المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌خامسا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

لم يكتب للأفكار اليونانية أن تبقى طويلًا في صورتها الأصلية، ولكنها أثرت تأثيرًا كبيرًا في الفلسفة الإسلامية وفي فلسفة العصور الوسطى في أوربا، وفي كل الأحوال اعتبر العقل أو الذهن الخاصية المشتركة في الإنسان، والتي تميزه عن الحيوان، ومن المعروف أن آراء أرسطو في النفس لم تنتقل إلى أوروبا إلّا عن طريق فلاسفة العرب والمسلمين؛ كالفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد وموسى بن ميمون.

إلّا أننا لا نكاد نجد إلّا إشارات متفرقة إلى موضوع النمو الإنساني، ومن ذلك مثلًا ما نلاحظه في تنظيم جماعة إخوان الصفا التي ظهرت في القرن العاشر الميلادي "الرابع من الهجرة" والذي يتكون من أربع طبقات "دي جور، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريده، 1983":

1-

شبان يتراوح عمرهم بين 15-30 عامًا، تنشأ نفوسهم على الفطرة، وهم في دور التلمذة وعليهم الانقياد لأساتذتهم.

2-

رجال بين 30-40 سنة، تفتح لهم أبواب الحكمة الدنيوية، ويتلقون معرفة بالأشياء بطريق الرمز.

3-

أفراد بين 40-50 سنة، وهم يعرفو الناموس الإلهيّ معرفةً كاملة مطابقة لدرجتهم.

4-

أفراد تتجاوز أعمارهم الخمسين عامًا وهم أرقى الطبقات، ويشهدون حقائق الأشياء على ما هي عليه.

ومن الواضح من التقسيم السابق أنه لم يشر إلى مرحلة الطفولة، إلّا أنهم في بعض رسائلهم أشاروا إليها، ووصفوا نفس الطفل في أول أمرها "كصحيفة بيضاء" لم ينقش عليها شيء، وكل ما تحمله إليها الحواس الخمس تتناوله القوة المتخيلة وتحميه.. ثم تدفعه إلى القوة المفكرة.. فتميز بعضه من بعض، وتعرف الحق من الباطل، ثم تؤديه إلى الحافظة.." "دي جور، ترجمة عبد الهادي أبو ريده، 1938: 180".

ويبدو لنا في هذا القرن آثار الأمبريقية التي وضع أصولها أرسطو.

ص: 62

وقد شاعت عند فلاسفة المسلمين ابتداءً من الكندي فكرة أخرى تعود بأصولها إلى أرسطو أيضًا، وهي التمييز بين العقل الذي هو في نفس الإنسان بالقوة والعقل كعادة، وهو الذي في النفس بالفعل، وتستطيع استعماله، وهو التمييز الذي طوَّره فيما بعد ابن سينا، وشاع في علم النفس والحديث بين ما يمكن أن يسمى "الاستعداد" و"التحصيل" والذي يتصل اتصالًا وثيقًا بتنمية السلوك الإنساني. "فؤاد أبو حطب، 1996". ويشير مؤرخ علم النفس الشهير برت brett، voi. 2، 1921: 57-58. إلى إسهام ابن سينا خاصة في هذا المجال بقوله: إن الطفل يولد مثلًا مزودًا بالقدرة على الكتابة، ومع ذلك فهو لا يستطيع الكتابة، وبعد أن يتلقى نوعًا من التعلم يصبح قادرًا على الكتابة في صورة محاكاة أو تقليد، وأخيرًا يصل إلى المرحلة العليا حين يصبح قادرًا على الكتابة عن طريق الحثّ الداخلي الذي يحدثه عقله هو.

وفي هذا التطور تتمثل عملية النمو الإنساني والانتقال من محض الاستعداد إلى محض الفعل، والمرحلة الأخيرة هي مرحلة المعرفة الحدسية المباشرة، وهي أرقى صور المعرفة، وهو بهذا يضع الحدس في موضعه الصحيح كما عَبَّرَ عنه بعد ذلك عدد كبير من الفلاسفة المحدثين.

ويوجد مبدأ هام آخر، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنمو، وعَبَّر عنه بدقة الفارابي، وخلاصته أن النفس تترقى من المحسوس إلى المعقول بواسطة القوة المتخيلة، ويمثّل هذا المبدأ الوجهة الأساسية للنمو العقلي من الطفولة إلى المراهقة، كما سيتضح في الفصول التالية من هذا الكتاب.

وتتضح معالم اهتمام خاص بالنمو عند حجة الإسلام الغزالي، ويركز الغزالي خاصةً على دور التعلم الذي يسميه "الاعتياد" في النمو الإنساني، يقول في كتابه الشهير "إحياء علوم الدين": وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملًا وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية والغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصةً قابلةً للكمال، وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم" عن خلف الجراد، 1986: 93" وتفيدنا كتابات الغزالي على وجه الخصوص في مجال النمو الخلقي والاجتماعي، وهو في كل كتاباته "التربوية" يركز على مفهوم "الصفحة البيضاء" للعقل، وهي الفكرة التي أشار إليها غيره من فلاسفة المسلمين، وسيطرت على الفكر الأوروبي فلسفيًّا وسيكولوجيًّا بعد ذلك، إلّا أنه لا ينكر أثر الاستعدادات الفطرية، ومهمة التربية تعديل هذه الاستعدادات وتنميتها، وهو يشبه الأمر هنا بالنواة التي ليست بتفاح ولا نخل، إلا أنها خلقت على نحوٍ يجعلها يمكن أن تتحول إلى نخلة إذا تعرضت للرعاية، ولكنها لا تحول أبدًا إلى تفاح مهما

ص: 63

أعطيناها من الرعاية، وفي جميع الأحوال لا تتم هذه التنمية بطريقة واحدة، وإنما هناك دائمًا الفروق الفردية. كما ينبه إلى استخدام أساليب الثواب والعقاب على نحوٍ يتفق مع المستوى النمائي للطفل، مع تفضيلٍ واضح لأسلوب الثواب على العقاب "خلف الجراد، 1968".

ولعل أوضح ما كتبه علماء المسلمين عن النمو الإنساني بشكلٍ صريح قصة حي بن يقظان لابن طفيل، والتي يعرض فيها نمو طفل في جزيرة متوحشة، أرضعته ظبيةٌ حتى وصل إلى إشباع حاجاته المادية اعتمادًا على وسائله الخاصة، ثم استطاع بالملاحظة والتفكير أن يتوصل إلى أن معرفة الطبيعة والسماء ومعرفة الله ومعرفة نفسه، وقد بدأ حياته أشبه بحيوان، ثم غلب عليه في مراحل تالية من نموه التفكير الحسي أو العياني، ثم انتقل إلى الاهتمام بالمسائل العقلية، وبعدها يتحول إلى نمط من السلوك لا ينطبق على السلوك الإنساني المعتاد، وهو الذي يصفه ابن طفيل بأنه "عقل صرف".

مراحل النمو من المنظور الإسلامي:

من العرض الذي تناولناه في هذا الفصل حول توجيه علم نفس النمو وجهةً إسلاميةً يمكن أن نخلص إلى تخطيطٍ لمراحل النمو الإنساني في هذا الإطار، وهو المخطط الذي سيزاد تفصيلًا في فصول الكتاب التالية.

ونعرض هذ المخطط بإيجاز على النحو الآتي:

أولًا: يمكن تصنيف مراحل النمو الإنساني من المنظور الإسلامي إلى ثلاث مراحل كبرى، والمرحلة الأولى في هذا التصنيف تشمل ما يصفه القرآن الكريم بالضعف السابق على القوة، وهو ضعف التحول إلى الرشد، وتشمل هذه المرحلة طور الجنين وأطوار الطفولة والبلوغ المختلفة، وهي المرحلة التي تشهد أعظم التحولات في حياة الإنسان، والتي تبدأ منذ تكوين الجنين في الرحم من خلية واحدة مخصبة، إلى كائنٍ إنسانيٍّ بالغٍ عاقلٍ راشد، وهي فترة تستغرق من حياة الإنسان ما يقرب من عشرين عامًا.

والمرحلة الثانية في تصنيفنا تشمل ما يصفه القرآن الكريم بمرحلة "القوة"، وهي مرحلة الرشد، وهي تكاد تكون أطول المراحل الثلاثة، وتبدأ من بلوغ الإنسان عاقلًا راشدًا وحتى بداية مرحلة الشيخوخة، والطول الزمني لهذه الفترة يكاد يمتد بها إلى ما يقرب من أربعين عامًا.

أما المرحلة الثالثة للإنسان في تصنييف هذا الكتاب للنمو الإنساني فهي التي

ص: 64

يصفها القرآن الكريم مرةً أخرى بالضعف، ولكنه ليس؛ كالضعف الأول -أي: ضعف التحول إلى القوة أو الرشد، وإنما هو ضعف التحول عن هذه القوة وذلك الرشد، ويضيف إليه القرآن الكريم وصفًا هامًّا وهو وصف "الشبيه"، ويمثل ذلك مرحلتي الشيخوخة والهرم "أرذل العمر".

ثانيًا: تنقسم كل مرحلة من المراحل الثلاث إلى أطوارها الفرعية الكبرى والصغرى على النحو الآتي:

1-

المرحلة الأولى في نمو الإنسان: وتنقسم إلى الأطوار الآتية:

أ- طور الجنين، وتعني مرحلة ما قبل الولادة، والتي تنقسم بدورها إلى الفترات الأساسية التي حددها القرآن الكريم والسنة الشريفة واجتهادات المسلمين إلى ما يلي:

1-

فترة النطفة.

2-

فترة العلقة.

3-

فترة المضغة.

4-

فترة العظام والعضلات "اللحم" أو طور التكوين.

5-

فترة التسوية.

ب- طور الطفولة: وتمتد من ولادة الطفل حيًّا وحتى وصوله إلى البلوغ الجنسي، وتنقسم في المنظور الإسلامي إلى الفترات الآتية:

1-

فترة الوليد: وتشمل الأسبوع اللأول والثاني من حياته بعد الولادة.

2-

فترة الرضاعة: ويحدد القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حدودها الزمنية القصوى بعامين لتمام الرضاعة، ويمكن أن تقلَّ عن ذلك في حالات الفصال "الفطام" المبكر.

3-

فترة الاستئذان المقيد، والذي يعقل فيه الطفل معاني الكشفة والعورة ونحوها، وهو طور التمييز الجنسي، وقد حدَّدَ الأوزاعي بدايته بالسنة الرابعة من العمر، كما يذكر القرطبي في تفسيره.

4-

فترة الطفولة غير المميزة "الحضانة": ويمتد هذا الطور من الولادة "شاملًا فترتي الرضاعة والاستئذان" وحتى سن التمييز، وتتسم هذه المرحلة بأن ما يسودها هو جوّ اللعب والملاعبة من الوالدين والمربين.

5-

طور التميز "الطفولة المميزة": ويمتد من سن التمييز وحتى سن البلوغ الجنسي، ويوصف هذا التطور بخاصتين؛ هما: بدء التأديب والتهذيب

ص: 65

والتعليم المنظم، والفصل في المضاجع بين الأخوة من الجنسين في حوالي سن 9-10 سنوات.

ج- طور البلوغ "المراهقة" وتبدأ بالبلوغ الجنسي، أو بلوغ الحلم، مرورًا ببلوغ السعي، وتنتهي ببلوغ الرشد، على أن يتم التحقق من حدوثه "بالإيناس، والاختبار والتعرف على علاماته ومؤشراته".

2-

المرحلة الثانية في نمو الإنسان: وتنقسم إلى التطورات الآتية:

أ- طور الرشد، ويبدأ بظهور العلامات الأساسية الدالة عليه، والتي يجب أن يأنسها الآخرون في الشخص.

ب- طور بلوغ الأشد "اكتمال الرشد أو الكهولة" ويبدأ من سن الأربعين وينتهي بظهور بوادر الشيخوخة.

3-

المرحلة الثالثة في نمو الإنسان: وتنقسم إلى الأطوار الآتية:

أ- طور الشيخوخة.

ب- طور أرذل العمر "الهرم".

ويوضح الشكل رقم "1" النموذج الكامل للنمو الإنساني من الوجهة الإسلامية كما عرضناه.

ص: 66