المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الزواج: تكوين الأسرة إذن من أسس الفطرة السليمة للإنسان والمجتمع، والزواج - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ ‌الزواج: تكوين الأسرة إذن من أسس الفطرة السليمة للإنسان والمجتمع، والزواج

‌الزواج:

تكوين الأسرة إذن من أسس الفطرة السليمة للإنسان والمجتمع، والزواج هو النظام الطبيعي الذي تبنى على أساسه، ويعرِّفُ الفقهاء الزواج بأنه عقدٌ يفيد حلّ استمتاع كلٍّ من العاقدين بالآخر على الوجه المشروع "محمد أبو زهرة، ب، ت"؛ ولأن الزواج قرار شخصيٌّ فإنه يتطلب عملية اختيار، فما هي العوامل التي تؤثر في الاختيار الزواجي؟

أجريت بحوث كثيرة في الثقافة المصرية والثقافات الأجنبية للإجابة على هذا السؤال، وقد توصلت هذه البحوث إلى ثلاثة عوامل رئيسية في هذا الصدد يعتمد عليها الزوج في اختيار زوجته، والزوجة في اختيار زوجها وهي:

1-

الجاذبية الجسمية: وقد تأكَّدَ أن هذا العامل هو أفضل المؤشرات لتكوين المحبة والعاطفة بين المتعارفين الجدد، إلّا أنه مع زيادة التعارف بين طرفي العلاقة الزوجية تكون لمسات الشخصية والخصائص المعرفية الأهمية الأكبر، وتقل أهمية الجاذبية الجسمية.

2-

القرب المكاني: يميل الأفراد إلى اختيار شركائهم في الزواج من بين الذين يعيشون أو يعملون بالقرب منهم، وقد يكون السبب في ذلك سهولة التعرف عليهم، وتوافر فرص أكبر لمزيد من معرفتهم.

3-

التشابه: ويُقْصَدُ به ميل الفرد في اختيار شريك زواجه إلى ما يشبهه في الخصائص الاجتماعية والشخصية، وخاصةً التشابه في الدين والمستوى الاقتصادي والاجتماعي والعمر والمستوى التعليمي، وكذلك التماثل في القيم والنظرة إلى العالم وفلسفة الحياة، وتؤكد البحوث أن بعض عوامل التشابه قد يكون أقوى من البعض الآخر؛ ففي الثقافات متعددة الأعراق والأصول العنصرية "كالولايات المتحدة الأمريكية" يلعب التماثل العرقي دورًا هامًّا، وفي الثقافات التي يلعب فيها الدين دورًا رئيسيًّا "كالمجتمعات العربية والإسلامية" لا يكاد يختار المرء إلّا من ينتمي إلى نفس دينه، ولا يزال المستوى الاقتصادي والاجتماعي يلعب دورًا هامًّا، ولو أنه مع التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع الحديث "وخاصة في الدول النامية" حدثت تغيرات في معايير الزواج بالنسبة لهذا العامل، ولم يعد يمثِّلُ عائقًا جوهريًّا إذا توفرت لدى الفتى والفتاة والمقدمين على الزواج عوامل التشابه في الخصائص الشخصية والسلوكية وفي القيم، وفي المستوى التعليمي.

وتجب الإشارة هنا إلى أن عامل التشابه في الاختيار الزواجي من الموضوعات الخلافية بين أصحاب النظريات حول سيكولوجية الزواج، فقد تحدى مورشتاين Murstein النموذج الأساسي للتشابه بين الزوجين في الخصائص.

ص: 391

وفي رأيه أن الزوجين لا يحتاجان بالضرورة إلى أن يكونا متشابهين في الخصائص حتى تنجح العلاقة الزوجية، وإنما الأكثر أهميةً وجود عناصر "معززة" لدى كلِّ شريك في الآخر، وبعبارة أخرى: فإن كل فرد في العلاقة الزوجية لا بُدَّ أن تكون لديه القدرة على إشباع حاجات شريكه بصرف النظر عن خصائصه، وقد يحدث ذلك نتيجة تشابهها في بعض الخصائص، وقد يحدث أيضًا نتيجةً لاختلاف بعض خصائصها؛ بحيث يكمل كل منها الآخر، كما هو الحال مثلًا حين يكون أحد الزوجين متشددًا والآخر متسامحًا.

ومن الطريف أن نشير هنا إلى أن النتائج السابقة لم تشر إلى عاملٍ يفترض فيه أن يعد حاسمًا في تكوين العلاقة الزوجية وهو "الحب"، والسبب أنه يُعَدُّ مسلَّمَة الحياة الزوجية خاصة، والحياة الأسرة عامة؛ فالحب هو العامل الحاسم في اختيار الزوج أو الزوجة، فأن يتزوج المرء بسبب المال أو القرابة أو الأصل العائلي قد لا يوافق عليه كثير من الشباب في المجتمع الحديث؛ لأن الزواج مسألة "شخصية"، هذا على الرغم من أنه كان في الماضي، بل أنه لا يزال حتى الآن في بعض الثقافات والثقافات الفرعية في المجتمع الواحد، يعد مسألة عامة، فقد يختار "حكماء" الأسرة شركاء الزواج ربما على غير إرادتهم للربط بين العائلات، وفي هذا لا يُعَدُّ الزواج رابطة فردية بين شخصين، وقد تستخدم في هذا الاختيار أسس مادية بحتة كالمستوى الاقتصادي والاجتماعي، وقد ينشأ عن ذلك بالفعل مشكلات كثيرة للزوجين وأسرتيهما التي تنتهي كثيرًا في مثل هذه الحالة بالانفصال والطلاق.

وقد حذَّرَ الإسلام من ذلك كله، وجاءت الأسس التي وضعها لاختيار كلٍّ من الزوجين لشريكه1 تتفق مرةً أخرى مع أصول الفطرة السليمة، ولهذا جاءت صفة التدين والصلاح على رأس الخصائص التي يحبذها الإسلام في كلٍّ منهما، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للزوجة:

"تنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.

ويقول عليه الصلاة والسلام أيضًا بالنسبة للزوج:

"إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلَّا تفعلوا تكن فتنة في

1 نحب أن ننبه هنا إلى أن الإسلام أوجب أخذ رأي الفتاة فيمن يتقدم للزواج بها، وحَرَّمَ زواجها بمن ترفضه أو تكرهه، بل وأجاز للمرأة العاقلة القادرة أن تفسخ العقد الذي يربطها بشخصٍ لم ترضه لنفسها، وتمتلئ صفحات المؤلفات المتخصصة في الفقه الإسلامي بالأدلة على ذلك.

ص: 392

الأرض وفساد كبير" رواه الترمذي.

أما مسألة العنصر الوجداني في الزواج فيركز عليه الرسول عليه الصلاة والسلام في اختيار الزوجة، وفي ذلك يقول:"خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده" متفق عليه.

وعنصر الحُنُوِّ والرعاية في الزوجة ليس بالطبع من طرف واحد، وإنما هو تفاعل بين طرفين، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] .

والخطاب في هذه الآية الكريمة للرجال والنساء على حَدٍّ سواء.

ويضيف الإسلام -بالنسبة للمرأة خاصة- عامل الجاذبية الجسمية، إلّا أن هذا العنصر ليس له الأولوية، بل يأتي بعد التقوى والصلاح والاستقامة والأخلاق الفاضلة، وفي ذلك يقول الرسول الكريم:

"ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله" رواه ابن ماجة.

أما الرجل فيخصه الإسلام بخاصية القدرة على تحمُّلِ تبعات الزواج وخاصة القدرة الاقتصادية، ونشير هنا إلى حديث الرسول عليه السلام -الذي تناولناه من قبل- وفيه يحثّ القادرين "الذين يستطيعون الباءة" على الزواج، ووجَّه الذي لا يستطيع إلى الصوم والعبادة إلى أن يستطيع، وحد الاستطاعة والقدرة هنا لا يقصد به الغنى والثراء، وإنما أن يتوافر لدى الرجل الحدِّ الأدنى الذي يمكنه من تحمُّلِ مسئولية بناء الأسرة والإنفاق عليها.

وكم نحن في حاجة إلى التوعية بهذه المبادئ النبيلة حتى يقوم الزواج في المجتمعات العربية والإسلامية على أسس سليمة، وحتى لا يتعرض للانهيار نتيجة الوقوع في أخطاء الاختيار، بل وحتى لا تنشأ المعضلات التي تعوق الشباب من اتخاذ قرار الزواج؛ مثل: غلاء المهور والغلوِّ في نفقات الزواج على نحوٍ يجعل الشباب من ذوي الحد الأدنى من القدرة عليه يحجمون عنه.

التوافق الزواجي: إن المهام التي تواجه أيَّ زوجين حديثين كثيرة وهامة، وقد ينشأ عن بعضها بعض الخلاف والصراع، ولذا فإن من المهمِّ فهم طرق الزوجين في التعامل مع هذا الصراع، أيّ كيف يتجادلان ويتحاوران

ص: 393

ويختلفان دون أن يؤدي ذلك إلى هدم الأسرة، ومن مصادر الصراع الزواجي دخل الأسرة وطرق إنفاقه، وكيفية التعامل مع والديهما وغيرهما من الأقارب، والاستعداد للوالدية، والتوافق الجنسي، وغيرها، وقد ظلت هذه الجوانب من التوافق الزواجي موضع المناقشة والبحث على المستوى العام والمهني المتخصص لفترات طويلة.

ومن أهم الموضوعات التي يتناولها الباحثون في هذا الصدد ما يتصل بالتوافق الجنسي بعد الزواج "في الغرب أجريت مسوح عديدة أكدت أن حوالي 80% من النساء بين سن 18، 24 يفقدن عذريتهن قبل الزواج، وفي هذا دلالة على الزيادة الكبيرة في ممارسة الجنس قبل الزواج، ومع ذلك، فإن بعض علماء النفس في الغرب يرون أن هناك مشكلات توافق جنسي بعد الزواج"، ولعل أسوأ ما يمكن أن يحدث أن تتحول الحياة الجنسية بعد فترة الزواج إلى نوعٍ من السلوك الروتيني.

ومن العوامل الهامة التي تؤثِّر في التوافق الزواجي هو مدى إخلاص الزوجين كلّ منهما للآخر، وفي الغرب، بالرغم من أنه حدث تغير خطير في الاتجاه نحو تقبل "التسامح إزاء النشاط الجنسي قبل الزواج" إلّا أنه لم يحدث تغير مناظر نحو تقبل "السلوك الجنسي خارج نطاق العلاقات الزوجية"، أو ما يُسَمَّى على وجه العموم، الخيانة الزوجية؛ ففي مسحٍ هامٍّ أجري في الولايات المتحدة "Brodzinsky et al 1986" وجد أن ما بين 80% إلى 90% من المفحوصين الأمريكيين لا يوافقون على هذه العلاقات، على الرغم من أن الشباب منهم لا يرغبون في وصف هذا السلوك، إذا حدث، بأنه خطأ أو خطيئة تحت جميع الظروف، أو أنه لا يغتفر. ومن العجيب أن يذكر بعضهم أن هذا السلوك الجنسي يمكن أن يكون مقبولًا إذا وافق عليه الزوجان، وإذا كان جزءًا من عقد الزواج المبدئي؟! إلّا أن ما لا يقبل عندهم هو الخداع أو الخيانة؛ لأن ذلك يتضمن الكذب والسلوك غير الأمين، ومع ذلك فإن نسبة تصل إلى 50% من جميع الرجال المتزوجين في الولايات المتحدة يقررون أنهم يمارسون خطيئة الزنا، بينما يقرر ممارسة نفس الجريمة حوالي نصف هؤلاء "25%" من النساء المتزوجات، ومع ذلك فإنه في 20% فقط من هذه الحالات يعرف الزوج أو الزوجة حدوث ذلك.

ولعل القارئ يدرك من هذه الحقائق حكمة الإسلام العظيم في تركيزة في الاختيار الزواجي على عامل الصلاح والتقوى والأخلاق الكريمة الفاضلة في كلٍّ من الزوجين.

وهناك جانب آخر من أدوار التوافق الزواجي هو توافق الأدوار nole

ص: 394

adjustnent، فحين يتزوج شخصان فإن إحدى صور التوافق الهامة التي يجب أن تحدث هي تكامل أدوارهما وتعلم العيش معًا كزوجين، ويلعب الدور الحاسم هنا مقدار حب ومودة كلٍّ منهما للآخر، ومن المعروف أن الخبرة الحقيقية للمعيشة معًا والأنشطة التعاونية قد تكون متعة أو صدمة؛ فأيام الحرية التي تتسم بها حياة "العزوبية" قد ولَّتْ أو على الأقل قُيِّدَتْ بشكلٍ جادٍّ، وسرعان ما يدرك المرء أن حاجاته ورغباته يجب أن تتأثر وتتكامل مع حاجات ورغبات شريك حياته، ابتداءً من اختيار مطعمٍ للعشاء، وحتى طريقة تربية الأولاد، فهي كلها قرارات مشتركة. ويتطلب الأمر أحيانًا المناقشة بين الطرفين والوصول إلى حلول وسط. فبعد الزواج يجب على كلٍّ من الزوج والزوجة خلق دور جديد يسمح بالمشاركة في اتخاذ القرارات، كما أن عليهما تحديد المشكلات الأكثر عملية وواقعية، والوصول إلى هذا كله قد يتطلب بعض التغير في سلوك الشخص وعاداته التي اكتسبها من قبل، وقد أكدت دراسة مبكرة قام بها فنسنت "Vincent 1964" أن التوافق الزواجي يؤدي إلى إحداث تغيرات هامة لدى المتزوجين، وذلك بالنسبة لبعض سمات الشخصية؛ مثل السيطرة وتقبُّل الذات بالمقارنة بالمجموعات الضابطة من غير المتزوجين الذين لم يظهروا مثل هذه التغيرات.

وفي الماضي القريب "حتى الستينات من القرن الحالي" كان الميل لتغيير الأدوار أكثر وضوحًا لدى المرأة؛ حيث كان عليها أن تستبدل مكانة ربة البيت بمكانة الطالبة أو المرأة العاملة "Barry 1970"، وهذا الانتقال كان يؤدي بها إلى رضا زواجي أقل منه عند زوجها، ولذلك كانت المرأة المتزوجة تظهر مشكلات نفسية أكثر بمقارنتها بكلٍّ من الرجل المتزوج أو المرأة غير المتزوجة، ثم إنه بالمقارنة بين الرجال المتزوجين وغيرهم من العزاب، أثبتت البحوث حينئذ أن المتزوجين يعيشون أعماراً أطول، وتكون صحتهم الجسمية أفضل، ويقررون أنهم أكثر سعادةً من غير المتزوجين، ومن ناحيةٍِ أخرى فإنه إذا أصبح الزوج غير سعيد فإن ذلك كان يؤثر في علاقته الزوجية على نحوٍ أكثر عمقًا من عدم سعادة الزوجة، فأغلب حالات الطلاق كانت ترجع في جوهرها إلى شقاء الأزواج أكثر من شقاء الزوجات.

أما الآن فإن التوقعات الاجتماعية حول الأدوار في الزواج أصبحت أكثر مرونة، ففي دراسةٍ أجراها ميسلين "Meislin 1977" وجد أن 27% فقط من الشباب "الذين تمتد أعمارهم بين 18، 29عامًا" فضلوا الأدوار "التقليدية" للزواج على الأدوار الجديدة المشتركة، وذلك بالمقارنة بنسبة 59% من جيل أبائهم.

ص: 395

وبالإضافة إلى ذلك، فإن أزواج النساء العاملات يؤدون المهام المنزلية على نحوٍ أكثر تكرارًا إذا قورنوا بأزواج النساء غير العاملات، وتشعر المرأة العاملة برضًا أكبر حين تطلب من زوجها المساعدة في "عمل البيت" ورعاية الطفل، إلّا أن المقارنة بين نشاط العمل داخل المنزل لكلٍّ من الزوجين كشفت عن أن الأزواج يقضون في هذه المهام وقتًا أقصر بكثيرٍ من الزوجات "في أمريكا بلغ المتوسط اليومي 2.5 ساعة للزوج في مقابل 5 ساعات للزوجة"، ومعنى ذلك أن الزوجة هي بصفة عامة المسئولة عن معظم العمل المنزلي ورعاية الطفل، وتقوم بذلك بالفعل معظم الوقت، أمَّا الأزواج فيقضون معظم وقتهم في المهام الموجهة تقليديًّا نحو الذكورة؛ مثل: غسيل السيارة وإصلاح الأعطال داخل المنزل، وهي مهام أقل حدوثًا من المهام التي تكون المرأة مسئولة عنها داخل بيتها.

ولعلِّ من المسائل الهامة التي تشغل بال الباحثين المعاصرين هي العلاقة بين الأدوار الجنسية وأدوار العمل، فحين يعمل الزوجان في خارج المنزل، وهو أمرٌ يتزايد حدوثه في الوقت الحاضر، فإن النمط التقليدي لسيطرة الرجل داخل المنزل قد يتقلص، وربما يتلاشى، فمن المعروف أن المرأة التي تختار أن تكون ربة بيتٍ هي أقل سيطرة وأكثر سلبية، وأكثر توجهًا نحو الرعاية والتضحية الذاتية، أما المرأة العاملة المتزوجة فهي على العكس من ذلك تبدو في بعض الحالات غير تقليدية وتنافسية، ولا تظهر مشاعر التضحية الذاتية، وبالمثل فإن أزواج ربات البيوت هم أكثر سيطرة من أزواج النساء العاملات، وحين تقاس درجة الرضا الزواجي في مثل هذه الأحوال، نجد أن الزوجات أكثر رضًا ويؤدين بطريقة أكثر فعالية من الزوجات اللاتي لا يعملن خارج المنزل، على الرغم من أن النتائج حول أزواج النساء العاملات كانت متناقضة في البحوث المختلفة، فقد أكد بحث قام به "Burke Weir 1976" أنهم يكونون في العادة أقل رضًا، ويقررون وجود ضغوط عمل أكثر، كما أنهم أكثر قلقًا، ويبدون أسوأ من ناحية الصحة الجسمية والنفسية، وتتناقض هذه النتائج مع تلك التي أظهرها بحث "Both 1977" حين وجد أن هؤلاء الأزواج لا يظهرن أيّ علاماتٍ تدل على التوتر الزواجي، والخلافات العائلية أكثر من أزواج النساء غير العاملات "ربات البيوت"، بل إنه يستنتج من نتائجه أن الفئة الأولى من الأزواج "أي: أزواج النساء العاملات" كانوا أسعد حالًا وأقلّ تعرضًا للإجهاد النفسي، بل وقرروا أكثر من المجموعة الأخرى أن زوجاتهم "محبات" و"أقل ممارسة للنقد"، فإذا ظهرت عليهم بعض علامات الضغط والتوتر النفسي، فإن ذلك لا يكون عادةً إلّا خلال فترة الانتقال -أي حين

ص: 396

تلتحق الزوجة بالعمل لأول مرة، أو حين تعود الزوجة العاملة إلى البيت لتقوم بمهام رعاية أطفالها.

ويظهر أزواج النساء العاملات اتفاقًا أكبر مع زوجاتهم حول المسائل الهامة "مثل الإنفاق، والعلاقات العائلية"، كما يسهل عيهم الوصول إلى حلول "وسط" للمسائل التي لا يتفقون عليها، إلّا أنه بالنسبة لبعض الأزواج ظهرت مشكلة حديثة العهد، وهي الموازنة بين أدوارهم الزواجية وأدوارهم المهنية، فلقد أصبح من الشائع مثلًا أن يعمل الرجال تحت إمرة النساء، وأن يتنافس الرجال والنساء على الترقيات والمناصب، ومع ذلك فإنه في المنزل يتطلب الأمر أدوارًا مختلفة؛ فالزوجة مثلًا قد تتجنب أن يشعر زوجها بالتهديد بسبب تسلطها في إدارة المسائل العائلية، على الرغم من أن هذه القسمة نفسها هي التي تحظى بالتقدير في العمل "إذا كانت تتولّى وظيفة قيادية"، وقد تكشف المرأة العاملة أيضًا أن نجاحها في العمل، أو التزامها الشديد بمسئولياتها، قد لا يحظى بالترحيب من زوجها، ويدعم ذلك النتائج التي تؤكد أن نسبة يعتد بها من بين نساء اللاتي يشغلن وظائف عليا إما مطلقات أو عوانس "أي: لم يتزوجن أبدًا".

ويوجد مظهر هام آخر للتوافق الزواجي، هو أن يتوافق كلٌّ من الزوجين لخصائص الآخر، فمن بديهيات علم النفس أن لكلِّ فرد شخصيته الفريدة التي تؤثر في طريقته في تناول المواقف والتكيف معها، وبعض خصائص الشخصية تعين الفرد على المواءمة الجيدة مع الزواج وبناء علاقة قوية مع الشريك، بينما بعضها الآخر لا يساعد على ذلك، ومن الخصائص التي ترتبط بالرضا الزواجي ما يلي:

1-

النضج الانفعالي.

2-

التحكم الذاتي وضبط النفس.

3-

الرغبة في إظهار الأسرار الشخصية لشريك الحياة.

4-

القدرة على إظهار العاطفة والاعتبار نحو الآخرين.

5-

القدرة على معالجة الإحباط والتحكم في الانفعالات.

6-

التقدير العالي للذات.

7-

المرونة.

8-

القدرة على التواصل بشكلٍ صريحٍ وأمينٍ مع شريك الحياة.

وتؤكد بعض الدراسات أنه عند بداية الزواج تلعب سمات شخصية الزوج دورًا أكبر من سمات شخصية الزوجة في تحقيق السعاة الزوجية فيما بعد. ومن

ص: 397

أهم هذه العوامل "هويته الذكورية المستقرة"، وكذلك اليسر الاقتصادي النسبي للزوج ومستواه التعليمي،

وقد يكون العامل الأكثر أهميةً في التوافق الزواجي لدى الزوجة إدراكها لمدى نضج زوجها وكيف يتواءم مع دور الزوج والوالد والشريك المتعاون، وكلما ارتفع تقدير الزوجة لزوجها في النضج الانفعالي، وكلما اقتربت صورته عندها من تحقيق الدور التي تحدده الثقافة للزوج أكثر سعادة.

الوالدية: إن أحد الدوافع القوية لدى الكائنات الحية دافع المحافظة على بقاء النوع، ويشمل ذلك إنجاب جيل جديد ورعايته، وأثناء مسار النمو الإنساني يجد الإنسان نفسه -طوعًا أو كرها، باختياره أو مصادفة- أبًا أو أمًّا، وتؤكد الإحصائيات الحيوية في معظم المجتمعات الحديثة أن حوالي 10% من جميع الزيجات لديها على الأقل طفل واحد "Brodzinsky et al 1986".

وفي نموذج إريكسون في النمو الاجتماعي تظهر الوالدية "Parenthood" استجابةً لما يسميه أزمة "التدفق في مقابل الركود"، فبعد حل أزمة العلاقة الحميمة والتآلف والمودة في مقابل العزلة، يبدأ الراشد الصغير في التعبير عن أزمة الخصوبة في صورة قرارات ومشاعر حول الوالدية، ويرى إريكسون أن الرغبة في رعاية الآخرين هي التزامٌ إنسانيٌّ عامٌّ في جميع العصور، وستبقى كذلك في المستقبل.

ومن ناحيةٍ أخرى، فإن محض الرغبة في الحصول على الأطفال لا يدل على "تدفق حقيقيّ"، فبعض الناس يكونون غير قادرين على القيام بدور الوالدية نتيجةً للصعوبات التي تعرضوا لها هم أنفسهم في مراحل سابقة من حياتهم؛ فالزوجة أو الزوج الذي تعوزه القدرة على إدراك المشاعر والخبرات لدى من يتعامل معهم، والرغبة في التضحية والإيثار في علاقاته مع الآخرين، عادةً ما يكون غير مُعَدٍّ لرعاية أطفال صغار، بل تدفعه أنانيته وتمركزه حول ذاته إلى الانشغال بنفسه بدلًا من السعي إلى رعاية جيل جديد، وفي علاقته بشريك حياته لا يتجاوز في ذلك اعتبار نفسه طفلًا يحتاج لرعايته واهتمامه.

وقد أجريت بحوث حول دافع الخصوبة fertiliy motivation- أي: الأسباب التي تدفع الناس إلى الحصول أو عدم الحصول على طفل، وحددت العوامل التي تؤثر في هذا القرار، وأكدت البحوث أن هناك اختلافاتٍ حول تقدير قيمة الأطفال لدى الوالدين، كما تختلف الأسباب التي يقررها الآباء لإنجاب الأطفال.

وبالنسبة للمسألة الأولى: نجد أن أحد الاتجاهات السائدة لدى بعض الآباء والأمهات اعتبار "الوالدية" كما لو كانت مهنةً يمكن للشخص أن يمارسها أو لا

ص: 398

يمارسها، ومن ذلك تقول إحدى الزوجات:"إن بعض الناس لديهم مهارة في الوالدية، أما أنا وزوجي فنحن مهرة فقط في إدارة المصنع الذي نملكه".

ويوجد اتجاه آخر نحو الوالدية يعتمد على فكرة التكلفة والفائدة cost-benefit، وهذا الاتجاه النفعي يزن أو يقايض البهجة التي يمكن الحصول عليها من الأطفال مقابل النواتج التي يحصل عليها المرء من النجاح في مجالاتٍ أخرى كالدراسة أو العمل، وهذان الاتجاهان نحو الوالدية يفترضان أن لدى بعض الناس -وخاصة النساء- فرصًا أخرى أكثر تفضيلًا للنمو الشخصي وتحقيق الذات "كالعمل" تفوق الحصول على الأطفال، بل إن بعض الدراسات التي أجريت في الثقافات الغربية أكدت ذلك، فالمتعلمون الأمريكيون مثلًا يقررون أن مشاعر رضاهم عن أطفالهم أقل بمقارنتهم بمن هم أقل تعليمًا، ويفسر الباحثون ذلك بأن المجموعة الأولى "الأفضل تعليمًا" لديها وسائل بديلة لتحقيق الذات "Russell 1974".

ومع ذلك، فإن الرضا الذي يحققه النجاح المهنيّ لا يمنع معظم النساء الموجهات مهنيًّا من إنجاب طفل واحد على الأقل، فالاندماج في العمل قد يؤدي إلى تأجيل إنجاب الطفل، أو تحديد عدد الأطفال في الأسرة، إلّا أنه ليس بديلًا عن الحياة بدون أطفال على الإطلاق.

والسؤال الآن: ما الذي يدفع الزوجين للتحول إلى الوالدية؟ توجد قائمة طويلة من العوامل حددتها البحوث التي أجريت على الأزواج والزوجات نذكر منها:

1-

الضغط الاجتماعي: وخاصة ضغوط والدي الزوجين واللذين يرغبان أنفسهما في القيام بدور الأجداد.

2-

السعادة بالأطفال في ذاتهم، والشعور بأن العمل وحده ليس هو القيمة الوحيدة في الحياة كلها، فالطفل قيمة في ذاته، وهو الذي يجعل الحياة تستحق أن تعاش.

3-

الرغبة في الراحة الانفعالية التي يهيؤها الأطفال لآبائهم عندما يكبرون، وخاصة عند تقدُّمِ الآباء في السن.

4-

الرغبة في وجود ورثة يورثهم الشخص موارده وأفكاره وأذواقه عبر الزمن.

5-

تحسين الحياة الزوجية أو حمايتها من التحطم والانهيار، أو لربط الزوج فلا يفكر في الطلاق أو الزواج بامرأة أخرى.

ص: 399

6-

الهرب من الملل أو من عملٍ غير مرضٍ بالاندماج في تربية الأطفال.

7-

إدراك الطفل على أنه صورة للمكانة الاجتماعية؛ ففي بعض الثقافات يُعَدُّ وجود الأطفال من أسس بناء العصبية العائلية، ناهيك عن دورهم كموارد اقتصادية "من خلال عملهم" لدى الأسر الفقيرة.

8-

قد تحتاج المرأة الشقية في زواجها، أو الوحيدة، إلى طفلٍ تكون معه علاقة تعلق حقيقية تعوضها عن المودة المفقودة مع الزوج.

ويجب أن نلاحظ أنه مع شيوع وانتشار وسائل منع الحمل "في بعض المجتمعات الحديثة"، فإن بعض الأطفال قد يُولَدُون على غير رغبة الوالدين نتتيجة الخطأ في استخدام هذه الوسائل، ويصل عدد الأطفال غير المخطط لهم في بلد كالولايات المتحدة إلى حوالي ثلثي الأطفال، وهذا لا يعني بالضرورة أن يكونوا غير مرغوبين بعد ولادتهم.

وعملية الوالدية هي عملية نمائية ارتقائية، فبالنسبة للمرأة تُعَدُّ عملية الحمل في ذاتها أهمية نمائية خاصة؛ حيث تسمح لها بإدراك ما يُسَمَّى "الإنتاجية الذاتية"، والتي تُعَدُّ محور الإنجاز الأنثوي من الوجهتين الرمزية والبيولوجية، وبالنسبة للوالدين فإن الحصول على طفلٍ له أهميته ودلالته في إحياء وبعث بعض الصراعات السابقة التي ربما يكونان قد تجاوزاها، ويرى بعض أصحاب التحليل النفسي -ومنهم بنيدك Benedek- أن الأم تحتفظ بآثارٍ في الذاكرة حول طفولتها، مثل كيف كانت تغذى وتحضن، وكيف كانت تخفف آلامها، وجوانب السعادة والشقاء في طفولتها، وهي قد تسترجعها عند تعاملها مع طفلها الوليد، وبالإضافة إلى ذلك فإن أسلوبها في الأمومة تشتقه من توحُّدها المبكر والأساسيّ مع أمها.

وخبرة الوالدية خبرة تكاملية، تربط كلًّا من الزوج والزوجة بالطفل، وتظل كذلك طوال الحياة، كما أنها خبرة تدل على امتداد الحياة واستمرارها، وتصف بعض الأمهات ذلك بالقول بأنها مع الأمومة تجد أن طفلها وجده "والد الأم" عبارة عن مرآتين متقابلتين لإدراك ذاتها من خلالهما، ويصدق ذلك بالطبع على الأب. فالأم والأب يدركان جزءًا من ذاتهما في والد كلٍّ منهما الذي يكون بالطبع في مرحلة الشيخوخة أو يقرب منها، كما يجد كلٌّ منهما جزءًا من هذا الوالد الجد فيه، وهذه هي المرآة الأولى، أما المرآة الثانية فهي الطفل الوليد؛ حيث يدرك فيه الراشد الصغير "والده أو والدته" جزءًا من نفسه "Neugarten".

وخلال فترة الرشد المبكر يواجه الوالدان خبرات جديدة تنشأ عن ظروف

ص: 400

الحمل والولادة "وخاصةً أول مرة"، وأساليب رعاية الطفل الوليد، ومواجهة متطلبات طفل ما قبل المدرسة وغير ذلك، ويتطلب ذلك تعلمًا جديدًا بالإضافة إلى فرصٍ جديدةٍ للتدريب على ضبط النفس، فمثلًا نوبات الغضب لدى طفل العامين، أو التمرد لدى طفل ما قبل المدرسة، قد تدفعان الأم أو الأب إلى الحيرة في مواجهتها، وقد يدفعهما ذلك إلى مزيدٍ من المعرفة عن سلوك الطفل وخصائص نموه، وهكذا قد يبدأ الراشد الصغير في قراءة الفصول الأولى من هذا الكتاب، وكأنه يحاول بذلك أن يفهم ذاته كما يفهم طفله، وهكذا تصبح عملية تطبيع الطفل فرصة لأن يعيد الوالدان تطبيع نفسيهما للمواقف الجديدة، ففي الوقت الذي يُعَلِّمَانِ فيه الطفل عادات الأكل والإخراج والسلوك المرتبط بدوره الجنسي، يتعلمان هم أشياء كثيرة؛ مثل: كيف يتكلمان مع الطفل الوليد، وكيف يحققان له الراحة، وكيف يدفعانه إلى الابتسام، وكيف يكَوّنان علاقة جديدة معه تتسم بالجد والمرح، الصراحة والحب معًا، ناهيك عَمَّا يترتب على ميلاد الطفل من "تقييد" لنشاط الوالدين خارج المنزل، وتقييد خصوصياتهما داخله، بالإضافة إلى نقص التواصل بين الوالدين، فقد وجد "Schulz 1972" أن مقدار الكلام المتبادل بين الزوجين يقل إلى النصف بعد ميلاد الطفل الأول، ويتوجه حديثهما إلى الطفل نفسه، وقد يؤدي ذلك إلى نقص الرضا الزواجي، ويزداد هذا النقص مع إضافة أطفال جدد إلى الأسرة، إلّا أنه لوحظ أنه بعد أن يكبر الأولاد تعود الحياة الزوجية إلى طبيعتها الأولى مرة أخرى، هذا النقص في الرضا الزواجي بعد الإنجاب لا يحدث مع جميع الأزواج؛ ففي حالاتٍ أخرى يؤدي وجود الأطفال إلى تدعيم العلاقة الزوجية وتقويتها وليس إضعافها Brodzinsky et al1986، وهكذا يواجه الراشدون أزمةً تَتَطَلَّبُ توافقًا يكونون في العادة مهيَّئِينَ له، ويعود بعض هذه المشكلة إلى أن المجتمع لا يبذل جهدًا يذكر في التربية الوالدية، فلا يُعَدُّ الوالدان عادةً لهذا الحدث الهام سواء قبل الإنجاب أو بعده. وهذا مطلب جوهريٌّ حبذا لو اهتمت به كليات التربية في برامج خدمتها للمجتمع الذي تعمل في نطاقه1.

ويقود دور الوالدية الزوجين إلى تكوين علاقات جديدة مع المجتمع؛ فالأمهات الجدد يبدأن في تكوين علاقات صداقة مع أندادهن من الأمهات للبحث عن الرفقة والنصحية، وتزداد صلة الآباء والأمهات من الراشدين الصغار بوالديهم "الأجداد والجدات" بحثًا عن الدعم الانفعالي وربما المادي "في صورة رعاية الطفل أثناء عمل الأم مثلًا"، ثم يزداد اهتمام الوالدين من الراشدين الصغار بمؤسساتٍ اجتماعيةٍ لم تكن تحظى بالانتباه من قبل، سواء قبل الزواج أو بعده، وقبل الحصول على الأطفال مثل مؤسسات رعاية الأم والطفل، ودور الحضانة، ومع نمو الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة يبدأ الوالدان في التعرف على الحدائق والمكتبات والأندية، ثم المدارس المناسبة للطفل.

1 منذ بضع سنوات اقترح أحد مؤلفي هذا الكتاب "فؤاد أبو حطب" على وزارة الشئون الاجتماعية الاهتمام ببرامج "التربية الوالدية"، إلّا أن الفكرة التي بدأت جيدة الإعداد والتنظيم، سرعان ما تحولت عن أهدافها الأساسية لتصبح مجرد تدريب على مهارات يدوية تقدم للأمهات.

ص: 401