الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نموذج إريكسون في النمو الوجداني:
يعد النموذج الذي اقترحه إريك إريكسون "ولد عام 1902" من أهم النماذج في مجال نمو الشخصية أو النمو الوجداني، وهو نموذج تطور من نظرية التحليل النفسي الكلاسيكي، وقد تَقَبَّلَ إريكسون المفاهيم الأساسية عند فرويد1، وأهمها وجود اللاشعور وطبيعته، والتكوين الثلاثي للشخصية الذي يشمل الهوَ والأنا، والأنا الأعلى، ولم يضف جديدًا إلى هذه المفاهيم، ولهذا نجده بدلًا من أن يعيد الكتابة حولها يحاول أن يركز على جوانب نظرية التحليل النفسي التي كان يرى أنها في حاجة إلى التوسيع أو التطوير والتعديل، ولما كان اهتمامه الأساسي هو الطفولة، وكانت ملاحظاته العلمية المبكرة تتركز حول سلوك اللعب عند الأطفال، وجدنا أن موضوع نمو الإنسان هو موضوعه الأثير، وفي رأيه أن متوالية الإحساسات الجسمية التي حددها فرويد تنعكس أيضًا في متوالية من الخبرات الاجتماعية التي تكون لها معانٍ وجدانية وانفعالية لدى الأطفال الذين يعيشون في ثقافة معينة "Erickson، 1963". ولهذا سوف يتركز تناولنا لنموذجه النظري على إسهاماته المتميزة في هذا المجال الوجداني والانفعالي التي جعلته أشهر المنظرين فيه.
الشخصية السلمية:
يتفق إريكسون مع نقاد فرويد الذين يرون أنه كان يركز فقط على الحالات المرضية، وأنه كرَّسَ اهتمامه على نمو وعلاج السلوك العصابي على وجه الخصوص، وبالتالي لم يصرف جهدًا يُذْكَرُ في تحديد طبيعة الشخصية السليمة أو السوية، وتتبع نموها، وحاول إريكسون أن يصحح هذا الخطأ في صميم نظرية التحليل النفسي، وبدأ جهده النظري في تحديد خصائص هذه الشخصية السليمة، وفي رأيه أن هذا الخصائص يمكن أن تكون أهداف وعلامات النمو الإنساني المرغوب فيه.
يرى إريكسون أن هناك ثلاث خصائص للشخصية السليمة هي: السيطرة
1 يضمن بعض المؤلفين في مجال علم نفس النمو نظرية التحليل النفسي الكلاسكية لفرويد على أنها نظرية في النمو، والواقع أننا نعتبرها نظرية متخصصة في النمو الجنسي وحده.
صحيح أن كل جانبٍ من جوانب النمو يؤثر في الجوانب النفسية الأخرى، كما بينا في الفصل الأول، إلّا أن هذا لا يعني أن نعتبر كل تصور نظري حول السلوك الإنساني "كنظريات التعلم"، أو حول بعض جوانبه الضيقة النطاق "كنظرية فرويد" نظرية في النمو أيضًا. وسوف نقتصر هنا على عرض النماذج النظرية التي تنتمي إلى ميدان النمو بشكل صريحٍ، والتي استخدمت أساليب البحث فيه.
الفعالة والإيجابية على البيئة، وإظهار قدر من وحدة الشخصية، والقدرة على إدراك الذات والعالم إدراكًا صحيحًا "Erickson، 1950،1968، 1980". ويلاحظ على الطفل الصغير أنه لا يظهر أية خاصية من هذه الخصائص الثلاث، وأن شخصية الراشد السويّ تظهرها جميعًا، وعلى هذا، فإن النمو الانفعالي الوجداني عنده هو التحسن التدريجي لهذه الخصائص في مراحل متتابعة معقدة من التمايز المتزايد.
ويستخدم إريكسون وصفًا آخر للنمو الانفعالي والوجداني بأنه عملية إحراز الهوية الشخصية Ego Identity والتي لها مظهران: أولهما يتمركز على العالم الداخلي للفرد، ويتمثل في معرفة الشخص بوحدة ذاته، واستمراراها عبر الزمن، ويشمل ذلك معرفة الذات وتقبلها، أما المظهر الثاني فيتمركز على العالم الخارجي، ويتمثل في معرفة الشخص وتقمصه لمثل عليا وأنماط جوهرية في ثقافته التي يعيش فيها، ويعني ذلك الاشتراك مع الآخرين في بعض الخصائص الجوهرية، وهكذا يتسم الشخص الذي أحرز الهوية الشخصية بأن لديه صورة واضحة وتقبلًا كاملًا لعالمه الذاتي وثقافته الاجتماعية.
وما دام النمو الإنساني هو هذا التحول من عدم الشعور بالهوية الشخصية إلى الشعور بها، فإن ذلك يعتمد على مسلمة هامة، وهي أن النمو يحخدث من خلال مجموعة "أزمات" يهشدها هذا النمو السيكولوجي. وتتخذه هذه الأزمات صورة صراعات داخلية خارجية، وتؤدي هذه الأزمات إمّا إلى تحسين وتقدم، أو نكوص وتدهور في نمو الشخصية، وتؤدي أيضًا إما إلى تكامل الشخصية أو تفككها وانحلالها.
المراحل النفسية الاجتماعية:
يرى إريكسون أن المراحل التي تقترحها نظرية فرويد للنمو النفسي تحتاج إلى أن تضاف إليها مجموعة من العناصر الرئسية هي:
1-
لم تهتم نظرية فرويد بعملية التطبيع الاجتماعي للطفل، وخاصة أنماط السلوك التي تعتبرها الثقافات المختلفة هامة ومرغوبًا فيها، وهي الأنماط السلوكية التي يجب على الطفل أن يستوعبها أو يعدل فيها إذا أراد أن يحصل على اعتراف الجماعة التي ينمو فيها به.
2-
اقتصرت نظرية فرويد على مرحلة المراهقة كحد للنمو، فلم يكن يعتقد أن هناك تغييرات جنسية نفسية هامة تحدث بعد المراهقة، ويرى إريكسون أن هناك مراحل نمو أخرى فيما بعد المراهقة، تمتد بالإنسان إلى مرحلة
الشيخوخة، وبذلك فإن نظرية إريكسون تعد من النظريات القلائل التي امتدت لتشمل النمو خلال المدى الكلي لحياة الإنسان.
3-
تنعكس كل مرحلة من مراحل النمو النفسي - الجنسي، التي اقترحها فرويد في صورة خبرات اجتماعية، ولها معانٍ وجدانية لدى الأطفال وغيرهم ممن يعيشون في ثقافة معينة، فالمرحلة الفمية "مرحلة التغذية" مثلًا هي أيضًا مرحلة ينجح فيها الرضيع أو يفشل في تكوين الشعور بالثقة في الشخص الذي يتولى تغذيته.
وفي المرحلة الشرجية "مرحلة الإخراج" يكتسب الطفل القدرة على التحكم في الدوافع الأخرى التي تعد موضوعًا للنظام الذي يفرضه الوالدان، ويرى إريكسون أن الانتقال من المرحلة الفمية إلى المرحلة الشرجية هو أيضًا تحول من العلاقة مع والدٍ مهتمه التغذية ويكون موضع الثقة أو عدم الثقة، إلى علاقة والدٍ مسئول عن النظام "التدريب على الإخراج"، ومنه يشتق مشاعر الشعور بالعار والشك. وعلى عكس فرويد تركز اهتمام إريكسون على الطريقة التي تؤثر بها القوى النفسية الاجتماعية، وليس القوى النفسية الجنسية في نمو الشخص.
4-
اهتمت نظرية إريكسون بوصف سلسلة من الأزمات التي تحدث استجابة للمطالب التي يفرضها المجتمع على الشخص النامي، وهي مطالب المسايرة لتوقعات الكبار والراشدين حول التعبير الذاتي والاعتماد على الذات. أي: أنها تنشأ في جوهرها من تفاعل الفرد مع البيئة الاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها، وهي الأزمات التي يجب أن يتغلب عليها حتى يحرز الهوية الشخصية والصحة النفسية، ولذلك تعد مراحل النمو عنده ذات طبيعة نفسية اجتماعية.
5-
يتفق إريكسون مع فريد في أن الخبرة المبكرة تلعب دورًا مؤثرًا ومستمرًا في النمو؛ فالإنسان لا يتجاوز مثلًا المرحلة الفمية ومعه حلّ كامل لأزمة الثقة.
فبعض الأزمات لا يحل نهائيًا أثناء مرحلة النمو الخاصة بها، ولهذا فإن هذه الأزمات يشعر بها المرء مرة أخرى في جميع مراحل النمو التالية. صحيح أنها قد تكون أقل حدة وأضعف خطرًا ولكنها موجودة، وعند إريكسون، كما هو الحال عند فرويد، أن كل مرحلة من مراحل النمو النفسي والاجتماعي تتأسس على نواتج المراحل السابقة وتشملها، وهذه أشبه بمهمة التكامل الهرمي، أو الهيراركي، أو التراتبي، عند هاينز فرنر "WERNER، 1957" الذي يصف النمو الإنساني على أنه يسير من الحالة البسيطة العامة وغير المتمايزة، إلى الحالة المعقدة المتمايزة والمتكاملة "Brodzinsky، et al، 1986".
مصفوفة النمو ومراحله:
يرى إريكسون أن أفضل تصور لمفاهيم النمو أن ينظر إليها على هيئة مصفوفة أو شبكة توضح العلاقات بين مختلف جوانب النمو، وبالطبع لم تنتبه نظرية فرويد إلى هذا التصور، وفي هذه المصفوفة أو الشبكة تتفاعل الأزمات النفسية التي تمثل مراحل النمو، والأشخاص المهمين في حاية المرء، والأنشطة المهمة التي يركز عليها الفرد في كل مرحلة، والمراحل النفسية المقابلة لها، وفي جميع الحالات تعرض كل مرحلة من مراحل النمو مهمة ذات طبيعة نفسية اجتماعية يجب أن تحلَّ بشكل ملائم إذا كان على هذا النمو أن يستمر.
وعند إريكسون تُعَدُّ كل مرحلة أساسًا تكوينيًّا للمرحلة التالية، والحل غير الكامل للمهمة النفسية الاجتماعية في إحدى المراحل يؤثر تأثيرًا سلبيًّا في المرحلة التالية لها، وفي ذلك مثلًا أن المهمة النفسية الاجتماعية للمرحلة الأولى "من الولادة وحتى سن 24 شهرا" هي تنمية الشعور بالثقة؛ فالبيئة التي تحيط بالطفل الوليد غريبة عليه ولا يمكنه التنبؤ بها، وخلال العامين الأولين يجب على الرضيع اكتشاف أن هذه البيئة يمكن التنبؤ بها، وأن رؤية ثدي الأم أو زجاجة حليب الرضاعة ترتبط بالطعام، وخلال هذه الخبرات المبكرة مع بيئةٍ يمكن التنبؤ بها، ينمو لدى الطفل الشعور بالعواطف المتبادلة مع الأشخاص الذين يقومون برعايته أو الثقة فيهم. وخلال هذا الشعور يبدأ الرضيع في تعلم أنماط السلوك التي تتسم بالأخذ والعطاء، والتي تُعَدُّ ضرورية للتطبيع المستمر. وهذا الشعور بالثقة في الذات وفي البيئة يُعَدُّ شرطًا ضروريًّا للمرحلة التالية في النمو النفسي الاجتماعي، أي: الشعور بالاستقلال الذاتي، فالأطفال الذين لديهم ثقة ضعيفة في أنفسهم أو في بيئتهم، تقل لديهم فرص المخاطرة بالتعامل مع أي بيئة جديدة تبدو من جديد غير قابلة للتنبؤ. ويوضح الجدول رقم "5-5" مراحل النمو عند إريكسون وما يقابلها عند فرويد، وفيه نجد كلًّا من الحل الإيجابي والحل السلبي للأزمة التي يواجهها الإنسان في كل مرحلة من مراحل نموه منذ ميلاده وحتى وفاته، وكذلك السن التقريبي لكل مرحلة.
وعلى الرغم من أن التركيز الرئيسي في نظرية إريكسون على حلِّ الأزمة الخاصة بكل مرحلة، إلّا أن إريكسون يرى أن هناك مهمة أخرى ثانوية لكل مرحلة جديدة، وهي تكامل المهام السابقة مع المستوى الجديد للنشاط الإنساني "Erickson، 1980"، فنمو الشعور بالثقة مثلًَا لا يقتصر على مرحلة الرضاعة فحسب، فكل مرحلة جديدة تعرضنا لعلاقات ومواقف جديدة، وحتى يمكن للمرء التعامل بنجاح مع هذه الخبرات الجديدة عليه، يجب أن يكون المرء قادرًا على أن
يمتد بشعوره بالثقة بالنفس وبالآخرين إلى هذه الخبرات الجديدة أيضًا، وبالمثل فإن المراهق ينمي الشعور بالهوية لأول مرة إلّا أن ذلك يجب أن يستمر؛ فإنه مع نموه يمتد ويتوسع ويتعدل هذا الشعور مع التعامل مع المهام المختلفة للرشد، وخاصة عند القيام بالأدوار الزوجية والوالدية، وهو في هذا يشبه بياجيه في افتراض أن النمط العام للنمو عبر المدى الكلي لحياة الإنسان هو المواجهة المتكرة لأحداث نمائية عند مستويات متتابعة من النشاط، تتسم بأنها بأنهم أكثر تطورًا وأعمق معنًى.
ويرى إريكسون أن تنمية الشخصية السليمة أو السوية تحقق للمرء سمات الذات المتحققة، والشخص النشط نشاطًا كاملًا كما وصفها أصحاب الاتجاه الإنساني في علم النفس الحديث، وبخاصة كارل روجرز وإبراهام ماسلو. كما يرى إريكسون أن تحقيق الهوية الشخصية لا يحدث إلّا بعد الوصول إلى حلول مقبولة للأزمات أو المشكلات النفسية الاجتماعية الأساسية المتتابعة، ويقصد إريكسون بمصطلح أزمة Crisis: الوقت الذي تتزايد فيه القابلية للوقوع في مشكلة نفسية معينة، وترتبط كل أمة بغيرها من الأزمات، ويوجد كل منها على نحوٍ أو آخر قبل الوصول إلى اللحظة الحاسمة لحلها، وحين يتوصل المرء إلى حلول إيجابية لكلٍّ منها، فإن ذلك يسهم في القوة القصوى والنشاط النهائي للشخصية النامية، ويعرض إريكسون لثماني زمات ارتقائية موضحة في الجدول رقم "5-5".
جدول "5-5" مراحل النمو في إطار نماذج إريكسون "عن 1979 TOHMAS بتصرف"