبغي الجنس تعمل بطريقة مختلفة عن تلك التي تعمل بها المورثات التي على الصبغيات الأخرى في الخلية الواحدة.
4-
يتأثر كثير من الخصائص بأزواج عديدة من المورثات، وليس بزوج واحد فقط، وتسمى هذه الحالة بالوراثة المتعددة الأصول polygene.