الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا يتضمن هذا النموذج العام للنمو الوجداني جميع احتمالات تكوين الشخصية كما تلاحظ فينا وفي الآخرين من حولنا، فكل سمات الشخصية لها جذورها في الأزمات والحلول في مراحل العمر المختلفة كما وصفها إريكسون، إلّا أننا نحب أن ننبه إلى أن إريكسون يعزي أهمية خاصة للدور الذي يقوم به المجتمع ومؤسساته في النمو، ولعل أهم دراساته التي أكدت ذلك، تلك التي تناولت موضوع اللعب والترويح "Erickson، 1977"؛ فاللعب له دور حاسم في النمو من ناحية، ثم إن له طابعه الثقافي الذي تختلف فيه المجتمعات والجماعات الفرعية في المجتمع الواحد من ناحية أخرى.
وهو أيضًا يشبه بياجيه في إدراكه للنمو على أنه عملية نسبية، فإذا كان بياجيه يرى أن الفرد يسعى لتحقيق التوازن مع البيئة، فإن إريكسون يركز على ما يسميه "الاتزان الأمثل"، فعنده أن الثقة الزائدة في البيئة ضارة بالنمو مثلها في ذلك مثل نقص هذه الثقة، وبالمثل، فإن الشعور المبالغ فيه بالإنجاز والكفاءة يتداخل مع حاجة طفل المدرسة إلى اكتساب المهارات التعليمية الأساسية التي يتطلبها المجتمع من أعضائه، شأنه في ذلك شأن القدر الضئيل من هذا الشعور الذي يؤدي إلى الشعور بأن الآخرين يقدرونه فقط ما دام قادرًا على الإنتاج. ويصدق هذا على جميع المراحل الست في نظريته.
نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي
…
نموذج كولبرج في النمو الخلقي الاجتماعي:
عادةً ما يعد النمو الخلقي أحد مظاهر التطبيع الاجتماعي، وهو العملية التي يتعلم بها الطفل مسايرة توقعات المجتمع والثقافة التي يعيش فيها، إلّا أنه في حالة النمو الخلقي لا يتعلم الطفل محض المسايرة، وإنما عليه أن يستوعب في داخله معايير الحكم الخلقي، ويقبلها على أنها صحيحة، وعلى أنها تمثل نظامه القيمي الشخصي.
وتوصف القيمة الخلقية بأنها تَمَّ استيعابها داخليًّا، وليست مفروضة من الخارج حين نلاحظ على السلوك الإنساني أنه لا يخرق "معيار الحكم الخلقي"، بالرغم من وجود الإغراءات التي تدفعه إلى ذلك، وعدم وجود السلطة الخارجية التي تكشف وتعاقب على ذلك. "فؤاد أبو حطب، 1972".
ويُعَدُّ العالم الأمريكي المعاصر لورنس كولبرج "kohlberg" أشهر المنظرين المعاصرين في هذا الميدان، ولكي نوضح موقفه النظري من الاتجاهات والطرق الثلاثة التي وجهت الباحثين في ميدان السلوك الخلقي، هي على وجه الخصوص: السلوك الملاحظ، ومشاعر الذنب، وأساس الحكم الخلقي، نقول: إنه بالنسبة للسلوك
الملاحظ يركز الباحثون على ما إذا كان الطفل يظهر السلوك الخلقي "مثل: الأمانة أو العدل" مع التقدم في العمر، وقد وجد الباحثون أن الأطفال والمراهقين يسلكون في الالتزام بالقواعد الخلقية أو خرقها، إما سلوك التدبر والضغط الاجتماعي؛ حيث يكون السؤال ما إذا كانت الجماعة تستهجن السلوك غير الخلقي، وقد فرض كولبرج هذه الطريقة باعتبارها لا تقدم محكًّا مفيدًا للنمو الخلقي.
أما الطريقة الثانية التي اهتم بها الباحثون في هذا الميدان، فهي دراسة نمو الشعور بالذنب لدى الطفل والمراهق، ويتمثل هذا الشعور في سلوك نقد الذات وعقابها المصاحب للقلق والأسف الناجمين عن خرق قاعدة أخلاقية أو معيار اجتماعي وثقافي، والافتراض هنا أن الطفل يطيع القواعد ليتجنب الشعور بالذنب.
ويرى كولبرج أن هذا الافتراض هو أساس مفهوم الضمير لدى كلٍّ من أصحاب نظرية التحليل النفسي ونظرية التعلم، ويرى أنه بالرغم من أن البحوث التي أجريت على الأطفال باستخدام الأساليب الإسقاطية تؤكد الظهور المفاجيء لهذه المشاعر في السنوات السابقة مباشرة على المراهقة، إلّا أن هذه الأساليب لم تستطع أن تتنبأ على نحوٍ منتظمٍ بمقاومة الأطفال للإغراء، ولهذا استبعد أيضًا هذه الطريقة من نموذجه النظري.
ويركز كولبرج على الاتجاه الثالث والذي يتمثل في تتبع أحكام الأطفال على المسائل الخلقية، وفي هذا الجانب يكون السؤال هو: هل يستوعب الطفل داخليًّا المعيار الخلقي؟ وهل يستطيع تبرير هذا المعيار لنفسه وللآخرين؟ وبالطبع، فإن هذه الطريقة استخدمها لأول مرةٍ جان بياجيه في مطلع الثلاثينات، ثم عدَّلَها باحثون آخرون، إلّا أن كولبرج كان أكثرهم حماسًا واهتمامًا بها طوال الربع الأخير من القرن العشرين.
طريقة كولبرج في البحث:
ويعود اهتمام كولبرج بالحكم الخلقي moral judgment إلى رسالته للدكتوراه التي تَقَدَّمَ بها إلى جامعة شيكاغو عام 1958، وفيها حَدَّدَ محركات السلوك الخلقي التي استمدها من بياجيه وبالدوين وهير ودوركايم وميد، والتي يلخصها فيما يلي:
1-
الفعل الخلقي لابد أن يكون موجهًا أو مسبوقًا بحكم قيمي.
2-
الأحكام الخلقية لها أولوية على الأحكام القيمية الأخرى.
3-
الأفعال والأحكام الخلقية ترتبط بالحكم على الذات.
4-
الأحكام الخلقية عادةً ما تبرز، أو تؤسس على أسبابٍ لا تقتصر على نواتج الفعل في موقف معين.
5-
الأحكام الخلقية يعتبرها من يصدرها موضوعية، أي: أنها تميل إلى أن يتفق عليها الناس بصرف النظر عن الفروق في الشخصية أو الميول.
ولكي يتمكَّنَ من دراسة الموضوع اتجه إلى نفس وجهة بالدوين وبياجيه، وهي التركيز على بُعْدٍ نمائيٍّ عامٍّ في الحكم الخلقي، وأفادته في ذلك طريقة ماكس فبر، المساماة "النمط المثالي"، التي تتلخص في ملاحظة وتحليل مقدار كبير من المواد الكيفية.
وفي دراسته الأصلية للدكتوراه عام 1958 فحص كولبرج "التفكير الخلقي" لدى 72 طفلًا أعمارهم 10، 13، 16 سنة، عند التعامل مع مواقف معضلة فرضية ذات طابع خلقيٍّ تتضمن صراعًا بين الانصياع للقواعد القانونية الاجتماعية، وأوامر السلطة من ناحيةٍ، وبين الحاجة البشرية لتحقيق رفاهية الأفراد الآخرين من ناحية أخرى، وصاغ هذه المواقف المعضلة في صورة قصصية، لعل أشهرها وأكثرها شيوعًا القصة التالية.
"كانت السيدة هاينز على وشك الموت نتيجة الإصابة بنوع خاصٍّ من مرض السرطان، وكان أطباؤها يرون أن إنقاذ حياتها يتوقف على دواء معين، إلّا أن الكيميائي الذي اكتشف الدواء المطلوب كان يبيعه بسعر يفوق ثمنه الأصلي عشرة أضعاف، ولم يكن لدى الزوج المبلغ المطلوب لشراء الدواء، وحاول اقتراض المبلغ من كل من يعرف، ولكنه لم يستطع أن يجمع إلّا نصف ثمن الدواء، واضطر الزوج أن يسأل الكيميائي أن يبيع له الدواء بسعر أرخص، أو يسمح له بتقسيط ثمنه؛ لأن زوجته على وشك الموت، ولكن رفض، وقال له: إنه اكتشف الدواء وهو يسعى لتكوين ثروة من ورائه، شعر الزوج باليأس، وما كان منه إلّا أن اقتحم معمل الكيمائي ليسرق الدواء لزوجته".
واعتمد كولبرج على إجراء مقابلات مع كل مفحوصٍ استمر كل منها ساعتين حتى يتفحص التفكر الخلقي لدى مفحوصيه بطريقة أكثر مرونة، وحللت بروتوكولات الاستجابة للتوصل إلى مستويات النمو الخلقي ومراحله في ضوء 30 جانبًا من جوانب السلوك الخلقي، مصنفة إلى ثلاث فئات هي: طرق الحكم القيمي، ومبادئ هذا الحكم، ومحتواه.
جوانب السلوك الخلقي:
يرى كولبرج أن الإنسان يظهر مستوى نموه الخلقي والمرحلة السائدة لديه من هذا النمو، في كل مرة يعبر عن رأيه، وحكمه في جوانب معين من جوانب الحياة، والتي يبلغ عددها عنده حوالي 30 جانبًا، وقد توَصَّلَ إلى وجود معاملات
ارتباط مرتفعة بين مرحلة النمو الخلقي لدى الفرد بالنسبة لأحد هذه الجوانب، وبين مرحلة نموه الخلقي في الجونب الأخرى؛ فالشاب مثلًا يظهر لونًا من الاتساق في الحكم الخلقي إذا كان عليه أن يصدر حكمًا على الحياة أو الصدق أو الواجب أو الالتزام، فهذه الأحكام حول هذه الجوانب وغيرها من جوانب الحياة تميل إلى أن تكون عند مستوى معين ومرحلة معينة من النمو الخلقي.
ويقسِّم كولبرج -كما أشرنا- جوانب الحياة الخلقية أو السلوك الخلقي "وهي المواقف التي تسمح للحكم الخلقي بالظهور" إلى ثلاث فئات هي:
1-
طريقة الحكم الخلقي:
وتشمل المحكّات التي يصدر في صورتها الحكم الخلقي وهي:
أ- الصواب.
ب- له الحق في مقابل عليه الواجب.
ج- الواجب بمعنى الالتزام.
د- المدح واللوم.
هـ- الثواب والعقاب.
و الخير والفضيلة".
ز- التبرير والشرح.
2-
مبادئ الحكم الخلقي:
وتشمل عناصر الالتزام أو القيمة التي تتضمن الحكم الخلقي وهي:
أ- النظر في العواقب "نواتر مرغوبة أو غير مرغوبة للذات".
ب- الرفاهة الاجتماعية "نواتج مرغوبة أو غير مرغوبة للآخرين".
ج- الحب.
د- الاحترام.
هـ- العدالة باعتبارها حرية.
و العدالة باعتبارها مساواة.
ز- العدالة باعتبارها تبادل مصالح وتعاقد مشترك.
3-
محتوى الحكم الخلقي:
ويشمل الموضوعات التي تؤلف مضمون الحكم الخلقي، وقد تكون موضوعات أو مؤسسات أو قضايا اجتماعية، وتشمل على سبيل المثال:
أ- المعايير الاجتماعية "وتشمل القوانين والقواعد".
ب- الضمير الشخصي.
ج- الأدور الشخصية والنواحي الوجدانية.
د- الأدوار والمسائل المتصلة بالسلطة والديمقراطية.
هـ- الحريات المدنية "حقوق العيش في حرية ومساواة كبشر أو مواطنين أو أعضاء في جماعات".
و عدالة الأفعال التي تصدر عن الإنسان بعيدًا عن الحقوق الثابتة "الثقة في الأفعال التي تصدر عن المرء، ومدى قابليتها للتبادل والتعاقد حولها".
ز- العدالة العقابية.
ح- الحياة.
ط- الملكية.
ي- الصدق.
ك- الجنس.
وقد استمرت بحوث كولبرج، وتطورت بالطبع مفاهيمه، وتنوعت مناهج البحث لديه بين البحوث الطولية والمستعرضة، بالإضافة إلى البحوث الثقافية المقارنة، ومنها توصل إلى وصفه الشهير لمستويات النمو ومراحله التي نتناولها في الفقرة التالية.
مستويات النمو الخلقي ومراحله:
تعرضت مراحل النمو الخلقي في بحوث كولبرج لتعديلات مستمرة، ولعل الصورة التي استقرت عليها حتى الآن تلك التي عرضها عام 1976 "kohlverg، 1976". وفي وصفه لهذه المراحل يتحدث عن ثلاث مستويات للنمو الخلقي، لكلٍّ منها مرحلتان، وفيما يلي عرض موجز للمستويات والمراحل.
أولًا: المستوى الأول: ما قبل العرف والتقاليد:
1-
المرحلة الأولى: أخلاق الخضوع: ويتحدد الصواب فيها في صورة تجنب الخروج على القواعد التي يسندها العقاب، كما تسودها الطاعة لغرض الطاعة في حَدِّ ذاتها، وتجنب أيّ أذى مادي للأشخاص أو الممتلكات.
ويسلك الطفل في هذه المرحلة سلوكًا خلقيًّا تجنبًا للعقاب وانصياعًا للسلطة، وتتسم المرحلة من الوجهة الاجتماعية بسيادة النظرة المتمركزة حول الذات؛ فالطفل لا يضع في الاعتبار وجهة نظر الآخر، ولا يعتبره مختلفًا عنه، ولا يستطيع أن يربط بين وجهتي نظر، ويسود الطابع الجسمي على الأفعال بدلًا من أن تكون موجهة بالاهتمامات النفسية لدى الآخرين، كما يحدث في هذه المرحلة خلط بين منظور السلطة والمنظور الذاتي للطفل.
4-
المرحلة الرابعة: أخلاق النظم الاجتماعية والضمير:
وفي هذه الرحلة يدل الصواب على تنفيذ الواجبات الحقيقة التي يوافق الفرد على القيام بها، والقوانين تكون موضع احترام إلّا في الحالات المتطرفة التي ينشأ فيها صراع مع الواجبات الاجتماعية الثابتة، ويُدْرَكُ الحق في هذه المرحلة على أنه يسهم في تكوين المجتمع أو الجماعة أو المؤسسة، ويرى الفرد في هذه المرحلة أن السبب الرئيسي لفعل السلوك الخلقي هو المحافظة على بقاء المؤسسة أو الجماعة ككل، وتجنب انهيار النظام الاجتماعي "إذا فعل كل شخص ما يشاء"، وهناك سبب آخر للسلوك الخلقي في هذه المرحلة، هو إطاعة أوامر الضمير في أن يقوم الشخص بواجباته المحددة "وعادةً ما يحدث هنا خلط مع المرحلة الثالثة، والتي تتطلب الاعتقاد في القواعد والسلطة"، وتتطلب هذه المرحلة من الوجهة الاجتماعية تمايز وحهة النظر "المجتمعية" عن محض الاتفاق بين الأشخاص أو الدوافع لتكوين علاقات مع الآخرين، وتضع هذه المرحة في الاعتبار وجهة نظر النظام الاجتماعي في تحديد الأدوار والقواعد، وتحدد علاقات الفرد في ضوء موضعه في هذا النظام.
ثالثًا: المستوى الثالث: ما بعد العرف والتقاليد، أو مستوى المبادئ الخلقية:
5-
المرحلة الخامسة: أخلاق التعاقد الاجتماعي: ويسمي كولبرج هذه المرحلة أيضًا بأنها مرحلة تجمع بين "أخلاق المنفعة وحقوق الفرد"، وفيها يكون الفرد واعيًا بأن لدى الناس قيمًا مختلفة، وأن هذه القيم تتضمن قواعد نسبية تبعًا للجماعة التي تتواضع عليها، ومع ذلك، فإن هذه القواعد النسبية يجب احترامها حتى يوصف الفرد بالنزاهة والتجرد واللا تحيز من ناحية، ولأنها تؤلف التعاقد الاجتماعي من جهة أخرى، وفي هذه المرحلة تحترم أيضًا بعض القيم والحقوق غير النسبية "مفهوم المطلق لم يتحدد بشكل نهائي بعد"، ومن أمثلة هذه القيم: قيمة الحياة وحق الحرية، وهي قيم وحقوق يجب تقديرها في أي جماعة أو مجتمعٍ بصرف النظر عن رأي الأغلبية فيه، ومن أسباب السلوك الخلقي في هذه المرحلة الشعور بالواجب نحو القانون؛ لأن هذا مطلب التعاقد الاجتماعي من جانب الفرد، وهنا يكون الخضوع للقوانين لرفاهية ومصلحة الجميع ولحماية حقوق الجميع، ويشعر الفرد بهذا الاحترام التعاقدي نحو الأسرة والأصدقاء ومجال العمل، ويرى أن القوانين والواجبات تستند على حساب وتقدير المنفعة الكلية "أي: مبدأ تحقيق الخير لأكبر عدد من الناس"، ويستند السلوك الخلقي في هذه المرحلة