المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النمو الاجتماعي: يحدث في هذه المرحلة نموّ اجتماعي سريع؛ حيث ينتقل - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ ‌النمو الاجتماعي: يحدث في هذه المرحلة نموّ اجتماعي سريع؛ حيث ينتقل

‌النمو الاجتماعي:

يحدث في هذه المرحلة نموّ اجتماعي سريع؛ حيث ينتقل الطفل بسرعة من كائنٍ متمركزٍ حول ذاته أناني، تتميز تصرفاته الاجتماعية بالصراع الدائم، إلى كائنٍ متعاونٍ وعضوٍ متوافقٍ في جماعة اجتماعية تتكون مع أقرانه، وإذا أردنا أن تتضح لنا معالم النمو الاجتماعي في هذه المرحلة نجري مقارنة سريعة بينها وبين المرحلة السابقة، وخاصة فيما يتعلق بنمو الحاجة للارتباط بالآخرين.

إن المشاعر الجماعية لدى أطفال سن ما قبل المدرسة "الطفولة المبكرة" ليست قوية، ولذلك فإنهم لا يبذلون جهدًا للامتثال للمعايير التي يضعها الكبار لهم، والأطفال في هذا السن لا يكونون شبكة وثيقة من العلاقات تؤلف جماعات يمكن تناولها بالبحث، وحينما يوجدون معًا يكونون أقرب إلى "تجمعات من الأفراد" أكثر من كونهم "جماعات حقيقية"، ومن المعروف أن العلاقات التي يكوّنها الشخص مع الآخرين تستخدم كؤشر مبدئي على مستوى النضج الانفعالي والاجتماعي الذي يصل إليه. وفي هذا الصدد نجد أن اتجاهات الرضيع أو الطفل الصغير تكون -كما أشرنا في الفصلين السابقين- متمركزة حول الذات، واهتمامه بالآخرين يقتصر على آثار اتجاهاتهم وسلوكهم في شعوره بالراحة، وعلاقته بوالديه هي علاقة شخص صغير يطلب الانتباه والحب والرعاية والحماية، وهو في الأساس يأخذ أكثر مما يعطي، وحينما يلعب مع الأطفال الآخرين يظهر تمركزه حول الذات في قاعدة "كل ما عندهم هو لي، وكل ما لي هو لي أيضًا". وبالطبع يحاول أبواه وإخوته ورفاق اللعب الأكبر والأكثر نضجًا أن يساعدوه على أن يتعلم المشاركة والقيام بدور محدد، إلّا أنه قد يتعلم هذا السلوك الذي يدل على التطبيع الاجتماعي؛ كنوع من المساومة تجنبًا للقلق الذي يعانيه حينما يعارض الوالدان سلوكه المتمركز حول الذات، وربما تعمل هذه العوامل جميعًا وغيرها في وقت واحد، ومهما كان السبب، فإن الطفل حينما يصل إلى نهاية سنوات ما قبل المدرسة "أي: في حوالي سن السادسة" يصبح أكثر اهتمامًا بحقوق ومشاعر ورفاهية الوالدين ورفاق اللعب، إلّا أن ذلك يكون في حده الأدنى؛ لأن الطفل لا يزال في موقف المتلقي أكثر من موقف المعطي، ومع ذلك فإن هذا التغير يمثل اتساعًا لمدى حياته العاطفية والاجتماعية.

أما عن علاقات الطفل بالآخرين في مرحلة الطفولة المتأخرة، فلا شك في أن المدرسة هي أهم وسيط للتطبيع الاجتماعي في هذه المرحلة؛ فالمعلمون يشجعون عن وعيٍ وقصدٍ أنواعًا كثيرة من السلوك الجماعي من خلال أمور مثل اللعب

ص: 264

الجماعي والدراسة الجماعية والنشاط الجماعي وغيرها، وتحقيق هذا الهدف يتطلب في الطفل كثيرًا من المهارات والنضج، لذلك فإن الأطفال يتقدمون في ذلك بدرجات بطيئة؛ فخلال الصفوف الأولى من المدرسة الابتدائية نجد أن أفضل تنظيم اجتماعي هو علاقة زميل اللعب، والتي قد تتكوّن بشكلٍّ فجٍّ في مرحلة مبكرة خلال مرحلة الحضانة "الطفولة المبكرة".

وهذه الظاهرة من ظواهر النمو الاجتماعي "أي: علاقة زميل اللعب" تظهر بوضوحٍ في مرحلة الطفولة المتأخرة، عندما يريد الطفل أن يشاركه في خبراته شخص آخر يمكنه أن يتواصل معه بسهولة وسرعة، فلم يصبح قانعًا أن يقضي كثيرًا من الوقت يلعب وحده، أو يراقب الأطفال أثناء اللعب، كما أنه لا يريد أن يقضي وقتًا أطول مع الكبار، وخاصةً إذا علمنا أن مرحلة الطفولة المتأخرة هي فترة استكشاف الأشياء والأشخاص والأحداث الموجودة في العالم خارج المنزل، وهنا تظهرحاجته إلى زميل اللعب.

تكوين جماعات الأطفال: مع تركيز المدرسة الابتدائية على السلوك الاجتماعي ينمو طفل هذه المرحلة نموًّا سريعًا من الوجهة الاجتماعية، ويتحول بسرعة من فردٍ أنانيٍّ متمركزٍ حول الذات، تتسم علاقاته الاجتماعية بالصراع والعراك المستمر، إلى عضوٍ متعاونٍ جيد التوافق مع جماعة اجتماعية تتألف من الأقران في نفس السن.

ويحدث في هذه المرحلة أيضًا تغير في أنماط السلوك؛ حيث يحل السلوك الأكثر نضجًا محل السلوك غير الناضج في المرحلة السابقة؛ فالخلفة "أو المعارضة المستمرة" تتناقص حدتها مع بلوغ الطفل سن السادسة، رغم أن الأطفال الذكور يصلون إلى قمة أخرى للمخالفة عند بلوغ سن العاشرة أو الحادية عشرة؛ حيث يتمردون على سلطة الكبار؛ كطريقة لتأكيد دورهم الجنسي، وهكذا يصبح طفل المدرسة الابتدائية غير قانع باللعب منفردًا، أو العمل مع أفرد أسرته وحدهم، بل إن وجود زميل واحد للعب، بل وزميلين لم يعد كافيًا. إنه يحب أن يكون وسط "شلة" من الأطفال، يؤلفون جماعة من عدد كافٍ من الأفراد، يمكنها أن تمارس الألعاب المناسبة لهذ السن، وطوال الفترة التي تمتد من دخول المدرسة الابتدائية، وحتى البلوغ الجنسي، تتزايد تدريجيًّا لدى الطفل الرغبة في الانتماء إلى جماعةٍ، والحصول على تقبلها الاجتماعي له، ويصدق هذا على كلٍّ من البنين والبنات. ومن مؤشرات هذه الرغبة المتزايدة زيادة الوقت الذي يقضيه الطفل خارج المنزل مع نموه المتزايد.

ص: 265

وشِلَلُ الأطفال في هذه المرحلة هي جماعات لعب، وتختلف عن شِلَلِ وعصابات المراهقين التي سنتناولها بالتفصيل فيما بعد، في أنها لا تتجاوز حدود اللهو "البريء"، صحيحٌ أن الأطفال وهم يمارسون هذا "اللهو" البريء قد يقعون في بعض الأخطاء، إلّا أنها تكون في العادة "غير مقصودة"، على عكس "أخطاء المراهقين" التي تكون في الأغلب مقصودة، وتتألف شِلَلُ الأطفال في هذه المرحلة من أفرادٍ من نفس الجنس لا يتجاوز عددهم في البداية "في الفترة من 5-8سنوات" ثلاثة أو أربعة أطفال، فمن الصعب على الطفل في هذه الفترة أن يركِّزَ على علاقات الجماعات الكبيرة طويلًا، ويشعر بالراحة أكثر إذا عمل ولعب في جماعات صغيرة، وحين يلعب أطفال هذه الجماعات الصغيرة معًا وحاول طفلٌ آخر أن ينضم إليهم، فإن الجماعة الأصلية تعترض على ذلك، إلّا أن هذا الطفل سرعان ما يؤلِّفُ مع طفلين أو ثلاثة آخرين جماعة أخرى، وهذه مرحلة طبيعية وعادية في النمو الاجتماعي، ومن العبث أن يفرض الوالد أو المعلم على جماعات الأطفال طفلًا آخر لينضمَّ إليها، وبعض هذه الجماعات يكون على درجة لا بأس بها من الاستقرار، فقد تستمر لأشهر أو سنوات، وبعضها الآخر وقتيّ، ويختلف ذلك تبعًا لتوافر الزملاء واهتمامهم، إلّا أنه مع زيادة الاهتمام بالألعاب الرياضية يتسع نطاق "الشلة"؛ بحيث يصبح عددها كافيًا لتشكيل فريق، ومن الملاحظ بصفة عامة أن جماعات الذكور تكون أكبر عددًا من جماعات الإناث، ويتأثر حجم الجماعة في كل حالة بالعدد المتاح من الأطفال، والأنشطة التي يرغب أعضاء الجماعة في ممارستها.

ومعظم شِلَلِ الذكور تقوم في بعض الأحيان بأنشطة ليست مرغوبة من الكبار، بينما يقل حدوث ذلك في شِلَلِ الإناث، وبالطبع تختلف أنشطة شِلَلِ الأطفال من الجنسين من ثقافةٍ لأخرى، ومن ثقافةٍ فرعيةٍ لأخرى داخل المجتمع الواحد، كما تختلف تبعًا للمستوى الاقتصادي والاجتماعي، ومع ذلك يوجد قدر من التشابه بين هذه الجماعات، فشِلَلُ الأولاد تنشغل عادةً بالأنشطة الرياضية العنيفة "مثل كرة القدم"، بينما تنشغل شِلَلُ البنات بالأنشطة الرياضية الأقل عنفًا "مثل التنس"، وبينما قد تمارس جماعات الذكور هواية "إزعاج الآخرين"، تقتصر أنشطة جماعات الإناث على مجرد الجلوس معًا والتحدث بعضهن إلى بعض.

وعادةً ما يكون لشِلَّةِ الأطفال مكان محدد للالتقاء، ويكون هذا المكان عند الذكور بعيدًا كلما أمكن عن رقابة الوالدين وتدخلهم، بينما يكون عند الإناث بيت إحداهن تتوافر فيه المساحة والحرية التي تسمح لهن بالنشاط.

ص: 266

ولجماعات الأطفال أثر كبير في أفرادها؛ فالطفل يساير المعاير التي تحددها هذه الجماعة إلى درجة أننا نجد الأطفال من شِلَّةٍ معينةٍ يتشابهون في المظهر والآراء وأنماط السلوك، وكل طفل يحاول الالتزام بهذه المعايير خوفًا من رفض الجماعة له، وحين تتعارض معايير الوالدين مع معايير الجماعة، فإن الطفل يساير معايير جماعته.

ومن خلال علاقات الطفل مع أعضاء شِلَّتِِهِ يتعلم التنافس والتعاون مع الآخرين كعضوٍ في فريق، ويتحمَّل المسئوليات التي تًوَكَّلُ إليه، ويشارك الآخرين مشاعرهم حين تُسَاءُ معاملتهم، أو يُنْبَذُونَ، أو يُهْمَلُونَ، وتغلب عليه تدريجيًّا الروح الرياضية، سواء في الفشل أو النجاح، وفي هذا كله تدريب على التطبيع الاجتماعي لا يوفره للطفل إلّا وجوده وسط جماعاتٍٍ اجتماعية من أقرانه. وآثار هذا التدريب لها قيمتها في حياة الطفل اللاحقة، حتى ولو كان ذلك على حساب بعض الاضطراب الذي يحدث في علاقة الطفل بوالديه.

الصداقة في مرحلة الطفولة المتأخرة: يُفَضِّلُ الأطفال في هذه المرحلة رفقة الأقران من نفس الجنس، ويصل العداء للجنس الآخر إلى قمته قبيل البلوغ، وتكون اتجاهات الأولاد نحو البنات أكثر موضوعية وحيادًا من اتجاهات البنات نحو الأولاد، وترجع غلبة الطابع الانفعالي على اتجاهات البنات نحو الجنس الآخر إلى شعورهن بالضيق نتيجةً لمقدار الحرية الأكبر الذي يسمح به للذكور دون الإناث، بالإضافة إلى أن النضج الجنسي المبكر للبنات "سن البلوغ عند البنات يسبق هذا السن عن الأولاد" يجعلهن يشعرن بأنهن أكثر نضجًا من الناحية الاجتماعية بمقارنتهن بالأولاد من نفس السن.

وتوجد عوامل كثيرة تحدد اختيار الطفل في هذه المرحلة لأصدقائه، وكقاعدة عامة لُوحِظَ أن الطفل يختار أولئك الذين يدركهم على أنهم يشبهونه، وبسبب حدود المساحة التي يتاح للطفل فيها اختيار أصدقاءه، فإن اختياراته عادةً لا تتجاوز نطاق جيران المنزل أو المدرسة "زملاء مقعد الدراسة أو الفصل"، ومن العوامل التي تحدد اختيار الأصدقاء في هذه المرحلة سمات الشخصية، وتحصل سمات المرح والألفة والتعاون والأمانة والكرم والروح الرياضية على أعلى التقديرات عند الأطفال في اختيار أصدقائهم.

وحالما يكوّن الأطفال في هذه المرحلة مجموعة من الأصدقاء يبدأون في معاملة الأخرين بقسوة؛ لأنهم ليسوا أصدقاء، ومعظم معايير الشِّلَّةِ التي يتمُّ الاتفاق عليها، تهدف إلى عدم السماح للآخرين الذين لا يعدون من الأصدقاء بالانتساب

ص: 267

إليها، ويصل هذا التحيز لجماعة الشِّلَّةِ إلى قمته في حوالي سن الحادية عشرة، وعادةً ما يجد أيّ طفل جديد في الحي أو المدرسة صعوبة بالغة في الحصول على تَقَبُّلِ شِلَّةٍ أو تكوين صداقات، وعليه أن يبادر بتكوين علاقاتٍ إذا كان يرغب في الحصول على أصدقاء، ويتمُّ ذلك على مراحل متتابعة: محاولة الكلام أو اللعب مع إحدى هذه الجماعات الموجودة بالفعل، ثم مراقبتهم وهم يلعبون، ومحاولة تقليدهم ومحاكاتهم، ثم محاولة جذب انتباههم إليه، وفي البداية تتجاهله الجماعة أو تهمله، وعليه أن يحاول عدة مرات، فإذا نجح في جذب انتباه أحد أعضاء هذه الجماعة يستطيع من خلال هذه العلاقة الثنائية أن يخترق الجماعة، وقد ينجح في أن يكون له مكان في الشِّلَّةِ.

وعلى الرغم من هذا، فإن الشِّلَّةَ تكون عبارة عن وحدة اجتماعية، يحكمها قدر من السرية يمنع الآخرين من الانضمام إليها بسرعة وسهولة، ومع ذلك يُوجَدُ مقدارٌ كبيرٌ من الصراع والعراك بين أعضائها، وقد يتخاصمون، وبعض هذه الخصومات ينتهي بسرعة وتعود الصداقة إلى مجاريها، وبعضها الآخر ينتهي بالقطيعة، ومعنى ذلك أن من النادر أن تكون صداقات الأطفال استاتيكية؛ فالطفل يتحوَّل في نظر زميله في الشِّلَّةِ من "أفضل الأصدقاء" إلى "عدو"، ومن "أحد الزملاء" إلى "أخلص الأصدقاء"، يحدث هذا بسرعة ولأتفه الأسباب، ومع تَقَدُّمِ الطفل في السن تصبح صداقاته أكثر استقرارًا.

القيادة عند طفل المدرسة الابتدائية: قائد شِلَّةِ الأطفال في هذه المرحلة يجب أن تتوافر فيه الخصائص الطيبة التي تحبذها الجماعة، ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الأولاد والبنات في هذه المرحلة يتسمون ببداية نموّ الاتجاه نحو "تقدير البطل"، والذي سيبلغ ذروته في مرحلة المراهقة، ويظهرون هذا الاتجاه نحو أيّ شخص تتوافر فيه الصفات التي يعجبون بها، والطفل الذي يحظى باحترام الشِّلَّةِ، وتتأكد شعبيته بينهم، هو ذلك الذي يكون متميزًا في هذه الصفات عن باقي الأعضاء، ويذكر الأطفال من هذه الصفات خاصةً الذكاء والكياسة والثقة بالنفس والاتزان الانفعالي والقدرة على النشاط البدني والوعي برغبات الآخرين والاهتمام بها والجدارة بالثقة فيه "Hurlock 1980".

وقد يكون الأكثر أهميةً أن يُظْهِرَ القائدُ تميزه وتفوقه بالفعل؛ فالطفل الهادئ المنطوي قد يتجاهله أعضاء الجماعة مهما كان ممتازًا في صفاته، وفي جميع القادة -من الأطفال وغيرهم- لُوحِظَ أن الانبساط هو السمة الغالبة، وبالطبع كلما زاد حجم الجماعة تَطَلَّبَ ذلك في القائد أن تكون مهاراته القيادية أكبر، كما أن الطفل الذي كانت له خبرة سابقة بالقيادة في مرحلة العمر السابقة "الطفولة المبكرة" تتوافر له فرصة أكبر ليكون قائد جماعة في المدرسة الابتدائية.

ومن خصائص القيادة أن تتوافر في صاحبها بين أعضاء جماعته، وقد لُوحِظَ بصفة عامة أن الطفل الأكثر شعبية تتوافر فيه من السمات الإيجابية، ما يجعله على درجة كبيرة من التوافق الشخصي والاجتماعي.

ص: 268