الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور المدرسة في طور التمييز:
طور التمييز -في الإطار الإسلامي- هو طور التأديب والتهذيب والتعليم المنظم، صحيحٌ أن كثيرًا من الأطفال في الوقت الحاضر يتعرضون لنوعٍ من التعليم المنظَّم في طور الحضانة "السابق على التمييز"، إلّا أن فلسفة تعليم الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة مختلفة ومتميزة عن تلك التي توجه المدرسة الابتدائية، وهذا يجعل خبرة الطفل مع هذه المدرسة خبرةً جديدةً حقًّا، ولعلنا نعيد الإشارة هنا إلى أن برامج دور الحضانة ورياض الأطفال يجب أن تعتمد على خبرات اللعب عند الطفل، وتركز برامجها حول حاجاته، وهذا الأسلوب من التعليم غير الرسميّ الموجَّه ذاتيًّا، يختلف عن التعليم المنظَّم الموجَّه بأهدافٍ تربويةٍ تعليميةس واضحةٍ في المدرسة الابتدائية.
والسن الذي تحدده معظم النظم التعليمية الحديثة لدخول المدرسة الابتدائية، هو سن السادسة، وقد اقتبست معظم نظم التعليم في بلادنا العربية والإسلامية هذا المحك، وقد اعتمد ذلك على نتائج البحوث المبكرة التي ظلت لفترة طويلة تؤكد على السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل باعتبارها مرحلة متميزة، تختلف عما يليها من سنوات الطفولة، إلّا أن نتائج بحوث النموّ الراهنة تؤكد لنا أن العمر الأكثر ملاءمة لتلقي التعليم المنظَّم هو سن السابعة، ويؤكد ذلك ما أوردناه في الفصل الحالي من شواهد من النموّ الجسمي والعقلي والمعرفي والاجتماعي والانفعالي وغيرها، وإذا عدنا إلى شريعتنا الإسلامية الغرَّاء سوف نجد أن سن السابعة -بإجماع الفقهاء- هو سن التمييز، وفي هذا دلالات إعجاز علمي جديد لشريعتنا السمحة، ولهذا فإن الأمر في رأينا يحتاج إلى نظر ٍجديدٍ أبسط إجراءاته الإدارية رفع سن القبول في المرحلة الابتدائية إلى سن السابعة، باعتباره أنسب الأعمار لبدء التعليم المنظم، ولعل هذا يحدث -في مصر خاصة- بعض المواءمة مع ما تقرر من خفض سن سنوات المرحلة الابتدائية إلى خمس سنوات؛ حيث ينتهي التعليم الأساسي بصورته الراهنة مع بلوغ الطفل سن 14 عامًا1، وهو عمر أصغر من حد بلوغ السعي "العمل وكسب العيش" كما سنبين فيما بعد. أما السنوات من سن الرابعة "حد الاستئذان" وسن السابعة "حد التمييز"، فيمكن للطفل أن يقضيها في دار الحضانة أو روضةٍ للأطفال، بشرط أن تقوم هذه المؤسسات بدورها المناسب
1 يوجد إتجاه قوي في الوقت الحاضر لمد مظلة التعليم الأساسي إلى نهاية المرحلة الثانوية، وقد يكون هذا أفضل حلّ تربوي يتجاوز ما يطالب به البعض من عودة الصف السادس إلى المرحلة الابتدائية، وهو الحل الذي يحبذه مؤلفا هذا الكتاب.
لسن ما قبل المدرسة، وألا تتحول إلى مرحلة جديدة لها خصائص التعليم المنظَّم، أو سنوات إعدادٍ وإجهادٍ للطفل تمهيدًا لدخوله مرحلة التعليم الأساسي، كما هو الحال الآن.
ويقضي الطفل في المدرسة الابتدائية في مصر خمس سنوات، أي: أنه ينتهي منها مع مطلع البلوغ وبداية سن المراهقة، والسؤال الآن: كيف تؤثر هذه السنوات في طفل طور التمييز؟
الإجابة المباشرة والأكثر وضوحًا، أن هذه المدرسة هي المكان الذي يكتسب فيه الطفل الكثير من المعلومات والمعارف عن العالم من حوله، والكثير من المهارات التي تفيده في التعامل مع هذه المعلومات، والكثير من القيم والاتجاهات الدينية والاجتماعية والأخلاقية، فهو يتعلم كيف يقرأ ويكتب ويتكلم بطريقة صحيحة، ويشمل ذلك التهجّي الصحيح للكلمات، وبناء الجمل والفقرات والموضوعات، ويتعلم أيضًا كيف يجمع ويطرح ويضرب ويقسم ويتعامل مع الكسور، كما يتعلَّم حقائق العلم والتاريخ والجغرافيا والأدب، ويتذوق فنون الرسم والموسيقى، ويمارس النشاط البدني بطريقة منظمة، كما يمارس بعض المهارات العملية المفيدة، ويتعرف على بعض مظاهر تكنولوجيا العصر "كالكومبيوتر"، ومع إنهاء الطفل لهذه المرحلة، ببلوغه سن الحادية عشرة تقريبًا، يكون قد اكتسب معظم المهارات والمعلومات والاتجاهات التي لا بُدَّ له منها في حياته اليومية.
وعلى الرغم من أن هذه المعلومات والمهارات لها أهمية كبيرة في تحديد مستقبل نموّ الطفل، إلّا أنَّ النظام المدرسي الذي يتعرض له الطفل خلال هذا الطور قد يكون أكثر أهمية؛ فالمدرسة تزوّد الطفل بقواعد النظام والاستقلال والتقويم، كما تهيئ له التعامل مع قيم المجتمع الذي يعيش فيه، وأخصها قيم المجتمع العربي الإسلامي الذي يعيش فيه الطفل، والتي توجه سلوكه في المستقبل، وهو دور لا يزال مفقودًا في المدرسة العربية الحديثة.